د. عبدالوهاب الديلمي
وما قيمة الوطن الذي لا يملك الإنسان فيه حريته، ولا يستطيع فيه القيام بحقوق الله تعالى؛ حتى بلغ الأمر إلى أن أصبح صاحب رأس المال اليوم لا يملك التصرف بماله إلا في حدود وبمعرفة ولي الأمر!!
وإذا تجاوز الحد المسموح به، فإنه يدخل في الاتهام بإعانة الإرهاب وهكذا شَمَلَ الحصار كل شي في حياة المرء حتى الحركة والعبادة والدعوة إلى الله تعالى... إلى آخر ذلك، وقد ذمّ الله تعالى الذين آثروا الوطن والخلود إليه على القيام بحق الله تعالى، إذ لا قيمة لوطن يسلب فيه المرء حريته ويضيّق عليه الخناق، ولا يتمكن من القيام بحقوق الله تعالى وحقوق عباه على الوجه الأكمل، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ...)[التوبة: من الآية38].
وأثنى على المهاجرين في آيات كثيرة لإيثارهم الله ورسوله والدار الآخرة على كل مألوف في هذه الحياة من دار وأهل ومال، ومن ذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[النحل:41].
- الحرب على الإنفاق في وجوه الخير:
ومن التعسف في ممارسة الحاكم اليوم وتسلطه على الأمة، أنه لم يعد يقتصر على إهدار حقوق الناس في المال العام والاستئثار به، بل تجاوز ذلك إلى منع الناس من بعض تصرفاتهم في أموالهم الخاصَّة حتى لو كانت في جوانب الخير التي فيها إحياءٌ لمعاني الإسلام مما يدخل في التكافل الاجتماعي، وتقوية روابط الأخوة، والمحبة، والتعاون على البر الذي أمر الله به، ومن ذلك: منع الإنفاق في الدفاع عن الحُرُمات؛ وقد ذمّ الله عز وجل من اتصف بمثل هذه الصفات بقوله سبحانه: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ...)[النساء: من الآية37].
- جهل الحاكم بشرع الله تعالى:
ومن أعظم أسباب انحراف الحاكم جهله بشرع الله عز وجل فإنّ الحاكم عندما يكون جاهلاً فإنه لا يهتدي إلى مواطن الرشاد ومسالك الحق حتى يَسُوْسَ الناس بالشرع وخاصةً عندما تكون بطانته على شاكلته ولا يلتفت إلى العلم ولا يدرك أهميته، ولذلك لا يشجع عليه ولا يخدمه بل قد يكره أن يتميز عليه غيره بالمعرفة؛ ومن هنا قد يسعى إلى تجهيل الناس عن طريق تجفيف منابع العلم، أو يعطي من الاهتمام بالعلم بالقدر الذي يعذره أمام الأمة؛ ولذلك نرى اليوم وضع التعليم الذي يصدق عليه اليوم أنه تجهيل لكثرة ما أصاب مناهجه من المسخ الذي لا يخرّجْ علماء خاصة عندما يستجيب الحاكم للإملاءات من خارج البلاد بالسعي إلى ما يسمى ’’تطوير التعليم’’ الذي يعني هدم التعليم وهذا ما نلمسه اليوم في أحوال مُخرجات التعليم من الانحطاط، وهي أكبر دليل على ذلك، وقد نبّه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم– إلى ما ستُصاب به الأمة من الابتلاء بمثل هؤلاء الحكام في قوله – وقد سُئِلَ متى الساعة؟ فقال: (إذا ضُيّعت الأمانة فانتظر الساعة) قال: كيف إضاعتها؟ قال: (إذا وسِّدَ الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) [رواه البخاري برقم: 59].
ومن أكبر الأدلة على ضياع حقوق الأمة وعدم الاهتمام بشئونها، سوء استخدام وسائل الحرب، وعلى سبيل المثال: الطائرات الحربية، التي هي في الأصل لحماية الأمة والإعداد بها من أجل مواجهة أي خطر قد تتعرض له البلاد من العدو الخارجي؛ هذه الطائرات لا نرى اليوم من مهماتها إلا إخافة الأمة وترويعهم في غالب الأحوال، بل قد تتجاوز حدود الترويع بأصواتها المزعجة إلا ضرب أبناء الوطن وهدم ديارهم وسفك دمائهم؛ وكم ذهبت دماء بريئة وسفكت خلال الفترة الماضية أشعلها الحاكم الذي يدعي أنه حريص على مصلحة البلاد سواء من دماء المدنيين، أو العسكريين الذين يدفعون إلى حروب ولا يكسبون منها إلا الويلات.
