مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الإلحاد كأيدلوجية شرسة!
27-5-2011
عبدالله العودة

حسناً، فهل كان الإلحاد بريئاً من الحروب والدماء والقتل؟! إن أبشع المجازر والحروب والدماء التي ارتكبها سياسيون في القرن العشرين مثلاَ كانت ذات طابع ملحد كمجازر الشيوعيين ومقابرهم الجماعية وترحيلهم بل وممارستهم التي قدمت أبشع أشكال اللاتسامح مع الأديان السماوية في الوقت الذي تقدم فيه ’’ديناً’’ محدداً يحمل الطبيعة المحددة للدين التي يريدون نفيها كطبيعة التبشير وإرادة الحق..

اهتم البريطاني، ريتشارد دوكينز، بفكرة ’’الإلحاد’’، وألف فيها كتباً مهمة، كان أشهرها فيما أعرف كتابه ’’وهم الإله’’ (The God Delusion)، الذي ألفه عام 8م تقريباً، وفي وقت متقارب، ألف الأمريكي الإنجليزي كتابه الذي يمكن ترجمته بعنوان ’’الإله ليس أكبر’’ (God is not Great)..

في هذين الكتابين وغيرهما من الظاهرة الغربية المعروفة في الاتجاه للإلحاد، كان هؤلاء جميعاً مدفوعين بفكرة أن الدين وكل الأديان خرافة بشرية تخالف الحقائق العلمية وتخالف المنطق، وأن الدين هو سبب الحروب وسبب الدماء وسبب المشاكل في الأرض، وأن الدين هو الذي بشر بالجلاد عوضاً عن الجدال، وبالحرب والقتال عوضاً عن الحب والتسامح.

في الوقت ذاته، يقدمان فكرة تنتهي إلى أن الإلحاد هو ’’الحل’’ المنطقي بل والسياسي الذي يحمي البشرية من كل هذه الخرافات، وأنه هو الاتجاه الوحيد الذي يحفظ الدماء والأعراض والحقوق، وباختصار: هذان الكتابان يبشران بدين ’’الإلحاد’’ كدين مختلف، وهما في النهاية يضمان ’’فكرة الإلحاد’’ للأديان.

حالما شرع هذان المؤلفان وغيرهما بالتبشير بالإلحاد كحل عقدي، وبدآ يقدمانه على أنه ’’الحقيقة’’، فهما هنا لا يقوضان فكرة الدين، بل باختصار شديد يدعوان لدين جديد اسمه ’’الإلحاد’’ دين يحمل تماماً كل العناصر والطبيعة الدينية التي يذمانها في الأديان ويحمل الشراسة التي ما فتئ كلاهما إدانة وتحذيراً منها.

في حين أن هوتشينز مثلاً يرى أن الحل في الإلحاد عقدياً، وأن من يقول ’’الحل في الإسلام’’ أو ’’في النصرانية’’ مثلاً مؤمن متشدد غير متسامح، وفي هذا إذا طبقنا معايير هوتشينز نفسه، فالتبشير بالإلحاد كحل عمل إيماني متشدد غير متسامح.

وإذا نظرنا للمقولة الهشة أن الأديان وحدها كانت سبب الحروب، فسيبرر هوتشينز أن الإلحاد فكرة ترفض الإلزام والقتال، فهل هذا دقيق؟

حسناً، فهل كان الإلحاد بريئاً من الحروب والدماء والقتل؟! إن أبشع المجازر والحروب والدماء التي ارتكبها سياسيون في القرن العشرين مثلاَ كانت ذات طابع ملحد كمجازر الشيوعيين ومقابرهم الجماعية وترحيلهم بل وممارستهم التي قدمت أبشع أشكال اللاتسامح مع الأديان السماوية في الوقت الذي تقدم فيه ’’ديناً’’ محدداً يحمل الطبيعة المحددة للدين التي يريدون نفيها كطبيعة التبشير وإرادة الحق.

وفي إحدى مقابلات دوكينز، وحينما قيل له بأن الإلحاد أيضاً ليس بريئاً، كان رده بأن الملحد المقاتل والمحارب لا يدفعه إلحاده للقتل والحرب بل دوافع أخرى سياسية أو قومية أو أيدلوجية، كما يقول.

وهذا الجواب هو أسوأ ما يمكن أن تسمعه من أيدلوجي بغيض، لأن كل أصحاب الأديان، وكل المسلمين الذين قدم ’’هوتشينز’’ انتقاداً حاداً لدينهم ’’الدموي’’، كما يزعم، يرون أن المسلم الذي يقاتل الجميع ويكره الجميع ويرفض الجميع له دوافع أخرى غير الدين إما سياسية أو إيدلوجية أو حزبية.

ولكنه كما يفعل الملحد المقاتل الشرس تماماً يستخدم دينه أو إلحاده لتبرير ذلك وتوظيفه في حربه، فالحروب المقدسة التي تمارس الاعتداء عمل إيدلوجي يستخدمه الملحد تماماً كما يفعل المتدين.

لقد بدا ’’هوتشينز’’ تماماً متديناً متشدداً لا متسامحاً، حينما ينفي كل الأديان ويرى أنها ’’باطل محض’’، ثم يدعو للحقيقة المطلقة، والتي هي الإلحاد.

في الوقت الذي ينتقد فيه على المتدينين امتلاكهم للحقيقة المطلقة، وهكذا ينفي هو تشينز ودوكينز ’’حقائق الدين’’ المطلقة لمجرد أن يقدم ’’حقيقته المطلقة’’ هو في الحل والدين الذي يسميه ’’الإلحاد’’!

هو تماماً كمن ينتقد الخرافات المنسوبة للدين ثم يقدم خرافات أخرى ينسبها للعلم، ولا يقبل التشكيك في علميتها ولا في دقتها، فهو يحمل العقيدة (الدوغما) نفسها التي يحملها الآخر، إلا أن المتدين يعرف عقيدتها ويسلم بها والملحد يكفر بما يسميه العقيدة ولكنه يقدم عقيدة بديلة تقدس العلم والتفلسف والنظريات البشرية وحدها.

بهذه الطريقة العقدية المجردة لا يختلف في المستوى العقدي دوكينز وهوتشينز مثلاً عن أي مؤمن بالأديان، فلماذا يحارب هؤلاء التدين بكل أشكاله ويؤسسان لدين بديل هجين؟

في قراءة هذين العملين وغيرهما، ينتهي الإنسان إلى معرفة أن نسبة معينة من العقيدة والإيدلوجية هي نسبة ضرورية طبيعية في داخل كل إنسان.


بيد أنه قد تتلبس أشكالاً مختلفة وتتذرع بحجج مختلفة، وقد تبدو للناظر من بعيد أنها في غاية التباين، ولكنها تنتهي إلى تحليل متقارب في أن الاعتقاد عمل مخلوق مع البشر، ولكنه قد يستخدمه الناس لأغراض إيدلوجية وسياسية سيئة، وفي هذا لا يختلف المؤمن عن الملحد.

ولكن: هل دين الإسلام هو كدين الإلحاد في منطقيته وتماسكه؟ (وما يستوي الأعمى والبصير. ولا الظلمات ولا النور. ولا الظل ولا الحرور. وما يستوي الأحياء ولا الأموات؛ إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور).
*العصر
أضافة تعليق