مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
حــروب ثـلاث في الجعبــة
هويدي 23-10-2001

نحن بحاجة لأن نفتح عيوننا جيدا لما يجري حولنا‏,‏ فالحملة العسكرية الانتقامية الموجهة ضد أفغانستان باسم مكافحة الإرهاب‏,‏ ليست كل ما في الجعبة‏,‏ وإنما هناك حربان أخريان تلوحان في الأفق‏,‏ واحدة تدفع الولايات المتحدة لشنها لحساب إسرائيل في العالم العربي‏,‏ والثانية أعلنت بالفعل علي الإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة وأوروبا‏,‏ إن شئت فقل إننا بصدد موسم للاغتيالات‏,‏ اغتيال نظام طالبان‏,‏ واغتيال الحلم الفلسطيني‏,‏ واغتيال الوجود الإسلامي في الغرب‏.‏

‏(1)‏
انتشرت في الولايات المتحدة هذه الأيام‏,‏ ألعاب تمارس من خلال الكمبيوتر‏,‏ محورها القضاء علي نظام طالبان‏,‏ واغتيال أسامة بن لادن‏,‏ في اللعبة الأولي يظهر طالبان علي هيئة كائنات بدائية متوحشة‏,‏ تعيش في غابة علي قهر الآخرين واستعبادهم‏,‏ ويتحصنون في أبراج مسكونة بالشياطين الشريرة‏,‏ التي تبدو وكأنها متحالفة معهم‏,‏ ويكون هدف اللعب هو كيفية اقتحام تلك الأبراج‏,‏ والقضاء علي الشياطين‏,‏ ثم هدمها علي من فيها‏,‏ وتطهيرها من الأرواح الشريرة‏.‏
اللعبة الثانية تظهر بن لادن باعتباره زعيم الأشرار‏,‏ الذي يعيش في أماكن قذرة‏,‏ ويأكل ويشرب في المراحيض‏,‏ ثم ينطلق في الجبال متخفيا في كهوفها‏,‏ ولكن الطفل يلاحقه بالسلاح الذي يختاره‏,‏ حتي يقتله ويمزقه إربا‏.‏

الحاصل مع الصغار‏,‏ حاصل بدرجة أكبر مع الكبار‏,‏ إذ كما تمت تعبئة الأطفال وشحنهم بالنفور والبغض والرغبة في الانتقام من طالبان وبن لادن‏,‏ فإن المجتمع الأمريكي كله جرت تعبئته علي ذلك النحو‏,‏ بحيث لم يعد مسموحا للإدراك العام أن ينشغل بشيء غير هذا الموضوع‏,‏ ليس ذلك فحسب‏,‏ وإنما لم يعد مسموحا له أن يتعامل مع الحدث إلا من وجهة نظر واحدة‏,‏ تتمثل في ضرورة الانقضاض والانتقام‏.‏
قال لي الدكتور عبدالوهاب المسيري صاحب موسوعة اليهود واليهودية‏,‏ إنه كان في الولايات المتحدة أثناء وقوع الهجوم الإرهابي‏,‏ وطوال أسابيع ثلاثة أمضاها هناك بعد الهجوم‏,‏ ظل يتابع الصحف وقنوات التليفزيون‏,‏ لكنه وجد نفسه في نهاية المطاف عاجزا عن أن يفهم حقيقة ماجري ويجري‏,‏ لأن الجميع كانوا يتكلمون لغة واحدة‏,‏ ويرددون معزوفة لا تتيح لأحد أن يري إلا ما يرون هم‏,‏ ولم يتسن له أن يستوعب أبعاد المشهد وحقيقته‏,‏ إلا بعد أن غادر الولايات المتحدة‏.‏

في تلك التجربة‏,‏ أدرك أن المجتمع الأمريكي يعيش مفارقة مدهشة‏,‏ إذ أنه يتمتع بدرجة عالية من الحرية والديمقراطية‏,‏ إلا أن الرأي العام فيه محاصر تماما من الناحية الفكرية والسياسية‏,‏ ومفروض عليه أن يتشكل علي نحو معين‏,‏ وأن يتعامل مع الأحداث برؤية أحادية لا تقبل التعدد أو الاختلاف‏.‏

