هويدي 25-6-2002
الكذب والافتراء فيما يخص الشأن الفلسطيني لم نعد نستغربه في الإعلام الأمريكي, لكن الغش والاحتيال في هذا الموضوع لم نألفهما. صحيح ان الذي يكذب لايستكثر عليه ان يغش او يحتال, لكننا كنا نظن ان ثمة تقاليد للمهنة بالدول المتقدمة مازالت تحول دون الانزلاق الي ذلك المدي البائس في التحيز, وهو ظن لم يعد مقطوعا به بعد الذي جري هناك أخيرا, حين انتحل صحفي امريكي اسما عربيا, ومضي يكيل السباب والشتائم للمقاومة الفلسطينية من مقره في لندن في حين ادعي كذبا انه يكتب رسائله من فلسطين.!
(1)
هذا المنطوق يحتاج الي ضبط, حتي لا يتحول الي تعميم يقلل من شأن الإعلام الأمريكي او يبخسه حقه. ذلك أننا لا نطلق حكما عاما علي ذلك الإعلام الذي نعرف انه يتمتع بدرجة عالية من القوة والاحترام, ولا ينسي له انه الوحيد في العالم الذي اسقط رئيسا للجمهورية( الرئيس نيكسون) الا ان رصيده من النزاهة والمصداقية يهتز ويتراجع ـ للأسف حينما يتعلق الامر بالشأن الفلسطيني بوجه اخص, حيث يتحول الجهاز الإعلامي في هذه الحالة الي وسيلة للتضليل والتشويش وقلب الحقائق علي نحومذهل لايكاد يصدقه عقل: إذنجده يقف بالمطلق الي جانب القاتل ضد القتيل, مهدرا في ذلك كل ما يتوافر له من رصيد مهني وأخلاقي. هناك استثناءات بطبيعة الحال, حيث لم يخل الأمر من نماذج وقفت بصلابة وموضوعية الي جانب الحق والعدل, إلا ان تلك اصوات ظلت محدودة, وتعرضت لدرجات متفاوتة من الحصار والترهيب, خارج هذه الدائرة فإن مختلف المنابر الإعلامية لا يقبل منها ولا يسمح لها بأن تتعامل بأي قدر من الانصاف مع الملف الفلسطيني. حيث تقف مراكز القوي الصهيونية بالمرصاد لكل من تسول له نفسه ان يكون ناقلا للحقيقة اوحتي معبرا عن وجهتي النظر فيها, وقد تعرضت صحيفتا لوس انجيلوس تايمز وواشنطن بوست أخيرا لضغوط رهيبة, وصلت الي حد المقاطعة وحجب الاشتراكات ومنع الاعلانات, حتي محطة تليفزيون سي إن إن لم تسلم من تلك الضغوط لمجرد انها حاولت ان تنقل بقدر من الامانة ما جري في الضفة الغربية اثناء الاجتياح الاسرائيلي لمدنها وقراها. إذ يظل سيف العداء للسامية مشهرا فوق رقاب كل من يرفض الانحيازلاسرائيل والانصياع لمراكز القوي الصهيونية ويحاول التصرف بأي شكل من اشكال الاستقلال او الموضوعية.
نعم هناك من يغلب المصالح ويستسلم للترهيب, وهناك ايضا من ينطلق من موقف الكاره للعرب جميعا والمسلمين, ومن اسف ان هؤلاء وهؤلاء يظلون اصحاب الصوت المعلي في اجهزة الاعلام والاقوي تأثيرا علي الرأي العام. وهو تأثير يتضاعف في ظل الادارة الامريكية الحالية الخاضعة لنفوذ اليمين الصهيوني الذي يعتبر الانحياز لإسرائيل والعداء للفلسطينيين خيارا وحيدا لا يقبل المناقشة ولا يحتمل التراجع.
(2)
النموذج الذي نحن بصدده هذه المرة فاق كل ما عرفناه أوخبرناه وتتلخص وقائعه فيما يلي:
* دأبت صحيفة واشنطن تايمز(100 الف نسخة) علي نشر تقارير حول الاوضاع في فلسطين في الآونة الاخير,مملوءة بالتحيز والتغليط, كان اكثر ما لفت الانظار فيها أنها رسالة من داخل الاراضي المحتلة, وان مرسلها شخص عربي اسمه سيد انور.
* تحري الامر الناشطون الفلسطينيون في الولايات المتحدة, خاصة اعضاء مركز العودة الذين شكوا في ان يكون هناك وجود حقيقي لمراسل صحفي فلسطيني بذلك الاسم. وبعد بحث وتدقيق واتصالات مع مختلف المصادر التي يمكن ان تكون علي صلة بالموضوع, ظهرت المفاجأة الكبري, التي تمثلت في انه لا وجود لشخص بهذا الاسم, وان المدعو سيد انور هو في حقيقة الامر المراسل السابق للصحيفة في الشرق الاوسط, اسمه بول مارتن, وان هذا المراسل استقر في لندن وبدأ يكتب عن فلسطين من هناك!
تبين ايضا ان الصحفي بول مارتن الذي كان يرسل تقاريره باسمه الاصلي حينا وبالاسم المنتحل حينا آخر, يعمل بالتنسيق مع احد خبراء الدعاية الذين يعملون لحساب المستوطنين, اسمه دافيد بدين.
حين تم اكتشاف هذه الخلفية اجري احد اعضاء مركز العودة اتصالا هاتفيا مباشرا بخصوص الموضوع مع مسئول الشئون الخارجية بصحيفة واشنطن تايمز, فلم ينكر ان سيد انور اسم منتحل, واعترف بأن الكاتب الحقيقي للتقارير هو بول مارتن من مقره في لندن, لكنه ذكر ان مراسلهم كان مضطرا للتخفي وراء ذلك الاسم لأسباب امنية حيث اعتبر انه لوذكر اسمه الحقيقي لتعرض للإيذاء.
* تكتمت واشنطن تايمز الموضوع لكن إزاء اكتشاف الحقيقة فيها فإنها سربت القصة الي احد محرري صحيفة واشنطن بوست اسمه هوارد كورتز( اغلب الظن انه يهودي) الذي كتب مقالا في5/26 اشار في سياقه الي الواقعية, زاعما ان الصحفيين يضطرون الي اخفاء هوياتهم الحقيقية تحت اسماء اخري, واعتبر ان حكاية بول مارتن وانتحاله اسم سيد أنور نموذج لذلك, وكان عنوان المقال هو: الصحفيون يسمعون اجراس الإنذار في تهديدات الارهابيين!
بهذه الطريقة فإن واشنطن تايمز حاولت مداراة الموضوع, حيث لم تكشف عن الحقيقة ولم تشر اليها علي صفحاتها وانما سربت المعلومة الي صحيفة اخري, لكي تروي القصة باعتبارها من نماذج الاحتياطات والضرورات التي يضطر الصحفي للجوء اليها لكي يؤمن نفسه من تهديدات الارهابيين!
(3)
بدا العذر مضحكا واقبح من الذنب, ذلك انه لن يستغرب احد من صحفي امريكي ان يسب الفلسطينيين وينحاز للإسرائيليين باعتبار ذلك امرا متوقعا, إنما سيصبح الأمرغريبا وداعيا الي الاستياء والغضب إذا ما كان الكاتب عربيا او فلسطينيا. لذلك فقد يفهم ان يحتاط الصحفي العربي الذي يريد سب الفلسطينيين فينتحل اسما غريبا لكي يخفي هويته الحقيقية, أما أن يضطر الامريكي الي انتحال عربي لكي يسب الفلسطينيينعلي راحته فذلك لابد ان يلفت الانظار اليه, وهو ما حدث بالفعل, وفي هذه الحالة فإن ذلك سيجعله عرضة للتهديد المفترض, حيث يتعذر اغتفار فعلته اوخطيئته.
