مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الذكاء العاطفي.. جنة العلاقات
سلطان بن عبد الرحمن العثيم

عواطفنا الجياشة كالماء السلسبيل تنهمر القطرات بقوة وإقبال، وبهذا الزخم والعنفوان تكون عواطفنا ومشاعرنا الداخلية ومشاعر من حولنا من الصحبة والأهل والقرابة، من العملاء والأخلاء والأحبة.

وعليه فيخرج لنا هذا المفهوم الهام والضروري والذي يتحدث عن إدارة المشاعر وضبط العواطف والتحكم بالوجدان والرشد والتوازن في التعامل معها، فهي من أهم سبل التواصل بيننا وبين الآخرين ومن أبرز طرق التعاطي مع محيطنا الاجتماعي العامر.

وعبر ذلك كله نكون قريبين ومحبوبين ومقنعين لدى الآخرين، ومع هذا كله نستطيع أن نتواصل مع الجميع بشكل إيجابي وفعَّال ومجدي يجعلنا نعيش حياة هانئة ومستقرة وجميلة.

وهنا يلح سؤال في الظهور و هو: كيف ندير مشاعرنا؟

وهو سؤال مشروع وهام لنا جميعًا، فكم من الأصدقاء فقدنا ومن الأقارب خاصمنا، وكم من الوالدين عققنا، وكم من الأزواج والزوجات طلقنا، وكم من الأولاد نفَّرنا وحطّمنا، وكل ذلك وأكثر بسب عدم قدرتنا على إدارة عواطفنا ومشاعرنا بشكلٍ إيجابي ونافع، وسيطرة اللحظات الحرجة على منطقنا وألفاظنا وفشلنا في كبح جماح مشاعرنا السلبية، والتمتع بقدرة عالية على احتواء الآخرين واستيعابهم حتى في حال الخطأ والزلل رغبة في حل المشكلات لا رغبة في تدمير أصحابها والإساءة إليهم والنيل منهم.

إنَّ من أهم الأشياء التي يجب أن أتعلمها:

- كيف أدير مشاعري الداخلية وأضبط إيقاعها وأحكم انفعالاتها التي قد تكون مهلكة وضارة.

- الآخرين، كيف أتعامل معهم بحب وسلام وإيجابية، وكيف يمكنني أن أتواصل بشكلٍ جيّد معهم، وكيف أتصرف معهم في حال انفعالهم العاطفي والوجداني، وثورة مشاعرهم التي تتمثل في مشاعر الغضب أو العتب أو اللوم أو سوء الفهم أو الكره وهكذا..

علينا أن ندرك أنَّ ضبط النفس هي من أبرز علامة القائد المحنك والشخص القادر على إدارة المجاميع وصنع القرار والتحفيز على النجاح والتألق وترك بصمة رائعة في محيطه، هي علامة من علامات المبدعين والمتألقين والطامحين وصناع القرار والعباقرة أمثالك يا من تقرأ هذه الأحرف، فلا يمكن أن تنجح في عمل أو تفاوض في بيع أو شراء أو مقابلة شخصية، أو تعامل الآخرين من غير ضبط لهذه المشاعر والأحاسيس، وضبط النفس حال الغضب والانفعال وتذكيرها بالخسارة الصحية والحياتية عند انفجار هذه الشحنة العاطفية السلبية هنا أو هناك.

أكثر دومًا من الاستغفار حال الغضب، اغسل وجهك بالماء، وجرّب تقنية التنفس العميق فتقوم بالشهيق بعمق والزفير ببطء لعدة مرات، والاتجاه للصلاة عاجلًا.

ذلك سيساعدك على الارتخاء والعودة للوضع الطبيعي، كما أنني أنصحك بالخروج سريعًا من المكان الذي حدث فيه التوتر والغضب وتغييره والعودة له في حال الهدوء، وهذا كله عزيزي القارئ لا يمنعك من أخذ حقوقك أو التصريح بما يسوئك أو ما تريده من الآخرين، ولكن تعلم أن تأخذ كل ما تريد بهدوء وحكمة وتعقل وبأقل خسائر ممكنة وعبر الحوار الهادئ والذي لا يخلو من الصراحة والرقيّ في ذات الوقت، فلا يعني أن ترتاح أن يتعب الآخرين ولا يعني أن تقول كلمتك أن تسيء للآخرين أو تخسرهم أو تجرحهم وتكسر ما بني بينك وبينهم.

