صائم ولم يصم
الشيخ مشعل العتيبي
الحمد لله جعل الصيام جنة، وسببًا موصلاً إلى الجنة، أحمده سبحانه وأشكره؛ هدى إلى خير طريق وأقوم سنة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله بعثه إلينا فضلا منه ومنة، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الجسد الميت لا يشعر بالألم، وإذا أصيب جزء من بدن الإنسانِ بمرض الشلل،أو غيره، فإنك مهما وخزته أو ضربته لا يشعر بالألم، حيث لا ينتقل الإحساس بالألم إلى مركز التألم والشعور والإحساس، لكن ما إن تدب الحياة في هذا الجسدِ أو في هذا العضو حتى يصبح شديد الحساسية يتألم لأقل شيء ويتأثر من أي شيء، فإذا كانت حياة الأبدان هي بالروح؛ فإن حياة القلوب هي بالإيمان بالله عز وجل وطاعته والقربى إليه.
وهذا الشهر الكريم هو من مواسم الخيرات، التي تتحرك فيها القلوب إلى رِبها جل وعلا،وربما أصغت الآذان إلى ذكره وربما لهجت الألسنة بذكره والثناء عليه،ولهذا لاغرابة أبداً،أن تجد الأوابين والتوابين تتكاثر جموعهم في هذا الشهر الكريم، وتغص بهم المساجد، وتكتظ بهم حِلق الذِكر،ولأصواتهم دوي بالقرآن الكريم،وربما كان في كثير من الأحيان لهم خنين وحنين وبكاء كلما سمعوا ذكراً أو وعظاً أو تخويفاً من نار أو ترغيباً في جنة أو دعوة إلى توبة، وهذا شأن المؤمنين الصادقين، فإن المؤمن الذي يؤمن بالله عز وجل وإن ابتعد، وإن استدرجه الشيطان خطوة خطوة، ونأى به عن ربه جل وعلا، فإنه سريع الأوبة والعودة إلى الله تعالى، لا يصر على ذنب، ولا يستمرئ معصية، ولا يستلذ مخالفة، وإنما تغلبه نفسه مرة بعد مرة بتسويل شياطين الإنس والجن، فإذا سمع داعي الله تعالى أجاب وأناب وهو يقول:لبيك لبيك، لقد أقبل شهر رمضان .. شهر الرحمة والغفران ... شهر تجديد الهمم وتحريك النفوس إلى الله
ليعلم المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، أن خالقهم قد آذنهم بشهر،له في مجتمعهم تأثير،وفي نفوسهم تأديب،وفي مشاعرهم إيقاظ، وكأنه لهم موسم ربيع، جاءهم رمضان بعد أن ظلوا أحد عشر شهرا، وهم سائرون في مسالك الحياة،ينالون منها،وتنال منهم.فتساءل الناس في دهشة وذهول،ما أسرع ما عادت الأيام، ورجعت الذكريات!.
جاءكم شهر رمضان شهر بركة ، يغشاكم الله فيه ،فينزل الرحمة ،ويحط الخطايا ،ويستجيب الدعاء،ينظر الله إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته شهر عظيم الخيرات ، كثير البركات ، فيه فضائل وفوائد ، ينبغي للمسلم أن يغتنمها ويقتنصها ، شهر الصيام ، شهر القرآن، يشد الناس إلى الدين، يذكرهم بحق الله، تشم رائحة الدين في كل مجلس تجلس فيه، تحس بإقبال الناس على كتاب الله، يقرؤونه، ويسمعونه، ويتدبرون آياته، إنه يرفع في نفوس الناس درجة الاستعداد، لتغيير ما في النفس، حتى يغير الله ما بهم إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى? يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ
جاء الصيام ليكون فترة تأديبية، تعلم المرء كيف يهدأ، وكيف يخفف من جماح رغباته، وإسراف شهواته، فها هي المفطرات تكون من حوله، وليس عليه من رقيب أو حسيب، سوى خالقه ومولاه، المطلع على الضمائر والسرائر،: كل عمل ابن آدم له يقولها الله عز وجل على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به))
جاء الصوم لتربية الإنسان على الحلم، والصفح عن الجاهل، والعفو عن المسيء؛ لأنه عبادة يتلبس بها الإنسان، والعابد قريب من الله بعيد عن نـزغات الشيطان.
حتى قال عليه الصلاة والسلام :{من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه} والله تعالى غني عن العالمين، فليس لله حاجة أن يدع هذا طعامه وشرابه، فلم يكن هذا الصيام إلا لتربية العبد وتهذيبه، وحمله على كريم الطباع، وجميل الأخلاق، والبعد به عن قول الزور،وعن شهادة الزور،وعن الظلم، وعن الفحش،وعن السب،وعن الشتم وعن الجهل،وعن الغيبة وعن النميمة فإذا لم يترك كل ذلك فإن الصوم يكون حينئذ لم يفعل فعله فيه.
إن العجب كل العجب : أن تجد صائماً يكذب .. ويقول الزور ويسعى بالنميمة ... ويأكل لحم أخيه ويدعي أنه صائم ...
يظلم ... ويغش .. يضرب ويسب ... يبطش و يسرق .. يتتبع العورات .. وينظر إلى المحرمات ..ويدعى أنه صائم
إذا لم يكن في السمع مني تصــاون **وفي بصرى غــض،وفي منطقي صمت
فحظي إذن من صومي الجوع والظما **وإن قلت : إني صمت يوما فما صمت
ولماذا يصوم مثل هذا؟ علام يصوم إذا لم يصم لنفسه؟إن لله تعالى غني عنه، إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ فهو سبحانه غني عن هؤلاء الذين كفروا وأعرضوا عنه،وهم لا يضرونه شيئاً، كما أنه سبحانه غني أيضاً عن المؤمنين، وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ فكفر العبد هو على نفسه، وفسقه على نفسه، وارتكابه للزور هو على نفسه: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ
حتى قال الله عز وجل في الحديث القدسي .
{يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئاً}.