وهذا التهديد الموهوم لا اصل له, وإنما هو امعان مفضوح في الكذب والادعاء لأنه لم يحدث ان تعرض صحفي عربي لأي تهديد أو ابتزاز بسبب انتقاده او تهجمه علي العرب والفلسطينيين, وإنما العكس هو ما حدث, حيث لم يغفر الاسرائيليون ومن لف لفهم لأي صحفي غربي انصافه للعرب او حتي مجرد امانته في عرض وقائع ما جري ويجري في الارض المحتلة, وليس بعيدا عن ذلك السباب وتلك التهديدات بالقتل التي تعرض لها الكاتبان البريطانيان روبرت فيسك وباتريك سيل.
(4)
لا يتسع المقام لعرض ما نشره بول مارتن في واشنطن تايمز تحت الاسم العربي المنتحل سيد انور لكني سأشير الي مقتطفات من تقرير واحد فقط نشرته له الصحيفة في5/13 عنوانه كما يلي: الفلسطينيون المبعدون مارسوا الارهاب علي مدي عامين.. في مقدمة التقريرذكر المراسل الكذوب ان سكان مدينة بيت لحم من المسلمين تنفسوا الصعداءلابعاد الفلسطينيين الثلاثة عشرة الي قبرص, بعدما عانوا من ارهابهم الذي استمر سنتين, وتخللته عمليات ابتزاز واغتيال واغتصاب.(!!).
اضاف ما نصه: الفلسطينيون الذين يعيشون بالقرب من كنيسة المهد( التي احتمي بها المبعدون مع آخرين) وصفوا اولئك الذين ابعدوا الي قبرص وزملاءهم الـ26 الذين ابعدوا الي غزة بأنهم عصابة من المجرمين الذي انقضوا علي الفلسطينيين المسيحيين, وفرضوا عليهم الاتاوات خصوصا رجال الاعمال منهم, بعدما ادعوا ان تلك الاتاوات في مقابل الحماية التي يسبغونها عليهم.لم يكف الكاتب عن الاشارة الي عناصر المقاومة بحسبانهم عصابة من المجرمين
وظل يلح علي انهم يمارسون الاضطهاد والابتزاز ضد المسيحيين( ذكر انهم يكرهون المسيحيين بأكثرمما يحبون فلسطين) ولم يشر الي احتلال ولا الي الاسرائيليين بكلمة, وكأن ما جري في بيت لحم كان صراعا بين المسلمين والمسيحيين وليس بين الفلسطينيين والاحتلال الاسرائيلي.
اتبع الكاتب ذات النهج الذي يتبناه الخطاب الاسرائيلي فنسب العصابة وممارستها الي الرئيس ياسر عرفات, حيث ذكر ان عناصرها تتلقي التعليمات والسلاح والتمويل منه شخصيا, ولأنهم مدعمون بالرئيس فإن يدهم مطلقة بغير حدود,فهم يهربون الاموال والمخدرات ويتاجرن في السلاح ويجبرون الشابات علي الانفصال عن ازواجهن لكي يتحولن الي محظيات لهم.!
بعد ان عبأ التقرير كله بمثل ذلك الكلام المغلوط والمسموم ختم قائلا: حينما كان يطرق اولئك الفلسطينييون باب أي بيت, فإن سكانه المسيحيين لا يبقي امامهم خيار, حيث يضطرون للسماح لهم بالدخول واستخدام منافذ الدارلقنص الاسرائيليين, الامر الذي يعرضهم للرد ولتحمل نتائج تداعيات ذلك الموقف!
علي هذا المنوال تتابعت تقارير الصحفي بول مارتن من لندن, التي ظل القراء الأمريكيون يتابعونها باعتبارها رؤية عربي شاهد عيان نقل ما رآه وسمعه في بيت لحم! وحين انكشف امر الفضيحة فإن صحيفة واشنطن تايمز لم تملك شجاعة الاعتذار عما بدر عنها, هي ومراسلها الذي تواطأت معه, وإنما توارت وراء التسريب الذي نشرته واشنطن بوست الذي لم يكن سوي مداراة للفضيحة ومحاولة للتسترعليها.. ولا تعليق!!
