راي القدس:
2010-11-18
اعربت وزارة الخارجية الامريكية عن قلقها لتدهور الحريات الدينية في الكثير من الدول في العالم، وخصت بالذكر في تقريرها السنوي بعض الدول الاوروبية التي قالت انها تفرض قيوداً قاسية على التعبير الديني.
التقرير الامريكي المذكور لم يعط التفاصيل الكافية عن حالة الاسلاموفوبيا التي تجتاح حالياً معظم المجتمعات الغربية، بما فيها الولايات المتحدة الامريكية نفسها، حيث تتعرض الاقليات الاسلامية الى ضغوط شديدة من الاحزاب السياسية ووسائل الاعلام ايضاً، حتى ان العداء للاسلام بات الطريق الاسهل للوصول الى المزيد من المقاعد في البرلمانات.
ولعلها صدفة لافتة للنظر ان يصدر هذا التقرير بعد اسابيع معدودة من مسرحية حرق نسخ من القرآن الكريم التي كان يخطط لتنفيذها قس امريكي في كنيسة مغمورة في فلوريدا، والاهتمام الاعلامي الضخم الذي احيطت به، وكذلك من حالة الجدل المتصاعدة حول خطط اقامة مركز اسلامي بالقرب من موقع هجمات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر (غرواند زيرو)، وحملات الكراهية الشرسة التي تعرض، ومازال يتعرض لها المسلمون بشكل عام من جراء ذلك.
تكريس الحريات الدينية رسالة نبيلة شريطة ان يكون حملتها قدوة في هذا الصدد، يقدمون نموذجاً للشعوب الاخرى في هذا الاطار، ولا نعتقد ان هذه الشروط تنطبق على الادارة الامريكية ووزارة خارجيتها التي تصدر هذا التقرير السنوي، فسجلها في هذا الاطار غير مشرف على الاطلاق بالنظر الى سياستها الخارجية وحروبها خاصة في العالم الاسلامي.
فمن المخجل ان الادارة الامريكية تؤيد وتساند بكل القوة طرح الحكومة اليمينية الاسرائيلية المتطرفة باعلان اسرائيل دولة يهودية صرفة، الامر الذي يعني ان حوالي خمس سكانها من المسيحيين والمسلمين ليس لهم مكان في هذه الدولة، واذا سمح لهم بالبقاء فان عليهم التعايش مع ديانة غالبة مسيطرة كمواطنين من الدرجة الثانية وربما العاشرة. من يطالب بالتسامح الديني عليه ان يعارض بقوة قيام الدول على اسس عنصرية او طائفية، وان يتصدى لاي توجه لعزل واقصاء اصحاب الديانات الاخرى، وان يطبق هذا المبدأ الانساني على الجميع، وليس بطريقة انتقائية. لا نتردد لحظة في الاعتراف بان بعض الحكومات العربية لا تعامل اقلياتها الدينية على قدم المساواة مع اتباع الديانة الغالبة، وان هناك ممارسات تمييز في الوظائف والمراكز العليا ضد ابناء هذه الاقليات، ونضرب مثلا بالمملكة العربية السعودية ومصر على وجه الخصوص، حيث تعاني الاقليات القبطية (مصر) والشيعية (السعودية) من اجراءات تحد من حرية معتقدها. كما نشاهد كنائس مسيحية تتعرض للنسف في ’العراق الجديد’ على ايدي جماعات ارهابية مجهولة، بعضها محسوب على الحكومة حسب بعض الآراء.
ويظل لزاما علينا ان ننبه الى نقطة رئيسية في هذا المضمار، وهي ان جميع الحكومات المتهمة في التقرير بقمع الحريات الدينية تعتبر من الحلفاء الخلص للولايات المتحدة في العالمين العربي والاسلامي.
