رأي القدس
2011-11-18
الحراك الشعبي في مصر لم يتوقف منذ سقوط نظام الرئيس حسني مبارك، وهو ظاهرة صحية تكشف عن وعي ديمقراطي متجذر، مثلما تكشف عن حرص اكيد على استمرار الثورة، وحماية مكتسباتها، ومنعها من الانحراف عن اهدافها التي انطلقت من اجلها، ويجب اخذ نزول مئات الآلاف من الاسلاميين يوم امس الى ميدان التحرير بالقاهرة وميادين العديد من المدن المصرية الاخرى في الاطار نفسه.
الاسلاميون تظاهروا ضد وثيقة الدكتور علي السلمي التي تضع مجموعة من المبادئ تحدد هوية ومنطلقات واحكام الدستور المصري الجديد الذي من المفترض ان يكون من مسؤولية البرلمان الجديد المنتخب من قبل الشعب في اواخر شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي.
المطالبة بسحب الوثيقة تأتي بسبب ما ورد فيها من مواد تمنح الجيش امتيازات خاصة تحدد دوره السياسي وميزانيته، وتحدد موعد تسليم السلطة للمدنيين، فمن المفترض بنظر المحتجين ان تكون المؤسسة العسكرية خاضعة للسلطة السياسية المنتخبة وليست موازية لها.
المظاهرات التي انطلقت امس اظهرت انقسامات عميقة بين الاسلاميين واغلب القوى الليبرالية الاخرى التي غابت عنها، اي المظاهرات، رغم تأييدها لمطالبها، واتخاذ المواقف نفسها ضد وثيقة الدكتور السلمي المثيرة للجدل، وربما يكون هذا الغياب ردا على مقاطعة الاسلاميين لمظاهرات مماثلة لليبراليين.
هناك مخاوف في اوساط الليبراليين من فوز الاسلاميين، وخاصة الاخوان المسلمين والحركة السلفية، باغلبية مقاعد البرلمان، على غرار ما حدث في انتخابات تونس الاخيرة التي فاز حزب النهضة الاسلامي بما يقرب من نصف مقاعد المجلس التأسيسي الذي سيتولى كتابة الدستور الجديد للدولة. ولكنها مخاوف قد تكون غير مبررة، او سابقة لاوانها، لان هناك قناعة تتبلور لدى الاسلاميين انفسهم بانهم لا يستطيعون ان يحكموا لوحدهم، او يفرضوا منهجهم على الشعب المصري باسره، خاصة انهم يدركون جيدا النماذج الناجحة لاحزاب اسلامية اخرى وصلت الى السلطة وحققت نجاحا كبيرا لانها تصرفت بذكاء وتعايشت مع الاحزاب الاخرى، وتحلت بالاعتدال وتمسكت بالديمقراطية لتعزيز سلطتها.
المؤسسة العسكرية المصرية لعبت دورا كبيرا في انجاح الثورة المصرية وبأقل قدر ممكن من الخسائر عندما انحازت الى الشعب المصري، وطالبت النظام بالرحيل، ولكن هذا لا يعني ان تطيل امد بقائها في الحكم لاطول فترة ممكنة، خاصة ان ادارتها للمرحلة الانتقالية لم تكن خالية من العيوب والثغرات.
من حق كل القوى ان تتظاهر في مصر، وان تعبر عن مواقفها تجاه كل القضايا المطروحة في الشارع، وان تعمل على حماية الثورة وقيمها واهدافها، لكن ما تحتاجه مصر في الوقت نفسه هو التوافق على كلمة سواء، والايمان بان مصر لا يمكن ان تحكم الا من منطلق ارضية وسط تعبر عن طبيعة الشعب المصري المعتدلة.
مصر مقبلة على انتخابات مصيرية وسط ظروف غاية في الصعوبة، وهناك مخاوف جدية من اعمال عنف واسعة في ظل انفلات امني وتأهب القوى المضادة للثورة التي تريد افشالها وحرفها عن مسارها. ولذلك لا بد من التحلي باعلى درجات الوعي، والابتعاد عن الآراء والايديولوجيات والشعارات المتطرفة التي يمكن ان توفر الذخيرة لاعداء الثورة، وتخلق انقسامات في اوساط الشعب ونخبه السياسية.
