مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
إطلالـة خارج المكان والزمـان‏:(1)‏ برليـن
هويدي 30-7-2002

هاتان رحلتان خارج المكان وخارج الزمن العربي بدرجة أو أخري‏,‏ أولاهما إلي ألمانيا والثانية إلي أذربيجان‏,‏ كل واحدة منهما كانت للمشاركة في مؤتمر لاعلاقة له بالآخر‏,‏ مع ذلك فقد وجدت أن ثمة قاسما مشتركا بين الرحلتين‏,‏ وهو أن ما رأيته وسمعته في عاصمتي البلدين كان أهم مما ذهبت لأجله ودعيت له‏,‏ ولئن كان ذلك الذي رأيت وسمعت أقرب إلي النميمة أو الثرثرة السياسية والثقافية‏,‏ لكنه يرسم صورة لبعض المشاهد البعيدة عنا‏,‏ التي قد يفيدنا أن نتعرف عليها‏,‏ من باب السياحة الذهنية علي الأقل‏.‏

‏(1)‏
الرحلة إلي ألمانيا كانت للمشاركة في ندوة بمناسبة مرور خمسين عاما علي ثورة يوليو‏,‏ التي دعت إليها مؤسسة فريدريش ايبرت وهي مؤسسة المانية أهلية تابعة للحزب الديمقراطي الحاكم ومدعومة حكوميا‏,‏ وهي متعددة الانشطة في مصر والعالم وبعض الدول العربية‏,‏ والذين اشتركوا في حوارات الندوة كانوا من المثقفين المصريين والالمان المهتمين بالشئون المصرية والعربية‏,‏ فضلا عن جمهور كان بدوره خليطا من الالمان والعرب‏,‏ قيل في الندوة كلام جاد كثير في تقويم التاريخ والواقع‏,‏ لكنه لم يكن صريحا بما يكفي‏,‏ حيث لم يخل من المجاملة والدبلوماسية‏,‏ التي لم تمكن المتحاورين من النفاذ إلي عمق التطورات والتحولات التي حدثت في مصر بعد خمسين عاما من الثورة‏,‏ الأمر الذي ذكرني بلقاءات الرسميين التي يعلن في أعقابها الحوار البناء‏,‏ والتفهم المتبادل لوجهات النظر‏,‏ وكان واضحا أن كثيرين من الحاضرين أدركوا عنصر المجاملة والدبلوماسية في خطاب المتحاورين‏,‏ فمنهم من كبر رأسه واستمع في صمت مجاملة للمتحدثين‏,‏ ومنهم من حاول أن يحرك الاجواء والامواج‏,‏ فألقي ببعض الاحجار في بحيرة الحوار الساكن‏.‏
أضفت علي اللقاء بعض الحيوية عدة أنشطة فنية موازية‏,‏ تمثلت في فرقة قيثارة الفنية المصرية‏,‏ التي ضمت عددا من المطربين والعازفين الشبان والفتيات الموهوبين والواعدين‏,‏ وإلي جوار الفرقة كان هناك معرض للكاريكاتير والفن التشكيلي جذاب ونابض بالحياة‏,‏ جاء معبرا عن مدارس توجهات الفنانين المصريين خلال حقبة نصف القرن‏.‏
كما رأيت‏,‏ فلم يكن في الحدث شيء مثير‏,‏ حيث كان أقرب إلي التظاهرة الثقافية والفنية العادية‏,‏ التي يمكن ان يشار إلي فعالياتها في اسطر معدودة بأية جريدة صباحية‏,‏ لكن ما بدا مثيرا حقا هو ذلك الذي رأيته وسمعته خارج قاعة المؤتمر‏.‏

