بقلم/ عبد الباري عطوان
تزايدت الأدلة والبراهين التي تؤكد وجود اتفاق مسبق بين انصار المجلس الوطني الليبي الانتقالي، وقادة دول حلف الناتو، على تصفية العقيد معمر القذافي وابنائه والمقربين منه جسدياً، وعدم اعتقالهم أحياء، لتجنب تقديمهم الى محاكمات عادلة، يمكن ان تؤدي الى كشف أسرار وملفات لا يريد هؤلاء ان تظهر الى العلن، خاصة تلك المتعلقة بتعاون أجهزة الأمن الغربية مع النظام السابق، في قمع وتعذيب واغتيال شخصيات ليبية معارضة.
الصورة لا تكذب، خاصة اذا كانت تسجيلاً حياً، وشاهدنا أشرطة بثتها قنوات فضائية تظهر الزعيم الليبي السابق وهو يسير على قدميه، ويستعطف معتقليه الرحمة به، وعدم قتله، مثلما شاهدنا صوراً حية لابنه المعتصم وهو ملقى على الأرض يحرك يديه ولا نقطة دم واحدة على جسمه، ثم في صور اخرى وقد تحول الى جثة هامدة، وثقب كبير بين صدره وعنقه، قال الطبيب الشرعي الذي فحص جثمانه انه نتيجة عملية قتل بسلاح ثقيل، وأكد انه جرى اعدامه بعد اعدام والده برصاصة في الرأس. والشيء نفسه حصل للواء ابو بكر يونس جابر وزير الدفاع.
السيدة صفية فركاش ارملة المرحوم تقدمت بطلب رسمي الى الامم المتحدة للتحقيق في ظروف اعدامه، واعلن مكتب الامم المتحدة لحقوق الانسان عن عزمه اجراء تحقيق في مقتل الزعيم الليبي بعد اعتقاله حياً.
اللافت ان جميع قادة المجتمع الغربي الحر الذين لم يتوقفوا عن القاء محاضرات علينا حول كيفية احترام حقوق الانسان، وتطبيق حكم القانون، لم يعترضوا على عملية الاعدام هذه بل باركوها. وعلينا ان نتخيل كيف سيكون موقف هؤلاء لو ان حركة المقاومة الاسلامية ’حماس’ قد اعدمت الجندي الاسرائيلي غلعاد شليط ومثلت بجثته، وسحلته في شوارع قطاع غزة.
نعم معمر القذافي كان مجرماً دموياً، نكّل بأفراد شعبه، وحرمهم من ابسط سبل العيش الكريم، وهم اناس احرار، شرفاء، سمتهم التواضع والكرم وعزة النفس ويرضون بأقل القليل، ولكن هذا لا يعني ان يعامل بالطريقة التي كان يعامل فيها خصومه ومعارضيه الذين يطالبون بالقضاء العادل واحترام الحد الادنى من مبادئ حقوق الانسان وقيمها.
شخصياً اصبت بصدمة وانا أرى بعض العناصر التابعة للمجلس الوطني الانتقالي تنهال ضرباً وبالأحذية على رأس رجل جريح، وتجره على الأرض، وتضاعفت هذه الصدمة عندما جرى عرض جثمانه وولده المعتصم في حاوية قذرة في مصراتة امام المارة، وكأن لا حرمة للموت.
يجادل البعض من المسؤولين في ليبيا ’الجديدة’ ان قتله يعفي من اجراءات قضائية معقدة، قد تطول وتؤثر سلباً على العملية الانتقالية، وبناء مؤسسات الدولة، ولكن هذا الجدل واصحابه ينسون انهم يريدون ان تكون هذه المؤسسات ديمقراطية، اساسها العدالة وحقوق الانسان والحكم الرشيد. ولا نعتقد ان عمليات الاعدام للزعيم الليبي الراحل ورجاله تستقيم مع هذه التطلعات.
