إن ما صرحت به ليفني رئيسة وزراء الكيان الصهيوني سابقا لصحيفة التايم الأمريكية هو التنازل عن العرض خدمة لإسرائيل، حيث مارست الجنس مع شخصيات عربية مهمة للحصول على تنازلات لصالح كيانها الصهيوني، وما صرح به أبو مازن عباس هو تنازل عن الأرض الفلسطينية الوقفية لصالح إسرائيل حيث قال لمذيع القناة الصهيونية (!) إنه لا يعترف لفلسطين إلا بحدود 1967، ولن تقوم انتفاضة ثالثة في عهده، وأضاف: ’’حقي أن أرى بلدتي الفلسطينية التي ولدت بها، لكن ليس من حقي أن أعيش فيها’’، يعني أن قريته المحتلة لا حق له في العودة إليها بل حقه فقط أن يذهب سائحاً، ليرى الآثار العربية القديمة – إن كان قد بقي فيها شيء بعد الاحتلال – كما يرى العمران الصهيوني الجديد، وربما يفرح لبلدته أن اقتلعت منها أشجار الزيتون، وتم تشجيرها بأشجار الزينة، وردمت فيها الآبار العذبة لحساب المواسير الصهيونية التي تشق الأصالة العربية، وتنخر في الرجولة الفلسطينية، هل من المصادفة أن يأتي التصريحان من ليفني وعباس في أسبوع واحد، قيادة صهيونية من الحسناوات تغري قيادات عربية وتمارس معهم الجنس الفاضح مقابل تنازلات، وهل هذه الشخصيات إلا قوم لهم سلطة القرار؟ ويملكون أجهزة وصلاحيات وهيئات ومنظمات ووزارات ودولا وأموالا و.... فهي قطعا سوف تختار الضحية التي تزني معه كي يكون الثمن هو هذه التنازلات الضخمة، وفي الوقت نفسه تصرح أنها على استعداد أن تعيد الكرّة من أجل إسرائيل، وأنها لما عملت في الموساد الصهيوني قد قامت بعمليات قتل لشخصيات فلسطينية عديدة، ومع هذا تعلن أنها ستعيد ترشيح نفسها رئيسة لوزراء الكيان الصهيوني في الانتخابات القادمة عن حزب ’’كاديما’’ بعد تورط أولمرت في فضائح مالية، لكن الفضائح الإنسانية في القتل والأخلاقية في الزنا لا تحول دون الترشح لأرفع منصب تنفيذي في حكومة الكيان الصهيوني تماما كما لم يكن ثمة مانع لدى الشعب الأمريكي أن يزني رئيس أمريكا الأسبق بل كلينتون في البيت الأبيض مع مونيكا، وكذب أولا أنه لم يفعل، ولما خرج الموضوع إلى العلن، تراجع واعتذر عن واقعة الكذب لا الزنا وتفهم وتقبل المجتمع الأمريكي الأمرين لأن السيد كلينتون له دور في تحسين الاقتصاد، وهو أمر مخجل أن يكون العرض بعد المال في المفهوم الغربي، أما عندنا فالعرض يسبق المال والحياة نفسها، وقد جاء في الحديث الذي رواه سعيد بن زيد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ’’من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد’’ (صحيح الجامع)، وقال ابن قيم الجوزية: لو راود أحد امرأة عن نفسها تقاتله فإن قتل فإلى لعنة الله ولا دية له، وإن قتلها الباغي فهي شهيدة، ولم يعدَّ من الإكراه أن تستسلم المرأة لمن يغتصبها قهرا إلا أن تفقد الوعي أو الحركة تماما، وقال الشاعر العربي الأصيل:
تهون علينا في النائبات جسومنا وتسلم أعراض لنا وعقول
ويقول الشاعر الأبي الحر:
أصون عرضي بمالي لا أدنسه لا بارك الله بعد العرض في المال
المال إن أَودى أحتال فأجمعه ولست للعرض إن أودى بمحتال،