‏(2)‏
لقد توافقت النخبة المهيمنة علي القرار السياسي في الولايات المتحدة وانجلترا أيضا‏,‏ علي ضرورة حصار العقل الجمعي‏,‏ ومصادرته لحساب مساندة الحملة العسكرية‏,‏ حتي إن وسائل الإعلام تلقت توجيها بالكف عن إذاعة أي تصريحات أو أخبار تتعارض مع الخط العام الذي تسير فيه السياسة الأمريكية‏(‏ تم الاتصال مع رؤساء تحرير الصحف ومسئولي محطات الاذاعة والتليفزيون في واشنطون ولندن لهذا الغرض‏),‏ وحينما خرجت في لندن مظاهرة حاشدة معادية للحرب‏,‏ ورافعة لافتات يقول بعضها‏:‏ إن الشعب الأفغاني يحتاج للطعام وليس للقنابل‏..‏ وهذه ليست حربنا‏,‏ هذه المظاهرة التي شارك فيها نحو‏50‏ ألف شخص‏,‏ جري التهوين من شأنها في الصحف‏,‏ ورغم أن أعدادا كبيرة من الانجليز شاركوا فيها‏,‏ إلا أن كاميرات التليفزيون ركزت علي البريطانيين ذوي الأصول العرقية المختلفة‏,‏ الآسيويين والأفارقة‏,‏ حتي تبدو وكأنها تعبير عن رأي الأقلية بين الشعب البريطاني‏,‏ وحين انتقد أحد أعضاء مجلس العموم شرعية الحرب‏,‏ التي اتخذ قرارها خارج نطاق الأمم المتحدة‏,‏ كما أن مشاركة الحكومة البريطانية فيها لم تتم بتفويض من البرلمان‏,‏ فإن هذا الكلام جري تجاهله ولم تبرزه وسائل الإعلام‏,‏ التي ركزت أكثر علي تقارير الانشقاق داخل طالبان‏,‏ وادعت ضعف المظاهرات التي خرجت في باكستان معارضة لموقف رئيسها برويز مشرف‏,‏ وهو الذي كانت تصفه وسائل الإعلام الي عهد قريب بأنه حاكم عسكري وديكتاتور استولي علي السلطة من الحكومة المنتخبة ديمقراطيا‏,‏ وبعد انضمامه الي التحالف العسكري‏,‏ تراجعت كل تلك الصفات‏,‏ وأصبح الجنرال مشرف رئيسا يمكن الاعتماد عليه‏!(‏ هل نتذكر ما جري مع الرئيس عرفات‏,‏ الذي ظل يوصف بأنه إرهابي‏,‏ وحين وقع اتفاق أوسلو تحول في الإعلام بقدرة قادر إلي رجل سلام؟‏).‏

أخيرا قرأنا أن الحكومة الأمريكية اشترت جميع صور الأقمار الصناعية الخاصة بالحرب الأفغانية‏,‏ التي تلتقطها سبيس إيما جيننج من قمرها إيكونوس‏,‏ وهي أبرز شركة مدنية متخصصة في هذا المجال‏,‏ ومن شأن هذه الخطوة أن تحجب عن كل وسائل الإعلام تلك الصور الوثائقية بالغة الأهمية‏,‏ التي تسجل بشفافية لا مثيل لها حقيقة مايجري علي الأرض‏,‏ لم تأبه الإدارة الأمريكية بالانتقادات التي وجهت إلي تلك الخطوة‏,‏ التي تعد انتهاكا لحق الناس في المعرفة والإعلام‏,‏ وهو ما يذكرنا بما جري علي نحو آخر في حرب الفوكلاند‏,‏ التي شنتها بريطانيا علي الجزيرة الأرجنتينية في عام‏1982,‏ حين منعت الحكومة تصوير النعوش التي تصل إلي لندن من هناك‏,‏ حتي لا يصدم الناس بعدد الضحايا الذين سقطوا في المعارك‏,‏ الأمر الذي خشي من تأثيره علي تأييد الرأي العام البريطاني للحملة العسكرية‏.‏
الخلاصة أننا لا نعرف بالضبط كيف تسير المعارك علي أرض أفغانستان‏,‏ وليس مسموحا لنا بذلك في الوقت الراهن علي الأقل‏,‏ فكل ما يصلنا هو معلومات خاضعة للمراقبة والتدقيق وللتوجيه أيضا‏,‏ وبينما خرجت قناة الجزيرة علي الخطوط الحمراء المرسومة‏,‏ ببثها بيانات بن لادن ورفاقه‏,‏ قامت الدنيا ولم تقعد‏,‏ ومارست الإدارة الأمريكية أقصي ضغوطها لوقف مثل ذلك البث‏,‏ وكان الرئيس بوش بنفسه أحد الذين تحدثوا في الموضوع‏.‏