فالله تعالى لا تضره المعصية، ولا تنفعه الطاعة، إنه سبحانه غني عن العالمين، وإنما الصائم يعمل لنفسه فيمسك عن الطعام والشراب من أجل أن يربيه ذلك على أن يدع قول الزور وأن يترك العمل به، فإذا لم يدع ذلك فلماذا صام إذاً؟ هل صام لله تعالى ومن أجل الله؟ الله تعالى ليس له حاجة إلى أن يترك هذا الإنسان طعامه وشرابه.
وقد قالها عليه الصلاة والسلام {إذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤٌ شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائم}
إنى صائم لأكون كعباد الرحمن الذين إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما
إنى صائم لأ كون كعباد الرحمن الذين إذا مروا باللغو مروا كراما
فمن عصى الله فيك فعليك أن تطيع الله تعالى فيه.
إنه لا يليق بالمسلم عامة ولا بالصائم خاصة أن يوزع ألفاظ السباب والشتائم على من حوله، فإن قصرت الزوجة في طهي الطعام أو كنس البيت أو كي الثياب أو العناية بالأطفال أو صناعة الشاي سبها، وسب أباها وأمها، وعيرها وهددها، وملأ البيت صراخاً وضجيجاً !فليس من المروءة والكمال أن يكون الرجل في بيته امبراطوراً، إذا تكلم سكت الجميع، وإذا ظهر تجمد الكل، فلا ينطقون ولايتكلمون،بل قد كان سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم حكيماً حليماً صبوراً رقيقاً حتى مع أهله،وربما رفعت عليه زوجه صوتها، وربما هجرته إحداهن إلى الليل. فليس مناسباً إن قصر زوجك أن تغلظ له في القول،أو أفسد بعض الأطفال أثاث المنـزل،أومزقوا أوراقاً،أو نثروا طعاماً فربما شتمهم،وسبهم ودعا عليهم ، وإن أطال مراجع على هذا الموظف في النقاش، أو تحدث معه، أوألح عليه أغلظ له في القول،وربما افتعل هذا الإنسان مشكلة مع إمام المسجد أو مع الجار أو مع صديق أو مع زميل في العمل، وعذره في كل ذلك أنه صائم، ونفسه لاتطيق فمتى ؟ متى يدرك هذا الغافل
أن الصوم جاء ليكون جنة تمنع العبد مما يسخط الله، وحاجزاً يحول بينه وبين الغلط في القول أو في الفعل،بل حتى من أولئك الذين يبدأونك بالسب والشتم،أويعيرونك،أو يسبونك،أو يغلظون لك في القول، أو لا يحترمونك ، عليك أن تقابل ذلك كله بالإعراض،عليك أن تقابل ذلك كله بالصفح وأنت تتذكر قول ربك خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ .
ما أسهل هذه الكلمات! أن نقولها، وما أصعب أن تمسك نفسك عن الغيظ فلا تنفذه، وأن تحجزها عن الغضب فلا تستجيب له، وأن تردها عن الانتصار للنفس فلا تقبله، وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا إلا الذين صبروا وتربوا بصيامهم ..حتى أصبح أسلوبهم وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً . وأصبح قولهم وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنـزَغُ بَيْنَهُمْ.
فإن القول البذيء الجارح من أعظم أسباب فساد القلوب،وتغير النفوس، واختلاف الصفوف، ف{من كظم غيظاً وهو قادر على إنفاذه؛ دعاه الله تعالى يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء}. هكذا يربينا عليه الصلاة والسلام.
جاء الصوم عباد الله ليكشف للإنسان عن جانب من حقيقة الحياة الدنيا، وأنها زخرف ولغو ولهو وباطل وزينة، وتكاثر في الأموال والأولاد، وأنه لا يركن إليها إلا المغفلون.
جاء الصوم لينتزع الإنسان من الإغراق في الملذات ليفطمه عن هذه الدنيا، ويهزه هزاً عنيفاً ليقول له: نعم هذه هي الدنيا، وأنت فيها كالحالم الذي يجب أن يصحو، نعم، هذه هي الدنيا، ولكن هناك الدارالآخرة، أنت الآن تصوم عن الدنيا ..لا لأنك سوف تكسب من وراء الصوم مالاً، ولا جاهاً، ولا رتبة، ولا وظيفة، ولا سلامة دنيوية، ولا صحة في بدنك،فكل ذلك قد يأتي، ولكنك لا تصوم من أجله، وإنما تصوم؛ لأنك توقن أن هناك آخرة تعمل لها، وأن ثمة موتاً وبعثاً ونشوراً وجزاءً
إني رأيت عواقب الدنيا فتركت ما أهوى لما أخشى
فكرت في الدنيا وعالمها فإذا جميع أمورها تفنى
وبلوت أكثر أهلها فإذا كل امرئ في شأنه يسعى
أسنى منازلها وأرفعها في العز أقربها من المهوى
ولقد مررت على القبور فما ميزت بين العبد والمولى
أتراك تدرك! كم رأيت من الأحياء ثم رأيتهم موتى
كما أن الصوم جاء لنتربى على الصبر ..
والصوم نصف الصبر، فإن الإنسان يكلف نفسه عناء الإمساك عن الشهوات والملذات فيمسك عنها طيلة نهار رمضان؛ لوجه الله رب العالمين، وهو من الصبر على طاعة الله، وهو أيضاً من الصبر عن معصية الله، ولهذا أمر الله تعالى بالصبر
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ وقال: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وقال:
وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وقال: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ
والله تعالى يحب الصابرين كما أخبر
إن الحياة بالصبر تبدو وتغدو جميلة بكل ما فيها من المحن والمصائب والمشاكل، بل إن الصبر هو الإكسير الذي تتحول به الآلام -بإذن الله تعالى- إلى نعم، وتتحول به المحن إلى منح، وكم من إنسان نـزلت به ملمة جليلة عظيمة فلما واجهها بالصبر وجد برد اليقين في قلبه،ولذة السكينة في فؤاده، ورضي بالله تعالى؛ فرضي الله تعالى عنه وأرضاه.