الكذب والافتراء فيما يخص الشأن الفلسطيني لم نعد نستغربه في الإعلام الأمريكي, لكن الغش والاحتيال في هذا الموضوع لم نألفهما. صحيح ان الذي يكذب لايستكثر عليه ان يغش او يحتال, لكننا كنا نظن ان ثمة تقاليد للمهنة بالدول المتقدمة مازالت تحول دون الانزلاق الي ذلك المدي البائس في التحيز, وهو ظن لم يعد مقطوعا به بعد الذي جري هناك أخيرا, حين انتحل صحفي امريكي اسما عربيا, ومضي يكيل السباب والشتائم للمقاومة الفلسطينية من مقره في لندن في حين ادعي كذبا انه يكتب رسائله من فلسطين.!
(1)
هذا المنطوق يحتاج الي ضبط, حتي لا يتحول الي تعميم يقلل من شأن الإعلام الأمريكي او يبخسه حقه. ذلك أننا لا نطلق حكما عاما علي ذلك الإعلام الذي نعرف انه يتمتع بدرجة عالية من القوة والاحترام, ولا ينسي له انه الوحيد في العالم الذي اسقط رئيسا للجمهورية( الرئيس نيكسون) الا ان رصيده من النزاهة والمصداقية يهتز ويتراجع ـ للأسف حينما يتعلق الامر بالشأن الفلسطيني بوجه اخص, حيث يتحول الجهاز الإعلامي في هذه الحالة الي وسيلة للتضليل والتشويش وقلب الحقائق علي نحومذهل لايكاد يصدقه عقل: إذنجده يقف بالمطلق الي جانب القاتل ضد القتيل, مهدرا في ذلك كل ما يتوافر له من رصيد مهني وأخلاقي. هناك استثناءات بطبيعة الحال, حيث لم يخل الأمر من نماذج وقفت بصلابة وموضوعية الي جانب الحق والعدل, إلا ان تلك اصوات ظلت محدودة, وتعرضت لدرجات متفاوتة من الحصار والترهيب, خارج هذه الدائرة فإن مختلف المنابر الإعلامية لا يقبل منها ولا يسمح لها بأن تتعامل بأي قدر من الانصاف مع الملف الفلسطيني. حيث تقف مراكز القوي الصهيونية بالمرصاد لكل من تسول له نفسه ان يكون ناقلا للحقيقة اوحتي معبرا عن وجهتي النظر فيها, وقد تعرضت صحيفتا لوس انجيلوس تايمز وواشنطن بوست أخيرا لضغوط رهيبة, وصلت الي حد المقاطعة وحجب الاشتراكات ومنع الاعلانات, حتي محطة تليفزيون سي إن إن لم تسلم من تلك الضغوط لمجرد انها حاولت ان تنقل بقدر من الامانة ما جري في الضفة الغربية اثناء الاجتياح الاسرائيلي لمدنها وقراها. إذ يظل سيف العداء للسامية مشهرا فوق رقاب كل من يرفض الانحيازلاسرائيل والانصياع لمراكز القوي الصهيونية ويحاول التصرف بأي شكل من اشكال الاستقلال او الموضوعية.
نعم هناك من يغلب المصالح ويستسلم للترهيب, وهناك ايضا من ينطلق من موقف الكاره للعرب جميعا والمسلمين, ومن اسف ان هؤلاء وهؤلاء يظلون اصحاب الصوت المعلي في اجهزة الاعلام والاقوي تأثيرا علي الرأي العام. وهو تأثير يتضاعف في ظل الادارة الامريكية الحالية الخاضعة لنفوذ اليمين الصهيوني الذي يعتبر الانحياز لإسرائيل والعداء للفلسطينيين خيارا وحيدا لا يقبل المناقشة ولا يحتمل التراجع.