‏(2)‏
هي مصادفة لاريب أن تزامن عقد الملتقي مع أحتفال للشاذين جنسيا في برلين‏,‏ كما أنها مصادفة قطعا أن كان الفندق الذي نزلنا فيه علي بعد خطوات من شارع كودام الذي شهد طقوس الاحتفال الكبير والشاذون جنسيا وصف من عندي‏,‏ أو هو الوصف الذي درجنا علي استخدامه‏,‏ أما الوصف الذي يطلق عليهم في الغرب فهو انهم مثليون لايعترفون بالفوارق الجنسية‏,‏ ويعتبرون انفسهم جنسا أرقي من البشر العاديين‏,‏ لانهم ارتفعوا فوق التصنيفات التي تعارف عليها الناس منذ الازل وفرقوا فيها بين الرجال والنساء‏.‏
ما إن وضعنا حقائبنا في الفندق حتي سمعنا ضجيجا هائلا في الخارج‏,‏ كان خليطا من الموسيقات المدوية ذات الايقاع الإفريقي‏,‏ وبين الأغاني الصاخبة التي ترددت أصداؤها بقوة في سماء المدينة‏,‏ محدثة جلبة تصم الآذان‏,‏ قيل لنا أن ثمة مهرجانا احتشد الناس له‏,‏ أثار الضجيج فضولي فخرجت بحسن نية إلي الشارع لاستطلاع الأمر فشاهدت عجبا‏,‏ كان الحشد هائلا إلي حد ملأ الشارع وكاد يسد الأفق‏,‏ الاغلبية كانوا مشاة بينما بعضهم اعتلي حافلات مزركشة كبيرة ركبت علي ظهورها مكبرات الصوت‏,‏ وهؤلاء الراكبون كانوا يغنون ويرقصون شبه عراة‏,‏ وجوههم مغطاة بالمساحيق‏,‏ ويلوحون للجماهير بأيد فارغة حينا‏,‏ وأخري ملوحة بزجاجات البيرة في حين آخر‏.‏

لم أفهم شيئا مما رأيت‏,‏ وبدوت كالريفي الذي يجد نفسه في قلب المدينة لأول مرة‏,‏ لاحظ مرافقي وليد مظاهر الحيرة علي وجهي فمال علي أذني هامسا في حرج‏:‏ هؤلاء ـ لامؤاخذة ـ الشاذون جنسيا يحتفلون بيومهم السنوي‏.‏
لم أكن رأيت هذا الصنف من البشر من قبل فصرت أحملق في المارين حتي أراهم جيدا‏,‏ وبينما نحن كذلك مرت أمامنا فتاة نحيفة منمقة الوجه كانت تسير بدلال ملحوظ‏,‏ فعاد وليد إلي الهمس في أذني قائلا‏:‏ هذا واحد من الجماعة ارتدي ثياب الشغل‏!‏ ـ لم أصدق الذي سمعت ورأيت‏,‏ فكتمت دهشتي ورحت أتأمل المشهد محاولا استيعاب ماتراه عيناي‏,‏ ولاحظت أن حشدا من مصوري الصحف ومحطات التليفزيون جاءوا يتابعون المسيرة ويسجلون الحدث‏,‏ وأرعبتني فكرة أن تظهر صورتي وسط الحشد الواقف علي الرصيف‏,‏ الأمر الذي يثير التباسا ليس خافيا‏,‏ لكني هدأت بالا ـ بصورة نسبية ـ حيث حمدت الله أن كانت زوجتي إلي جانبي‏,‏ الأمر الذي يفترض أن يعد براءة لي من سوء الظن‏,‏ أعزكم الله وجنبكم موارد الشبهات‏!‏

‏(3)‏
تراجعت فكرة المؤتمر في ذهني‏,‏ حيث أثار المشهد عندي عديدا من الاسئلة المعبرة عن حيرة الريفي حديث القدوم إلي المدينة‏,‏ وتولي الزميلان وليد الشيخ وناجي عباس‏,‏ وهما من الصحفيين الواعدين المقيمين في برلين تنويري بما لم أكن أعرف‏,‏ وكانت حصيلة ما سمعت أن الأمر أهون بكثير مما نتصوره في قرانا وان الشواذ اصبحوا ظاهرة عادية في المجتمع‏,‏ ولهم مؤسساتهم ومنظماتهم القوية والناشطة في أوروبا والولايات المتحدة‏,‏ بل انهم صاروا مفضلين في بعض الوظائف وفي إعلانات السلع فهم مفضلون كباعة في المحلات التجارية الكبيرة مثلا‏,‏ التي تعتبر انهم أكثر نعومة من الزبائن‏,‏ وظهورهم في الاعلانات يجذب جمهورهم الواسع‏,‏ الذي يقدر بأربعة ملايين شخص سكان المانيا‏80‏ مليونا‏.‏
عرفت أيضا أن حاكم برلين‏,‏ عاصمة البلاد واهم ولاية في المانيا‏,‏ والمدينة المرشحة لان تكون عاصمة أوروبا الموحدة مستقبلا‏,‏ واحد منهم‏,‏ وهو شخصية بارزة في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم اسمه كلاوس فوفرايت وقد أعلن الرجل عن حقيقته بعد أيام من انتخابه‏,‏ لكي يقطع الطريق علي الصحافة ووسائل الإعلام التي لم يرد لها أن تلوك سيرته‏,‏ وأيضا لكيلا يبدو أنه أخفي الأمر عن الناس‏,‏ وقد نشرت بعض الصحف الشعبية صورة صديقه في وقت لاحق‏,‏ كما نشرت أن السيد فوفرايت كان يعتزم السفر مع صديقه لقضاء عطلته السنوية‏,‏ في وقت زيارة الرئيس بوش لالمانيا‏,‏ لكنه أجل رحلته عقب الضغوط السياسية الهائلة التي مورست عليه‏,‏ حتي لاتزداد العلاقات الالمانية ـ الأمريكية سوءا‏.‏