- الاختلال في ميزان الحكم على الأشياء:
إذا كان الخروج على الحاكم محرماً عند ظلمه، فلماذا الخروج على آل حميد الدين؟ فالكل منذ عام 1962م يتغنى بالثورة أنها أزالت الظلم عن الأمة، وقضت على الحكم الوراثي، فهل إذا عاد الظلم من جديد يظل الحكم كما هو في جواز الخروج على الظلمة أم يتغير الحكم؟ ثم لماذا الخروج على ’’الحمدي’’ وقتله؟، وهل أعلن كفرا بواحاً؟ ومن قتله؟ وهل هذه فتنة؟ وهل يدخل هذا في ما يقال: ’’الكيل بمكيالين’’؟ الذي لا يمتّ إلى العدل والإنصاف بصلة.
إن الخروج الذي يؤدي إلى الفتنة هو رفع السلاح في وجه الحاكم؛ والأمة اليوم إنما تطالب بحقوقها المشرعة في الدين، والدستور، بطرق سلمية ليس فيها سوى رفع شعارات تندد بالظلم. وتطالب بالحقوق المسلوبة.
والحاكم الذي يعبّد الناس لنفسه لا يبقى له حق، لأن حق الله مقدم على غيره وتجريم الخروج على الظالم تشكيك في مشروعية الثورة بقصد أو بغير قصد، وقد تعتبر في نظر القانون جريمة يُعاقب عليها.
ثمّ أين الأهداف التي قامت من أجلها الثورة؟ أعني: محاربة الثلاثي: الجوع، والجهل، والمرض، لم يتحقق منها شيء!.
- أما الجوع: فأكثر من 50% تحت خط الفقر.
- وأما الجهل: فالغالبية العظمى محرومة من التعليم خاصة أبناء الأرياف ونسبة الأمية ما تزال عالية.
- وأما المرض: فقد فَتَكَت الأمراض بنسبة كبيرة من أبناء الشعب في حين أنّهم لا يجدون ما كفله لهم الدستور من العلاج المجاني، إلى جانب الأفواج التي تسافر إلى الخارج وتهدر كثيراً من الأموال بحثا عن العلاج.
إن المسلم اليوم في ظل الظلم القائم لا يجد متنفسا لكي يقيم الإسلام بكل شعبه وإذا أراد الهجرة إلى أي بلد مسلم فلا يستطيع؛ لأن أجهزة المخابرات تتعاون على إيذاء المسلمين من العلماء والدعاة وغيرهم، وقد لا يجد الإنسان ملاذاً أحياناً إلا أن يضطر إلى التحول إلى ديار الغرب بينما كان المؤمنون في عصر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يجدون ملاذا هي المدينة بالرغم من أن الشرك يومها كان له صولة.
- ما الدنيا إلا للحاكم وحده:
لقد خلق الله سبحانه ما في الكون من أجل الإنسان، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً...)[لقمان: من الآية20]، وقال عز وجل: (وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ) [الرحمن:10]، وهذا من أعظم الأدلة على تكريم الله سبحانه للإنسان وبيان مكانته عند الله، غير أن الحاكم اليوم أبى إلا أن يفهم الآية أنّ التسخير له وحده، فسخّر الإنسان وما حول الإنسان لنفسه وبطانته وأعوانه ولسان حاله يقول: وما الأرض لنا وحدنا ولكنهم غالطونا بها
ووجد من يقول في ظل هذا التعسف: لا يجوز الخروج على الحاكم!!! ونقول: أيُّ حاكم تقصد؟ أهذا الذي يصادم بسلوكه وأعماله وأقواله دين الله وشرعه؟ ويعبّد الناس لطاعته؟ وقد جاء الإسلام يخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده.
وبعد هذا البيان بتوفيق الله وعونه، أقول مستعيناً بالله تعالى:
من الأدلة التي يستند إليها القائلون بتحريم الخروج على الحاكم حديث: (إلا أن تروا كفراً بَوَاحَاً)، وقد فسّر الإمام النووي ’’الكفر هنا بالمعصية’’ فقال: ’’والمراد بالكفر هنا: المعاصي، ومعنى ’’عندكم من الله فيه برهان’’ أي: تعلمونه من دين الله تعالى، ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكراً محقّقّاً، تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم، وقولوا بالحق حيثما كنتم...’’ [شرح النووي لمسلم: ج12/229]، وكلام النووي له مستند، فقد ورد في بعض النصوص إطلاق الكفر على بعض المعاصي، من ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم –في حجة الوداع-: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) [رواه البخاري:121، ومسلم:118].
