مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
أبعــد مـن ضـرب العـــراق
هويدي 27-8-2002

مشغولون نحن بنقد ضرب العراق‏,‏ بأكثر من انشغالنا ببناء موقف يجهض المحاولة‏,‏ ويجنب المنطقة حريقا جديدا في قول‏,‏ وزلزالا كبيرا في قول آخر‏.‏ لا اختلف مع الذين ارتفعت أصواتهم بإدانة الحماقة والتحذير من عواقبها‏,‏ واعتبر ذلك من واجبات الوقت‏.‏ لكني ازعم أن بذل الجهد للحيلولة دون وقوعها أوجب‏.‏ والفرق بين الموقفين بحجم المسافة بين القول والفعل‏,‏ وشتان بينهما‏.‏

‏(1)‏
لأول وهلة‏,‏ يبدو الأمر غير قابل للتصديق‏,‏ ومع ذلك فالظاهر أن آلة الحرب تحركت بالفعل‏,‏ وانه تم تجاوز السؤال هل‏,‏ واصبح الكلام يدور حول متي‏.‏ فالإدارة الأمريكية وفريق الصقور لايكفون عن التأكيد علي أن الحرب واقعة لامحالة‏.‏
وصفحات نيويورك تايمز ذهبت إلي ابعد‏,‏ حيث دخلت في تفاصيل الخطط الحربية الموضوعة‏,‏ وفصلت في متابعة حركة نقل الأسلحة والمعدات الأمريكية إلي منطقة الخليج‏(‏ عدد‏8/20),‏ حيث يوجد‏37‏ مستودعا‏,‏ مساحة كل منها حوالي‏6000‏ قدم‏.‏ ولهذا الغرض استأجرت وزارة الدفاع سفينتي شحن ضخمتين لنقل المركبات المدرعة والمروحيات‏,‏ إلي جانب ذخائر أخري‏.‏ كما استعانت بثماني سفن شحن إضافية لنقل بقية الذخيرة مع الدبابات وسيارات الإسعاف‏,‏ ويجري التعاقد علي استئجار سفينة أخري لاستخدامها في نقل المركبات القتالية الناقلة للجنود من الولايات المتحدة وأوروبا إلي منطقة الخليج‏,‏ للانضمام إلي أربعة ألوية مدرعة متمركزة هناك‏,‏ بينما ستحمل سفينة أخري مركبات ومروحيات وذخيرة إلي ميناء في البحر الأحمر لإجراء تدريبات عسكرية قبل الانطلاق لإسقاط نظام بغداد‏.‏ في مجلة نيوزويك‏(‏ عدد‏8/13)‏ حديث عن مصانع الذخيرة الأمريكية التي أضافت ورديات عمل إضافية لإعادة ملء الترسانات التي استنفدت خلال حرب أفغانستان‏.‏ وكلام آخر عن مئات من العسكريين الأمريكيين يعملون علي شكل فرق متقدمة في بعض الدول العربية المجاورة للحدود العراقية‏,‏ لتقييم الاحتياجات اللازمة للحرب‏

.‏ كما أن وزارة الطاقة الأمريكية تعمل جاهدة لإعادة ملء المخزون الاحتياطي الأمريكية من النفط إلي أقصي طاقته‏(700‏ مليون برميل‏)‏ ــ وهو ما يكفي لسد الاحتياجات الأمريكية من النفط‏,‏ لأكثر من‏80‏ يوما‏,‏ اذا حدثت أزمة نفطية بسبب الحرب‏.‏
لسنا اذن بصدد إشاعات عن حرب‏.‏ كما ذكر عنوان نيوزويك في عددها سابق الذكر‏.‏ لكننا بازاء شيء جاد‏,‏ لم تدع تصريحات الرئيس الأمريكي ومعاونيه أي مجال للتشكيك في انه حاصل لامحالة‏,‏ إلا إذا أراد ربك شيئا اخر بطبيعة الحال‏.‏ بل أن صحيفة الميرور البريطانية ذكرت في عددها الصادر يوم‏8/11‏ ــ نقلا عن خبراء الدفاع الأمريكيين أن الحرب ستبدأ في السادس من شهر نوفمبر‏,‏ واستندوا في ذلك إلي ثمانية أسباب أوردتها الصحيفة‏.‏ ويبدو انهم واثقون من صحة تقديرهم إلي درجة انهم وضعوا ساعة للعد التنازلي علي شبكة الإنترنت‏,‏ لمتابعة الزمن‏,‏ وصولا إلي الوقت المحدد للضربة الأمريكية‏.‏