فالكنائس المسيحية في العراق لم تتعرض مطلقا لاي هجمات في زمن النظام العراقي السابق الذي اطاحت به القوات الامريكية بالقوة اثناء غزوها واحتلالها للعراق في آذار (مارس) عام 2003، بل ان التقسيمات والمحاصصات الطائفية لم تضرب اطنابها في هذا البلد الا مع مقدم القوات الامريكية وحلفائها الغربيين.
الادارات الامريكية المتعاقبة شجعت الانظمة العربية الدكتاتورية الحاكمة على قمع الحريات وحقوق الانسان من خلال صمتها عليها، بل وتقديم الدعم والحماية لها، فطالما ايدت الديكتاتوريات القمعية العربية السياسات الامريكية، وشاركت في حروبها ضد الارهاب في افغانستان، او لتغيير نظام علماني في العراق، فانه لا غبار عليها، وهي معفية من اي لوم. وربما يجادل بعض الامريكيين وحلفائهم، بان الحكومة الامريكية تدخلت لحماية المسلمين في البوسنة، واقامت دولة لهم في كوسوفو، وهذا صحيح، ولكنه استثناء يثبت القاعدة، او بيضة ديك نادرة، فالامتحان الحقيقي لقيم الحريات التي تروج لها الادارات الامريكية هو في الشرق الاوسط، وفي كل من فلسطين والعراق ومصر والمملكة العربية السعودية، بمعنى آخر يجب التركيز على المراكز وليس على الهوامش.
قيم التسامح الامريكية المزعومة سقطت بشكل مريع في العراق، وفي افغانستان، وفي فلسطين المحتلة، فما قيمة الحديث عن الحريات الدينية والدولة التي تحمل هذا الشعار غزت بلداناً، وقتلت اكثر من مليون انسان في العراق ويتمت اكثر من خمسة ملايين طفل، وأتت بنظام طائفي بدلاً من نظام علماني وفجرت حربا طائفية في البلاد؟
الولايات المتحدة هي آخر دولة يجب ان تحاضر على العالم في التسامح الديني والحريات وحقوق الانسان لان صفحتها في هذا الصدد ليست بيضاء على الاطلاق بل ملطخة بالدماء.
2010-11-18
اعربت وزارة الخارجية الامريكية عن قلقها لتدهور الحريات الدينية في الكثير من الدول في العالم، وخصت بالذكر في تقريرها السنوي بعض الدول الاوروبية التي قالت انها تفرض قيوداً قاسية على التعبير الديني.
التقرير الامريكي المذكور لم يعط التفاصيل الكافية عن حالة الاسلاموفوبيا التي تجتاح حالياً معظم المجتمعات الغربية، بما فيها الولايات المتحدة الامريكية نفسها، حيث تتعرض الاقليات الاسلامية الى ضغوط شديدة من الاحزاب السياسية ووسائل الاعلام ايضاً، حتى ان العداء للاسلام بات الطريق الاسهل للوصول الى المزيد من المقاعد في البرلمانات.
ولعلها صدفة لافتة للنظر ان يصدر هذا التقرير بعد اسابيع معدودة من مسرحية حرق نسخ من القرآن الكريم التي كان يخطط لتنفيذها قس امريكي في كنيسة مغمورة في فلوريدا، والاهتمام الاعلامي الضخم الذي احيطت به، وكذلك من حالة الجدل المتصاعدة حول خطط اقامة مركز اسلامي بالقرب من موقع هجمات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر (غرواند زيرو)، وحملات الكراهية الشرسة التي تعرض، ومازال يتعرض لها المسلمون بشكل عام من جراء ذلك.
تكريس الحريات الدينية رسالة نبيلة شريطة ان يكون حملتها قدوة في هذا الصدد، يقدمون نموذجاً للشعوب الاخرى في هذا الاطار، ولا نعتقد ان هذه الشروط تنطبق على الادارة الامريكية ووزارة خارجيتها التي تصدر هذا التقرير السنوي، فسجلها في هذا الاطار غير مشرف على الاطلاق بالنظر الى سياستها الخارجية وحروبها خاصة في العالم الاسلامي.
