د.صلاح سلطان
الدعاة قوم يبحثون عن أرض صحراء يزرعونها، والرعاة قوم يبحثون عن أرض خضراء يأكلونها، الدعاة من الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس؛ لأن الله يفتح بهم قلوب العباد وأطراف البلاد، والرعاة يعيشون في حالة من البؤس من سوء ما وضعوا فيه من ضنك العيش، وقلة الحيلة، وضياع الهيبة، وفراغ اليد، الدعاة قوم نذروا حياتهم لله تعالى ولو ضاقت واستحكمت حلقاتها، فالله تعالى يقول: ’’لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا’’ (الطلاق: من الآية7)، والرعاة تضيق بهم الحياة فلا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، ويظل في رأسه دوار طوال الشهر كيف يصل إلى نهايته دون دَيْن هو همٌّ بالليل وذل بالنهار، الدعاة ذوو البأس الشديد يمضغون الآلام ويمضون إلى الرحمن، لا يوقفهم عن دعوتهم إلا الموت، ويبتسمون له كما كان الداعية العالم المجاهد معاذ بن جبل يقول عند احتضاره مخاطبا ربه: ’’اللهم إني كنت أخافك، وإني اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أني ما طلبت الدنيا لجري الأنهار ولا لغرس الأشجار، ولا لبناء الدور، ولا لعمارة القصور، ولكن لظمأ الهواجر- أي الصوم في الحر- ومكابدة الساعات – أي التهجد- وطلب العلم، وتعليمه الناس، والجهاد في سبيلك، مرحبا بالموت حبيب جاء على فاقة’’، وبؤس الرعاة يجعلهم يتمحورون حول لقمة سائغة، وحلة سابغة، ومركب سريع، ومسكن وسيع، وامرأة وضيئة، ومنزلة رفيعة فإن تحققت هذه المطالب تقدم إلى الناس بدعوته، وإلا فلا حرج أن يفقد هيبته، ليُحسِّن لقمته، وإن أضر أمّتَه، وكم سال مدمعي، وتأرق مضجعي على حملة العلم الشرعي وهم يقلدون الناس في أفعالهم، ولا يقودون الناس نحو منهج ربهم، والحق أنني لست أرى هذا الفريق الذي تحول من فريق الدعاة ذوي البأس الشديد، إلى فريق الرعاة ذوي البؤس الرهيب أنه المذنب وحده، بل أولئك الأوغاد الذين نهبوا الأوقاف الإسلامية والمسيحية في الستينات، فلما هاجت الكنيسة وماجت، وأظهرت العين الحمراء وساندها هذا الارتباط والتنظيم الدولي، ردوا أوقاف الكنائس دون المساجد، وسلبت أوقاف الدعاة، وصاروا كالأيتام على مأدبة اللئام، وصار النهب من رموز الدولة للأوقاف الإسلامية كالنار تأكل الهشيم، ففي الإسكندرية وحدها هناك فوق الأربعمائة فدان في أرقى الأحياء نهبها بلطجية النظام السابق، تفوق قوتها الشرائية الأربعين مليارا، وأكد لي أحد المستشارين في وزارة الأوقاف سابقا أن حجم النهب لأوقاف المساجد يفوق التريليون جنيه مصري، وظننت أن الرجل يبالغ، لكني بعد أن صرت في فريق الإدارة بالوزارة أرى أن المستشار لم يصف كل الحقيقة، فعندنا أوقاف في اليونان وإيطاليا ودول عدة في العالم فضلا عن أوقاف الداخل الواسعة المتنوعة بين عقارات وعمارات ومصانع ومستشفيات، وقد ملئت كروش حتى انتفخت من أشد أنواع المال حرمة وهو الوقف، فصار الإمام لا يتجاوز راتبه أول التعيين 300 جنيه ’’50 دولارا’’ وبعد سنوات طويلة من الخدمة قد يرتفع – إذا نفَّذ كل المطلوب - ما يعادل 900 جنيه ’’150’’ دولارا، في الوقت الذي يدفع هذا المبلغ حرامية الأوقاف لمن يسقيه القهوة أو يقدم له الطعام في فندق فخم يليق بديناصورات نهب الأوقاف، وقد جاهد وأجهد الدعاة ذوو البأس الشديد فتحول بعضهم بعد أن عضه الجوع إلى فريق الرعاة ذوي البؤس الشديد، هذا ما لمسته في الداخل والخارج، ولطالما ناديت في رابطة علماء الشريعة بأميركا، ورابطة الدعاة بأن يبدأوا المشوار من تحرير أنفسهم من الأسر الذي يعيشونه حيث يقدر راتب الإمام رجال الأعمال حسب درجات الرضا، وفي صبيحة يوم مشئوم قد يجد الإمام نفسه وأولاده في الشارع الأمريكي أو الأوروبي الذي لا يرحم المساكين من الدعاة، والحل كان عندي دائما أن ينشأ الوقف الإسلامي في أوروبا وأمريكا واليابان وأستراليا و.... ولا يعطى الإمام راتبه ويزداد حسب درجات الرضا من المجالس الإدارية التي تتغير بالمناكفات والمغالبات أو اللوائح، ويكون أول الضحية هو الإمام، بل يعطى الإمام راتبه معززا من إدارة الأوقاف الشرعية حسب نضجه العلمي وتوسعه الدعوي، والارتقاء في الدورات التدريبية لمزيد من ترسيخ فهم الإسلام أو المجتمع، أو طرق توصيل الدعوة للناس خاصة الشباب المسلمين وجماهير غير المسلمين، ولذا وجدت الكثير من الأئمة يمضون سنوات في بلد أجنبي ولا يجيدون لغة البلد!! وتسأل فيأتيك الجواب مؤلما مؤسفا ليس عندي فائض من المال أدفعة لمدرسة تعليم لغة البلد، وأذكر أنني سعيت لأحد النبغاء من الأئمة كي يدرس الماجستير بعد أن رأيته قد نحت في الصخر ليتقن اللغة الإنجليزية دون تكلفة على المركز الإسلامي، وكان المطلوب فقط إعفاء الإمام من الحضور 3 مرات في صلاة الظهر- حيث لا يأتي للجماعة سوى القليل- لأنه سيكون في الجامعة يدرس الماجستير في الدراسات الإسلامية ليعود بالنفع عليهم وأولادهم ولكنهم قرروا فصل الإمام بدلا من دعمه، ونقل الإمام لدى قوم آخرين قدروا همته ففرَّغوه لدراسة الدكتوراه الآن في جامعة أكسفورد بلندن.
في عالمنا كله تيار هادر يدفع بالدعاة ذوي البأس الشديد أن يكونوا من الرعاة ذوي البؤس الرهيب، ولا شك أن مشاريع النهضة في مصر التي بدأت بسلب أوقاف المساجد، واقتدت بها نظم إسلامية منوط بها الآن تكريم الدعاة لا بالمن عليهم من خزانة الدولة حسب درجات الرضا، بل من أوقاف الطيبين من المحسنين حتى يعيشوا ليس حد الكفاف بل الكفاية، ولا حرج من الرغد للدعاة لأن قلوبهم وبيوتهم مفتوحة 24 ساعة لهموم الناس التي لا تعرف وقتا ولا تراعي ظرفا.
أشكر فخامة الرئيس محمد مرسي على تأسيس لجنة برئاسة رئيس الوزراء لحصر أوقاف المساجد، تمهيدا لردها، بعد لقائه مع الدعاة، لكن يا سيادة الرئيس وحوش النظام السابق يحتاجون ليس إلى لجنة بل للجيش والشرطة معا لاسترداد الأوقاف، وأتمنى على الدعاة أن يرفضوا أية زيادات من خزانة الدولة المنهكة بالطلبات الفئوية، بل من أوقافهم المنهوبة اقتداء بإخواننا الدعاة ذوي البأس الشديد في جنوب إفريقيا حيث رفضوا دعم الحكومة لهم، وآثروا أن يكون الوقف مصدر عزتهم.