‏(2)‏
لحسن الحظ فان اللوثة لم تصب الجميع‏,‏ فقد ارتفعت أصوات في مختلف العواصم الغربية معربة عن الاستنكار والدهشة‏,‏ ومشهرة السؤال لماذا فمعارضة الحرب قوية في أوروبا كلها‏,‏ باستثناء إنجلترا‏(‏ المستشار الألماني شرودر سخر من فكرة الحرب‏,‏ والرئيس الفرنسي جاك شيراك عارضها بقوة واشترط صدور قرار من مجلس الامن بخصوصها‏,‏ وبسبب تلك المعارضة بقوة واشترط صدور قرار من مجلس الامن بخصوصها‏,‏ وبسبب تلك المعارضة فان ثمة أزمة الآن بين واشنطون وموسكو وصلت إلي حد تلويح وزير الدفاع الأمريكي بتصنيف روسيا ضمن أصدقاء الدول الإرهابية‏)‏ ــ بل أن تأييد الحرب في إنجلترا مقصور علي حكومة توني بلير فقط‏,‏ لان استطلاعات الرأي العام في انجلترا بينت أن اثنين من كل ثلاثة يعارضون الحرب‏(‏ المعارضون في فرنسا ثلاثة من كل أربعة‏)‏
لقد أقال توني بلير رئيس أركان الجيش البريطاني ـــ السير مايكل بويس ــ من منصبه‏,‏ بسبب اختلافه مع الحكومة حول استراتيجيتها في الشرق الأوسط‏,‏ خصوصا خطط ضرب العراق‏.‏ وهذه المعارضة عبر عنها أيضا الفيلد مارشال لورد برامال الرئيس السابق لأركان الجيش البريطاني‏.‏ وفي بيان مكتوب وصف الحرب أسقف كانتربري ــ الأب رون ويليامز ــ مع ثلاثة آخرين من كبار رجال الكنيسة الانجليكانية بأنها غير أخلاقية‏.‏ في ذات الوقت تعالت الأصوات في مجلس العموم البريطاني متهمة رئيس الوزراء بالتبعية للولايات المتحدة‏,‏ وقد انتقد النائب اليهودي البارز جيرالد كوفمان تلك التبعية بشدة‏,,‏ في حين وصف صقور الإدارة الأمريكية بأنهم لايتفوق علي حبهم للقتال والحرب سوي أميتهم السياسية والعسكرية والدبلوماسية‏.‏ أما صحيفة الديلي ميل فقد وصفت الإدارة الأمريكية بأنها متعسكرة‏!‏

ويبدو أن هذه المعارضة كان لها أثرها النسبي علي موقف حكومة بلير‏,‏ التي أعلنت مؤخرا عن أنها تعطي الأولوية لعودة المفتشين للعراق وليس لإسقاط نظامه‏.‏
لأصوات الناقدة والمعارضة قوية أيضا في الولايات المتحدة ذاتها‏,‏ فقد رفض الحرب وحذر من وقوعها في مقالات منشورة أربعة من المستشارين السابقين للأمن القومي هم‏:‏ برنت سكرو كروفت‏,‏ وهنري كيسنجر‏,‏ ولورانس ايجلبرجر‏,‏ وساندي بيرجر‏,‏ أما الخامس بريجينسكي ــ فقد تحفظ عليها قائلا انه اذا كان لابد من الحرب‏,‏ فعلي البيت الأبيض أن يعرض مبرراتها علي الأمة‏,‏ لكي يقنعها بأن التهديد خطير ووشيك‏.‏ بعد ذلك ينبغي أن تخوضها الولايات المتحدة بصورة مسئولة‏,‏ ومن خلال تحالف دولي‏,‏ وبطريقة حكيمة‏,‏ لابطريقة هستيرية وبخوف وديماجوجية‏(‏ غمز ضمني في صرعة الحرب الجارية في الولايات المتحدة‏).‏