خليلي لا والله ما من ملمة
تدوم على حي وإن هي جلت
فإن نـزلت يوماً فلا تخضعن لها
ولا تكثر الشكوى إذا النعل زلت
فكم من كريم قد بلي بنوائب
فصابرها حتى مضت واضمحلت
وكم غمرة هاجت بأمواج غمرة
تلقيتها بالصبر حتى تجلت
وكانت على الأيام نفسي عزيزة
فلما رأت صبري على الذل ذلت
فقلت لها يا نفس موتي كريمة
فقد كانت الدنيا لنا ثم ولت
’’يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون’’ فياسبحان الله .. يا سبحان الله
نعم إن الحكمة من الصيام ..... لعلكم تتقون
لعلكم تتقون إعداد القلوب للتقوى بتهذيب أخلاقها وكبت شهواتها .
لعلكم تتقون إعداد القلوب لخشية الله.بالمداومة على عباداتها واستغلال أوقاتها
وهذا الشهر الكريم هو مضاعفة للعمر، ففيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فما بالك بالشهر كله!
متى نشعر بعظيم هذه الأيام ولياليها فيما ينفع.
بدأ بالإقبال على هذا القرآن
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنـزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ
فجدير بك أيها المسلم!أن تسرح طرفك في القرآن، وأن تعمل فكرك فيه، فلا يكون همك آخر السورة،أوآخر الجزء،أوآخر القرآن أن تختمه؛بل أن تقرأ وتتأمل كِتَابٌ أَنـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ
فهذا خير تؤمر به، وهذا شر تنهى عنه، وهذا خبر ماضٍ من أخبار السابقين تعتبر به، وهذا خبر مقبل تتهيأ له وتستعد قال تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ .
بالله، أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ?لْقُرْءانَ أَمْ عَلَى? قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا
فمن لم يتعظ بآيات الله فبأى مواعظ يتعظ ومن لم يلن قلبه لكلام الله فكيف يلين قلبه لكلام الناس
لقد جاء الصيام لنتربى على المحافظة على الصلاة ونستعين بها ونستشعر عظمتها ونتواصى بحفظها والثبات عليها ..
فماذا معنا إذا أضعنا صلاتنا ؟؟؟ ماالذى معنا إذا أضعنا صلاتنا ؟
ويله ماذا ضيع .. لقد ضيع ركن دينه ..ويله ما أعظم خيبته وما أشد غفلته
إنها العون إذا خذلنا كل عون والنجاة إذا أردنا النجاة
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ
أين المصلون؟أين الذين كانت الصلاة قرة أعينهم، وسرور قلوبهم، ونداوة أرواحهم، وبهجة نفوسهم؟!!
فبالله عليكم لنقف وقفة صادقة مع أنفسنا .كم فرطنا فى الأوقات الثمينة .. والتقرب إلى الله بقيام الليل مثلا والدعاء
هل فكّر كل واحد منا في استثمار هذا الوقت العظيم الذي هو من آكد مظان إجابة الدعاء؟ تُرى،ما هي أحوال الناس مع ثلث الليل الآخر؟ بل كم من شاكٍ لنفسه قد غاب عنه هذا الوقت المبارك، كم من مكروب غلبته عينه عن حاجته ومقتضاه، كم من مكلوم لم يفقه دواءه وسر شفائه، كم وكم. ألا إن كثيرًا من النفوس في سبات عميق، إنها لا تكسل في أن تجوب الأرض شمالها وجنوبها، وشرقها وغربها، باحثة عن ملجأ للشكوى،أو فرصة سانحة لعرض الهموم والغموم، على من تقصده من بني البشر، غافلة غير آبهة عن الالتجاء إلى كاشف الغم، وفارج الهم، ومنفس الكرب، من الذى ينادى هل من سائل فأعطية أليس هو الله الذى يُجِيبُ ?لْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ?لسُّوء من الذى ينادى يا ابن آدم ، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أُبالي ، يا ابن آدم ، لو بَلَغَت ذنوبك عَنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أُبالي من الذى ينادى يا عبادي ، إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل فمن الذى ينادى فى كل ليل هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فأغفر له أليس هو الله
جاء الصيام ليقول كفى أيها المتهاجرون، كفى أيها المتقاطعون، إلى متى ونحن مختلفون؟ إلى متى ونحن متباغضون؟هل لنا أن نستفتح هذا الشهر الكريم وقد ملئت قلوبنا بالصفاء والمودة والإخاء؟
لنبعد نزغات الشياطين فيكون الصيام علاجا للمتهاجرين والمتخاصمين
فوالله إنك وللأسف تجد الكثير من الناس يوجد بينهم خصومات في أموال أو مواريث،أو بسبب الأطفال،أو بسبب مشاكل،أوأعمال، أو غير ذلك وقد أدت إلى القطيعة بينهم، ومع الأسف الشديد أن القطيعة أكثر ما تكون بين الأقارب،وربما وجدت أباً لايكلم ولده منذ ثلاث سنوات،أو ولداً لا يكلم والده والعياذ بالله أو أخاً لا يكلم أخاه،أو يمنع أولاده من تكليم جدهم أو قريبهم أوخالهم أو عمهم أو ما أشبه ذلك، وهذا كله من الباطل ’’ فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ’’
فاتقوا الله فى هذا الشهر .. ولاتفسدوا ولا تقاطعوا فتكونوا من الذين عليهم لعنة الله .الذين طردوا من رحمة الله والعياذ بالله
والمرأة المسلمة؛ ما دورها في رمضان؟ أيكون شغلها الشاغل،التفنن في المأكل والمشرب؟ ماذا أدت لخالقها في هذا الشهر؟ كيف يطيب لها إن تسامت إلى الخير، أن لاتستثمر هذه الموسم بالقربات والمنافسة على الطاعات ..كيف لاتتفكر فى هذه الليالى وهى تضيع بين أيديها دون أن تتقرب إلى ربها وتتصل بمن يحفظها ويسعدها فى دنياها وآخرتها
بعضهن فى رمضان فرطت فى الصلوات وهجرات الذكر والقرآن لياليها مسلسلات ومجمعات ومهاتفات
فياعباد الله بين أيديكم ضيف كريم
شهر رمضان شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن وشهر العتق من النيران وشهر الغفران ، شهر الصدقات والإحسان ، الشهر الذي تقال فيه العثرات وتجاب فيه الدعوات ، وتُرفع فيه الدرجات ويزاد في الحسنات وتغفر فيه السيئات .
