مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
مخطط استئصال الوجود الفلسطيني
هويدي 16-7-2002

أكثر ما أخشاه أن تضيع منا كليات الصراع الدائر علي أرض فلسطين‏,‏ وسط سيل الأخبار التي تتدفق يوميا حول الاجتياحات والمداهمات والاعتقالات والاغتيالات وغير ذلك‏.‏ فالذي يحدث الأن في فلسطين ليس حربا ضد السلطة‏,‏ ولا هو محاولة لإغلاق ملف القضية‏,‏ وإنما هو يستهدف تصفية الوجود المادي للشعب الفلسطيني ذاته‏.‏ إن شئت فقل أنه نوع من الإبادة المادية والسياسية في آن واحد التي لها ما بعدها‏.‏ وتلك هي الجريمة الكبري التي تتم الآن تحت أعين الجميع‏.‏

‏(1)‏
يوم السبت‏7/6‏ كانت أسرة محمد الهندي عائدة إلي بيتها في خان يونس‏,‏ بعد أن شاركت في حفل زفاف أحد الأقارب في غزة‏.‏ تعجلت الأم رندة في العودة المبكرة‏,‏ قبل الزحام وتحسبا لأية طواريء تحدث علي الطريق‏.‏ انحشر الجميع في سيارة الأسرة من طراز فولكس واجن‏,‏ إذ كان عددهم ثمانية أشخاص‏.‏ سلكوا الطريق الساحلي في السادسة صباحا من غزة الي خان يونس‏,‏ حيث لم يكونوا وحدهم‏,‏ وإنما انضموا إلي رتل صغير من السيارات‏.‏ ما أن اقتربت الفولكس من محطة الجعل علي طريق البحر حتي انهالت علي ركابها طلقات الرصاص من أبراج المراقبة المقامة علي حدود مستوطنة نتساريم الاسرائيلية‏,‏ التي تبعد نحو كيلو متر من الشاطيء‏.‏ كان الرصاص كثيفا وزخاته تلمع وسط الضباب الكثيف المخيم علي المكان‏,‏ والذي كاد يمنع الرؤية‏.‏
بقية الحكاية روتها نرجس الهندي زوجة الابن‏,‏ التي كانت جالسة الي جوارحماتها رندة‏.‏ حين دوت طلقات الرصاص احتضنت عمتي بقوة طفلتها نور التي لم تتجاوز سنتين من العمر‏,‏ وانحنت فوقها‏,‏ بينما أسرع عمر‏(‏ الابن‏)‏ بالسيارة لكي يتجاوز منطقة ضرب النار‏.‏ وحين توقف إطلاق الرصاص‏,‏ انعطف عمر بالسيارة جانبا وتوقف لكي يلتقط أنفاسه‏.‏ طلبت من عمتي ان ترفع رأسها لكنها لم ترد علي‏.‏ صرخت وحاولت تحريكها‏,‏ فاكتشفت ان رأسها ووجهها من الناحية اليسري مكسوان بالدماء‏.‏ نظرت الي نور‏,‏ وأذهلني ما رأيت‏.‏ كان رأسها مهشما تماما‏.‏ حيث أصابته رصاصة مباشرة‏.‏ كان المشهد مرعبا‏.‏ فبجواري عمتي غارقة في دمائها‏,‏ وعلي حجرها طفلتها نور بلا رأس تقريبا‏,‏ وقد تناثر دماؤها علي المقعد‏,‏ وعلي ثياب العمة التي كانت بلا حراك‏.‏ كل ما فعلته أنني وضعت رأسها علي كتفي‏,‏ ورحت أصرخ منادية الأثنتين‏:‏ عمتي ونور‏.‏
ظهر السبت بثت وكالات الأنباء الخبر التالي‏:‏ قالت مصادر طبية في مستشفي شهداء الأقصي في دير البلح‏(20‏ كيلو مترا جنوب غزة‏)‏ أن رندة خالد الهندي‏(44‏ عاما‏)‏ وطفلتها الرضيعة نور محمد الهندي‏(‏ عامان‏)‏ وصلتا الي المستشفي جثتين هامدتين‏.‏ وأضافت المصادر ان الطفلة نور كانت بلا رأس تقريبا‏,‏ إذ تهشم رأسها برصاصة من النوع الثقيل‏,‏ كما أن الأم وصلت مصابة بأعيرة نارية مماثلة في مختلف أنحاء جسمها‏,‏ وقال شهود عيان أن جنود الاحتلال المتمركزين في أبراج المستوطنة أطلقوا النار بكثافة في اتجاه عدد من السيارات المارة علي الطريق الساحلي بين مدينتي غزة وخان يونس‏,‏ مما أدي إلي مصرع رنده الهندي وطفلتها‏,‏ وأصابوا عددا آخر من المسافرين بجروح مختلفة‏,‏ ونقلوا علي اثر ذلك إلي المستشفي‏.‏