الأصوات المعارضة ترددت علي صفحات الصحف‏.‏ فقد نشرت نيويورك تايمز في‏7/31‏ مقالا كتبه اثنان من أعضاء الكونجرس‏(‏ السناتور جوزيف بايون ــ ديمقراطي ــ والسناتور ريتشارد لوجر ــ ديمقراطي‏)‏ قالا فيه أن الرأي العام الأمريكي يريد أن يعرف بالضبط ما هو التهديد الذي يشكله العراق للأمن الأمريكي؟ ــ ثم ماهي الردود الأمريكية الممكنة علي التهديد العراقي؟ ــ وأخيرا‏:‏ ماذا ستكون مسئوليات الولايات المتحدة بعد إسقاط النظام العراقي؟
في مقام اخر تساءلت نيويورك تايمز‏:‏ من الذي سيدفع فاتورة الحرب التي قدرت بمائة مليار دولار؟ وقالت أن في الحرب الأولي دفع حلفاء أمريكا‏80%‏ من قيمة الفاتورة التي بلغت‏60‏ مليار دولار‏,‏ وارتفع سعر برميل النفط من‏15‏ إلي‏40‏ دولارا‏,‏ وكان الحلفاء متفاهمين مع الولايات المتحدة‏,‏ في حين انهم الآن يعارضون الحرب‏.‏ الأمر الذي يثير السؤال التالي‏:‏ هل ستتحمل أمريكا عبء الحرب وحدها‏,‏ في ظل ركود اقتصادي خطير‏,‏ وديون بدأت تتراكم وتتزامن مع اكبر الفضائح المالية في التاريخ الأمريكي؟
وليم فاف الذي يعد من ابرز المعلقين الأمريكيين وأكثرهم احتراما‏,‏ كتب في لوس انجليوس تايمز‏(‏ عدد‏8/15)‏ يقول أن الحجج التي تقدمها الإدارة الأمريكية لصالح خوض الحرب غير مقنعة‏,‏ حتي للقادة العسكريين الأمريكيين أنفسهم‏,‏ إضافة إلي انه لاتوجد لدي الولايات المتحدة سياسة جدية واضحة بشأن العراق بعد إنهاء النظام الحالي‏,‏ وفي حين أن القادة المحترمين يعارضون الحرب فالذين يؤيدونها في البيت الأبيض ليسوا اكثر من هواة في السياسة‏.‏

‏(3)‏
لم يكن عضوا الكونجرس الوحيدين اللذين تشككا في جدية الزعم بأن العراق يهدد الأمن القومي الأمريكي‏.‏ كما أن صحيفة نيويورك تايمز ذكرت علي موقعها علي شبكة الإنترنت أن الولايات المتحدة قدمت إلي العراق في عهد الرئيس الأسبق ونالد ريجان مساعدات مهمة أثناء حربة ضد إيران في الثمانينيات‏(60‏ ضابطا من خبراء وكالة المخابرات الدفاعية الأمريكية‏)‏ رغم علم واشنطون بأن نظام بغداد استخدم الأسلحة الكيماوية ضد الإيرانيين وضد مواطنيه الأكراد‏.‏ وهو مالم يعارضه أولئك الضباط الأمريكيون ولا الإدارة الأمريكية‏,‏ التي انتقدت التصرف في العلن‏,‏ لكن نائب ريجان آنذاك ــ جورج بوش الأب ــ ومعه كبار موظفي الأمن القومي الأمريكي‏,‏ لم يسحبوا دعمهم للبرنامج السري المقدم لبغداد‏.‏
علي صعيد اخر‏,‏ فرغم تعدد التصريحات الأمريكية‏(‏ والاسرائيلية‏)‏ التي تحدثت عن إيواء النظام العراقي لبعض عناصر تنظيم القاعدة‏,‏ أو دعمه لمنظمات المقاومة الفلسطينية التي تعتبرها واشنطون إرهابية فان شيئا من ذلك لم يثبت‏,‏ وحملت تلك الادعاءات علي محمل الضغط والإبتزاز الإعلاميين‏.‏ وهو مايعني أن كل الأسباب التي أعلنت لتبرير إسقاط النظام العراقي‏,‏ لاتعبر عن الدوافع الحقيقية التي جعلت الولايات المتحدة تتورط في تلك المغامرة‏.‏