كل ما هو مطلوب منا الآن‏,‏ أن نثق في أن القصف هو الحل‏,‏ وأن نطمئن إلي سلامة ونجاحات الحملة العسكرية‏,‏ بصواريخها الذكية وعملياتها الخاصة والجهنمية‏,‏ وأن نطالع الوجه الإنساني لتلك الحملة‏,‏ المتمثل في إلقاء طرود الغذاء من الجو‏,‏ ثم في جهود الإغاثة والإيواء المقدمة للاجئين الأفغان‏.‏
مطلوب منا أن نتعامل مع الحدث باعتباره صراعا بين الأمريكان الأخيار والأفغان الأشرار‏,‏ وأن نفهم ما يجري بأنه انتفاضة للعالم الحر‏(‏ إنس مسألة حصار العقل العام ومصادرة المعلومات والصور‏),‏ لاجتثاث جذور الإرهاب ومظانه الكامنة في البراري الأفغانية‏,‏ وفي سفوح جبال البامير وهندوكوش ولسان واخان‏,‏ ولابد أن يلفت نظرك في هذا الصدد العودة المفاجئة الي مصطلح العالم الحر‏,‏ كراية ولافتة للاصطفاف‏,‏ وهو الذي كان يعبر عن الاحتشاد الأمريكي في مواجهة مملكة الشر السوفيتية إبان الحرب الباردة‏,‏ وقد استخرج من مستودعات عتاد التعبئة الثقافية‏,‏ وصار من مفردات خطاب المواجهة الإعلامي‏.‏

‏(3)‏
التعتيم الإعلامي في العالم الحر علي ما يجري علي الأرض الأفغانية‏,‏ مع الحصار المفروض علي العقل الأمريكي والغربي‏,‏ لا يشكل مفارقة وحيدة في المشهد‏,‏ فإطلاق الصواريخ من الطائرات تارة‏,‏ وإلقاء أكياس الدقيق والطعام من طائرات أخري في طلعات موازية أو تالية‏,‏ يشكل مفارقة ثانية تليفزيونية أو سينمائية بامتياز‏.‏
ثمة مفارقة ثالثة تتمثل في أنه بينما القصف مستمر‏,‏ تجري الأطراف الغربية اتصالات مكثفة لترتيب إقامة نظام جديد في أفغانستان‏,‏ وتستمر المشاورات حول أطراف ذلك النظام ومكوناته‏,‏ كأنما صار مقبولا في القرن الحادي والعشرين ذلك النهج الذي عرفه التاريخ الإنساني في القرن التاسع عشر‏,‏ فيما عرف بسياسة السفن المسلحة‏,‏ يله نهج يفتح الأبواب لانقلاب في منظومة العلاقات الدولية‏,‏ من شأنه أن يخول الأقوياء لأنفسهم حق اقتلاع حكومات في أقطار أخري‏,‏ وفرض نظام آخر عليها متضمنا نظاما للقيم السياسية والاجتماعية يتوافق مع رغبة الأقوياء ويلقي رضاهم‏.‏

المفارقة الرابعة‏,‏ أننا اعتدنا أن نري الولايات المتحدة في موقف المستكفي والمستغني عن العالم‏,‏ بل في موقف الذي يسعي الآخرون الي خطب وده واستجلاب رضاه‏,‏ لكننا في المشهد الراهن نجد الولايات المتحدة‏,‏ وهي تخطب ود الآخرين لكي يحتشدوا تحت رايتها‏(‏ لاحظ مثلا الغزل في الإسلام لجبر خواطر المسلمين والتلويح بحكاية الدولة الفلسطينية لكسب تعاطف العرب‏).‏
المفارقة الخامسة‏,‏ تكمن في أن التاريخ عرف قوي عظمي اعتبرت أن قيادتها للعالم قدر مكتوب أو هبة من الله‏,‏ فالرومان اعتبروا أنفسهم في موقف المسئول عن رعاية الكون وفرض القانون الروماني علي الشعوب البدائية‏,‏ فيما عرف آنذاك ـ في القرن الأول قبل الميلاد ـ بالسلام الروماني‏,‏ الامبراطورية البريطانية سارت علي ذات الدرب‏,‏ فزعمت لنفسها أنها رسولة الرجل الأبيض الذي بعث به القدر لتحضير المتخلفين والارتقاء بهم‏,‏ وهو ما أطلق عليه البعض في أوائل القرن العشرين طور السلام البريطاني‏.‏

