د. عبد الكريم بكار
أيام قليلة وتكمل ثورة الكرامة والحريّة والتّضامن والشّهادة عامها الأوّل، وعزائم الثّوار في الدّاخل والذين يدعمونهم في الخارج أشدّ مضاءً وتصميمًا على تحقيق النّصر المؤزّر والمبين. عام على استنفار الأحرار في سورية وخارجها تعلّمنا منه الكثير من الدّروس، كما أخذنا منه الكثير من الصّبر، وهذه الدّروس والعبر منها ما يتّصل بالجانب السّياسيّ، ومنها ما يتّصل بالجانب الأخلاقيّ والاجتماعيّ، وإلى جانب العبر والدّروس هناك وعي نما وملاحظات تشكّلت، ومن المهمّ استحضار كلّ ذلك والثّورة تدلف إلى عامها الثّاني، ولعلّي أشير هنا إلى شيء.
من كلّ ذلك، أعتقد أنّه حيويّ ومهم:
1- نجاح الثّورة يكون بمعونة الله ـ تعالى ـ وتوفيقه، وتوفيق الله ـ تعالى ـ يكون على قدر إخلاصنا وصدقنا واستقامتنا وتضحيتنا، وهذا يفتح على معنى مهمّ هو أنّ على الثّائرين والدّاعمين لهم أن يجسّدوا في سلوكهم وعلاقاتهم نفس الأهداف والقيم والمعاني والوضعيّات التّنظيميّة التي تسعى الثّورة المجيدة إلى تحقيقها، ولا يخفى أنّ ما تسعى إليه الثّورة هو الخلاص من نظام الطّغيان والفساد وإقامة نظام حكم يرعى جميع المواطنين على قدم المساواة، ويمنحهم حقوقهم المشروعة، إلى جانب النّهوض بالبلد وترشيد مسيرته الاجتماعيّة... وهذه المعاني يجب أن نتمثّلها الآن من خلال البعد عن الإقصاء، وإنصاف من نختلف معهم، وتشكيل مؤسّسات قويّة تدعم الثّورة، وتضع أسس المرحلة المستقبليّة، وهذا يقتضي منّا أن نجعل مرحلة الثّورة مرحلة تدريب وتمرين على تمثّل قيم الثّورة على الصّعيد الفرديّ وعلى الصّعيد الجماعيّ، وأعتقد أنّ (الفرديّة) التي تبدو واضحة جدًا في الشّخصيّة السّوريّة تحتاج إلى كثير من التّشذيب والتّرويض حتى نرتقي إلى مستوى متطلّبات الثّورة.
2- لن يكون من الصّواب في المرحلة الحاليّة ومرحلة ما بعد الثّورة إقامة تحالفات وجبهات على أسس عقائديّة أو أيدلوجيّة؛ لأنّ هذا سيقسّم المجتمع، ويوجد مشكلات لا حصر لها، وإنّما المطلوب في بداية كلّ نهضة تأسيس جبهة إنسانيّة أخلاقيّة تعزّز قيم الحريّة والعدالة والنّزاهة والشّفافيّة والتّجديد واحترام الإنسان والوقوف إلى جانب الضّعيف... إنّ جبهة كهذه تشكل استثمارًا ممتازًا فيما يجمع السّوريّين، وفيما يجعلهم متواصلين مع القيم العالميّة السّائدة. لاشكّ في أنّ من حقّ النّاس كلّ النّاس أن يدعوا إلى ما يؤمنون به من أفكار وقيم ومبادئ، لكنّ ذلك يجب أن يظلّ مؤطّرًا بالمبادئ والقيم التي أشرنا إليها.
إنّ النّظام الفاشيّ في سورية قد نشر روح الطّائفيّة، وقضى على الحسّ الأخلاقيّ، أو كاد، وإنّ انتصار الثّورة لا يكتمل إلاّ إذا كنسنا آثار النّظام البائد، وأسّسنا للقيم التي تقطع على نحو تامّ ونهائيّ مع كلّ مرتكزاته ومنطلقاته المدمّرة.
3- تكمل الثّورة عامها الأوّل وأعداد المؤيّدين لها في ازدياد، وإمكاناتهم المختلفة في تنامٍ، وأشعر بقوّة أنّ رأس الثّورة لا يكبر بما يتناسب مع جسمها، والحقيقة أنّنا على مدار التّاريخ كنّا نعاني من أمرين:
الأوّل: قصور في إدارة الموارد المتاحة يؤدّي إلى الهدر والارتباك...
الثّاني: وجود قيم ومبادئ، لكن مع شحّ في السّياسات والبرامج والرّؤى الاستراتيجيّة التي تحوّل تلك المبادئ والقيم إلى شيء ملموس يرتقي بالمجتمع، وينفع به النّاس.
وأشعر أنّ قيادات الثّورة على كلّ المستويات وفي كل المجالات ـ لا تواكب النّمو والتوسّع الحاصل في إمكاناتها، ولهذا فإنّنا في اعتقادي بحاجة إلى زيادة تواصل الخارج مع الدّاخل أولاً، وفي حاجة إلى زيادة أعداد العاملين في قيادة وتوجيه الثّورة ورفع مستوى كفاءتهم، وإنّ التّهاون في هذا الموضوع قد يؤدّي إلى خروج بعض الأمور عن السّيطرة، كما أنّه قد يؤدّي إلى هدر كثير من الإمكانات المتاحة.