بعدما أعلن حاكم برلين عن هويته‏,‏ ناقشت وسائل الإعلام دور الشواذ في الحياة السياسية‏,‏ بوجه أخص طرحت أكبر صحيفتين المانيتين أسبوعيتين‏,‏ هما دير شبيجل وفوكوس تساؤلا عما إذا كان الشذوذ يمكن ان يكون حائلا دون تقدم الشخص في مجالات العمل السياسي‏,‏ وذهبت دير شبيجل إلي التساؤل‏:‏ هل يمكن أن يكون المستشار الالماني شاذا جنسيا يوما ما؟‏!‏
كانت إجابة الاغلبية‏,‏ ولم لا؟ اذ طالما تم السماح قانونا بزواج الشواذ وتوريثهم‏,‏ في هولندا والمانيا وغيرهما‏,‏ فليس من العدل أن يعاقبوا بعد ذلك علي الشذوذ‏,‏ ومن ثم فمن حق أي واحد منهم أن يكون رئيسا لألمانيا‏,‏ وعلي أهل البروتوكول أن يتعاملوا مع الواقع بحيث يحتل صديق الرئيس مكان السيدة الأولي‏!!‏

اللافت للنظر أن الذين عارضوا تولي الشواذ لمنصب المستشار‏,‏ وأغلبهم من عناصر اليمين المسيحي واليمين المتطرف‏,‏ اتهموا بالعنصرية والرجعية والتعصب‏,‏ من قبل منظمات الشواذ ومنظمات حقوق الانسان‏,‏ التي أعادت تأكيد الحرية المطلقة للأفراد‏,‏ وعلي الحماية المطلقة لما يفعلونه‏,‏ وعلي رفض إلزام المواطن الغربي بأية قيم ثابتة‏,‏ أيا كان مصدرها‏.‏
في إطار التنوير أيضا علمت أن احتفال الشواذ سيعقبه احتفال آخر يطلق عليه موكب الحب يشترك فيه نحو مليون ونصف مليون شاب وفتاة من العشاق الذين يفدون من أنحاء أوروبا‏,‏ وهؤلاء يقيمون مهرجانا مماثلا يحفل بالرقص والغناء‏,‏ بملابس وبدون ملابس‏,‏ ولمزيد من التنوير قيل لي إن السلطات القضائية في برلين سمحت باقامة مهرجان اخر يدعي موكب المعاشرة وفيه يجتمع الشبان والفتيات بدون أي تكليف في قلب برلين‏,‏ لكي يمارسوا المعاشرة الجنسية علانية في واحد من أهم شوارعها؟

حين سمعت بالخبر الأخير قلت‏,‏ صحيح أن ذلك ما تفعله الحيوانات‏,‏ لكنها مع ذلك تظل تلك الحيوانات أفضل من الشواذ لأننا لا نعرف حتي الآن علي الأقل أن حيوانا ذكرا كان أم انثي عاشر مثيلا له‏!‏