‏(2)‏
يقشعر بدن الواحد منا وهو يقرأ التفاصيل‏.‏ لكن الحادث اصبح يمثل لسكان الأرض المحتلة خبرا عاديا ويوميا‏.‏ فلا الأم رندة هي أولي النساء اللاتي قتلن‏,‏ ولا الطفلة نور آخر الأطفال الذين هشمت رؤوسهم‏.‏ ذلك أن شبح الموت أصبح يظلل الجميع‏,‏ لا من خرج من بيته مطمئن الي أنه سيعود سالما‏,‏ ولا الذي اعتصم ببيته واثق من أنه في مأمن من الموت‏.‏
في ذات اليوم الذي نشر فيه خبر مقتل الأم وطفلتها‏,‏ قتلت القوات الإسرائيلية خميس فهمي شراب‏(46‏ عاما‏)‏ في منطقة قيزان أبو رشوان‏,‏ ودمرت جرافة تحرسها دبابتان موقعا أمنيا فلسطينيا تابعا للقوات الحدودية جنوب معبر صوفاه شرق مدينة رفح‏.‏ وتوغلت قوات الاحتلال في منطقة العزبة التابعة لبلدة بيت حانون‏,‏ شمالي قطاع غزة‏,‏ وصولا الي أبراج الندي القريبة‏.‏ وأعلن ان ثلاثة من الأسري في مستشفي سجن نفيه ترتسا يواجهون خطر الموت‏,‏ أحدهم مصاب بفشل كلوي ويحتاج الي جراحة سريعة لزراعة كلية‏,‏ والثاني مصاب في القلب وبدوره يحتاج الي جراحة سريعة‏,‏ والثلاثة مصاب بتلوث خطير يهدده بالشلل‏.‏ والثلاثة نزلاء معتقل أنصار‏3‏ الذي كان قد أغلق في عام‏95,‏ ثم أعيد افتتاحه في أعقاب الانتفاضة الأخيرة‏,‏ ليصبح ساحة لتعذيب الفلسطينيين وإذلالهم‏.‏ ونقلت الوكالة الفرنسية في رام الله أن شبانا فلسطينيين كان قد أطلق سراحهم من أحد السجون الاسرائيلية‏,‏ لكنهم سجنوا مرة أخري وهم في طريق عودتهم إلي بيوتهم‏.‏ وهو ما اكتشفته أسرة أحدهم‏(‏ عبدالهادي ـ‏21‏ سنة‏)‏ بعد أربعة أيام من اختفائه اثر الإفراج عنه‏,‏ ونشرت الصحف صورة لاثنين من الشبان ظهرا شبه عاريين
وقد غطيت أعينهما‏,‏ وكبلت أيديهما وراء ظهريهما‏,‏ بينما وقف جندي إسرائيلي صغير السن‏,‏ مدججا بالسلاح وتعلو وجهه ابتسامة بلهاء‏.‏ وادعت اسرائيل ان العربيين كانا بصدد القيام بعملية ضد المستوطنين في غزة‏.‏ كما نشرت تقارير صحفية أخري عن عذابات الآف الفلسطينيين الذين تجمعوا عند معبر رفح أو في أريحا‏,‏ في انتظار اللحاق بأبنائهم وعوائلهم الذين اعتادوا السفر اليهم خلال فترة الصيف‏,‏ وكيف ان معبر رفح مثلا لا يفتح إلا خمس ساعات يوميا‏,‏ ويتعرض الفلسطينيون الي تفتيش طويل ومهين‏,‏ بحيث لا يمكن أكثر من مائة أو مائتين علي أحسن الفروض من العبور كل يوم‏,‏ في حين أن المعدل الطبيعي للعبور في السنوات السابقة كان ثلاثة الاف شخص يوميا‏.‏ وهذه المعاناة المقترنة بالذل تحدثت عنها تقارير اخري عالجت أوضاع سكان المدن التي أعيد احتلالها‏,‏ والتي تخضع لحظر التجول إلا في ساعات محدودة خلال النهار‏.‏ بل أن محافظ طولكرم العميد عز الدين الشريف ذكر في تصريح صحفي ان منع التجول لم يرفع عن المدينة التي يسكنها‏90‏ ألف نسمة طيلة ثمانية أيام متواصلة‏,‏ الأمر الذي حولها الي مدينة أشباح‏.‏ وقال ان هناك عشرة الاف طفل بحاجة الي تطعيم طبي لا يتوافر لهم‏,‏ ذلك غير عشرات النساء الحوامل اللاتي يواجهن صعوبات جمة‏,‏ خصوصا في ظل شل حركة الطواقم الطبية والإسعاف‏.‏
هذه عناوين يوم واحد في الزمن الفلسطيني المجلل بالدم والمسكون بالمذلة والمهانة‏,‏ هو السبت السادس من شهر يوليو الحالي‏.‏ ليس كل العناوين بالتأكيد‏,‏ ولكنها بعضها الذي تناقلته صحف ذلك الصباح‏.‏