السلامان الروماني والبريطاني‏,‏ كانا في الجوهر سلسلة من الترتيبات التي استهدفت حماية المصالح الرومانية والبريطانية‏,‏ من خلال إقامة أوضاع عسكرية ومدنية تخدم ذلك الهدف‏,‏ غير أنه مع حلول القرن الأمريكي اختلف مفهوم السلام الأمريكي‏,‏ من حيث إنه افترض مسبقا حالة من التطابق والتوافق التامين بين مصالح الولايات المتحدة ومصالح الإنسانية جمعاء‏,‏ الأمر الذي استدعي تصنيف كل من اعترض علي ذلك التطابق المفترض بحسبانه مضمرا العداء للولايات المتحدة‏,‏ وهو ما عبر عنه شعار إذا لم تكن مع الولايات المتحدة‏,‏ فأنت مع الإرهاب وواقف في مربع الأعداء‏,‏ لست معاديا لواشنطن بذاتها‏,‏ ولكنك معاد للحضارة وللحرية ولكل القيم الإنسانية النبيلة‏.‏

‏(4)‏
الحرب الثانية جارية علي المستوي السياسي في البيت الأبيض‏,‏ وهي إسرائيلية بالدرجة الأولي‏,‏ ويراد لها أن تتم بأيد أمريكية‏,‏ بزعم ملاحقة بؤر الإرهاب‏,‏ العربي بطبيعة الحال وليس الإسرائيلي‏.‏
فلم يعد سرا أن ثمة انقساما في الإدارة الأمريكية حول حدود الحملة علي الإرهاب‏,‏ التي أصبحت تحتل أولوية قصوي ومطلقة في برنامج الرئيس بوش‏,‏ بل صار مستقبله السياسي ـ تمديد رئاسته بالدرجة الأولي ـ مرهونا بالإنجاز الذي يمكن أن يحققه علي ذلك الصعيد‏,‏ فهناك تيار يعبر عنه وزير الخارجية كولن باول‏,‏ يدعو إلي حرب محدودة في نطاق أفغانستان‏,‏ تجعل هدفها المعلن القبض علي بن لادن وقادة عناصر تنظيم القاعدة‏,‏ وتستصحب في الوقت ذاته إطاحة نظام طالبان وإحلال حكومة أفغانية جديدة تحل محله‏,‏ وهذا التيار لايزال مؤيدا حتي الآن بالرئيس جورج بوش‏.‏

هناك تيار آخر يقوده العدو الرئيسي لباول في الإدارة الأمريكية‏,‏ وهو نائب وزير الدفاع بول وولفووتز‏,‏ وهو يهودي لا يخفي تعصبه وانحيازه لإسرائيل‏,‏ يدعمه في ذلك عدد كبير من مسئولي الوزارة ومجلس مستشاريها‏,‏ وإلي جانب هؤلاء‏,‏ هناك عدد كبير من المحافظين الجدد غير الموظفين الرسميين‏,‏ وأغلب أعضاء ذلك المعسكر من اليهود الأمريكيين‏,‏ الذين يقفون حراسا علي المصالح الإسرائيلية‏,‏ أما غير اليهود منهم‏,‏ فهم من أكبر مناصري إسرائيل في الساحة الأمريكية‏.‏
يدعو المعسكر الثاني الي حرب واسعة النطاق‏,‏ تستهدف كل القوي الإسلامية والعربية المسلحة‏,‏ التي تقاوم الاحتلال الإسرائيلي وترفض الانصياع للمخططات الصهيونية‏,‏ وفي المقدمة من تلك القوي حزب الله في لبنان‏,‏ وحركتا حماس والجهاد الإسلامي بفلسطين‏,‏ كما تستهدف الحرب الدول الحاضنة والراعية لها‏,‏ مثل سوريا‏,‏ وتستهدف النظام العراقي بوجه أخص‏,‏ داعيا إلي اسقاطه والتخلص منه‏.‏