ومن ذلك قوله –صلى الله عليه وآله وسلم-: (اثنتانِ في الناس هما بهم كُفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت) [رواه مسلم:ج1/67]؛ وغير ذلك من الأحاديث.
ثم لماذا إهمال الأدلة التي أوجبت نصح الحاكم، مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّه يُسْتَعمل عليكم أمراءَ، فتعْرِفون وتنْكِرون، فمن كره فقد برئَ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضِيَ وتابع) [رواه مسلم:1854]، وحديث: (الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) [رواه مسلم:55].
وما أحوج الناس اليوم إلى أن يقولوا كلمة الحق للسلطان، خاصة إذا أُهدرت الضرورات الخمس التي جاء الإسلام لحمايتها وهي: الدين، والنفس، والمال، والعقل، والعرض.
وفي الختام نذكر بعض الأدلة التي توقظ حس المؤمن في كيفية التعامل مع الحاكم، من ذلك:
قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنه سيكون عليكم أمراء، فلا تعينوهم على ظلمهم، ولا تصدّقوهم بكذبهم، فإن من أعانهم على ظلمهم وصدّقهم بكذبهم، فلن يرد عليّ الحوض) [رواه أحمد: 6/395، والنسائي:4207].
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (تكون أمراء تغشاهم غواشٍ أو حواشٍ من النّاس، يظلمون ويكذبون، فمن دخل عليهم فصدّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه، ومن لم يدخل عليهم ويصدّقهم بكذبهم، ويعنْهم على ظلمهم، فهو منّي وأنا منه) [رواه أحمد:3/24].
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل الجهاد كلمة عدل عن سلطان جائر) [رواه أحمد: 3/19، 61، والترمذي:2174، والنسائي:4209].
وفي التحذير من الظلم وعدم النصح للرعيّة ووجوب الشفقة بهم:
قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم من ولي من أمر أمّتي شيئا فشقّ عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمّتي شيئا فَرَفَق بهم، فارفق به) [رواه مسلم:1128].
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راعٍ، ومسئول عن رعيته) [رواه مسلم:1829].
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما مِن عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة) [رواه البخاري:7150، ومسلم:142].
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من أمير يلي أمر المسلمين، ثمّ لا يجهد لهم وينصح، إلا لم يدخل الجنّة) [رواه مسلم:142].
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف) [رواه مسلم:1840].
*الإصلاح نت
وما قيمة الوطن الذي لا يملك الإنسان فيه حريته، ولا يستطيع فيه القيام بحقوق الله تعالى؛ حتى بلغ الأمر إلى أن أصبح صاحب رأس المال اليوم لا يملك التصرف بماله إلا في حدود وبمعرفة ولي الأمر!!
وإذا تجاوز الحد المسموح به، فإنه يدخل في الاتهام بإعانة الإرهاب وهكذا شَمَلَ الحصار كل شي في حياة المرء حتى الحركة والعبادة والدعوة إلى الله تعالى... إلى آخر ذلك، وقد ذمّ الله تعالى الذين آثروا الوطن والخلود إليه على القيام بحق الله تعالى، إذ لا قيمة لوطن يسلب فيه المرء حريته ويضيّق عليه الخناق، ولا يتمكن من القيام بحقوق الله تعالى وحقوق عباه على الوجه الأكمل، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ...)[التوبة: من الآية38].
وأثنى على المهاجرين في آيات كثيرة لإيثارهم الله ورسوله والدار الآخرة على كل مألوف في هذه الحياة من دار وأهل ومال، ومن ذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[النحل:41].
- الحرب على الإنفاق في وجوه الخير:
ومن التعسف في ممارسة الحاكم اليوم وتسلطه على الأمة، أنه لم يعد يقتصر على إهدار حقوق الناس في المال العام والاستئثار به، بل تجاوز ذلك إلى منع الناس من بعض تصرفاتهم في أموالهم الخاصَّة حتى لو كانت في جوانب الخير التي فيها إحياءٌ لمعاني الإسلام مما يدخل في التكافل الاجتماعي، وتقوية روابط الأخوة، والمحبة، والتعاون على البر الذي أمر الله به، ومن ذلك: منع الإنفاق في الدفاع عن الحُرُمات؛ وقد ذمّ الله عز وجل من اتصف بمثل هذه الصفات بقوله سبحانه: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ...)[النساء: من الآية37].