‏(4)‏
بسبب قلة خبرتي بالشأن الألماني‏,‏ لم أكن أعرف الكثير عن حساسية الالمان واستيائهم إزاء الامريكان وسياستهم بل أن انطباعي كان علي العكس تماما ذلك أن مشروع مارشال الذي عرضته الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بتدمير المانيا‏,‏ كان له دوره الأساسي في تمويل مشروعات النهضة الصناعية الكبيرة التي تشهدها البلاد‏.‏
حين أبديت هذه الملاحظة ـ بحسن نية أيضا ـ امام احد المثقفين الالمان الذين شاركوا معنا في المؤتمر‏,‏ وجدته أشاح بوجهه ثم قال‏:‏ لقد ارادت الولايات المتحدة بمشروع مارشال أن تتغلغل في أوروبا وتبسط نفوذها عليها لتدشين عصرها الجديد‏,‏ ثم أن النهوض الذي شهدته إلمانيا هو ثمرة جهد العقود والسواعد الالمانية‏,‏ وليس التمويل الأمريكي‏.‏

كنت قد قرأت في أحد اعداد مجلة نيوزويك ملفا أعد في أعقاب زيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش لالمانيا في شهر مايو الماضي‏,‏ كان عنوانه‏:‏ لماذا يكرهنا الأوروبيون؟ ـ وكان المحرك الاساسي لاعداد ذلك الملف هو الاستقبال الفاتر والعدائي الذي قوبل به الرئيس بوش في ألمانيا بوجه أخص‏.‏
أمدني وليد الشيخ بنتائج استطلاعات الرأي الالمانية التي نشرت بمناسبة زيارة الرئيس الأمريكي‏,‏ وكان بينها استطلاع نشرته مجلة دير شبيجل في‏5/21‏ حول نظرة المجتمع للولايات المتحدة‏,‏ وقارنته باستطلاع اجري في عام‏93,‏ من أهم نتائجه مايلي‏:‏

‏*73%‏ من الالمان قرروا هذا العام أن الولايات المتحدة تتعامل مع بلدهم من موقع الاستعلاء والهيمنة‏,‏ وكانت هذه النسبة‏53%‏ فقط عام‏93.‏
‏*‏ الذين قالوا أنها تتعامل مع ألمانيا باعتبارها ندا متكافئا كانت نسبتهم هذا العام‏26%‏ فقط‏,‏ بينما كانت هذه النسبة‏46%‏ عام‏93.‏

‏*65%‏ قالوا إن الولايات المتحدة تتحري مصالحها فقط‏,‏ ولا يعينها الآخرون‏,‏ مقابل‏58%‏ أيدوا هذه المقولة في الاستطلاع السابق‏.‏
‏*‏ في الاجابة علي سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة تشكل ضمانا للأمن والسلام في العالم رد‏48%‏ بالايجاب‏,‏ مقابل‏62%‏ عام‏93‏ ـ أما الذين نفوا ذلك فقد كانت نسبتهم‏50%‏ مقابل‏37%‏ في الاستطلاع السابق‏.‏

في سؤال حول رأي الأوروبين في جورج بوش‏,‏ فان الذين ردوا بالايجاب كانت نسبتهم‏46%‏ في إيطاليا‏,‏ و‏38%‏ في بريطانيا و‏26%‏ في فرنسا‏,‏ أما أقل النسب حماسا فقد كانت في ألمانيا‏19%‏ وأسبانيا‏14%.‏
بسبب هذا الشعور الرافض للسياسة الأمريكية في ألماينا فان زيارة الرئيس بوش أحيطت بإجراءات أمن غير مسبوقة‏,‏ وتم اختصارها إلي‏19‏ ساعة بدلا من يومين‏,‏ كما أن الرئيس الأمريكي استشعر حرجا كبيرا حين ذهب لالقاء كلمته امام البرلمان الالماني‏,‏ وفوجيء بثلاثة من أعضاء حزب الاشتراكية الديمقراطية وقد رفعوا لافتة كبيرة من المقاش الأبيض داخل قاعة البرلمان‏,‏ وقد كتبت عليها عبارة تقول‏:‏ مستر بوش‏+‏ مستر شرودر أوقفوا حربكم كما أن أحد ممثلي حزب الخضر غادر القاعة احتجاجا علي التصفيق الذي قوبل به الرئيس الأمريكي‏,‏ وقال لمن سألوه انه من غير المعقول ان يصفق الأعضاء لبوش وما يمثله من سياسة‏.‏

