مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
موظَّفٌ مُحبَط!
بقلم: د . سلمان بن فهد العودة

- سألته عن خدمته في العمل فكانت عشرين سنه تقريباً.. هو إذن بيت للخبرة! - أجاب: كلا؛ إنها سنة واحدة مكررة عشرين مرة! - كيف تجد نفسك في المكتب؟ - أشعر بغياب الروح، وإنني كائن آلي، ولا أنتمي لجو العمل إلا شكلاً فحسب! - كيف؟ - أجاب: رحمة الله على أيامي الأولى! أتيت بحماس غريب، كنت أول من يحضر وآخر من ينصرف، وبعض أوراقي أحملها معي إلى المنزل حتى تضايقت زوجتي وطالبتني بالعدل! كنت أشعر بالاحتساب والتعبد لله وأنا أنجز عملي وأقوم بواجبي، وأشعر باغتباط حين أرى وجوه المراجعين (المستفيدين) تتهلَّل بالبشر، ودعواتهم لي من سويداء قلوبهم.. زميلي كان ينظر إليَّ بإشفاق ويبتسم ويهمهم قائلاً: «بَشِّر الزرع بفلاح جديد!». وكأنما كانت مهمته أن يفتح عيني على الجانب السلبي في الإدارة، وأن ينشر روح التخاذل والتشاؤم بين الزملاء! أخيراً نجح؛ لا بكفاءته في الإقناع بل لأن بيئة العمل كانت إلى جانبه. شعرت بعد وقتٍ وجيز أنني أنا الأول والأخير في عملي، فلا إشراف ولا رقابة، ولا أحد يتابعني؛ على أني لست مسؤولاً، وإنما موظف في بداية مشواره العملي وبحاجة إلى الإحساس بروح الفريق، وأن أجد مديري يتابع أدائي ويصحح ويضيف خبرته إلى اجتهادي! لم يطلبني العمل لدورة تدريبية واحدة، ولا سعى لتطوير إمكاناتي وتزويدي بالتجارب والملحوظات؛ التي تُعزز شخصيتي ومسيري.. وجدت الخطأ يتكرر مني - عن غير قصد - وقد أضرّ مراجعاً، أو أحرمه من حقه، أو أظلمه.. ولا أجد من يقول لي: لماذا؟ فلا حسيب ولا رقيب! وكأنني أنا الموظَّف وأنا القانون. المدير في برجه العاجي مشغول بنفسه وغير مكترث، وفي نهاية الأمر أحسست شفرة بينه وبيننا مؤداها: «اغفلوا عني وأغفل عنكم»؛ وكأنه يرى أن جو العمل وعلاقاته لا تكون مبنيَّة على المسؤولية والأداء بل على «الميانة» والزمالة وروح التساكت والتفويت! نظرت إلى زميل سابق كسول ومُسوِّف، يتهرَّب من العمل، ولكنه حكواتي وصاحب نكتة، ويجيد صنع العلاقات، ويخدم الآخرين عبر هذه العلاقات، فوجدته يظفر بنصيب الأسد من الثناء، وخارج الدوام، والترقيات.. وهذا يُعرف لدينا بـ«الملكع»! وزميل آخر خجول ويستحيي من كلمة «لا»، ويتحمَّل أعمالاً ليست من مسؤوليته دون تضجُّر حتى أصبح معظم عمل الإدارة عليه.. لم يحصل هذا الزميل على محفِّزات كافية، ولا تمّ تقدير جهده الاستثنائي الذي غطى عيوبنا جميعاً.. حصل أخيراً على ترقية ولكنها غير كافية، ولا معبّرة عن حجم الجهد الذي كان ولا يزال يقوم به، ونحن جميعاً نسميه بـ«الكرِّيف»! كنت أحاول أن أكون كرِّيفاً، ولكن غياب الروح المحفِّزة داخل بيئة العمل وضعني أخيراً في زمرة «الملكعين»؛ خاصة وأن الزملاء ينظرون للكرِّيف نظرة إشفاق، وأحياناًًً أسمع كلمة: «مسكين»، «مضيع عمره».. جرَّبت أن أتهاون وأُماطل فلم أجد فرقاً، جرَّبت أن أغيب فلم أجد مشكلة. وأخيراً ماتت الروح في داخلي.. وحدها بقية من الإيمان والخوف أن يكون راتبي من حرام أطعم به أهلي وصبياني، فذلك يحملني على القيام بأعمال ضرورية دون أن أجد الحماس والدافعية للإنجاز والعطاء. كثيراً ما ألتمس العذر لنفسي بمشاهدة مسؤولين أكبر مني وهم غير مكترثين للعمل، ولا ملتزمين بالحضور، ولا منضبطين بالنظام؛ الذي يشهرونه في وجوه المراجعين ليعفيهم من إنجاز المهمات، ويشغل المراجع بتوفير مطالب وتكاليف جديدة! كان يضايقني التضارب في التوجيهات والأوامر بين المدير العام والمدير المباشر، والمبني غالباً على رؤية شخصية، أو مراعاة للعلاقة، وليس على نظام صارم حاسم ينفذ على الجميع. المدير العام متسامح وطيب، وعادة يميل إلى تمرير الأشياء وتمشيتها، والمدير القريب لا يكترث، ويبدو كما لو كان يبحث عن مسوغات للمماطلة. الراتب في نهاية الشهر ينزل لنا جميعاً دون فرق. أخيراً وجدت نفسي حيث تراني غير مهتم بسمعة الإدارة ولا بالناس، وضعفت روحانيتي ورحمتي وتقديري لمعاناة المحتاجين.. لم أعد أشعر بالانتماء لعملي، ولا بأن هؤلاء الناس ناسي وأهلي. أكثر ما يقلقني الخوف من القرش الحرام، ولذا أتصدَّق ببعض راتبي، وأعتمر، وأصلي النوافل بما فيها صلاة الضحى.. بينما العديد من المراجعين يصطفون أمام أبوابنا المغلقة!
*مجلة المجتمع
أضافة تعليق