د . سلمان بن فهد العودة
أكثر ما تسألني البنات عن التشقير، وأكثر ما يسألني الرجال عن تهذيب اللحية.. علامََ يدل هذا؟! هي ليست حالة خاصة، شيء أشبه بظاهرة منتشرة تتكرر في برامج الإفتاء؛ في الإذاعات، والقنوات، والصحف، والأدوات الأخرى. من حق جيل ناشئ أن نستمع لتفسيره هذه الظاهرة عبر مشاركات واسعة في الشبكات الاجتماعية، جيل ذو حراك، بعضه يسأل، وبعضه يحلّل! معظم التحليل يتجه إلى اعتبار ذلك نوعاً من السطحية، والتفكير المحدود، والانشغالات الجزئية؛ التي تستحوذ على اهتمام فئة من الشباب بجنسيه، ويرى أنك لو سألتهم عما يجري من حولهم من أحداث محلية أو إقليمية أو عالمية لسمعت: «نحن لا نحب السياسة ولا نتابع الأخبار»، هم إذاً لا يعيشون زمانهم بل يعيشون على هامش الحياة! وبمثل هؤلاء لن تتحقق نهضة؛ حسب رأي كثيرين من المعلقين. قضايا جوهرية ولو سألتهم عن قضايا جوهرية في الدين لتحيّروا وسكتوا ولم يجروا جواباً ولا نطقوا صواباً، ولعل القضية خارج اهتمامهم، وهذا يبدو قريباً بالنظر إلى تكرار ملفت لهذه الأسئلة، وكأن كل أحد يريد جواباً خاصاً به، ولا يكفيه أن يسمع جواباتٍ لآخرين، يريد أن يقول: سألت بنفسي، عوضاً عن: سمعت بأذني! أحدهم وجد فيها نوعاً من الكسل المعرفي بعدم البحث ولا المراجعة، وكل ما هنالك أن أسمع أو أقرأ الآن ما أريد، ولا أكلف نفسي عناء البحث. هي اهتمامات فطرية طَبْعيّة يتم المبالغة فيها حتى تطغى على غيرها وتصبح في رأس القائمة. ترتيب الأولويات ثمَّ إذاً خللٌ في ترتيب الأولويات، أو في «فقه المقادير»، و{قّدً جّعّلّ پلَّهٍ لٌكٍلٌَ شّيًءُ قّدًرْا (3)}(الطلاق). الاهتمام بالمظهر والجمال، والتوق لصورة معبرة عن سمو الروح، وحافزة على الإعجاب ليس مذموماً بمجرده؛ {$ّصّوَّرّكٍمً فّأّحًسّنّ صٍوّرّكٍمً}(غافر:64)، {قٍلً مّنً حّرَّمّ زٌينّةّ پلَّهٌ پَّتٌي أّخًرّجّ لٌعٌبّادٌهٌ $ّالطَّيٌَبّاتٌ مٌنّ پرٌَزًقٌ}(الأعراف:32)؛ ولذا يعدّ آخرون هذا السؤال محاولة لخلق التوافق بين الدين وزينة الحياة، والمظهر ليس تفاهة ولا شيئاً يحتقر. فهم - إذاً - فئة تجمع بين «حب الجمال»، و«تحري الصواب»، وهي رؤية إيجابية التقطت جانباً حسناً، ولكنها تفتقر إلى تسويغ الاهتمام المفرط على حساب قضايا أكبر وأهم حتى في جانب الجمال وتحري الصواب، فلا يخلو الأمر إذاً من انتقائية وتربية على تغليب فروع يتنازعها الذوق والعرف الاجتماعي والحكم الفقهي. تأثير الإعلام هل يدل هذا التركيز على تأثير الصورة والإعلام في المتلقّي عبر النمط الذي يشاهدونه ويعجبون به، أو كما يعبر أحدهم عنه بما يسمى «شباب كول»، «بنات كول» وسيطرة الموضة بتفصيلاتها على نوع الجمال المرغوب، أم على جانب فطري بميل كل طرف للآخر، وحرص الأنثى على جذب الرجل، والعكس؟ وهل يعدّ مبالغةً في التجميل؟ أحدهم يقول: «إن الجمال الطبيعي هو الأحسن والأكثر مقبولية»، ويستشهد بقول المتنبي: أَفدي ظِباءَ فَلاةٍ ما عَرَفنَ بِها مَضغَ الكَلامِ وَلا صَبغَ الحَواجيبِ وَلا بَرَزنَ مِنَ الحَمّامِ مائِلَةً أَوراكُهُنَّ صَقيلاتِ العَراقيبِ بينما يميل آخر إلى الاستشهاد بقوله: أَغايَةُ الدينِ أَن تُحفوا شَوارِبَكُم يا أُمَّةً ضَحِكَت مِن جَهلِها الأُمَمُ المؤامرة حاضرة هنا، والتغريب أيضاً، وحتى «الغزو الفكري»! أنماط الجمال فهو التعلّق بكل ما يأتي من الغرب -حسب أحدهم - وكأنه نسي أن كثيراً من أنماط الجمال وصوره معروفة لدى عرب الجاهلية، وفي الإسلام عبر العصور، وكأن الغرب هو مصدر كل رذيلة، ويكفي في التنفير من شيء أو ذمّه أن نحاول ربطه بهذا المصدر، وكأن ما يأتي من الغرب مرفوض كله جملة وتفصيلاً! فئة تعتبر هذه الأسئلة - وما شابهها - قضاءً مبرماً على الإسلام وعلى الأخلاق. وربما أخذت «المؤامرة» بعداً آخر باعتبار أن السؤال ذاته مؤامرة على المفتين لجرّهم إلى «التساهل» أو تغيير فتاواهم، أو التصريح بالجواز.. حتى ينقلوا عنك أنك تُحلّلها إما احتجاجاً بك، أو نقداً لك! هم - إذاً - يعرفون الحكم في داخلهم، ولكن يبحثون عمن يُرخّص لهم! انتقاد المفتين يقول أحدهم: «هذا يقود إلى انتقاد دور المفتين، فالناس لم يحصلوا على إجابة شافية وافية»! ولست أدري، ما الإجابة الشافية الوافية.. التحريم أم الإباحة، أم هي شيء آخر؟ اختلاف الفقهاء وتفاوت فتاواهم أمر معتاد، وجارٍ في معظم المسائل، ولا يجرؤ الفقيه اليوم على عرض آراء فقهاء سابقين في مسائل اجتماعية أو سياسية؛ لأنها أصبحت مستغربة أو مستنكرة لدى المهتمين.. فلا جديد إذاً. «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ».. معنى مناسب لمن يتردد في الحكم أو يداخله قدر من الريبة، وهذا أسلم له من ملاحقة المفتين والإلحاح المستديم على مسألةٍ أو حكم، فالاشتباه قد لا يكون صفة دائمة للفعل، ولكنه متصل بحال المكلف من حيث عدم جزمه بالحكم، وقد يكون الاشتباه صفةً دائمةً كما إذا كان الفعل «مكروهاً» في الشريعة فهو أحد أنواع المتشابه عند طائفة من أهل العلم. «اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ».. هو توجيه نبوي شديد الأهمية؛ لأنه يبرز دور السائل والمستفتي والمكلف بعامة، فالقصة ليست خروجاً من المسؤولية ولا إلقاء بها على آخر تحت شعار «اجعل بينك وبين النار مطوّعاً» كما تقول العامة، أو شعار «من قلّد عالماً لقي الله سالماً» كما يقول بعض الطلبة والمتفقهين. {فّاسًأّّلٍوا أّّهًلّ پذٌَكًرٌ إن كٍنتٍمً لا تّعًلّمٍونّ >43