فلنصنع معا بأس الدعاة، ونطارد بؤس الرعاة، واسألوا عن تجربة الوقف في تركيا تعرفون سر نجاحهم
*الشروق
الدعاة قوم يبحثون عن أرض صحراء يزرعونها، والرعاة قوم يبحثون عن أرض خضراء يأكلونها، الدعاة من الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس؛ لأن الله يفتح بهم قلوب العباد وأطراف البلاد، والرعاة يعيشون في حالة من البؤس من سوء ما وضعوا فيه من ضنك العيش، وقلة الحيلة، وضياع الهيبة، وفراغ اليد، الدعاة قوم نذروا حياتهم لله تعالى ولو ضاقت واستحكمت حلقاتها، فالله تعالى يقول: ’’لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا’’ (الطلاق: من الآية7)، والرعاة تضيق بهم الحياة فلا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، ويظل في رأسه دوار طوال الشهر كيف يصل إلى نهايته دون دَيْن هو همٌّ بالليل وذل بالنهار، الدعاة ذوو البأس الشديد يمضغون الآلام ويمضون إلى الرحمن، لا يوقفهم عن دعوتهم إلا الموت، ويبتسمون له كما كان الداعية العالم المجاهد معاذ بن جبل يقول عند احتضاره مخاطبا ربه: ’’اللهم إني كنت أخافك، وإني اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أني ما طلبت الدنيا لجري الأنهار ولا لغرس الأشجار، ولا لبناء الدور، ولا لعمارة القصور، ولكن لظمأ الهواجر- أي الصوم في الحر- ومكابدة الساعات – أي التهجد- وطلب العلم، وتعليمه الناس، والجهاد في سبيلك، مرحبا بالموت حبيب جاء على فاقة’’، وبؤس الرعاة يجعلهم يتمحورون حول لقمة سائغة، وحلة سابغة، ومركب سريع، ومسكن وسيع، وامرأة وضيئة، ومنزلة رفيعة فإن تحققت هذه المطالب تقدم إلى الناس بدعوته، وإلا فلا حرج أن يفقد هيبته، ليُحسِّن لقمته، وإن أضر أمّتَه، وكم سال مدمعي، وتأرق مضجعي على حملة العلم الشرعي وهم يقلدون الناس في أفعالهم، ولا يقودون الناس نحو منهج ربهم، والحق أنني لست أرى هذا الفريق الذي تحول من فريق الدعاة ذوي البأس الشديد، إلى فريق الرعاة ذوي البؤس الرهيب أنه المذنب وحده، بل أولئك الأوغاد الذين نهبوا الأوقاف الإسلامية والمسيحية في الستينات، فلما هاجت الكنيسة وماجت، وأظهرت العين الحمراء وساندها هذا الارتباط والتنظيم الدولي، ردوا أوقاف الكنائس دون المساجد، وسلبت أوقاف الدعاة، وصاروا كالأيتام على مأدبة اللئام، وصار النهب من رموز الدولة للأوقاف الإسلامية كالنار تأكل الهشيم، ففي الإسكندرية وحدها هناك فوق الأربعمائة فدان في أرقى الأحياء نهبها بلطجية النظام السابق، تفوق قوتها الشرائية الأربعين مليارا، وأكد لي أحد المستشارين في وزارة الأوقاف سابقا أن حجم النهب لأوقاف المساجد يفوق التريليون جنيه مصري، وظننت أن الرجل يبالغ، لكني بعد أن صرت في فريق الإدارة بالوزارة أرى أن المستشار لم يصف كل الحقيقة، فعندنا أوقاف في اليونان وإيطاليا ودول عدة في العالم فضلا عن أوقاف الداخل الواسعة المتنوعة بين عقارات وعمارات ومصانع ومستشفيات، وقد ملئت كروش حتى انتفخت من أشد أنواع المال حرمة وهو الوقف، فصار الإمام لا يتجاوز راتبه أول التعيين 300 جنيه ’’50 دولارا’’ وبعد سنوات طويلة من الخدمة قد يرتفع – إذا نفَّذ كل