خالد الشريف
فتحت ثورة الخامس والعشرين من يناير باب الحرية على مصراعيه أمام الشعب المصرى، خاصةً القوى الإسلاميَّة التى حُرمت لسنوات طويلة من العمل السياسى، حيث كان يتمُّ إقصاؤها والتنكيل بها منذ أكثر من نصف قرن.. لذلك فلا عجب أن يسارع الإسلاميون من مختلف الاتجاهات للترشح فى الانتخابات البرلمانيَّة القادمة. والحق أنه أمر جديد على الإسلاميين، لذا يجب ألا ينسيهم رسالتهم الدعويَّة وأصولهم الدينيَّة فيجرفهم التيار عن الثوابت، ولذلك نحن نطالبهم أن يقدموا عمليًّا النموذج الإسلامى فى السياسة بلا خداع أو تضليل، فقد مضى عهد الكلام وجاء عهد العمل.. وجموع الشعب تنتظر حلا للأزمات والمشكلات التى تعيشها البلاد من فقر وبطالة وقهر وانفلات أمنى وأزمات اقتصاديَّة وأخلاقيَّة.. فالجميع ينتظر الحلول الناجعة لتلك الأزمات بعد الثورة، ولن تصفق الجماهير ولن تهتف إلا لمن يعمل لصالح البلاد ويحقق إنجازات، فقد سئمت الجماهير الخداع على مدى عقود، فلن تفرط إذن فى وعيها وكرامتها وحريتها التى استردتها لهم الثورة، ولن تسكت على فاسد ولن ترحم مستبدًّا يعبث بمصيرها. إن الطريق أمام الإسلاميين لن يكون مفروشًا بالورود والرياحين، فهذه الجماهير الغفيرة التى تؤازرهم وتحتشد فى مؤتمراتهم الانتخابيَّة سوف تنقلب عليهم فى أول إخفاق لهم فى العمل السياسى، لا قدر الله، لأن الجماهير تريد نتائج ملموسة على أرض الواقع وتريد تحقيق مصالحها فى المقام الأول. ونريد أن نذكّر كل إسلامى يخوض غمار العمل السياسى بأن صلاح النفوس هو بداية لصلاح الواقع، وقد جاء فى الأثر: «من بدأ بسياسة نفسه أدرك سياسة الناس»، ورحم الله الماوردى إذ يقول: «وكأن المطلوب من الحاكم قبل سياسة الناس هو العناية بالذات بحيازة أفضل الأخلاق وإتيان أجمل الأفعال والقيام برياضة الذات وبلوغ الاستقامة فى السلوك، عندئذ ينبغى للملك أن يبتدئ بتقويم نفسه... فإذا بدأ بسياسة نفسه كان على سياسة غيره أقدر». ومن الأشياء الملفتة للنظر هذه الفرقة الواضحة فى القوائم الانتخابيَّة بين بعض الإسلاميين، حيث كان من المنتظر أن تقوم جماعة الإخوان المسلمين كبرى الجماعات والقوى الإسلاميَّة بلمّ شمل ووحدة القوائم.. لكن الإحساس المفرط بالقوة والغرور حال دون ذلك.. وأعتقد أن الخلاف والشقاق هو بداية الكارثة دائمًا، فالوحدة والاعتصام بحبل الله يقوى العمل الإسلامى ولا يضعفه، لكن آفة الشقاق والخلاف لا تزال تنخر كالسوس فى العمل الإسلامى للأسف الشديد.
الأمر الآخر الذى يجب على الإسلاميين أن يحذروا منه أن العمل السياسى لا يقوم على الوعظ والإرشاد إنما يستند العمل إلى مرجعيَّة إسلاميَّة ترتقى بمستوى الأفراد والجماعات إلى درجة الكفاءة والإتقان، والتواصل مع فقه الأوليات والواقع وربط الدين بالحياة والانطلاق من مصالح الناس وحقوقهم وهى أمور كفيلة بجعل العمل السياسى الإسلامى يستند إلى قواعد مرنة تستوعب مستجدَّات العصر ولا تستند لقوالب جامدة، وهو ما دعا ابن خلدون إلى تخليص السياسة من قواعد القياس الفقهى حتى تمتلك هذه الصناعة درجة عالية من المرونة تتفق مع مصالح البشر، حتى إنه رحمه الله حمَّل علوم الفقه مسؤوليَّة إخفاق العلماء فى السياسة وابتعادهم عن مذاهبها بقوله فى كتابه المقدمة: «يطبّقون من بعد ذلك الكلى على الخارجيات، وأيضا يقيسون الأمور على أشباهها وأمثالها بما اعتادوه من القياس الفقهى». على كل الشعب ينتظر الإسلاميين فى العمل السياسى، فهو يحسن الظن بهم لأنهم أصحاب أيدٍ متوضئة لا تعرف الغش ولا الخداع ولا التدليس.. الشعب ينتظر من الإسلاميين إنجازات باهرة كما شاهد وعايش تركيا وهى تحل جميع مشكلاتها وتنتقل إلى صفوف الدول المتقدمة على يد الإسلاميين، بل الشعب يريد «أردوغان» مصريًّا يقود بلادهم إلى الريادة والنهضة والتحضُّر..