فاضبط إيقاع مشاعرك وأحاسيسك السلبية وتمكن منها قبل أن تتمكن منك، واحرص بشكل كبير على ألا يظهر ذلك عليك، وأن تظهر أمام الناس بشكل متماسك ومسترخي وهي قوة تكسبها مع المران والمجاهدة، قال تعالى: ’’والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا’’.

وفي المقابل كن ذكيًّا في إيصال مشاعرك الإيجابية مثل الحب والامتنان والشكر والرضا والسرور والاحترام والإعجاب، وابحث عن كل السبل والوسائل التي توصل هذه المشاعر الطيبة إلى من تخصهم وأكد عليها وانظر إلى حجم العمق الايجابي الهائل الذي سوف تحدثه في العلاقة بينكم.

فمن علامات الأشخاص الإيجابيين هو سيطرة المشاعر الايجابية على السلبية وسيادتها على النفس البشرية فكلما كنت من أولئك فأنت في الطريق الصحيح الذي به تنجح وتتميز وتتوسع علاقاتك وصداقاتك وفرصك في الحياة السعيدة بكل تأكيد.

وتذكر دومًا أنه لا نجاح ولا تفوق ولا تحقيق للطموحات في الحياة إلا مع الآخرين، ومن خلال العمل الجماعي، ولا استقرار أسري وعائلي أو نجاح تجاري أو دعوي أو مهني إلا من خلال تطبيق هذه التقنيات والممارسات الإيجابية والهامة والتي يغفل عنها البعض فيفقدون الكثير من الخير في الدارين ويتراجعون كثيرًا في ماراتون الحياة فيما غيرهم في المقدمة.

أثر الانفلات العاطفي على حياتنا:

انفلات المشاعر والعواطف وفوضى الوجدان لها آثار كارثية في الحياة؛ فعندما نتوقف مع الكثير من إحصائيات الطلاق أو القتل أو العنف أو الجريمة سوف نجدها بسب هذا الانفلات وسيطرة المشاعر السلبية مثل الغضب والتوتر والقلق والانفعال والرغبة في الانتقام على الموقف ثم بكل تأكيد تحصل الخسارة الكبرى التي ندفع ثمنها حياتنا ككل رغم أننا كنا نستطيع أن نتلافاها لو أدرنا تلك الدقائق واللحظات بحكمة وموضوعية وتعقل وحسبنا المغنم والمغرم والمصالح والمفاسد، لتغيرت الأحوال والأقوال.

فالعقل يجب أن يدير كل هذه المشاعر ولا يكون في مؤخرة الركب متفرجًا على هذه المعارك الطاحنة والتي نجزم بأن كلا الطرفين خاسر فيها.

كما أنَّ تعلّمنا التسامح والصفح وحسن الظن بالآخر وتقدير ظروفهم هو مدخلنا الحقيقي لجنة العلاقات وخير تطبيق للذكاء العاطفي.

الذكاء العاطفي في السيرة:

قصة عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وضيوفه، ومن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه وغيره: أنَّ أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها-، بعثت بطعام في صَحْفَة لها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وذلك في بيت عائشة، فجاءت عائشة -رضي الله عنها- بحجر، ففلقت به الصَّحْفة (كسرتها)، فجمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بين فلقتي الصحفة، وقال: (كلوا غارت أُمُّكم، كلوا غارت أُمُّكم)، ثم أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صحفة عائشة، فبعث بها إلى أمِّ سلمة رضي الله عنها، وأعطى صحفة أمَّ سلمة أي المكسورة عائشة رضي الله عنها’’.

ونرى كيف عالج الرسول صلى الله عليه وسلم الموقف بعدل وتعقل وتفهم غيرة عائشة رضي الله عنها وكيف وصل إلى أم سلمة رضي الله عنها رسالة الاعتذار وكان عليه الصلاة والسلام رابط الجأش على الدوام متحليًا بالحكمة والرشد وهو ولا شك أسوتنا وقدوتنا.

قال الشاعر:

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم لطالما استعبد الإنسان إحسان

محبرة الحكيم

الذكاء العاطفي : هو أن تضبط مشاعرك الداخلية من التبعثر والهيجان والانفلات، وتجيد التواصل مع الآخرين بكل ذكاء وتأثير واحتواء.
*المسلم
أضافة تعليق