فيه فتحت أبواب الجنة ..فيه ينادى المنادى ياباغى الخير أقبل وياباغى الشر أقصر .. فهلم عباد الله
بادروا بالطاعات .. سابقوا للخيرات ..شهر يريد الجد ملء أسماعكم وملء أبصاركم
وقد ازدادت فيه المثبطات وتعددت فيه الصوارف والملهيات
هوى متبع ونفس أمارة وشياطين الإنس وشياطين الجن
وإذا كنا كفينا فى هذا الشهر من شياطين الجن .. فشياطين الإنس لازالت مطلقة تحث على الفساد وتسيح بالشر
عبر مايعرض في هذه القنوات التى ازداد شرها وتعمق أثرها وظهر ضررها.. انغمس فيها كثير من الناس
عكف عليها الرجال وعكف عليها النساء وعكف عليها الأطفال
مسكين هذا الذى صام نهاره وقرأ قرآنه ثم ما إن تناول إفطاره حتى اتكأ على أريكته وتناول فنجان قهوته ثم تسمر أمام هذا الجهاز .. أمام هذه المسلسلات التى سلسلت العقول والأفكار حتى طاش عمل النهار ..
فلا تسل عن أثر الصيام ولاعن أثر القرآن ولاعن أثر الصلاة .. فما بالهم فما بالهم فيا خسارة من خرج رمضان ولم يستزد فيه من الصالحات ، ويا ندامة من خرج رمضان وحاله كما هي قبل رمضان ،يدخل رمضان ويخرج وبعض النفوس لم تتغير، يجوع ويعطش وقلبه هو قلبه، ومعاصيه هي معاصيه، وربما يركع ويسجد، ويسهر ويتعب وحاله هي حاله، ولسانه هو لسانه..
نعوذ بالله من حال هؤلاء.
فلو قيل لأهل القبور تمنوا، لتمنوا يوماً من رمضان، وهؤلاء؛ كلما خرجوا من ذنب دخلوا في آخر، يا هؤلاء.. أنتم في رمضان .. أنتم فى رمضان
شهر التوبة والغفران.. فالحق نفسك أيها الإنسان.
يا هؤلاء.. أما تنفعكم العبر؟ أما عصيتم وستر؟
فالحذر كل الحذر ..صعد رسول الله درجاتِ المنبر، فلمّا رقِي عتبةً قال: آمين، ثم صعد عتبةً أخرى فقال: أمين، ثم صعد عتبةً ثالثة فقال: آمين، ثم قال:(أتاني جبريلُ فقال: يا محمّد، من أدركه رمضانُ فلم يُغفَر له فأبعدَه الله، قلتُ: آمين))
من أدركه رمضانُ فلم يُغفَر له فأبعدَه الله.. رسالة إلى كل المفرطين والمسوفين
من أدركه رمضانُ فلم يُغفَر له فأبعدَه الله.. رسالة إلى كل المضيعين والغافلين
يدعو الله عليهم ويأمر نبيه بالتأمين ..فلا حول ولاقوة إلا بالله...
ما أعظمها من خسارة وما أشدها من خيبة
فيامسلمون هاهو شهر رمضان يناديكم فى كل عام أدركوني فقد يمر العام فلا تجدوني
فلتجعلوني رحمةً لكم ومأنسا .. وفرصةً للغفران فلا تضيعوني
سألتكم بربي .. ألا تضيعوا أوقاتى حتى تخسرونى
فقد أرحل وأعود أخرى فهل أجدكم وألقاكم؟؟
فكم من عبد مستبشر بالأمس بمقدمي ، واليوم لا وجود له معكم
قد حواه المنون فأرداه فهل من عبرة بمن قبلكم
من أهلكم وصحبكم وخلانكم ، فأدركوني قبل رحيلي أو رحيلكم
فياعباد الله
إلى متى .. إلى متى ؟؟ وأنت تأخر التوبة .. ألا تقبل على الله
فتكون في هذا الشهر في ركب التائبين، الذين غُفرت لهم ذنوبُهم، ومُحيت عنهم سيئاتهم، وتجاوز الله تعالى عن خطاياهم، فساروا في موكب المؤمنين التائبين الطائعين،
وما تدري -يا أخي الحبيب- ماذا يكون مصيرك بعد هذا الشهر الكريم، فإن الإنسان ما هو إلا نَفَسٌ يدخل ولا يخرج،أويخرج ولايدخل،ورُبَّ إنسان أصبح ولم يمسِ،أو أمسى ولم يصبح،
أو نام ولم يستيقظ، وإنما هي آجال مكتوبة:
فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ
أيها الأحبة..ألاترون أنه جديرٌ بنا جميعاً أن نعاتب أنفسنا في هذا الشهر
كم سنة أدركتِ رمضان، ثم خرجتِ منه كما دخلتِ فيه، بل ربما كنتِ على حالٍِ أقل مما دخلتِ فيه في رمضان؟! كم سمعتِ في هذا الشهر من موعظة؟!
لا أقول:كم موعظةٍ سمعتِ؟ بل كم موعظة رأيتِ بعينيكِ؟!
كم جنازة شيَّعتِ؟!
كم من إنسان واريناه في حفرته ثم خرجنا من المقابر وكأننا لن نعود محمولين لها ؟! بل كم من موعظة أدركناها في نفوسنا؟!