(2)
النموذج الذي نحن بصدده هذه المرة فاق كل ما عرفناه أوخبرناه وتتلخص وقائعه فيما يلي:
* دأبت صحيفة واشنطن تايمز(100 الف نسخة) علي نشر تقارير حول الاوضاع في فلسطين في الآونة الاخير,مملوءة بالتحيز والتغليط, كان اكثر ما لفت الانظار فيها أنها رسالة من داخل الاراضي المحتلة, وان مرسلها شخص عربي اسمه سيد انور.
* تحري الامر الناشطون الفلسطينيون في الولايات المتحدة, خاصة اعضاء مركز العودة الذين شكوا في ان يكون هناك وجود حقيقي لمراسل صحفي فلسطيني بذلك الاسم. وبعد بحث وتدقيق واتصالات مع مختلف المصادر التي يمكن ان تكون علي صلة بالموضوع, ظهرت المفاجأة الكبري, التي تمثلت في انه لا وجود لشخص بهذا الاسم, وان المدعو سيد انور هو في حقيقة الامر المراسل السابق للصحيفة في الشرق الاوسط, اسمه بول مارتن, وان هذا المراسل استقر في لندن وبدأ يكتب عن فلسطين من هناك!
تبين ايضا ان الصحفي بول مارتن الذي كان يرسل تقاريره باسمه الاصلي حينا وبالاسم المنتحل حينا آخر, يعمل بالتنسيق مع احد خبراء الدعاية الذين يعملون لحساب المستوطنين, اسمه دافيد بدين.
حين تم اكتشاف هذه الخلفية اجري احد اعضاء مركز العودة اتصالا هاتفيا مباشرا بخصوص الموضوع مع مسئول الشئون الخارجية بصحيفة واشنطن تايمز, فلم ينكر ان سيد انور اسم منتحل, واعترف بأن الكاتب الحقيقي للتقارير هو بول مارتن من مقره في لندن, لكنه ذكر ان مراسلهم كان مضطرا للتخفي وراء ذلك الاسم لأسباب امنية حيث اعتبر انه لوذكر اسمه الحقيقي لتعرض للإيذاء.
* تكتمت واشنطن تايمز الموضوع لكن إزاء اكتشاف الحقيقة فيها فإنها سربت القصة الي احد محرري صحيفة واشنطن بوست اسمه هوارد كورتز( اغلب الظن انه يهودي) الذي كتب مقالا في5/26 اشار في سياقه الي الواقعية, زاعما ان الصحفيين يضطرون الي اخفاء هوياتهم الحقيقية تحت اسماء اخري, واعتبر ان حكاية بول مارتن وانتحاله اسم سيد أنور نموذج لذلك, وكان عنوان المقال هو: الصحفيون يسمعون اجراس الإنذار في تهديدات الارهابيين!
بهذه الطريقة فإن واشنطن تايمز حاولت مداراة الموضوع, حيث لم تكشف عن الحقيقة ولم تشر اليها علي صفحاتها وانما سربت المعلومة الي صحيفة اخري, لكي تروي القصة باعتبارها من نماذج الاحتياطات والضرورات التي يضطر الصحفي للجوء اليها لكي يؤمن نفسه من تهديدات الارهابيين!
(3)
بدا العذر مضحكا واقبح من الذنب, ذلك انه لن يستغرب احد من صحفي امريكي ان يسب الفلسطينيين وينحاز للإسرائيليين باعتبار ذلك امرا متوقعا, إنما سيصبح الأمرغريبا وداعيا الي الاستياء والغضب إذا ما كان الكاتب عربيا او فلسطينيا. لذلك فقد يفهم ان يحتاط الصحفي العربي الذي يريد سب الفلسطينيين فينتحل اسما غريبا لكي يخفي هويته الحقيقية, أما أن يضطر الامريكي الي انتحال عربي لكي يسب الفلسطينيينعلي راحته فذلك لابد ان يلفت الانظار اليه, وهو ما حدث بالفعل, وفي هذه الحالة فإن ذلك سيجعله عرضة للتهديد المفترض, حيث يتعذر اغتفار فعلته اوخطيئته.