’ ’ ’
شككنا منذ البداية في نوايا حلف الناتو وتدخله في ليبيا، ليس لأننا ضد حماية ابناء الشعب الليبي من مجازر القذافي ورجاله، فهذه مهمة سامية نؤيدها بقوة، وانما لأننا ندرك ان هذا التدخل يأتي لأسباب اخرى غير انسانية، واستعمارية في الاساس.
أليس غريباً ان تستمر عمليات حلف الناتو وغاراته لما بعد سقوط طرابلس العاصمة، وانهيار نظام العقيد القذافي، ولجوء حفنة من انصاره الى مدينتي سرت وبني وليد، وذلك تحت ذريعة حماية المدنيين الليبيين.. اي مدنيين يتحدث عنهم هؤلاء، فهل الذين كانت تقصفهم طائرات حلف الناتو في المدينتين هم من انصار المجلس الوطني الانتقالي، او المعارضين لنظام الطاغية؟
لم يكن من قبيل الصدفة ان يعلن حلف الناتو وقادته، انتهاء مهمتهم في ليبيا بعد اقل من 24 ساعة من مقتل الزعيم الليبي ونجله ووزير دفاعه، فمهمة الناتو لم تكن في الاساس لحماية المدنيين، فهذه ذريعة، ولا تغيير النظام، واما قتل رأس النظام ايضاً.
بإعدام العقيد القذافي بالطريقة الدموية التي شاهدنا، وشاهدها معنا العالم بأسره، تكون ليبيا طوت صفحة سوداء في تاريخها ، ولكن المأمول ان تكون الصفحة الجديدة التي تنوي فتحها اكثر بياضاً، عنوانها التسامح والترفع عن النزعات الثأرية والانتقامية، التي لمسنا ابشع صورها في تصفية رموز النظام السابق.
’ ’ ’
صحيح ان ليبيا تملك المال، بل الكثير منه، حيث هناك اكثر من 160 مليار دولار مجمدة أودعها النظام السابق في حسابات اوروبية وامريكية، ودخل سنوي من عوائد النفط في حدود 50 مليار دولار سنوياً، والمال ربما يسهل، بل يعجل بحل الكثير من المشاكل، ولكن يظل سلاح المال هذا قاصراً وغير فاعل اذا لم يتم ترميم الوحدة الوطنية بسرعة، وتحقيق المصالحة، وبالتالي التعايش بين مختلف القبائل والمناطق، بروح بعيدة عن منطق المنتصر والمهزوم.
الإعلام العربي، والفضائي منه على وجه الخصوص، لعب دورا كبيرا في تزوير الكثير من الحقائق، وخرج عن المهنية مرات عديدة، وهذا لا يعني ان الاعلام الغربي كان افضل حالا، وقد آن الأوان لكي يكفر هذا الاعلام عن اخطائه ،ويعمل من اجل الحفاظ على وحدة ليبيا الترابية ، وتعزيز أواصر التلاحم بين ابناء شعبها الواحد.
نخشى على ليبيا من التقسيم والتفتيت، مثلما نخشى عليها من عدم الاستقرار، والغرق في حروب داخلية، حتى بعد إعدام العقيد القذافي،وهناك العديد من المؤشرات التي تعزز هذه المخاوف، حيث فوضى السلاح والخلافات بين الليبراليين والاسلامييين، والمشارقة والمغاربة، وهي مخاوف عبّر عنها قادة في نظام الحكم الانتقالي الجديد انفسهم.
العقيد القذافي لم يجد أحداً يتعاطف معه، واذا كان هناك من متعاطفين في الداخل والخارج فهم قله خجولة، لا تجرؤ على اظهار تعاطفها، لان سجل الرجل الدموي لم يكسبه الكثير من الاصدقاء، والمأمول ان يكون حكام ليبيا الجدد عكسه تماماً، وان لا تحركهم الاحقاد والثارات، وان كنا حذرين جداً في الاغراق في التفاؤل، بعد ان شاهدنا عدالة الخارجين عن القانون تطبق ضد من يختلفون معهم، وهم في ابشع لحظات ضعفهم وانهيارهم.