‏(3)‏
لكي تكتمل صورة الجحيم في الأرض المحتلة فان الذين كتبت لهم الحياة‏,‏ وظلوا خارج السجون ولم يساقوا الي المعتقلات المقامة وسط الصحراء‏,‏ تلهب اسرائيل ظهورهم وتحاول تركيعهم وكسر إرادتهم من خلال سياسة التجويع المتعمد‏,‏ التي تسير جنبا الي جنب مع سياسة الإهانة والإذلال‏,‏ أن شئت فقل أن عملية التجويع هي أحدا حلقات تلك السياسة‏.‏
أشرت توا إلي ما حدث في طولكرم‏,‏ التي منع التجول فيها تماما لمدة ثمانية أيام‏,‏ بحيث لم يجرؤ أحد علي مغادرة بيته طيلة تلك المدة‏,‏ ولم يكن بوسع أي بيت أن يدبر حاجته من الخبز أو الحليب أو الماء‏,‏ ناهيك عن الدواء‏.‏ وما جري في طولكرم يتكرر يوميا في بقية مدن وقري الضفة‏,‏ الأمر الذي أصاب الحياة بالشلل وضاعف من عذابات الناس‏.‏ وهم الذين تعطلت اعمالهم وانقطعت بهم أسباب الرزق‏.‏

قد بدأت الاحصاءات الإسرائيلية‏,‏ وليست الفلسطينية ـ تتحدث عن نسبة عالية جدا من العاطلين عن العمل في الأرض المحتلة‏,‏ بالمقابل فان مركز السكان وحقوق العاملين الفلسطيني‏,‏ ذكر أن معدل البطالة بين الفلسطينيين وصل الي‏65%,‏ في حين وصلت معدلات الفقر إلي مستوي غير مسبوق‏,‏ وهو‏75%.‏
وذكرت الصحافة الاسرائيلية‏(‏ يديعوت احرونوت‏)‏ ان وكالة غوث وتشغيل اللاجئين‏(‏ الأونروا‏)‏ لم تعد تعني باللاجئين بل بمليون و‏800‏ الف معوز‏,‏ والصليب الأحمر لم يعد يعالج قضايا الأسري بل يعالج ايضا المساعدة المعيشية الحقيقية‏...‏ وفي كل شهر يفكر‏130‏ الف شخص يعملون موظفين‏,‏ ما اذا كانوا سيحصلون اصلا علي رواتبهم‏.‏ وبرغم معرفة الحكومة الاسرائيلية لهذه الأرقام فانها تواصل سياسة التجويع‏,‏ الأمر الذي يعني ان السياسة متعمدة‏,‏ ولها اهدافها ضمن المخططات الاسرائيلية‏.‏