أكثر ما تسألني البنات عن التشقير، وأكثر ما يسألني الرجال عن تهذيب اللحية.. علامََ يدل هذا؟! هي ليست حالة خاصة، شيء أشبه بظاهرة منتشرة تتكرر في برامج الإفتاء؛ في الإذاعات، والقنوات، والصحف، والأدوات الأخرى. من حق جيل ناشئ أن نستمع لتفسيره هذه الظاهرة عبر مشاركات واسعة في الشبكات الاجتماعية، جيل ذو حراك، بعضه يسأل، وبعضه يحلّل! معظم التحليل يتجه إلى اعتبار ذلك نوعاً من السطحية، والتفكير المحدود، والانشغالات الجزئية؛ التي تستحوذ على اهتمام فئة من الشباب بجنسيه، ويرى أنك لو سألتهم عما يجري من حولهم من أحداث محلية أو إقليمية أو عالمية لسمعت: «نحن لا نحب السياسة ولا نتابع الأخبار»، هم إذاً لا يعيشون زمانهم بل يعيشون على هامش الحياة! وبمثل هؤلاء لن تتحقق نهضة؛ حسب رأي كثيرين من المعلقين. قضايا جوهرية ولو سألتهم عن قضايا جوهرية في الدين لتحيّروا وسكتوا ولم يجروا جواباً ولا نطقوا صواباً، ولعل القضية خارج اهتمامهم، وهذا يبدو قريباً بالنظر إلى تكرار ملفت لهذه الأسئلة، وكأن كل أحد يريد جواباً خاصاً به، ولا يكفيه أن يسمع جواباتٍ لآخرين، يريد أن يقول: سألت بنفسي، عوضاً عن: سمعت بأذني! أحدهم وجد فيها نوعاً من الكسل المعرفي بعدم البحث ولا المراجعة، وكل ما هنالك أن أسمع أو أقرأ الآن ما أريد، ولا أكلف نفسي عناء البحث. هي اهتمامات فطرية طَبْعيّة يتم المبالغة فيها حتى تطغى على غيرها وتصبح في رأس القائمة. ترتيب الأولويات ثمَّ إذاً خللٌ في ترتيب الأولويات، أو في «فقه المقادير»، و{قّدً جّعّلّ پلَّهٍ لٌكٍلٌَ شّيًءُ قّدًرْا (3)}(الطلاق). الاهتمام بالمظهر والجمال، والتوق لصورة معبرة عن سمو الروح، وحافزة على الإعجاب ليس مذموماً بمجرده؛ {$ّصّوَّرّكٍمً فّأّحًسّنّ صٍوّرّكٍمً}(غافر:64)، {قٍلً مّنً حّرَّمّ زٌينّةّ پلَّهٌ پَّتٌي أّخًرّجّ لٌعٌبّادٌهٌ $ّالطَّيٌَبّاتٌ مٌنّ پرٌَزًقٌ}(الأعراف:32)؛ ولذا يعدّ آخرون هذا السؤال محاولة لخلق التوافق بين الدين وزينة الحياة، والمظهر ليس تفاهة ولا شيئاً يحتقر. فهم - إذاً - فئة تجمع بين «حب الجمال»، و«تحري الصواب»، وهي رؤية إيجابية التقطت جانباً حسناً، ولكنها تفتقر إلى تسويغ الاهتمام المفرط على حساب قضايا أكبر وأهم حتى في جانب الجمال وتحري الصواب، فلا يخلو الأمر إذاً من انتقائية وتربية على تغليب فروع يتنازعها الذوق والعرف الاجتماعي والحكم الفقهي. تأثير الإعلام هل يدل هذا التركيز على تأثير الصورة والإعلام في المتلقّي عبر النمط الذي يشاهدونه ويعجبون به، أو كما يعبر أحدهم عنه بما يسمى «شباب كول»، «بنات كول» وسيطرة الموضة بتفصيلاتها على نوع الجمال المرغوب، أم على جانب فطري بميل كل طرف للآخر، وحرص الأنثى على جذب الرجل، والعكس؟ وهل يعدّ مبالغةً في التجميل؟ أحدهم يقول: «إن الجمال الطبيعي هو الأحسن والأكثر مقبولية»، ويستشهد بقول المتنبي: أَفدي ظِباءَ فَلاةٍ ما عَرَفنَ بِها مَضغَ الكَلامِ وَلا صَبغَ الحَواجيبِ وَلا بَرَزنَ مِنَ الحَمّامِ مائِلَةً أَوراكُهُنَّ صَقيلاتِ العَراقيبِ بينما يميل آخر إلى الاستشهاد بقوله: أَغايَةُ الدينِ أَن تُحفوا شَوارِبَكُم يا أُمَّةً ضَحِكَت مِن جَهلِها الأُمَمُ المؤامرة حاضرة هنا، والتغريب أيضاً، وحتى «الغزو الفكري»! أنماط الجمال فهو التعلّق بكل ما يأتي من الغرب -حسب أحدهم - وكأنه نسي أن كثيراً من أنماط الجمال وصوره معروفة لدى عرب الجاهلية، وفي الإسلام عبر العصور، وكأن الغرب هو مصدر كل رذيلة، ويكفي في التنفير من شيء أو ذمّه أن نحاول ربطه بهذا المصدر، وكأن ما يأتي من الغرب مرفوض كله جملة وتفصيلاً! فئة تعتبر هذه الأسئلة - وما شابهها - قضاءً مبرماً على الإسلام وعلى الأخلاق. وربما أخذت «المؤامرة» بعداً آخر باعتبار أن السؤال ذاته مؤامرة على المفتين لجرّهم إلى «التساهل» أو تغيير فتاواهم، أو التصريح بالجواز.. حتى ينقلوا عنك أنك تُحلّلها إما احتجاجاً بك، أو نقداً لك! هم - إذاً - يعرفون الحكم في داخلهم، ولكن يبحثون عمن يُرخّص لهم! انتقاد المفتين يقول أحدهم: «هذا يقود إلى انتقاد دور المفتين، فالناس لم يحصلوا على إجابة شافية وافية»! ولست أدري، ما الإجابة الشافية الوافية.. التحريم أم الإباحة، أم هي شيء آخر؟ اختلاف الفقهاء وتفاوت فتاواهم أمر معتاد، وجارٍ في معظم المسائل، ولا يجرؤ الفقيه اليوم على عرض آراء فقهاء سابقين في مسائل اجتماعية أو سياسية؛ لأنها أصبحت مستغربة أو مستنكرة لدى المهتمين.. فلا جديد إذاً. «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ».. معنى مناسب لمن يتردد في الحكم أو يداخله قدر من الريبة، وهذا أسلم له من ملاحقة المفتين والإلحاح المستديم على مسألةٍ أو حكم، فالاشتباه قد لا يكون صفة دائمة للفعل، ولكنه متصل بحال المكلف من حيث عدم جزمه بالحكم، وقد يكون الاشتباه صفةً دائمةً كما إذا كان الفعل «مكروهاً» في الشريعة فهو أحد أنواع المتشابه عند طائفة من أهل العلم. «اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ».. هو توجيه نبوي شديد الأهمية؛ لأنه يبرز دور السائل والمستفتي والمكلف بعامة، فالقصة ليست خروجاً من المسؤولية ولا إلقاء بها على آخر تحت شعار «اجعل بينك وبين النار مطوّعاً» كما تقول العامة، أو شعار «من قلّد عالماً لقي الله سالماً» كما يقول بعض الطلبة والمتفقهين. {فّاسًأّّلٍوا أّّهًلّ پذٌَكًرٌ إن كٍنتٍمً لا تّعًلّمٍونّ >43