رُبَّ إنسان منا أشرف -يوماً من الأيام- أو كاد أن يقع في حادث، وربما أصابه مرض شديد ظن أن فيه حتفه وهلاكه، وربما شاهد أباه أو أخاه أو قريبه وهو يلفظ أنفاسه، وربما وضع الإنسان يديه على رأسه -يوماً من الأيام- وهو يظن أنه في آخر أيامه ولياليه، أو آخر ساعاته ودقائق عمره، ثم خرج من ذلك كله، والقلب لا يزداد إلا قسوة، والنفس لا تزداد إلا إعراضاً، ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ جدير بكَ أن تختلي بنفسكِ لحظةً وتتساءل: هذه المواعظ التي سمعتُ وأعظمها مواعظ الله عزَّ وجلَّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ
*لجينيات بتصرف
الشيخ مشعل العتيبي
خطيب بوزارة الأوقاف فرع المنطقه الشرقيه
الشيخ مشعل العتيبي
الحمد لله جعل الصيام جنة، وسببًا موصلاً إلى الجنة، أحمده سبحانه وأشكره؛ هدى إلى خير طريق وأقوم سنة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله بعثه إلينا فضلا منه ومنة، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الجسد الميت لا يشعر بالألم، وإذا أصيب جزء من بدن الإنسانِ بمرض الشلل،أو غيره، فإنك مهما وخزته أو ضربته لا يشعر بالألم، حيث لا ينتقل الإحساس بالألم إلى مركز التألم والشعور والإحساس، لكن ما إن تدب الحياة في هذا الجسدِ أو في هذا العضو حتى يصبح شديد الحساسية يتألم لأقل شيء ويتأثر من أي شيء، فإذا كانت حياة الأبدان هي بالروح؛ فإن حياة القلوب هي بالإيمان بالله عز وجل وطاعته والقربى إليه.
وهذا الشهر الكريم هو من مواسم الخيرات، التي تتحرك فيها القلوب إلى رِبها جل وعلا،وربما أصغت الآذان إلى ذكره وربما لهجت الألسنة بذكره والثناء عليه،ولهذا لاغرابة أبداً،أن تجد الأوابين والتوابين تتكاثر جموعهم في هذا الشهر الكريم، وتغص بهم المساجد، وتكتظ بهم حِلق الذِكر،ولأصواتهم دوي بالقرآن الكريم،وربما كان في كثير من الأحيان لهم خنين وحنين وبكاء كلما سمعوا ذكراً أو وعظاً أو تخويفاً من نار أو ترغيباً في جنة أو دعوة إلى توبة، وهذا شأن المؤمنين الصادقين، فإن المؤمن الذي يؤمن بالله عز وجل وإن ابتعد، وإن استدرجه الشيطان خطوة خطوة، ونأى به عن ربه جل وعلا، فإنه سريع الأوبة والعودة إلى الله تعالى، لا يصر على ذنب، ولا يستمرئ معصية، ولا يستلذ مخالفة، وإنما تغلبه نفسه مرة بعد مرة بتسويل شياطين الإنس والجن، فإذا سمع داعي الله تعالى أجاب وأناب وهو يقول:لبيك لبيك، لقد أقبل شهر رمضان .. شهر الرحمة والغفران ... شهر تجديد الهمم وتحريك النفوس إلى الله
ليعلم المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، أن خالقهم قد آذنهم بشهر،له في مجتمعهم تأثير،وفي نفوسهم تأديب،وفي مشاعرهم إيقاظ، وكأنه لهم موسم ربيع، جاءهم رمضان بعد أن ظلوا أحد عشر شهرا، وهم سائرون في مسالك الحياة،ينالون منها،وتنال منهم.فتساءل الناس في دهشة وذهول،ما أسرع ما عادت الأيام، ورجعت الذكريات!.
جاءكم شهر رمضان شهر بركة ، يغشاكم الله فيه ،فينزل الرحمة ،ويحط الخطايا ،ويستجيب الدعاء،ينظر الله إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته شهر عظيم الخيرات ، كثير البركات ، فيه فضائل وفوائد ، ينبغي للمسلم أن يغتنمها ويقتنصها ، شهر الصيام ، شهر القرآن، يشد الناس إلى الدين، يذكرهم بحق الله، تشم رائحة الدين في كل مجلس تجلس فيه، تحس بإقبال الناس على كتاب الله، يقرؤونه، ويسمعونه، ويتدبرون آياته، إنه يرفع في نفوس الناس درجة الاستعداد، لتغيير ما في النفس، حتى يغير الله ما بهم إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى? يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ
جاء الصيام ليكون فترة تأديبية، تعلم المرء كيف يهدأ، وكيف يخفف من جماح رغباته، وإسراف شهواته، فها هي المفطرات تكون من حوله، وليس عليه من رقيب أو حسيب، سوى خالقه ومولاه، المطلع على الضمائر والسرائر،: كل عمل ابن آدم له يقولها الله عز وجل على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به))
جاء الصوم لتربية الإنسان على الحلم، والصفح عن الجاهل، والعفو عن المسيء؛ لأنه عبادة يتلبس بها الإنسان، والعابد قريب من الله بعيد عن نـزغات الشيطان.
حتى قال عليه الصلاة والسلام :{من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه} والله تعالى غني عن العالمين، فليس لله حاجة أن يدع هذا طعامه وشرابه، فلم يكن هذا الصيام إلا لتربية العبد وتهذيبه، وحمله على كريم الطباع، وجميل الأخلاق، والبعد به عن قول الزور،وعن شهادة الزور،وعن الظلم، وعن الفحش،وعن السب،وعن الشتم وعن الجهل،وعن الغيبة وعن النميمة فإذا لم يترك كل ذلك فإن الصوم يكون حينئذ لم يفعل فعله فيه.
إن العجب كل العجب : أن تجد صائماً يكذب .. ويقول الزور ويسعى بالنميمة ... ويأكل لحم أخيه ويدعي أنه صائم ...
يظلم ... ويغش .. يضرب ويسب ... يبطش و يسرق .. يتتبع العورات .. وينظر إلى المحرمات ..ويدعى أنه صائم
إذا لم يكن في السمع مني تصــاون **وفي بصرى غــض،وفي منطقي صمت
فحظي إذن من صومي الجوع والظما **وإن قلت : إني صمت يوما فما صمت
ولماذا يصوم مثل هذا؟ علام يصوم إذا لم يصم لنفسه؟إن لله تعالى غني عنه، إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ فهو سبحانه غني عن هؤلاء الذين كفروا وأعرضوا عنه،وهم لا يضرونه شيئاً، كما أنه سبحانه غني أيضاً عن المؤمنين، وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ فكفر العبد هو على نفسه، وفسقه على نفسه، وارتكابه للزور هو على نفسه: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ
حتى قال الله عز وجل في الحديث القدسي .
{يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئاً}.