الثّورة ستنجح ـ بإذن الله ـ إذا جعلها كلّ واحد منّا في مكانة المشروع الشّخصيّ له، وهذا ما ألمسه لدى كثير من الشّباب الممتاز، لكنّ ذلك ليس كافيًا.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
*الإسلام اليوم
أيام قليلة وتكمل ثورة الكرامة والحريّة والتّضامن والشّهادة عامها الأوّل، وعزائم الثّوار في الدّاخل والذين يدعمونهم في الخارج أشدّ مضاءً وتصميمًا على تحقيق النّصر المؤزّر والمبين. عام على استنفار الأحرار في سورية وخارجها تعلّمنا منه الكثير من الدّروس، كما أخذنا منه الكثير من الصّبر، وهذه الدّروس والعبر منها ما يتّصل بالجانب السّياسيّ، ومنها ما يتّصل بالجانب الأخلاقيّ والاجتماعيّ، وإلى جانب العبر والدّروس هناك وعي نما وملاحظات تشكّلت، ومن المهمّ استحضار كلّ ذلك والثّورة تدلف إلى عامها الثّاني، ولعلّي أشير هنا إلى شيء.
من كلّ ذلك، أعتقد أنّه حيويّ ومهم:
1- نجاح الثّورة يكون بمعونة الله ـ تعالى ـ وتوفيقه، وتوفيق الله ـ تعالى ـ يكون على قدر إخلاصنا وصدقنا واستقامتنا وتضحيتنا، وهذا يفتح على معنى مهمّ هو أنّ على الثّائرين والدّاعمين لهم أن يجسّدوا في سلوكهم وعلاقاتهم نفس الأهداف والقيم والمعاني والوضعيّات التّنظيميّة التي تسعى الثّورة المجيدة إلى تحقيقها، ولا يخفى أنّ ما تسعى إليه الثّورة هو الخلاص من نظام الطّغيان والفساد وإقامة نظام حكم يرعى جميع المواطنين على قدم المساواة، ويمنحهم حقوقهم المشروعة، إلى جانب النّهوض بالبلد وترشيد مسيرته الاجتماعيّة... وهذه المعاني يجب أن نتمثّلها الآن من خلال البعد عن الإقصاء، وإنصاف من نختلف معهم، وتشكيل مؤسّسات قويّة تدعم الثّورة، وتضع أسس المرحلة المستقبليّة، وهذا يقتضي منّا أن نجعل مرحلة الثّورة مرحلة تدريب وتمرين على تمثّل قيم الثّورة على الصّعيد الفرديّ وعلى الصّعيد الجماعيّ، وأعتقد أنّ (الفرديّة) التي تبدو واضحة جدًا في الشّخصيّة السّوريّة تحتاج إلى كثير من التّشذيب والتّرويض حتى نرتقي إلى مستوى متطلّبات الثّورة.
2- لن يكون من الصّواب في المرحلة الحاليّة ومرحلة ما بعد الثّورة إقامة تحالفات وجبهات على أسس عقائديّة أو أيدلوجيّة؛ لأنّ هذا سيقسّم المجتمع، ويوجد مشكلات لا حصر لها، وإنّما المطلوب في بداية كلّ نهضة تأسيس جبهة إنسانيّة أخلاقيّة تعزّز قيم الحريّة والعدالة والنّزاهة والشّفافيّة والتّجديد واحترام الإنسان والوقوف إلى جانب الضّعيف... إنّ جبهة كهذه تشكل استثمارًا ممتازًا فيما يجمع السّوريّين، وفيما يجعلهم متواصلين مع القيم العالميّة السّائدة. لاشكّ في أنّ من حقّ النّاس كلّ النّاس أن يدعوا إلى ما يؤمنون به من أفكار وقيم ومبادئ، لكنّ ذلك يجب أن يظلّ مؤطّرًا بالمبادئ والقيم التي أشرنا إليها.
إنّ النّظام الفاشيّ في سورية قد نشر روح الطّائفيّة، وقضى على الحسّ الأخلاقيّ، أو كاد، وإنّ انتصار الثّورة لا يكتمل إلاّ إذا كنسنا آثار النّظام البائد، وأسّسنا للقيم التي تقطع على نحو تامّ ونهائيّ مع كلّ مرتكزاته ومنطلقاته المدمّرة.
3- تكمل الثّورة عامها الأوّل وأعداد المؤيّدين لها في ازدياد، وإمكاناتهم المختلفة في تنامٍ، وأشعر بقوّة أنّ رأس الثّورة لا يكبر بما يتناسب مع جسمها، والحقيقة أنّنا على مدار التّاريخ كنّا نعاني من أمرين:
الأوّل: قصور في إدارة الموارد المتاحة يؤدّي إلى الهدر والارتباك...
الثّاني: وجود قيم ومبادئ، لكن مع شحّ في السّياسات والبرامج والرّؤى الاستراتيجيّة التي تحوّل تلك المبادئ والقيم إلى شيء ملموس يرتقي بالمجتمع، وينفع به النّاس.
وأشعر أنّ قيادات الثّورة على كلّ المستويات وفي كل المجالات ـ لا تواكب النّمو والتوسّع الحاصل في إمكاناتها، ولهذا فإنّنا في اعتقادي بحاجة إلى زيادة تواصل الخارج مع الدّاخل أولاً، وفي حاجة إلى زيادة أعداد العاملين في قيادة وتوجيه الثّورة ورفع مستوى كفاءتهم، وإنّ التّهاون في هذا الموضوع قد يؤدّي إلى خروج بعض الأمور عن السّيطرة، كما أنّه قد يؤدّي إلى هدر كثير من الإمكانات المتاحة.
الثّورة ستنجح ـ بإذن الله ـ إذا جعلها كلّ واحد منّا في مكانة المشروع الشّخصيّ له، وهذا ما ألمسه لدى كثير من الشّباب الممتاز، لكنّ ذلك ليس كافيًا.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
*الإسلام اليوم