- جهل الحاكم بشرع الله تعالى:
ومن أعظم أسباب انحراف الحاكم جهله بشرع الله عز وجل فإنّ الحاكم عندما يكون جاهلاً فإنه لا يهتدي إلى مواطن الرشاد ومسالك الحق حتى يَسُوْسَ الناس بالشرع وخاصةً عندما تكون بطانته على شاكلته ولا يلتفت إلى العلم ولا يدرك أهميته، ولذلك لا يشجع عليه ولا يخدمه بل قد يكره أن يتميز عليه غيره بالمعرفة؛ ومن هنا قد يسعى إلى تجهيل الناس عن طريق تجفيف منابع العلم، أو يعطي من الاهتمام بالعلم بالقدر الذي يعذره أمام الأمة؛ ولذلك نرى اليوم وضع التعليم الذي يصدق عليه اليوم أنه تجهيل لكثرة ما أصاب مناهجه من المسخ الذي لا يخرّجْ علماء خاصة عندما يستجيب الحاكم للإملاءات من خارج البلاد بالسعي إلى ما يسمى ’’تطوير التعليم’’ الذي يعني هدم التعليم وهذا ما نلمسه اليوم في أحوال مُخرجات التعليم من الانحطاط، وهي أكبر دليل على ذلك، وقد نبّه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم– إلى ما ستُصاب به الأمة من الابتلاء بمثل هؤلاء الحكام في قوله – وقد سُئِلَ متى الساعة؟ فقال: (إذا ضُيّعت الأمانة فانتظر الساعة) قال: كيف إضاعتها؟ قال: (إذا وسِّدَ الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) [رواه البخاري برقم: 59].
ومن أكبر الأدلة على ضياع حقوق الأمة وعدم الاهتمام بشئونها، سوء استخدام وسائل الحرب، وعلى سبيل المثال: الطائرات الحربية، التي هي في الأصل لحماية الأمة والإعداد بها من أجل مواجهة أي خطر قد تتعرض له البلاد من العدو الخارجي؛ هذه الطائرات لا نرى اليوم من مهماتها إلا إخافة الأمة وترويعهم في غالب الأحوال، بل قد تتجاوز حدود الترويع بأصواتها المزعجة إلا ضرب أبناء الوطن وهدم ديارهم وسفك دمائهم؛ وكم ذهبت دماء بريئة وسفكت خلال الفترة الماضية أشعلها الحاكم الذي يدعي أنه حريص على مصلحة البلاد سواء من دماء المدنيين، أو العسكريين الذين يدفعون إلى حروب ولا يكسبون منها إلا الويلات.
- الاختلال في ميزان الحكم على الأشياء:
إذا كان الخروج على الحاكم محرماً عند ظلمه، فلماذا الخروج على آل حميد الدين؟ فالكل منذ عام 1962م يتغنى بالثورة أنها أزالت الظلم عن الأمة، وقضت على الحكم الوراثي، فهل إذا عاد الظلم من جديد يظل الحكم كما هو في جواز الخروج على الظلمة أم يتغير الحكم؟ ثم لماذا الخروج على ’’الحمدي’’ وقتله؟، وهل أعلن كفرا بواحاً؟ ومن قتله؟ وهل هذه فتنة؟ وهل يدخل هذا في ما يقال: ’’الكيل بمكيالين’’؟ الذي لا يمتّ إلى العدل والإنصاف بصلة.
إن الخروج الذي يؤدي إلى الفتنة هو رفع السلاح في وجه الحاكم؛ والأمة اليوم إنما تطالب بحقوقها المشرعة في الدين، والدستور، بطرق سلمية ليس فيها سوى رفع شعارات تندد بالظلم. وتطالب بالحقوق المسلوبة.
والحاكم الذي يعبّد الناس لنفسه لا يبقى له حق، لأن حق الله مقدم على غيره وتجريم الخروج على الظالم تشكيك في مشروعية الثورة بقصد أو بغير قصد، وقد تعتبر في نظر القانون جريمة يُعاقب عليها.
ثمّ أين الأهداف التي قامت من أجلها الثورة؟ أعني: محاربة الثلاثي: الجوع، والجهل، والمرض، لم يتحقق منها شيء!.
- أما الجوع: فأكثر من 50% تحت خط الفقر.
- وأما الجهل: فالغالبية العظمى محرومة من التعليم خاصة أبناء الأرياف ونسبة الأمية ما تزال عالية.
- وأما المرض: فقد فَتَكَت الأمراض بنسبة كبيرة من أبناء الشعب في حين أنّهم لا يجدون ما كفله لهم الدستور من العلاج المجاني، إلى جانب الأفواج التي تسافر إلى الخارج وتهدر كثيراً من الأموال بحثا عن العلاج.