فالله تعالى لا تضره المعصية، ولا تنفعه الطاعة، إنه سبحانه غني عن العالمين، وإنما الصائم يعمل لنفسه فيمسك عن الطعام والشراب من أجل أن يربيه ذلك على أن يدع قول الزور وأن يترك العمل به، فإذا لم يدع ذلك فلماذا صام إذاً؟ هل صام لله تعالى ومن أجل الله؟ الله تعالى ليس له حاجة إلى أن يترك هذا الإنسان طعامه وشرابه.
وقد قالها عليه الصلاة والسلام {إذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤٌ شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائم}
إنى صائم لأكون كعباد الرحمن الذين إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما
إنى صائم لأ كون كعباد الرحمن الذين إذا مروا باللغو مروا كراما
فمن عصى الله فيك فعليك أن تطيع الله تعالى فيه.
إنه لا يليق بالمسلم عامة ولا بالصائم خاصة أن يوزع ألفاظ السباب والشتائم على من حوله، فإن قصرت الزوجة في طهي الطعام أو كنس البيت أو كي الثياب أو العناية بالأطفال أو صناعة الشاي سبها، وسب أباها وأمها، وعيرها وهددها، وملأ البيت صراخاً وضجيجاً !فليس من المروءة والكمال أن يكون الرجل في بيته امبراطوراً، إذا تكلم سكت الجميع، وإذا ظهر تجمد الكل، فلا ينطقون ولايتكلمون،بل قد كان سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم حكيماً حليماً صبوراً رقيقاً حتى مع أهله،وربما رفعت عليه زوجه صوتها، وربما هجرته إحداهن إلى الليل. فليس مناسباً إن قصر زوجك أن تغلظ له في القول،أو أفسد بعض الأطفال أثاث المنـزل،أومزقوا أوراقاً،أو نثروا طعاماً فربما شتمهم،وسبهم ودعا عليهم ، وإن أطال مراجع على هذا الموظف في النقاش، أو تحدث معه، أوألح عليه أغلظ له في القول،وربما افتعل هذا الإنسان مشكلة مع إمام المسجد أو مع الجار أو مع صديق أو مع زميل في العمل، وعذره في كل ذلك أنه صائم، ونفسه لاتطيق فمتى ؟ متى يدرك هذا الغافل
أن الصوم جاء ليكون جنة تمنع العبد مما يسخط الله، وحاجزاً يحول بينه وبين الغلط في القول أو في الفعل،بل حتى من أولئك الذين يبدأونك بالسب والشتم،أويعيرونك،أو يسبونك،أو يغلظون لك في القول، أو لا يحترمونك ، عليك أن تقابل ذلك كله بالإعراض،عليك أن تقابل ذلك كله بالصفح وأنت تتذكر قول ربك خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ .
ما أسهل هذه الكلمات! أن نقولها، وما أصعب أن تمسك نفسك عن الغيظ فلا تنفذه، وأن تحجزها عن الغضب فلا تستجيب له، وأن تردها عن الانتصار للنفس فلا تقبله، وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا إلا الذين صبروا وتربوا بصيامهم ..حتى أصبح أسلوبهم وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً . وأصبح قولهم وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنـزَغُ بَيْنَهُمْ.
فإن القول البذيء الجارح من أعظم أسباب فساد القلوب،وتغير النفوس، واختلاف الصفوف، ف{من كظم غيظاً وهو قادر على إنفاذه؛ دعاه الله تعالى يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء}. هكذا يربينا عليه الصلاة والسلام.
جاء الصوم عباد الله ليكشف للإنسان عن جانب من حقيقة الحياة الدنيا، وأنها زخرف ولغو ولهو وباطل وزينة، وتكاثر في الأموال والأولاد، وأنه لا يركن إليها إلا المغفلون.
جاء الصوم لينتزع الإنسان من الإغراق في الملذات ليفطمه عن هذه الدنيا، ويهزه هزاً عنيفاً ليقول له: نعم هذه هي الدنيا، وأنت فيها كالحالم الذي يجب أن يصحو، نعم، هذه هي الدنيا، ولكن هناك الدارالآخرة، أنت الآن تصوم عن الدنيا ..لا لأنك سوف تكسب من وراء الصوم مالاً، ولا جاهاً، ولا رتبة، ولا وظيفة، ولا سلامة دنيوية، ولا صحة في بدنك،فكل ذلك قد يأتي، ولكنك لا تصوم من أجله، وإنما تصوم؛ لأنك توقن أن هناك آخرة تعمل لها، وأن ثمة موتاً وبعثاً ونشوراً وجزاءً
إني رأيت عواقب الدنيا فتركت ما أهوى لما أخشى
فكرت في الدنيا وعالمها فإذا جميع أمورها تفنى
وبلوت أكثر أهلها فإذا كل امرئ في شأنه يسعى
أسنى منازلها وأرفعها في العز أقربها من المهوى
ولقد مررت على القبور فما ميزت بين العبد والمولى
أتراك تدرك! كم رأيت من الأحياء ثم رأيتهم موتى
كما أن الصوم جاء لنتربى على الصبر ..
والصوم نصف الصبر، فإن الإنسان يكلف نفسه عناء الإمساك عن الشهوات والملذات فيمسك عنها طيلة نهار رمضان؛ لوجه الله رب العالمين، وهو من الصبر على طاعة الله، وهو أيضاً من الصبر عن معصية الله، ولهذا أمر الله تعالى بالصبر
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ وقال: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وقال:
وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وقال: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ
والله تعالى يحب الصابرين كما أخبر
إن الحياة بالصبر تبدو وتغدو جميلة بكل ما فيها من المحن والمصائب والمشاكل، بل إن الصبر هو الإكسير الذي تتحول به الآلام -بإذن الله تعالى- إلى نعم، وتتحول به المحن إلى منح، وكم من إنسان نـزلت به ملمة جليلة عظيمة فلما واجهها بالصبر وجد برد اليقين في قلبه،ولذة السكينة في فؤاده، ورضي بالله تعالى؛ فرضي الله تعالى عنه وأرضاه.
