مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
نيجيريا: مآسي الماضي ومخاطر المستقبل
نيجيريا: مآسي الماضي ومخاطر المستقبل

ماذا يجري في نيجيريا؟.. وإلى أين تتجه أحداثها؟ وما تأثيراتها المحتملة على المنطقة برمتها؟.. هل وصلت خط اللاعودة في صراعها الديني والإثني والقبلي واضطراباتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية؟، وإلى متى يبقى الجوار الإفريقي والمجتمع الدولي في موقف المتفرج على ما يجري فيها من أحداث دموية فاقت في بعض فصولها رعب الحروب الأهلية التي شهدتها القارة وعدد من مناطق العالم، وتجاوزت فظاعة المجازر المرتكبة فيها كثيرا من المآسي التي اعتبرها ’’العالم الحر’’ جرائم في حق الإنسانية وأقام لها الدنيا ولم يقعدها؟..

وهل العالم العربي والإسلامي بمنأى عن تداعيات هذا الصراع المزمن؟.. وكيف تعاطى العرب والمسلمون دولا ومنظمات وشعوبا مع ما تشهده تلك الدولة الإفريقية الأكبر من حيث عدد السكان والثقل الاقتصادي، والتي تعتبر أيضا أهم شريك اقتصادي إفريقي للعرب في المنظمة التي تدير سلعتهم النفطية الرائجة ’’أوبيك’’؟.. وما ذا قدموا لها أو لمسلميها بالتحديد من مواقف أو مبادرات غير ’’الصمت’’ تارة و’’التأجيج الإعلامي’’ و’’اقتراحات التقسيم’’ تارة أخرى.. أو ’’دعوات ضبط النفس’’ في أحسن الأحوال؟. وهل هم مهيأون أصلا لمساعدتها بينما هم عاجزون عن مساعدة أنفسهم وحل مشاكلهم الخاصة؟!.



وصفة التقسيم العربية!

وفيما غاب بشكل شبه كامل أي موقف جماعي من خلال منظمتي المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية تجاه أحدث جولة من صراع نيجيريا الدموي، برزت بشكل مثير للجدل دعوة الزعيم الليبي– ’’ملك ملوك إفريقيا’’ وأبرز دعاة توحيد القارة السمراء - العقيد معمر القذافي، لتقسيم تلك البلاد إلى أربع دول حسب شعوبها اقتداء بنموذج يوغوسلافيا السابقة، باعتبار أن هناك أربعة شعوب تشكل المكونات الرئيسية للبلد وتطالب بالاستقلال. وقد اعتبرت دعوة القذافي هذه تصعيدا بعد أن أثارت دعوته قبل أسابيع لتقسيم نيجيريا إلى دولتين على غرار ما حصل بين الهند وباكستان عام 1947، إلى رد غاضب من مسؤولين حكوميين نيجيريين قالوا فيه ’’إن القذافي يجهل واقع نيجيريا، ويظن أن نيجيريا عبارة عن مسيحيين ومسلمين ويقسّمها إلى دولتين’’. ورد القذافي على ذلك بالقول انه ’’اتضح فعلا مما قاله هؤلاء، إن نيجيريا ليست مكونة من جزأين، وإنما هناك شعب ’اليوربا’ في الغرب والجنوب، وشعب ’الأيبو’ في الشرق والجنوب، وشعب ’الإيجاو’، وشعب ’الأيروا’ في الشمال.. وذهب القذافي أبعد من ذلك ليقول إن ’’نيجيريا لا تشبه الهند فقط، بل تشبه الاتحاد اليوغسلافي الذي كان قائماً على عدة شعوب، ثم استقلت هذه الشعوب وانتهى الاتحاد اليوغسلافي بسلام.. وبالتالي فإن النموذج المماثل لنيجيريا في هذه الحالة هو نموذج يوغسلافيا، التي قسمت إلى ست دول’’.

أما على المستوى الميداني، فقد لاحظ المتابعون غياب المساعدات العربية والإسلامية، سواء على مستوى الدول أو الجمعيات أو الأفراد، لضحايا المجازر الأخيرة، في حين ظلت المساعدات المختلفة من الدول الغربية وجمعياتها التنصيرية تتدفق باستمرار إلى ضحايا العنف في جوس وغيرها. ولاحظت جمعيات إسلامية نيجيرية أن غياب الدعم الإسلامي شجع التنصير وسبب الضعف للأنشطة الدعوية وللجمعيات الإسلامية في نيجيريا بوجه عام وجنوبها بوجه خاص.