إن المسلم اليوم في ظل الظلم القائم لا يجد متنفسا لكي يقيم الإسلام بكل شعبه وإذا أراد الهجرة إلى أي بلد مسلم فلا يستطيع؛ لأن أجهزة المخابرات تتعاون على إيذاء المسلمين من العلماء والدعاة وغيرهم، وقد لا يجد الإنسان ملاذاً أحياناً إلا أن يضطر إلى التحول إلى ديار الغرب بينما كان المؤمنون في عصر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يجدون ملاذا هي المدينة بالرغم من أن الشرك يومها كان له صولة.
- ما الدنيا إلا للحاكم وحده:
لقد خلق الله سبحانه ما في الكون من أجل الإنسان، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً...)[لقمان: من الآية20]، وقال عز وجل: (وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ) [الرحمن:10]، وهذا من أعظم الأدلة على تكريم الله سبحانه للإنسان وبيان مكانته عند الله، غير أن الحاكم اليوم أبى إلا أن يفهم الآية أنّ التسخير له وحده، فسخّر الإنسان وما حول الإنسان لنفسه وبطانته وأعوانه ولسان حاله يقول: وما الأرض لنا وحدنا ولكنهم غالطونا بها
ووجد من يقول في ظل هذا التعسف: لا يجوز الخروج على الحاكم!!! ونقول: أيُّ حاكم تقصد؟ أهذا الذي يصادم بسلوكه وأعماله وأقواله دين الله وشرعه؟ ويعبّد الناس لطاعته؟ وقد جاء الإسلام يخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده.
وبعد هذا البيان بتوفيق الله وعونه، أقول مستعيناً بالله تعالى:
من الأدلة التي يستند إليها القائلون بتحريم الخروج على الحاكم حديث: (إلا أن تروا كفراً بَوَاحَاً)، وقد فسّر الإمام النووي ’’الكفر هنا بالمعصية’’ فقال: ’’والمراد بالكفر هنا: المعاصي، ومعنى ’’عندكم من الله فيه برهان’’ أي: تعلمونه من دين الله تعالى، ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكراً محقّقّاً، تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم، وقولوا بالحق حيثما كنتم...’’ [شرح النووي لمسلم: ج12/229]، وكلام النووي له مستند، فقد ورد في بعض النصوص إطلاق الكفر على بعض المعاصي، من ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم –في حجة الوداع-: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) [رواه البخاري:121، ومسلم:118].
ومن ذلك قوله –صلى الله عليه وآله وسلم-: (اثنتانِ في الناس هما بهم كُفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت) [رواه مسلم:ج1/67]؛ وغير ذلك من الأحاديث.
ثم لماذا إهمال الأدلة التي أوجبت نصح الحاكم، مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّه يُسْتَعمل عليكم أمراءَ، فتعْرِفون وتنْكِرون، فمن كره فقد برئَ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضِيَ وتابع) [رواه مسلم:1854]، وحديث: (الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) [رواه مسلم:55].
وما أحوج الناس اليوم إلى أن يقولوا كلمة الحق للسلطان، خاصة إذا أُهدرت الضرورات الخمس التي جاء الإسلام لحمايتها وهي: الدين، والنفس، والمال، والعقل، والعرض.
وفي الختام نذكر بعض الأدلة التي توقظ حس المؤمن في كيفية التعامل مع الحاكم، من ذلك:
قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنه سيكون عليكم أمراء، فلا تعينوهم على ظلمهم، ولا تصدّقوهم بكذبهم، فإن من أعانهم على ظلمهم وصدّقهم بكذبهم، فلن يرد عليّ الحوض) [رواه أحمد: 6/395، والنسائي:4207].
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (تكون أمراء تغشاهم غواشٍ أو حواشٍ من النّاس، يظلمون ويكذبون، فمن دخل عليهم فصدّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه، ومن لم يدخل عليهم ويصدّقهم بكذبهم، ويعنْهم على ظلمهم، فهو منّي وأنا منه) [رواه أحمد:3/24].
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل الجهاد كلمة عدل عن سلطان جائر) [رواه أحمد: 3/19، 61، والترمذي:2174، والنسائي:4209].
وفي التحذير من الظلم وعدم النصح للرعيّة ووجوب الشفقة بهم:
قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم من ولي من أمر أمّتي شيئا فشقّ عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمّتي شيئا فَرَفَق بهم، فارفق به) [رواه مسلم:1128].
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راعٍ، ومسئول عن رعيته) [رواه مسلم:1829].
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما مِن عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة) [رواه البخاري:7150، ومسلم:142].
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من أمير يلي أمر المسلمين، ثمّ لا يجهد لهم وينصح، إلا لم يدخل الجنّة) [رواه مسلم:142].
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف) [رواه مسلم:1840].
*الإصلاح نت