*القدس العربي
تزايدت الأدلة والبراهين التي تؤكد وجود اتفاق مسبق بين انصار المجلس الوطني الليبي الانتقالي، وقادة دول حلف الناتو، على تصفية العقيد معمر القذافي وابنائه والمقربين منه جسدياً، وعدم اعتقالهم أحياء، لتجنب تقديمهم الى محاكمات عادلة، يمكن ان تؤدي الى كشف أسرار وملفات لا يريد هؤلاء ان تظهر الى العلن، خاصة تلك المتعلقة بتعاون أجهزة الأمن الغربية مع النظام السابق، في قمع وتعذيب واغتيال شخصيات ليبية معارضة.
الصورة لا تكذب، خاصة اذا كانت تسجيلاً حياً، وشاهدنا أشرطة بثتها قنوات فضائية تظهر الزعيم الليبي السابق وهو يسير على قدميه، ويستعطف معتقليه الرحمة به، وعدم قتله، مثلما شاهدنا صوراً حية لابنه المعتصم وهو ملقى على الأرض يحرك يديه ولا نقطة دم واحدة على جسمه، ثم في صور اخرى وقد تحول الى جثة هامدة، وثقب كبير بين صدره وعنقه، قال الطبيب الشرعي الذي فحص جثمانه انه نتيجة عملية قتل بسلاح ثقيل، وأكد انه جرى اعدامه بعد اعدام والده برصاصة في الرأس. والشيء نفسه حصل للواء ابو بكر يونس جابر وزير الدفاع.
السيدة صفية فركاش ارملة المرحوم تقدمت بطلب رسمي الى الامم المتحدة للتحقيق في ظروف اعدامه، واعلن مكتب الامم المتحدة لحقوق الانسان عن عزمه اجراء تحقيق في مقتل الزعيم الليبي بعد اعتقاله حياً.
اللافت ان جميع قادة المجتمع الغربي الحر الذين لم يتوقفوا عن القاء محاضرات علينا حول كيفية احترام حقوق الانسان، وتطبيق حكم القانون، لم يعترضوا على عملية الاعدام هذه بل باركوها. وعلينا ان نتخيل كيف سيكون موقف هؤلاء لو ان حركة المقاومة الاسلامية ’حماس’ قد اعدمت الجندي الاسرائيلي غلعاد شليط ومثلت بجثته، وسحلته في شوارع قطاع غزة.
نعم معمر القذافي كان مجرماً دموياً، نكّل بأفراد شعبه، وحرمهم من ابسط سبل العيش الكريم، وهم اناس احرار، شرفاء، سمتهم التواضع والكرم وعزة النفس ويرضون بأقل القليل، ولكن هذا لا يعني ان يعامل بالطريقة التي كان يعامل فيها خصومه ومعارضيه الذين يطالبون بالقضاء العادل واحترام الحد الادنى من مبادئ حقوق الانسان وقيمها.
شخصياً اصبت بصدمة وانا أرى بعض العناصر التابعة للمجلس الوطني الانتقالي تنهال ضرباً وبالأحذية على رأس رجل جريح، وتجره على الأرض، وتضاعفت هذه الصدمة عندما جرى عرض جثمانه وولده المعتصم في حاوية قذرة في مصراتة امام المارة، وكأن لا حرمة للموت.
يجادل البعض من المسؤولين في ليبيا ’الجديدة’ ان قتله يعفي من اجراءات قضائية معقدة، قد تطول وتؤثر سلباً على العملية الانتقالية، وبناء مؤسسات الدولة، ولكن هذا الجدل واصحابه ينسون انهم يريدون ان تكون هذه المؤسسات ديمقراطية، اساسها العدالة وحقوق الانسان والحكم الرشيد. ولا نعتقد ان عمليات الاعدام للزعيم الليبي الراحل ورجاله تستقيم مع هذه التطلعات.