‏(5)‏
تستطيع في المانيا ان تقول أي شيء يخطر علي بالك‏,‏ إلا أن تنتقد إسرائيل‏,‏ فأنت في هذه الحالة متهم بما يشبه المروق والكفر‏,‏ ومن ثم فانك تدفع ثمنا باهظا لقاء ذلك‏,‏ قد يصل إلي حد الاغتيال السياسي‏,‏ وهذه القصة التي مازالت تلوكها الالسن دالة علي ذلك‏.‏
في شهر ابريل الماضي عبر يوركن مولمان نائب زعيم الحزب الديمقراطي عن مساندته للعمليات الاستشهادية‏,‏ وقال إنها عمل طبيعي من جانب شعب بلد محتل‏,‏ وهو ما أعتبره ممثل المجلس المركزي ليهود المانيا تصريحا خطيرا‏,‏ ثم تفاقم الموقف حين انسحب عضو البرلمان الألماني سوري الأصل جمال قارصلي من حزب الخضر‏,‏ احتجاجا علي السياسة الموالية لإسرائيل التي يتبعها يوشكا فيشر وزير الخارجية‏,‏ وزميله في الحزب‏,‏ وفي الوقت ذاته قدم قارصلي طلبا للانضمام إلي الحزب الديمقراطي الحاكم‏,‏ ازاء ذلك صعد مجلس يهود ألمانيا حملته ضد الحزب الديمقراطي‏,‏ وزاد الطين بلة أن قارصلي أدلي بحديث لاحدي الصحف دعا فيها المانيا لان تتحلي بالشجاعة مرة واحدة فتدين مذبحة جنين‏,‏ وتطالب الاتحاد الأوروبي بمعاقبة إسرائيل علي جرائمها‏,‏ وعندما سئل عما إذا كان يعتبر الالمان جبناء فيما يخص إسرائيل‏,‏ فرد بالايجاب‏.‏

لم يقف الأمر عند ذلك الحد‏,‏ وانما ذهب في جرأته إلي انتقاد هيمنة اللوبي الصهيوني علي الإعلام الالماني‏,‏ وقال إنه يتفهم خجل الألمان من ارث المرحلة النازية‏,‏ وتساءل‏:‏ إلي متي سيظل الألمان يحملون ذلك العبء‏,‏ مشيرا إلي أن ارتكاب جريمة لايبرر ارتكاب جريمة أخري‏,‏ واذا كان المرء ضد الإرهاب النازي فلابد له أن يدين إرهاب شارون‏.‏
قامت القيامة حين قال قارصلي هذا الكلام‏,‏ فدعاه رئيس برلمان الولايات إلي التخلي عن ولايته النيابية وهذه سابقة تحدث لأول مرة واتهمه وزير الخارجية فيشر بانعدام المسئولية السياسية والاخلاقية‏!.‏

وشن عليه المجلس اليهودي حملة شعواء استخدمت فيها كل أسلحة التشهير والابتزاز‏,‏ انتهت بسحب قارصلي طلب انضمامه للحزب الديمقراطي‏,‏ وبقائه كنائب مستقل‏,‏ بعد الزوبعة التي أثارتها تصريحاته وهددت بانقسام الحزب‏,‏ لكن المجلس اليهودي لم يغفر له فعلته‏,‏ ولاقبلت من مولمان اعتذاره لليهود‏,‏ ومازالت تهمة معاداة السامية تلاحق الرجلين‏,‏ اللذين غامرا بمستقبلهما السياسي حين قالا كلمة حق كسرت المقدس في الخطاب السياسي الالماني‏.‏
اهم ما فعله قارصلي بعد ذلك انه كتب رسالة نشرتها معظم الصحف الالمانية قال فيها إن الحملة ضده اثبتت أن انتقاد سياسة إسرائيل اصبح من المحرمات‏,‏ وصار ذريعة للاتهام بمعاداة السامية‏,‏ كما وجه سؤالا إلي وزير الخارجية الألماني قال فيه‏:‏ لماذا كان قتل المسلمين في البلقان انتهاكا لحقوق الانسان‏,‏ بينما اعتبر في فلسطين إجراءات انتقامية عادلة‏,‏ ووسائل وقائية للدفاع عن النفس؟
لم يجب الوزير بطبيعة الحال‏!‏
أضافة تعليق