في إطار سياسة التجويع تقوم اسرائيل بعرقلة وصول المساعدات‏,‏ سواء تلك التي تصل من منظمات أهلية دولية‏.‏ أو التي يرسلها العرب‏,‏ أو تلك التي يرسلها الفلسطينيون من داخل دولة اسرائيل‏.‏ وكان المركز القانوني للأقلية العربية في اسرائيل‏(‏ عدالة‏),‏ قد بعث برسالة طالبا التدخل الفوري لرفع الحصار عن طولكرم‏,‏ ولفتت الرسالة الي ان القانون الدولي يحتم علي جيش الاحتلال توفير الحاجات الأساسية للمدنيين‏,‏ وقبل ذلك بأيام‏,‏ طالبت اثنتان وثلاثون منظمة انسانية‏,‏ من بينها كير واوكسفام وأطباء بلا حدود‏,‏ اسرائيل بتوفير منافذ ملائمة لموظفي الاغاثة‏,‏ تمكنهم من الوصول الي المواطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة‏,‏ وقال بيان صادر عن تلك الوكالات نحن نتعرض لتعطيل زائد عند نقاط التفتيش العسكرية‏,‏ وأصبحنا عاجزين عن الوصول الي المدنيين المحتاجين الي مساعدات‏.‏
اتباع هذه السياسة كان له صداه في الأوساط الاسرائيلية ذاتها‏,‏ التي تخوفت من أن تؤدي عملية التجويع الي تشجيع الفلسطينيين الي الأقدام علي المزيد من العمليات الاستشهادية‏,‏ باعتبار ذلك حلا وحيدا تبقي لهم‏.‏ ففي الكنيسيت حذر يوسي ساريد من كارثة انسانية في الأراضي الفلسطينية‏.‏ وقال لاذاعة الجيش الاسرائيلي‏:‏ كان علي بوش ان يعرف أن خطابه سيفتح الطريق امام اعادة احتلال الأراضي الفلسطينية ووقوع كارثة انسانية‏,‏ وقال ساريد‏:‏ يجب تذكير الرئيس بوش وآرييل شارون ان تجويع السكان المدنيين جريمة ضد الانسانية ينبغي محاسبة المسئولين عنها‏.‏ أما داخل المجلس الوزاري الأمني المصغر‏,‏ فقد تحدث شمعون بيريز وزير الخارجية قائلا‏:‏ ان اسرائيل تمارس عقوبات جماعية في المناطق‏,‏ وهذا غير صحيح وغير حكيم وغير أخلاقي‏..‏ والسياسة الحالية تنشئ وضعا خطيرا للغاية ولابد من تصحيحه قبل فوات الأوان‏.‏ وشهد ذلك الاجتماع نقاشا صريحا عن استعمال التجويع كسياسة لجعل الناس يتحركون ضد السلطة الفلسطينية‏,‏ فقدم قادة الأجهزة الأمنية تقارير تقول‏:‏ ان الغضب داخل المناطق الفلسطينية اصبح موجها بالتساوي ضد اسرائيل وضد السلطة الفلسطينية‏..‏ فإذا خففت اسرائيل معاناتهم فان النسبة ستميل الي صالحها‏.‏

‏(4)‏
بالاضافة الي ماأصاب البشر من قهر واذلال وتدمير للذات في الحملة الراهنة‏,‏ يلفت النظر لاريب المدي الذي ذهبت اليه اسرائيل في محاولتها تدمير المرافق والهياكل ومقومات استمرار الحياة في الضفة والقطاع‏.‏ اذ علي مرآي ومسمع من العالم‏,‏ قامت اسرائيل بتدمير شبكات المياه والكهرباء والهاتف‏,‏ وشبكات الطرق والصرف الصحي والمرفأ والمطار‏,‏ ومباني الشرطة والأمن والدوائر الرسمية‏,‏ ومباني وزارات السلطة‏.‏ وقسم كبير من المدارس والورش الصناعية‏.‏
وتجريف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية‏,‏ الي جانب الدمار الواسع في الأحياء السكنية الفلسطينية‏,‏ التي دمر بعضها علي قاطنيها‏.‏