وهذا التهديد الموهوم لا اصل له, وإنما هو امعان مفضوح في الكذب والادعاء لأنه لم يحدث ان تعرض صحفي عربي لأي تهديد أو ابتزاز بسبب انتقاده او تهجمه علي العرب والفلسطينيين, وإنما العكس هو ما حدث, حيث لم يغفر الاسرائيليون ومن لف لفهم لأي صحفي غربي انصافه للعرب او حتي مجرد امانته في عرض وقائع ما جري ويجري في الارض المحتلة, وليس بعيدا عن ذلك السباب وتلك التهديدات بالقتل التي تعرض لها الكاتبان البريطانيان روبرت فيسك وباتريك سيل.
(4)
لا يتسع المقام لعرض ما نشره بول مارتن في واشنطن تايمز تحت الاسم العربي المنتحل سيد انور لكني سأشير الي مقتطفات من تقرير واحد فقط نشرته له الصحيفة في5/13 عنوانه كما يلي: الفلسطينيون المبعدون مارسوا الارهاب علي مدي عامين.. في مقدمة التقريرذكر المراسل الكذوب ان سكان مدينة بيت لحم من المسلمين تنفسوا الصعداءلابعاد الفلسطينيين الثلاثة عشرة الي قبرص, بعدما عانوا من ارهابهم الذي استمر سنتين, وتخللته عمليات ابتزاز واغتيال واغتصاب.(!!).
اضاف ما نصه: الفلسطينيون الذين يعيشون بالقرب من كنيسة المهد( التي احتمي بها المبعدون مع آخرين) وصفوا اولئك الذين ابعدوا الي قبرص وزملاءهم الـ26 الذين ابعدوا الي غزة بأنهم عصابة من المجرمين الذي انقضوا علي الفلسطينيين المسيحيين, وفرضوا عليهم الاتاوات خصوصا رجال الاعمال منهم, بعدما ادعوا ان تلك الاتاوات في مقابل الحماية التي يسبغونها عليهم.لم يكف الكاتب عن الاشارة الي عناصر المقاومة بحسبانهم عصابة من المجرمين
وظل يلح علي انهم يمارسون الاضطهاد والابتزاز ضد المسيحيين( ذكر انهم يكرهون المسيحيين بأكثرمما يحبون فلسطين) ولم يشر الي احتلال ولا الي الاسرائيليين بكلمة, وكأن ما جري في بيت لحم كان صراعا بين المسلمين والمسيحيين وليس بين الفلسطينيين والاحتلال الاسرائيلي.
اتبع الكاتب ذات النهج الذي يتبناه الخطاب الاسرائيلي فنسب العصابة وممارستها الي الرئيس ياسر عرفات, حيث ذكر ان عناصرها تتلقي التعليمات والسلاح والتمويل منه شخصيا, ولأنهم مدعمون بالرئيس فإن يدهم مطلقة بغير حدود,فهم يهربون الاموال والمخدرات ويتاجرن في السلاح ويجبرون الشابات علي الانفصال عن ازواجهن لكي يتحولن الي محظيات لهم.!
بعد ان عبأ التقرير كله بمثل ذلك الكلام المغلوط والمسموم ختم قائلا: حينما كان يطرق اولئك الفلسطينييون باب أي بيت, فإن سكانه المسيحيين لا يبقي امامهم خيار, حيث يضطرون للسماح لهم بالدخول واستخدام منافذ الدارلقنص الاسرائيليين, الامر الذي يعرضهم للرد ولتحمل نتائج تداعيات ذلك الموقف!
علي هذا المنوال تتابعت تقارير الصحفي بول مارتن من لندن, التي ظل القراء الأمريكيون يتابعونها باعتبارها رؤية عربي شاهد عيان نقل ما رآه وسمعه في بيت لحم! وحين انكشف امر الفضيحة فإن صحيفة واشنطن تايمز لم تملك شجاعة الاعتذار عما بدر عنها, هي ومراسلها الذي تواطأت معه, وإنما توارت وراء التسريب الذي نشرته واشنطن بوست الذي لم يكن سوي مداراة للفضيحة ومحاولة للتسترعليها.. ولا تعليق!!