ماهي تلك الدوافع إذن؟
اذا مالاحظنا أن الجميع لايريدون الحرب‏,‏ باستثناء صقور الإدارة الأمريكية وإسرائيل التي مابرحت تلح في استعجال وقوعها‏,‏ فبوسعنا أن نقول أن أصحاب المصلحة الحقيقية فيها طرفان هما‏:‏ حزب الإمبراطورية الأمريكية في البيت الأبيض‏,‏ والعصبة الشارونية في تل أبيب‏.‏ الأولون يدعون إلي بسط الهيمنة الأمريكية واختبار فكرة الإمبراطورية في الشرق الأوسط‏,‏ باعتبار أي دولة هي مصدر الإرهاب الذي نال من الهيبة الأمريكية وجرح كبرياءها في‏11‏ سبتمبر‏,‏ ثم أنها منطقة هشة ورخوة يسهل فيها استعراض العضلات والممارسة المجانية لدعاوي التأديب والإصلاح‏.‏ وهي الفكرة التي يتبناها بقوة فريق في الإدارة الأمريكية أطلق عليه وليم فاف في لوس أنجيليس تايمز وصف صقور الحرب وهواة السياسة‏,‏ كما تحمس لها كتاب مرموقون مثل سباستيان مالابي الذي سوقها في مقالة له بصحيفة واشنطون بوست كان عنوانها حانت لحظة استعمارية جديدة‏.‏
وأيدها ماكس بوت الصحفي الكبير في وول ستريت جورنال الذي ألف كتابا في الموضوع بعنوان حروب السلام الوحشية‏.‏ وقام بالتنظير لها رويرس كاجان في المجلة الفصلية بوليسي ريفيو‏,‏ حين كتب مقالة تحت عنوان القوة والضعف‏,‏ دافع فيها عن سياسة استخدام القوة في العلاقات الدولية‏,‏ وقال صراحة إن الظروف وضعت أمريكا في موقع الهيمنة علي العالم‏,‏ وواجبها أن تحافظ عليها بالقوة‏,‏ لان أي تراجع أو تهاون في هذا الصدد‏,‏ سيمكن الآخرين من أن يصمموا العالم حسب احتياجاتهم‏.‏

في الوقت ذاته كتب جيمس جلاند الكاتب الشهير في الواشنطون بوست وأحد مناصري اليمين الأمريكي المتطرف في بداية شهر يوليو الماضي داعيا إلي استخدام التفوق العسكري الأمريكي لإعادة ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط بزعم الحيلولة دون تحوله إلي منبر فوضوي في خدمة الإرهاب الشامل‏,‏ وبهدف مناصرة الديمقراطية في العالم العربي‏,‏ وحماية بقاء اسرائيل‏.‏
أماالعصبة الشارونية فأحسبها تنتظر تلك الفرصة علي أحر من الجمر‏.‏ ذلك أن تدمير القوة العراقية يظل حلما تمناه القادة الإسرائيليون علي الدوام‏,‏ ثم إن الحملة العسكرية اذا تمت فمن شأنها أن تصرف الانتباه عما يفعله شارون في فلسطين‏,‏ وتمكنه من أن يوجه إلي الفلسطينيين ضربته القاضية التي تؤدي مثلا إلي نزوح أعداد كبيرة منهم في عملية طرد‏(‏ ترانسفير‏)‏ جديدة‏,‏ مماثلة لتلك التي حدثت في أعقاب هزيمة عام‏67.‏ الأمر الذي يضيف إلي سجله انتصارا يجعل الموقف الفلسطيني اكثر بؤسا وضعفا‏,‏ وربما هيأ ظروفا مواتية لإغلاق الملف والخلاص من هم القضية‏.‏