فمن المخجل ان الادارة الامريكية تؤيد وتساند بكل القوة طرح الحكومة اليمينية الاسرائيلية المتطرفة باعلان اسرائيل دولة يهودية صرفة، الامر الذي يعني ان حوالي خمس سكانها من المسيحيين والمسلمين ليس لهم مكان في هذه الدولة، واذا سمح لهم بالبقاء فان عليهم التعايش مع ديانة غالبة مسيطرة كمواطنين من الدرجة الثانية وربما العاشرة. من يطالب بالتسامح الديني عليه ان يعارض بقوة قيام الدول على اسس عنصرية او طائفية، وان يتصدى لاي توجه لعزل واقصاء اصحاب الديانات الاخرى، وان يطبق هذا المبدأ الانساني على الجميع، وليس بطريقة انتقائية. لا نتردد لحظة في الاعتراف بان بعض الحكومات العربية لا تعامل اقلياتها الدينية على قدم المساواة مع اتباع الديانة الغالبة، وان هناك ممارسات تمييز في الوظائف والمراكز العليا ضد ابناء هذه الاقليات، ونضرب مثلا بالمملكة العربية السعودية ومصر على وجه الخصوص، حيث تعاني الاقليات القبطية (مصر) والشيعية (السعودية) من اجراءات تحد من حرية معتقدها. كما نشاهد كنائس مسيحية تتعرض للنسف في ’العراق الجديد’ على ايدي جماعات ارهابية مجهولة، بعضها محسوب على الحكومة حسب بعض الآراء.
ويظل لزاما علينا ان ننبه الى نقطة رئيسية في هذا المضمار، وهي ان جميع الحكومات المتهمة في التقرير بقمع الحريات الدينية تعتبر من الحلفاء الخلص للولايات المتحدة في العالمين العربي والاسلامي.
فالكنائس المسيحية في العراق لم تتعرض مطلقا لاي هجمات في زمن النظام العراقي السابق الذي اطاحت به القوات الامريكية بالقوة اثناء غزوها واحتلالها للعراق في آذار (مارس) عام 2003، بل ان التقسيمات والمحاصصات الطائفية لم تضرب اطنابها في هذا البلد الا مع مقدم القوات الامريكية وحلفائها الغربيين.
الادارات الامريكية المتعاقبة شجعت الانظمة العربية الدكتاتورية الحاكمة على قمع الحريات وحقوق الانسان من خلال صمتها عليها، بل وتقديم الدعم والحماية لها، فطالما ايدت الديكتاتوريات القمعية العربية السياسات الامريكية، وشاركت في حروبها ضد الارهاب في افغانستان، او لتغيير نظام علماني في العراق، فانه لا غبار عليها، وهي معفية من اي لوم. وربما يجادل بعض الامريكيين وحلفائهم، بان الحكومة الامريكية تدخلت لحماية المسلمين في البوسنة، واقامت دولة لهم في كوسوفو، وهذا صحيح، ولكنه استثناء يثبت القاعدة، او بيضة ديك نادرة، فالامتحان الحقيقي لقيم الحريات التي تروج لها الادارات الامريكية هو في الشرق الاوسط، وفي كل من فلسطين والعراق ومصر والمملكة العربية السعودية، بمعنى آخر يجب التركيز على المراكز وليس على الهوامش.
قيم التسامح الامريكية المزعومة سقطت بشكل مريع في العراق، وفي افغانستان، وفي فلسطين المحتلة، فما قيمة الحديث عن الحريات الدينية والدولة التي تحمل هذا الشعار غزت بلداناً، وقتلت اكثر من مليون انسان في العراق ويتمت اكثر من خمسة ملايين طفل، وأتت بنظام طائفي بدلاً من نظام علماني وفجرت حربا طائفية في البلاد؟
الولايات المتحدة هي آخر دولة يجب ان تحاضر على العالم في التسامح الديني والحريات وحقوق الانسان لان صفحتها في هذا الصدد ليست بيضاء على الاطلاق بل ملطخة بالدماء.