خليلي لا والله ما من ملمة
تدوم على حي وإن هي جلت
فإن نـزلت يوماً فلا تخضعن لها
ولا تكثر الشكوى إذا النعل زلت
فكم من كريم قد بلي بنوائب
فصابرها حتى مضت واضمحلت
وكم غمرة هاجت بأمواج غمرة
تلقيتها بالصبر حتى تجلت
وكانت على الأيام نفسي عزيزة
فلما رأت صبري على الذل ذلت
فقلت لها يا نفس موتي كريمة
فقد كانت الدنيا لنا ثم ولت
’’يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون’’ فياسبحان الله .. يا سبحان الله
نعم إن الحكمة من الصيام ..... لعلكم تتقون
لعلكم تتقون إعداد القلوب للتقوى بتهذيب أخلاقها وكبت شهواتها .
لعلكم تتقون إعداد القلوب لخشية الله.بالمداومة على عباداتها واستغلال أوقاتها
وهذا الشهر الكريم هو مضاعفة للعمر، ففيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فما بالك بالشهر كله!
متى نشعر بعظيم هذه الأيام ولياليها فيما ينفع.
بدأ بالإقبال على هذا القرآن
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنـزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ
فجدير بك أيها المسلم!أن تسرح طرفك في القرآن، وأن تعمل فكرك فيه، فلا يكون همك آخر السورة،أوآخر الجزء،أوآخر القرآن أن تختمه؛بل أن تقرأ وتتأمل كِتَابٌ أَنـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ
فهذا خير تؤمر به، وهذا شر تنهى عنه، وهذا خبر ماضٍ من أخبار السابقين تعتبر به، وهذا خبر مقبل تتهيأ له وتستعد قال تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ .
بالله، أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ?لْقُرْءانَ أَمْ عَلَى? قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا
فمن لم يتعظ بآيات الله فبأى مواعظ يتعظ ومن لم يلن قلبه لكلام الله فكيف يلين قلبه لكلام الناس
لقد جاء الصيام لنتربى على المحافظة على الصلاة ونستعين بها ونستشعر عظمتها ونتواصى بحفظها والثبات عليها ..
فماذا معنا إذا أضعنا صلاتنا ؟؟؟ ماالذى معنا إذا أضعنا صلاتنا ؟
ويله ماذا ضيع .. لقد ضيع ركن دينه ..ويله ما أعظم خيبته وما أشد غفلته
إنها العون إذا خذلنا كل عون والنجاة إذا أردنا النجاة
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ
أين المصلون؟أين الذين كانت الصلاة قرة أعينهم، وسرور قلوبهم، ونداوة أرواحهم، وبهجة نفوسهم؟!!
فبالله عليكم لنقف وقفة صادقة مع أنفسنا .كم فرطنا فى الأوقات الثمينة .. والتقرب إلى الله بقيام الليل مثلا والدعاء
هل فكّر كل واحد منا في استثمار هذا الوقت العظيم الذي هو من آكد مظان إجابة الدعاء؟ تُرى،ما هي أحوال الناس مع ثلث الليل الآخر؟ بل كم من شاكٍ لنفسه قد غاب عنه هذا الوقت المبارك، كم من مكروب غلبته عينه عن حاجته ومقتضاه، كم من مكلوم لم يفقه دواءه وسر شفائه، كم وكم. ألا إن كثيرًا من النفوس في سبات عميق، إنها لا تكسل في أن تجوب الأرض شمالها وجنوبها، وشرقها وغربها، باحثة عن ملجأ للشكوى،أو فرصة سانحة لعرض الهموم والغموم، على من تقصده من بني البشر، غافلة غير آبهة عن الالتجاء إلى كاشف الغم، وفارج الهم، ومنفس الكرب، من الذى ينادى هل من سائل فأعطية أليس هو الله الذى يُجِيبُ ?لْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ?لسُّوء من الذى ينادى يا ابن آدم ، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أُبالي ، يا ابن آدم ، لو بَلَغَت ذنوبك عَنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أُبالي من الذى ينادى يا عبادي ، إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل فمن الذى ينادى فى كل ليل هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فأغفر له أليس هو الله
جاء الصيام ليقول كفى أيها المتهاجرون، كفى أيها المتقاطعون، إلى متى ونحن مختلفون؟ إلى متى ونحن متباغضون؟هل لنا أن نستفتح هذا الشهر الكريم وقد ملئت قلوبنا بالصفاء والمودة والإخاء؟
لنبعد نزغات الشياطين فيكون الصيام علاجا للمتهاجرين والمتخاصمين
فوالله إنك وللأسف تجد الكثير من الناس يوجد بينهم خصومات في أموال أو مواريث،أو بسبب الأطفال،أو بسبب مشاكل،أوأعمال، أو غير ذلك وقد أدت إلى القطيعة بينهم، ومع الأسف الشديد أن القطيعة أكثر ما تكون بين الأقارب،وربما وجدت أباً لايكلم ولده منذ ثلاث سنوات،أو ولداً لا يكلم والده والعياذ بالله أو أخاً لا يكلم أخاه،أو يمنع أولاده من تكليم جدهم أو قريبهم أوخالهم أو عمهم أو ما أشبه ذلك، وهذا كله من الباطل ’’ فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ’’
فاتقوا الله فى هذا الشهر .. ولاتفسدوا ولا تقاطعوا فتكونوا من الذين عليهم لعنة الله .الذين طردوا من رحمة الله والعياذ بالله
والمرأة المسلمة؛ ما دورها في رمضان؟ أيكون شغلها الشاغل،التفنن في المأكل والمشرب؟ ماذا أدت لخالقها في هذا الشهر؟ كيف يطيب لها إن تسامت إلى الخير، أن لاتستثمر هذه الموسم بالقربات والمنافسة على الطاعات ..كيف لاتتفكر فى هذه الليالى وهى تضيع بين أيديها دون أن تتقرب إلى ربها وتتصل بمن يحفظها ويسعدها فى دنياها وآخرتها
بعضهن فى رمضان فرطت فى الصلوات وهجرات الذكر والقرآن لياليها مسلسلات ومجمعات ومهاتفات
فياعباد الله بين أيديكم ضيف كريم
شهر رمضان شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن وشهر العتق من النيران وشهر الغفران ، شهر الصدقات والإحسان ، الشهر الذي تقال فيه العثرات وتجاب فيه الدعوات ، وتُرفع فيه الدرجات ويزاد في الحسنات وتغفر فيه السيئات .