وإذا لاحظنا أن تلك القوي لا تمارس العمل المسلح خارج نطاق مقاومة الاحتلال الإسرائيلي‏,‏ وأنها ليست مشتبكة بشكل مباشر مع الولايات المتحدة‏,‏ كما أنها لم تعبر عن عداء حقيقي لها‏,‏ فإن ذلك يكشف حقيقة تلك الحرب‏,‏ التي هي إسرائيلية بحتة‏,‏ تحاول مراكز القوي الصهيونية داخل الولايات المتحدة شنها تحت لافتة مكافحة الإرهاب‏,‏ من باب استثمار الحملة العسكرية الراهنة‏,‏ والأجواء النفسية المواتية والمؤيدة‏,‏ لتصفية حسابات إسرائيل‏,‏ التي ليس للولايات المتحدة فيها ناقة ولا جمل‏.‏
أول من أشار الي الانقسام في إدارة الرئيس بوش‏,‏ كان بات بيوكانن‏,‏ المرشح السابق للرئاسة الأمريكية‏,‏ وأحد أبرز المناهضين للمحافظين الجدد‏,‏ الرافضين لمحاولات الزج بالسياسة الأمريكية في خانة الاستراتيجية الإسرائيلية‏,‏ وقد كتب مقالا بهذا المعني وزعه أنصاره عبر الانترنت‏,‏ كما نشرت صحيفة لوس انجيلوس تايمز ملخصا له‏,‏ وفيه لم يتردد الرجل في أن يصف السيناريوهين المعروضين والمتناقضين بالحرب الأمريكية والحرب الإسرائيلية‏,‏ وقال صراحة‏:‏ إن الحرب التي يسعي وولفووتز وأنصاره إلي شنها‏,‏ هي حرب لا تخدم المصالح الأمريكية من أي باب‏,‏ وإنما هي حرب إسرائيلية بحتة‏,‏ تصب في المصلحة الإسرائيلية الخالصة‏.‏

‏(5)‏
سيناريو الحرب الإسرائيلية بيد أمريكية‏,‏ يستهدف فتح جبهة واسعة للصراع‏,‏ كونية في الأغلب‏,‏ بين الولايات المتحدة والقوي الغربية المتحالفة معها والمصطفة إلي جانبها من ناحية‏,‏ والعالم الإسلامي من جانب آخر‏.‏
ويعرف دعاة هذا المشروع أن حربا أمريكية ضد القوي العربية والفلسطينية والإسلامية ستشعل نار حريق لا يمكن التنبؤ بمداه‏,‏ كما ستؤجج مشاعر الرفض والكراهية في المنطقة‏,‏ وعلي نطاق غير مسبوق‏,‏ وقد تزعزع أوضاعا مستقرة‏,‏ ربما يمتد لهيبها لكي يهدد المصالح الغربية والأمريكية‏,‏ وهذا بدوره سيوفر للمشروع الصهيوني فرصته التاريخية لكي يقف في موقف الحليف المباشر‏,‏ والمحارب إلي جانب الولايات المتحدة والمعسكر الغربي ضد كل شعوب المنطقة‏.‏

غير أن مصير هذا السيناريو لن يحسم في واشنطون وحدها‏,‏ وإنما سيتحدد ذلك المصير في ضوء الإنجاز الذي يمكن أن يتحقق في أفغانستان علي الصعيد العسكري‏,‏ والأجل الزمني الذي سوف تستغرقه الحملة الراهنة‏,‏ وسيؤثر علي ذلك المصير‏,‏ لاريب‏,‏ رد الفعل العالمي والإسلامي والعربي إزاء استمرار قصف أفغانستان‏,‏ وهي كلها عناصر إما أن تكون مشجعة علي المضي في السيناريو بتوسيعه لتكرار الإنجاز في مواقع أخري‏,‏ وإما أن تكون مثبطة وداعية إلي الاكتفاء بما حدث والتركيز علي الخروج من ورطة أفغانستان بأي ثمن‏.‏
هذا السيناريو البائس ليس كله خيالا‏,‏ لأن الحرب علي تلك الجبهة الواسعة بدأت بالفعل‏,‏ علي الصعيد الإعلامي‏,‏ وهذه هي الحرب الثالثة التي سنتحدث عنها في الأسبوع المقبل بإذن الله‏.‏
أضافة تعليق