’ ’ ’
شككنا منذ البداية في نوايا حلف الناتو وتدخله في ليبيا، ليس لأننا ضد حماية ابناء الشعب الليبي من مجازر القذافي ورجاله، فهذه مهمة سامية نؤيدها بقوة، وانما لأننا ندرك ان هذا التدخل يأتي لأسباب اخرى غير انسانية، واستعمارية في الاساس.
أليس غريباً ان تستمر عمليات حلف الناتو وغاراته لما بعد سقوط طرابلس العاصمة، وانهيار نظام العقيد القذافي، ولجوء حفنة من انصاره الى مدينتي سرت وبني وليد، وذلك تحت ذريعة حماية المدنيين الليبيين.. اي مدنيين يتحدث عنهم هؤلاء، فهل الذين كانت تقصفهم طائرات حلف الناتو في المدينتين هم من انصار المجلس الوطني الانتقالي، او المعارضين لنظام الطاغية؟
لم يكن من قبيل الصدفة ان يعلن حلف الناتو وقادته، انتهاء مهمتهم في ليبيا بعد اقل من 24 ساعة من مقتل الزعيم الليبي ونجله ووزير دفاعه، فمهمة الناتو لم تكن في الاساس لحماية المدنيين، فهذه ذريعة، ولا تغيير النظام، واما قتل رأس النظام ايضاً.
بإعدام العقيد القذافي بالطريقة الدموية التي شاهدنا، وشاهدها معنا العالم بأسره، تكون ليبيا طوت صفحة سوداء في تاريخها ، ولكن المأمول ان تكون الصفحة الجديدة التي تنوي فتحها اكثر بياضاً، عنوانها التسامح والترفع عن النزعات الثأرية والانتقامية، التي لمسنا ابشع صورها في تصفية رموز النظام السابق.
’ ’ ’
صحيح ان ليبيا تملك المال، بل الكثير منه، حيث هناك اكثر من 160 مليار دولار مجمدة أودعها النظام السابق في حسابات اوروبية وامريكية، ودخل سنوي من عوائد النفط في حدود 50 مليار دولار سنوياً، والمال ربما يسهل، بل يعجل بحل الكثير من المشاكل، ولكن يظل سلاح المال هذا قاصراً وغير فاعل اذا لم يتم ترميم الوحدة الوطنية بسرعة، وتحقيق المصالحة، وبالتالي التعايش بين مختلف القبائل والمناطق، بروح بعيدة عن منطق المنتصر والمهزوم.
الإعلام العربي، والفضائي منه على وجه الخصوص، لعب دورا كبيرا في تزوير الكثير من الحقائق، وخرج عن المهنية مرات عديدة، وهذا لا يعني ان الاعلام الغربي كان افضل حالا، وقد آن الأوان لكي يكفر هذا الاعلام عن اخطائه ،ويعمل من اجل الحفاظ على وحدة ليبيا الترابية ، وتعزيز أواصر التلاحم بين ابناء شعبها الواحد.
نخشى على ليبيا من التقسيم والتفتيت، مثلما نخشى عليها من عدم الاستقرار، والغرق في حروب داخلية، حتى بعد إعدام العقيد القذافي،وهناك العديد من المؤشرات التي تعزز هذه المخاوف، حيث فوضى السلاح والخلافات بين الليبراليين والاسلامييين، والمشارقة والمغاربة، وهي مخاوف عبّر عنها قادة في نظام الحكم الانتقالي الجديد انفسهم.
العقيد القذافي لم يجد أحداً يتعاطف معه، واذا كان هناك من متعاطفين في الداخل والخارج فهم قله خجولة، لا تجرؤ على اظهار تعاطفها، لان سجل الرجل الدموي لم يكسبه الكثير من الاصدقاء، والمأمول ان يكون حكام ليبيا الجدد عكسه تماماً، وان لا تحركهم الاحقاد والثارات، وان كنا حذرين جداً في الاغراق في التفاؤل، بعد ان شاهدنا عدالة الخارجين عن القانون تطبق ضد من يختلفون معهم، وهم في ابشع لحظات ضعفهم وانهيارهم.
*القدس العربي