فيه فتحت أبواب الجنة ..فيه ينادى المنادى ياباغى الخير أقبل وياباغى الشر أقصر .. فهلم عباد الله
بادروا بالطاعات .. سابقوا للخيرات ..شهر يريد الجد ملء أسماعكم وملء أبصاركم
وقد ازدادت فيه المثبطات وتعددت فيه الصوارف والملهيات
هوى متبع ونفس أمارة وشياطين الإنس وشياطين الجن
وإذا كنا كفينا فى هذا الشهر من شياطين الجن .. فشياطين الإنس لازالت مطلقة تحث على الفساد وتسيح بالشر
عبر مايعرض في هذه القنوات التى ازداد شرها وتعمق أثرها وظهر ضررها.. انغمس فيها كثير من الناس
عكف عليها الرجال وعكف عليها النساء وعكف عليها الأطفال
مسكين هذا الذى صام نهاره وقرأ قرآنه ثم ما إن تناول إفطاره حتى اتكأ على أريكته وتناول فنجان قهوته ثم تسمر أمام هذا الجهاز .. أمام هذه المسلسلات التى سلسلت العقول والأفكار حتى طاش عمل النهار ..
فلا تسل عن أثر الصيام ولاعن أثر القرآن ولاعن أثر الصلاة .. فما بالهم فما بالهم فيا خسارة من خرج رمضان ولم يستزد فيه من الصالحات ، ويا ندامة من خرج رمضان وحاله كما هي قبل رمضان ،يدخل رمضان ويخرج وبعض النفوس لم تتغير، يجوع ويعطش وقلبه هو قلبه، ومعاصيه هي معاصيه، وربما يركع ويسجد، ويسهر ويتعب وحاله هي حاله، ولسانه هو لسانه..
نعوذ بالله من حال هؤلاء.
فلو قيل لأهل القبور تمنوا، لتمنوا يوماً من رمضان، وهؤلاء؛ كلما خرجوا من ذنب دخلوا في آخر، يا هؤلاء.. أنتم في رمضان .. أنتم فى رمضان
شهر التوبة والغفران.. فالحق نفسك أيها الإنسان.
يا هؤلاء.. أما تنفعكم العبر؟ أما عصيتم وستر؟
فالحذر كل الحذر ..صعد رسول الله درجاتِ المنبر، فلمّا رقِي عتبةً قال: آمين، ثم صعد عتبةً أخرى فقال: أمين، ثم صعد عتبةً ثالثة فقال: آمين، ثم قال:(أتاني جبريلُ فقال: يا محمّد، من أدركه رمضانُ فلم يُغفَر له فأبعدَه الله، قلتُ: آمين))
من أدركه رمضانُ فلم يُغفَر له فأبعدَه الله.. رسالة إلى كل المفرطين والمسوفين
من أدركه رمضانُ فلم يُغفَر له فأبعدَه الله.. رسالة إلى كل المضيعين والغافلين
يدعو الله عليهم ويأمر نبيه بالتأمين ..فلا حول ولاقوة إلا بالله...
ما أعظمها من خسارة وما أشدها من خيبة
فيامسلمون هاهو شهر رمضان يناديكم فى كل عام أدركوني فقد يمر العام فلا تجدوني
فلتجعلوني رحمةً لكم ومأنسا .. وفرصةً للغفران فلا تضيعوني
سألتكم بربي .. ألا تضيعوا أوقاتى حتى تخسرونى
فقد أرحل وأعود أخرى فهل أجدكم وألقاكم؟؟
فكم من عبد مستبشر بالأمس بمقدمي ، واليوم لا وجود له معكم
قد حواه المنون فأرداه فهل من عبرة بمن قبلكم
من أهلكم وصحبكم وخلانكم ، فأدركوني قبل رحيلي أو رحيلكم
فياعباد الله
إلى متى .. إلى متى ؟؟ وأنت تأخر التوبة .. ألا تقبل على الله
فتكون في هذا الشهر في ركب التائبين، الذين غُفرت لهم ذنوبُهم، ومُحيت عنهم سيئاتهم، وتجاوز الله تعالى عن خطاياهم، فساروا في موكب المؤمنين التائبين الطائعين،
وما تدري -يا أخي الحبيب- ماذا يكون مصيرك بعد هذا الشهر الكريم، فإن الإنسان ما هو إلا نَفَسٌ يدخل ولا يخرج،أويخرج ولايدخل،ورُبَّ إنسان أصبح ولم يمسِ،أو أمسى ولم يصبح،
أو نام ولم يستيقظ، وإنما هي آجال مكتوبة:
فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ
أيها الأحبة..ألاترون أنه جديرٌ بنا جميعاً أن نعاتب أنفسنا في هذا الشهر
كم سنة أدركتِ رمضان، ثم خرجتِ منه كما دخلتِ فيه، بل ربما كنتِ على حالٍِ أقل مما دخلتِ فيه في رمضان؟! كم سمعتِ في هذا الشهر من موعظة؟!
لا أقول:كم موعظةٍ سمعتِ؟ بل كم موعظة رأيتِ بعينيكِ؟!
كم جنازة شيَّعتِ؟!
كم من إنسان واريناه في حفرته ثم خرجنا من المقابر وكأننا لن نعود محمولين لها ؟! بل كم من موعظة أدركناها في نفوسنا؟!
رُبَّ إنسان منا أشرف -يوماً من الأيام- أو كاد أن يقع في حادث، وربما أصابه مرض شديد ظن أن فيه حتفه وهلاكه، وربما شاهد أباه أو أخاه أو قريبه وهو يلفظ أنفاسه، وربما وضع الإنسان يديه على رأسه -يوماً من الأيام- وهو يظن أنه في آخر أيامه ولياليه، أو آخر ساعاته ودقائق عمره، ثم خرج من ذلك كله، والقلب لا يزداد إلا قسوة، والنفس لا تزداد إلا إعراضاً، ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ جدير بكَ أن تختلي بنفسكِ لحظةً وتتساءل: هذه المواعظ التي سمعتُ وأعظمها مواعظ الله عزَّ وجلَّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ
*لجينيات بتصرف
الشيخ مشعل العتيبي
خطيب بوزارة الأوقاف فرع المنطقه الشرقيه