هذا التدمير الوحشي واللاانساني لايمكن ان يسمي حربا‏,‏ اذ للحرب قواعد وقوانين واعراف واخلاقيات‏,‏ لكن الحاصل تجاوز ذلك كله‏.‏ ان شئت فقل انه نوع من الافتراس للبشر والاكتساح للمكان‏.‏
وذلك لايمكن ان يكون قد تم بدافع الانتقام وحده أو حتي ضرب البنية التحتية للمقاومة‏,‏ وهو الذي يمكن ان يتحقق بعشر معشار تلك الاجراءات المجنونة‏.‏ وتبرير الحاصل بحسبانه نوعا من الدفاع عن النفس هو مزحة سمجة‏,‏ تنم عن جهل فاحش أو سوء قصد‏,‏ او الاثنين معا‏.‏
هذا الذي يحدث لايمكن ان يفسر الا بحسبانه محاولة لتهديم كل مرتكزات الوجود المادي للشعب الفلسطيني علي أرضه‏,‏ بحيث يصبح ذلك الوجود أو ماتبقي منه هو الجحيم بعينه‏,‏ الذي لا تحتمله طاقة البشر‏.‏ وليست هذه نهاية المطاف‏,‏ لأنني أري في الأفق محاولة لاستعادة المشهد الذي تم اثر هزيمة‏67,‏ حيث شهدت الأرض الفلسطينية حركة نزوح واسعة النطاق باتجاه شرق الأردن‏,‏ بكلام اخر‏,‏ فان الجحيم الذي يقام الآن في الضفة والقطاع‏,‏ يراد له ان يمهد الطريق لذلك النزوح الذي يحلم به شارون وجماعته من قوي اليمين‏,‏ الذين يعتبرون الظروف الراهنة مهيأة تماما لتقليص الوجود الفلسطيني‏,‏ واجبار اعداد كبيرة من الفلسطينيين علي النزوح وترك البلاد هربا من الجحيم‏,‏ دون صدور قرار بالطرد أو الترحيل‏(‏ ترانسفير‏).‏ انه لن يطردوا احدا حتي لايسئ ذلك الي سمعتهم دوليا‏,‏ لكنهم سيصلون الي ذات النتيجة عن طريق خلق ظروف طاردة تحقق المراد دون ألم‏!‏

‏(5)‏
لماذا يريدون طرد الفلسطينيين واستئصالهم؟
عند المتدينين اليهود وسطوتهم في الحكم كما نعرف الموقف محسوم فالتشريع الحربي واضح في سفر التثنية‏,‏ الذي يتضمن نصا يقول‏:‏ وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب الهك‏,‏ فلا تستبق منها نسمة‏,‏ بل تحرمها تحريما‏(‏ أي تبيدها بالكامل‏)‏ وحسب تفسيرات النص‏,‏ فان الربانيين اليهود يقولون ان تلك الشعوب التي يجب ان تباد‏,‏ هي القبائل الكنعانية العربية التي وجدت في فلسطين منذ فجر التاريخ‏.‏
اضافة الي هذه الخلفية التوراتية فهناك حسابات استراتيجية اخري‏.‏ خلاصتها ان تعداد سكان اسرائيل حقق قفزة تاريخية خلال السنوات العشر الأخيرة‏,‏ حيث ارتفع من‏4‏ ملايين الي خمسة ملايين ونصف‏,‏ وتسعي حكومة شارون الي استجلاب مليون يهودي آخر خلال العقد الحالي لتعزيز الوجود السكاني اليهودي‏,‏ وتمكينه من الصمود امام التزايد السكاني الفلسطيني عموما بعدما بينت الاحصاءات انه في سنة‏2020‏ سيمثل العرب‏55%‏ من سكان فلسطين بينما لن يتجاوز نسبة الاسرائيليين‏45%.‏
واليوم يعيش في فلسطين مابين البحر والنهر تسعة ملايين نسمة‏,‏ الأمر الذي يشكل ضغطا هائلا علي الموارد‏,‏ خاصة المياه‏.‏ اذ تبلغ الكثافة السكانية في فلسطين تسعة اضعافها في الأردن‏,‏ وستة اضعاف مثيلتها في سوريا‏.‏ وازاء نسبة النمو العالية بين الفلسطينيين‏(3.4%)‏ فقد أدركت النخبة الاسرائيلية ان أي انسحاب واسع من اراضي الضفة الغربية سوف يشكل كارثة للمشروع الصهيوني‏,‏ وستتضاعف الكارثة اذا ماعادت الي فلسطين اعداد من اللاجئين‏(‏ توقعوا ان يعود مابين مليون ومليون ونصف لاجئ‏)‏ بسبب هذه الحقيقة السكانية المهمة في الحسابات الاسرائيلية كان لابد من التراجع عن اتفاق اوسلو‏,‏ والغاء فكرة الانسحاب‏,‏ وهذا ماتم بالفعل‏.‏ وبعد ان أطلقت الولايات المتحدة يد اسرائيل في الضفة والقطاع خصوصا بعد خطاب الرئيس بوش الأخير فان الظرف اصبح مواتيا للذهاب الي ماهو ابعد‏,‏ واستئصال الوجود الفلسطيني قدر الامكان من الضفة والقطاع‏,‏ للتخفف من عبء السكان والاعداد لاستقبال المهاجرين الجدد‏,‏ وهذا مايجري تنفيذه الآن‏,‏ انتهت الحكاية‏!‏
أضافة تعليق