‏(4)‏
ذلك فيما خص الحريق الذي أشرت إليه في بداية الكلام‏.‏ أما ما عنيته بالزلزال الذي يمثل سيناريو اخر أبعد‏,‏ فلعل ما نشرته صحيفة الواشنطون بوست في‏8/21‏ الحالي يلقي بعض الضوء عليه‏.‏ اذ ذكرت أن الولايات المتحدة تعتزم البدء في تنفيذ برنامج يستهدف تدعيم الإصلاحات في الشرق الأوسط‏,‏ علي الأصعدة السياسية والاقتصادية والتعليمية‏.‏ وهذه الإصلاحات المفترضة تتم في سياق فكرة إعادة التأهيل وإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط‏,‏ الذي يعد تغيير النظام العراقي واستبداله بنظام اخرديمقراطي‏(!)‏ إحدي حلقاته الصارخة‏.‏
هناك خلفية لافتة للانتباه في هذا الصدد‏,‏ وهي أن أحد صقور الإدارة الأمريكية الداعين إلي إسقاط النظام العراقي بالقوة المسلحة رجل اسمه ريتشارد بيرل يرأس مجلس السياسة الدفاعية ويشكل مع نائب وزير الدفاع بول وولفوفتز‏(‏ الاثنان يهوديان‏)‏ جبهة مؤيدة لسياسة الليكود‏,‏ تتمتع بنفوذ قوي في الأوساط المحافظة المتطرفة بالولايات المتحدة‏.‏

السيد بيرل هذا أعد في عام‏1996‏ م تقريرا أصدره مركز يشرف عليه معهد الدراسات السياسية والاستراتيجية المتقدمة‏(‏ له فرعان في واشنطون والقدس‏),‏ وفيه طرح فكرة تقسيم المنطقة ورسم خريطة جديدة للشرق الأوسط‏,‏ علي غرار ماتم في سايكس بيكو عام‏1916.‏ وربما كانت مصادفة أن يكون الرجل الذي كتب هذا الكلام قبل ست سنوات‏,‏ يشكل الآن أحد ركائز الحملة الأمريكية لإسقاط النظام العراقي‏,‏ ومشروع الإمبراطورية الأمريكية بما يستصحبه من دعوة إلي إعادة رسم خريطة المنطقة‏,‏ بزعم اجتثاث جذور الإرهاب وتخليص العالم من شروره‏.‏

‏(5)‏
ثمة موقف عربي رافض في جملته لفكرة ضرب العراق‏,‏ ولست اشك في أن الرافضين في المنطقة يدركون جيدا أن إسقاط نظام بغداد مجرد حلقة في مسلسل جاري التنفيذ‏.‏ لكن اللافت للنظر أن التحركات العربية في هذا الشأن مازالت ثنائية في الأغلب‏,‏ في حين أن الموقف يتطلب إعلانا اكثر قوة‏,‏ بصوت عال لايسمح بالخطأ أو اللبس‏,‏ من خلال مؤتمر طاريء مثلا‏,‏ يقول لا لتغيير الأنظمة بالقوة الأمريكية المسلحة‏,‏ ولا لخطط تركيع العرب والفلسطينيين منهم بوجه أخص‏,‏ ولا لمبدأ إعادة رسم خريطة المنطقة تبعا للهوي الأمريكي والإسرائيلي‏.‏
ادري أن خياراتنا أصبحت بين سييء وأسوأ‏,‏ وان آخر مايتمناه واحد مثلي أن يستمر النظام العراقي بعدما ارتكبه بحق الشعب العراقي من مظالم وجرائم‏.‏ كما أن المرء لايستطيع أن يخفي اسفه لان الدعوة إلي افشال الحملة العسكرية من شأنها إطالة عمر النظام‏.‏ وما كان لي أن أدعو إلي ذلك الإفشال إلا لعلمي أن نجاح الحملة هو الاحتمال الأسوأ والاتعس‏,‏ للعراق وللمنطقة بأسرها‏.‏

انهم حقا يعملون بهمة لإنجاز مخططاتهم‏,‏ لكن تلك المخططات ليست قدرا مكتوبا علي الجبين‏,‏ وإنما يوسعنا أن نجعل الأمر اكثر كلفة واشد استعصاء مما يتصورون‏.‏ أما اذا سكتنا واكتفينا بمراقبة المشهد ومصمصة الشفاه‏,‏ وبالتنديد الإعلامي كحد أقصي‏,‏ فليس لنا أن نلومهم اذا اجترؤا علينا واستباحوا أوطاننا وأراضينا‏.‏
أضافة تعليق