المطلوب - ما يعادل 900 جنيه ’’150’’ دولارا، في الوقت الذي يدفع هذا المبلغ حرامية الأوقاف لمن يسقيه القهوة أو يقدم له الطعام في فندق فخم يليق بديناصورات نهب الأوقاف، وقد جاهد وأجهد الدعاة ذوو البأس الشديد فتحول بعضهم بعد أن عضه الجوع إلى فريق الرعاة ذوي البؤس الشديد، هذا ما لمسته في الداخل والخارج، ولطالما ناديت في رابطة علماء الشريعة بأميركا، ورابطة الدعاة بأن يبدأوا المشوار من تحرير أنفسهم من الأسر الذي يعيشونه حيث يقدر راتب الإمام رجال الأعمال حسب درجات الرضا، وفي صبيحة يوم مشئوم قد يجد الإمام نفسه وأولاده في الشارع الأمريكي أو الأوروبي الذي لا يرحم المساكين من الدعاة، والحل كان عندي دائما أن ينشأ الوقف الإسلامي في أوروبا وأمريكا واليابان وأستراليا و.... ولا يعطى الإمام راتبه ويزداد حسب درجات الرضا من المجالس الإدارية التي تتغير بالمناكفات والمغالبات أو اللوائح، ويكون أول الضحية هو الإمام، بل يعطى الإمام راتبه معززا من إدارة الأوقاف الشرعية حسب نضجه العلمي وتوسعه الدعوي، والارتقاء في الدورات التدريبية لمزيد من ترسيخ فهم الإسلام أو المجتمع، أو طرق توصيل الدعوة للناس خاصة الشباب المسلمين وجماهير غير المسلمين، ولذا وجدت الكثير من الأئمة يمضون سنوات في بلد أجنبي ولا يجيدون لغة البلد!! وتسأل فيأتيك الجواب مؤلما مؤسفا ليس عندي فائض من المال أدفعة لمدرسة تعليم لغة البلد، وأذكر أنني سعيت لأحد النبغاء من الأئمة كي يدرس الماجستير بعد أن رأيته قد نحت في الصخر ليتقن اللغة الإنجليزية دون تكلفة على المركز الإسلامي، وكان المطلوب فقط إعفاء الإمام من الحضور 3 مرات في صلاة الظهر- حيث لا يأتي للجماعة سوى القليل- لأنه سيكون في الجامعة يدرس الماجستير في الدراسات الإسلامية ليعود بالنفع عليهم وأولادهم ولكنهم قرروا فصل الإمام بدلا من دعمه، ونقل الإمام لدى قوم آخرين قدروا همته ففرَّغوه لدراسة الدكتوراه الآن في جامعة أكسفورد بلندن.
في عالمنا كله تيار هادر يدفع بالدعاة ذوي البأس الشديد أن يكونوا من الرعاة ذوي البؤس الرهيب، ولا شك أن مشاريع النهضة في مصر التي بدأت بسلب أوقاف المساجد، واقتدت بها نظم إسلامية منوط بها الآن تكريم الدعاة لا بالمن عليهم من خزانة الدولة حسب درجات الرضا، بل من أوقاف الطيبين من المحسنين حتى يعيشوا ليس حد الكفاف بل الكفاية، ولا حرج من الرغد للدعاة لأن قلوبهم وبيوتهم مفتوحة 24 ساعة لهموم الناس التي لا تعرف وقتا ولا تراعي ظرفا.
أشكر فخامة الرئيس محمد مرسي على تأسيس لجنة برئاسة رئيس الوزراء لحصر أوقاف المساجد، تمهيدا لردها، بعد لقائه مع الدعاة، لكن يا سيادة الرئيس وحوش النظام السابق يحتاجون ليس إلى لجنة بل للجيش والشرطة معا لاسترداد الأوقاف، وأتمنى على الدعاة أن يرفضوا أية زيادات من خزانة الدولة المنهكة بالطلبات الفئوية، بل من أوقافهم المنهوبة اقتداء بإخواننا الدعاة ذوي البأس الشديد في جنوب إفريقيا حيث رفضوا دعم الحكومة لهم، وآثروا أن يكون الوقف مصدر عزتهم.
فلنصنع معا بأس الدعاة، ونطارد بؤس الرعاة، واسألوا عن تجربة الوقف في تركيا تعرفون سر نجاحهم
*الشروق