*القدس العربي
2011-11-18
الحراك الشعبي في مصر لم يتوقف منذ سقوط نظام الرئيس حسني مبارك، وهو ظاهرة صحية تكشف عن وعي ديمقراطي متجذر، مثلما تكشف عن حرص اكيد على استمرار الثورة، وحماية مكتسباتها، ومنعها من الانحراف عن اهدافها التي انطلقت من اجلها، ويجب اخذ نزول مئات الآلاف من الاسلاميين يوم امس الى ميدان التحرير بالقاهرة وميادين العديد من المدن المصرية الاخرى في الاطار نفسه.
الاسلاميون تظاهروا ضد وثيقة الدكتور علي السلمي التي تضع مجموعة من المبادئ تحدد هوية ومنطلقات واحكام الدستور المصري الجديد الذي من المفترض ان يكون من مسؤولية البرلمان الجديد المنتخب من قبل الشعب في اواخر شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي.
المطالبة بسحب الوثيقة تأتي بسبب ما ورد فيها من مواد تمنح الجيش امتيازات خاصة تحدد دوره السياسي وميزانيته، وتحدد موعد تسليم السلطة للمدنيين، فمن المفترض بنظر المحتجين ان تكون المؤسسة العسكرية خاضعة للسلطة السياسية المنتخبة وليست موازية لها.
المظاهرات التي انطلقت امس اظهرت انقسامات عميقة بين الاسلاميين واغلب القوى الليبرالية الاخرى التي غابت عنها، اي المظاهرات، رغم تأييدها لمطالبها، واتخاذ المواقف نفسها ضد وثيقة الدكتور السلمي المثيرة للجدل، وربما يكون هذا الغياب ردا على مقاطعة الاسلاميين لمظاهرات مماثلة لليبراليين.
هناك مخاوف في اوساط الليبراليين من فوز الاسلاميين، وخاصة الاخوان المسلمين والحركة السلفية، باغلبية مقاعد البرلمان، على غرار ما حدث في انتخابات تونس الاخيرة التي فاز حزب النهضة الاسلامي بما يقرب من نصف مقاعد المجلس التأسيسي الذي سيتولى كتابة الدستور الجديد للدولة. ولكنها مخاوف قد تكون غير مبررة، او سابقة لاوانها، لان هناك قناعة تتبلور لدى الاسلاميين انفسهم بانهم لا يستطيعون ان يحكموا لوحدهم، او يفرضوا منهجهم على الشعب المصري باسره، خاصة انهم يدركون جيدا النماذج الناجحة لاحزاب اسلامية اخرى وصلت الى السلطة وحققت نجاحا كبيرا لانها تصرفت بذكاء وتعايشت مع الاحزاب الاخرى، وتحلت بالاعتدال وتمسكت بالديمقراطية لتعزيز سلطتها.
المؤسسة العسكرية المصرية لعبت دورا كبيرا في انجاح الثورة المصرية وبأقل قدر ممكن من الخسائر عندما انحازت الى الشعب المصري، وطالبت النظام بالرحيل، ولكن هذا لا يعني ان تطيل امد بقائها في الحكم لاطول فترة ممكنة، خاصة ان ادارتها للمرحلة الانتقالية لم تكن خالية من العيوب والثغرات.
من حق كل القوى ان تتظاهر في مصر، وان تعبر عن مواقفها تجاه كل القضايا المطروحة في الشارع، وان تعمل على حماية الثورة وقيمها واهدافها، لكن ما تحتاجه مصر في الوقت نفسه هو التوافق على كلمة سواء، والايمان بان مصر لا يمكن ان تحكم الا من منطلق ارضية وسط تعبر عن طبيعة الشعب المصري المعتدلة.
مصر مقبلة على انتخابات مصيرية وسط ظروف غاية في الصعوبة، وهناك مخاوف جدية من اعمال عنف واسعة في ظل انفلات امني وتأهب القوى المضادة للثورة التي تريد افشالها وحرفها عن مسارها. ولذلك لا بد من التحلي باعلى درجات الوعي، والابتعاد عن الآراء والايديولوجيات والشعارات المتطرفة التي يمكن ان توفر الذخيرة لاعداء الثورة، وتخلق انقسامات في اوساط الشعب ونخبه السياسية.
*القدس العربي