جريدة اليوم السابع
فتحت ثورة الخامس والعشرين من يناير باب الحرية على مصراعيه أمام الشعب المصرى، خاصةً القوى الإسلاميَّة التى حُرمت لسنوات طويلة من العمل السياسى، حيث كان يتمُّ إقصاؤها والتنكيل بها منذ أكثر من نصف قرن.. لذلك فلا عجب أن يسارع الإسلاميون من مختلف الاتجاهات للترشح فى الانتخابات البرلمانيَّة القادمة. والحق أنه أمر جديد على الإسلاميين، لذا يجب ألا ينسيهم رسالتهم الدعويَّة وأصولهم الدينيَّة فيجرفهم التيار عن الثوابت، ولذلك نحن نطالبهم أن يقدموا عمليًّا النموذج الإسلامى فى السياسة بلا خداع أو تضليل، فقد مضى عهد الكلام وجاء عهد العمل.. وجموع الشعب تنتظر حلا للأزمات والمشكلات التى تعيشها البلاد من فقر وبطالة وقهر وانفلات أمنى وأزمات اقتصاديَّة وأخلاقيَّة.. فالجميع ينتظر الحلول الناجعة لتلك الأزمات بعد الثورة، ولن تصفق الجماهير ولن تهتف إلا لمن يعمل لصالح البلاد ويحقق إنجازات، فقد سئمت الجماهير الخداع على مدى عقود، فلن تفرط إذن فى وعيها وكرامتها وحريتها التى استردتها لهم الثورة، ولن تسكت على فاسد ولن ترحم مستبدًّا يعبث بمصيرها. إن الطريق أمام الإسلاميين لن يكون مفروشًا بالورود والرياحين، فهذه الجماهير الغفيرة التى تؤازرهم وتحتشد فى مؤتمراتهم الانتخابيَّة سوف تنقلب عليهم فى أول إخفاق لهم فى العمل السياسى، لا قدر الله، لأن الجماهير تريد نتائج ملموسة على أرض الواقع وتريد تحقيق مصالحها فى المقام الأول. ونريد أن نذكّر كل إسلامى يخوض غمار العمل السياسى بأن صلاح النفوس هو بداية لصلاح الواقع، وقد جاء فى الأثر: «من بدأ بسياسة نفسه أدرك سياسة الناس»، ورحم الله الماوردى إذ يقول: «وكأن المطلوب من الحاكم قبل سياسة الناس هو العناية بالذات بحيازة أفضل الأخلاق وإتيان أجمل الأفعال والقيام برياضة الذات وبلوغ الاستقامة فى السلوك، عندئذ ينبغى للملك أن يبتدئ بتقويم نفسه... فإذا بدأ بسياسة نفسه كان على سياسة غيره أقدر». ومن الأشياء الملفتة للنظر هذه الفرقة الواضحة فى القوائم الانتخابيَّة بين بعض الإسلاميين، حيث كان من المنتظر أن تقوم جماعة الإخوان المسلمين كبرى الجماعات والقوى الإسلاميَّة بلمّ شمل ووحدة القوائم.. لكن الإحساس المفرط بالقوة والغرور حال دون ذلك.. وأعتقد أن الخلاف والشقاق هو بداية الكارثة دائمًا، فالوحدة والاعتصام بحبل الله يقوى العمل الإسلامى ولا يضعفه، لكن آفة الشقاق والخلاف لا تزال تنخر كالسوس فى العمل الإسلامى للأسف الشديد.
الأمر الآخر الذى يجب على الإسلاميين أن يحذروا منه أن العمل السياسى لا يقوم على الوعظ والإرشاد إنما يستند العمل إلى مرجعيَّة إسلاميَّة ترتقى بمستوى الأفراد والجماعات إلى درجة الكفاءة والإتقان، والتواصل مع فقه الأوليات والواقع وربط الدين بالحياة والانطلاق من مصالح الناس وحقوقهم وهى أمور كفيلة بجعل العمل السياسى الإسلامى يستند إلى قواعد مرنة تستوعب مستجدَّات العصر ولا تستند لقوالب جامدة، وهو ما دعا ابن خلدون إلى تخليص السياسة من قواعد القياس الفقهى حتى تمتلك هذه الصناعة درجة عالية من المرونة تتفق مع مصالح البشر، حتى إنه رحمه الله حمَّل علوم الفقه مسؤوليَّة إخفاق العلماء فى السياسة وابتعادهم عن مذاهبها بقوله فى كتابه المقدمة: «يطبّقون من بعد ذلك الكلى على الخارجيات، وأيضا يقيسون الأمور على أشباهها وأمثالها بما اعتادوه من القياس الفقهى». على كل الشعب ينتظر الإسلاميين فى العمل السياسى، فهو يحسن الظن بهم لأنهم أصحاب أيدٍ متوضئة لا تعرف الغش ولا الخداع ولا التدليس.. الشعب ينتظر من الإسلاميين إنجازات باهرة كما شاهد وعايش تركيا وهى تحل جميع مشكلاتها وتنتقل إلى صفوف الدول المتقدمة على يد الإسلاميين، بل الشعب يريد «أردوغان» مصريًّا يقود بلادهم إلى الريادة والنهضة والتحضُّر..
جريدة اليوم السابع