فالآنسة ليفني تقدم في عالم الخساسة والسياسة والدياثة نموذجا جديدا هو التضحية بالعرض لإيقاع الضحايا الكبار في شباك الموساد الصهيوني، ثم تصوّر هذه الوقائع بعناية، ويتم تهديد الضحية كلما فكر أن يرفع رأسه بتصريح أجوف لا قيمة له، لكن لمزيد من الإذلال لابد أن يعتذر، وأن يقدم تنازلات أكثر تأديبا له، ومنعا من أن يخسر منصبه، وإن خسر كل شيء شرفه وعروبته وولاءه لأنه كالثور الأعمى كما قال تعالى: ’’فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور’’ (الحج: 46)، والنهاية كما قال تعالى: ’’خسر الدنيا والآخرة’’ (الحج:11)، ولذلك كنت في تحليل أسباب انحدار مستوى الخنوع والخضوع والذلة والمهانة من بعض القيادات العربية للإملاءات واللاءات الصهيونية أقول: لا أجد مبررا لكل هذا التنازل عن الأرض والقدس والأقصى، وحق العودة للاجئين، وملف الأسرى، وضرب غزة وإعلان ذلك من القاهرة، وقبول قتل الصهاينة أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة ودبي وأوروبا وتونس و...، بل قتل جنودنا المصريين على التراب المصري إلا أن هناك مذلّات وجنايات ممسوكة ومصورة لهؤلاء الكبار، لكن حجم فهمي أن ذلك قد يحدث في وقت مبكر في ريعان الشباب من باب صناعة العملاء في المستقبل، وتقوم به بنت صغيرة مراهقة بالأجرة، وربما لا تعرف من الضحية ولماذا يُعدّونه مستقبلا، لكن أن تكون الدعارة بين الكبار سنا ومركزا وسياسة، فهذا أمر فوق الخيال، وتحت أدنى التوقعات، لكنه يفسر حجم التنازلات، وأذكر أنني في لبنان لقيت شخصية من هؤلاء الكبار في السلطة الفلسطينية في رام الله، وفوجئت به يفطر في القاعة نفسها التي أفطر فيها – رغم تواضع مستوى الفندق – فسارعت للانتقال إليه، وطلبت منه الحوار معه، فكان مما قلته: قل لي أيها السياسي الكبير ماذا بقي في أيديكم من شيء تقدمونه للكيان الصهيوني حتى تحافظوا على مواقعكم مهما خسرتم من مواقفكم ومبادئكم، ولقد لفظكم الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي بل الإنساني؟، ويومها ضاعف جرعة الكذب حتى يبرر تنازلاته، فقلت له إن طفلا في عالم السياسة لن يصدق هذا الدجل السياسي، ولم أكن أتصور أن يصل الأمر إلى المستوى الذي تحدثت عنه ليفني من ممارسات جنسية كاملة مع شخصيات عربية مهمة للحصول على تنازلات بالجملة، ولذا أقترح لو فازت ليفني في رئاسة وزراء الكيان الصهيوني ألا يلقاها أحد إلا مع حرس حدود يحمونه من إغراءات الحسناء حتى لا يقع في مستنقع التوظيف لصالح الكيان الصهيوني، وآنئذ لن يُرحم، بل سيلقونه في أول سلة مهملات ويلطخونه في الوقت الذي لا يعود ذا فائدة بالنسبة لهم.
إنني لم أفاجأ مما قاله عباس من إهدار حق العودة للأراضي الفلسطينية، وإهدار حق المقاومة، وقيامه بقتل المقاومين، وأمره لأحد زبانيته -بصوته على اليو تيوب- أن يذبح أبطال حماس، لكن المفاجأة الأكبر هي رد فعل القادة الصهاينة حيث قال ليبرمان وزير خارجية الكيان الصهيوني: ’’عباس لا يصنع لنا معروفا بتنازلاته، بل يتوجب عليه أن يقدم الشكر لنا؛ لأنه من دوننا لم يكن لسلطته أن تتواصل ولو دقيقة واحدة في الضفة’’، وقال آخر منهم: إن عباس يكذب علينا لأنه يقول في قنواتنا شيئا، ويقول في القنوات العربية شيئا آخر.
صدق الشاعر:
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح ميت إيلام
يارب اعصمنا من فريسة الهوى، ومضلات الفتن حتى نبقى برضاك وحدك متعلقين، ولأعراضنا حافظين، ولأرضنا وقدسنا أسودا حماة فاتحين.
*الشروق القطرية