خلفيات الصراع المتجدد

تباينت الرؤى بشأن الخلفيات الحقيقية الصراع في نيجيريا، لكنها اتفقت على أن الاضطرابات لا تكاد تهدأ حتى تتأجج من جديد نتيجة مزيج متشابك من النزاعات التي تتعدد أسبابها وبؤرها ويتزايد ضحاياها باستمرار. ويرى المتابعون للشؤون النيجيرية ان النزاعات القبلية التاريخية والاقتصادية والدينية وتلك المرتبطة بالأراضي والاستياء السياسي هي أبرز العوامل المسببة للعنف الذي تشهده بانتظام منطقة جوس التي شهدت أعنف المواجهات خلال الأسابيع الأخيرة. وفي قراءته لأسباب وخلفيات تلك المواجهات، يرى مدير مركز السلام وحل النزاعات في جامعة ابادان النيجيرية تاج الدين أكنجي “انها نتيجة نزاع بين سكان محليين وبدو رحل له صبغة دينية”، بينما يرى جون أونايكان رئيس الأساقفة الكاثوليك في أبوجا أن “الاقتتال لا يتم بسبب الدين، وإنما بسبب مطالب اجتماعية واقتصادية وقبلية وثقافية”. أما سليمان نيانغ المتخصص في شؤون إفريقيا والإسلام في جامعة هاورد في واشنطن فيرى “أن النزاع اثني وسياسي وليس له أي علاقة بالدين’’، معتبرا أن “البعض في نيجيريا لا يريد الاستقرار ويقوم بكل أنواع المناورات”.



المسيرة الدامية .. بالأرقام

تعتبر المجازر التي شهدتها الأسابيع الأخيرة أحدث في سلسلة مجازر أوقعت ألفي قتيل على الأقل في منطقة جوس المضطربة خلال العقد الماضي حسب إحصائيات غير رسمية، وتأتي بعد أقل من شهرين على موجة عنف قتل فيها أكثر من 300 مسلم على أيدي مسيحيين في مدينة جوس وضواحيها. وأفادت تقارير إخبارية أن رعاة ينتمون إلى إثنية الفولاني، ذات الغالبية المسلمة، نفذوا الهجوم الأخير مستهدفين سكان القرى الذين ينتمون إلى إثنية البيروم، ذات الغالبية المسيحية. وقال مصدر رسمي إن تقارير أمنية أخيرة توحي بأن متشددين مسلمين في المنطقة شجعوا على شن الهجوم على البيروم. ولم تسجل أعمال عنف جديدة بعد انتشار الجيش وإعلان حالة الطوارئ القصوى في المنطقة مساء أول من أمس، حسبما أكد فرانك تاتغون، أحد سكان قرية دوغو ناهاوا. واتهم منتدى المسيحيين في ولاية بلاتو الجيش النيجيري بالبقاء مكتوف اليدين حيال الهجوم. وتساءل: «لماذا لم يتدخل الجنود؟!»، مؤكدا أن الجيش وصل بعد انتهاء الهجوم. وأضاف المنتدى: «أتعبتنا هذه الإبادة بحق إخواننا المسيحيين. لم نعد نثق بالقوات المسلحة النيجيرية المكلفة بإرساء الأمن في ولاية بلاتو، بسبب موقفها المنحاز تجاه المسيحيين». وقدرت إحصائيات منظمة “هيومن رايتس ووتش” المدافعة عن حقوق الإنسان أن أكثر من 13 ألفاً و500 شخص قتلوا في أعمال عنف قبلية أو دينية في نيجيريا منذ انتهاء النظام العسكري في العام 1999 .



تبشير ديني .. و ’’اقتصادي’’!

وفيما أعرب مسئولو المجموعات والمسئولون الدينيون والسياسيون عن خشيتهم من دوامة الأعمال الانتقامية بعد المذابح الطائفية الأخيرة في نيجيريا، ذهب البعض إلى اتهام الإعلام وبعض الجهات الغربية بالتسرع في تحميل المسلمين مسؤولية ما جرى دون إثبات للأمر أو تدقيق في الادعاءات، ورأى هؤلاء أن المذبحة نسبت كما نسبت كل الأحداث التي سبقتها إلى الإسلاميين وجرى تضخيم حجمهم هنالك، حتى قيل عنهم بأنهم طالبان إفريقية رغم أنهم جماعة بسيطة جدا وما يقومون به ليس إلا رد فعل على ممارسات تحصل ضدهم كمسلمين.

وندد الشيخ عبد الرشيد هداية الله نائب رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في نيجيريا بما يتعرض له المسلمون هناك، محملا أجنحة داخل السلطة وأجهزة استخبارات غربية ومنظمات تنصيرية مسئولية الأحداث الدموية التي وقعت في يناير الماضي بحق المسلمين في مدينة ’’جوس’’. وانتقد هداية الله تواطؤ أجهزة الأمن مع مرتكبي المذابح، محذرا من أن المسلمين لن يقفوا موقف المتفرج إزاء أي مذبحة في صفوفهم وسيردون الصاع صاعين مهما كانت العواقب.

وأشارت تقارير إخبارية إلى أن الشمال الإسلامي في نيجيريا يتعرض منذ العام 2000، عندما أعلن فيه تطبيق بعض أحكام الشريعة الإسلامية، إلى حملة تبشير مسيحية تجري على قدم وساق، ووسيلة هذا التبشير هي المدارس والمستشفيات ومؤسسات المجتمع المدني التي تقدم الخدمات للفقراء، وخاصة المدارس الغربية التي ترعاها مؤسسات تبشيرية في تلك الدول، الأمر الذي دفع بعض الجماعات الإسلامية في نيجيريا للعمل على مقاومة النشاطات والجهود التي تقوم بها تلك المدارس.

والى جانب ذلك العامل، تكشف التقارير أسبابا أخرى لتجدد الصراع منها الفساد المستشري من فترة طويلة، والذي يوصف بأنه أتى على الأخضر واليابس وأحال أغلب السكان إلى فقراء، فقد تصدى عدد من الحركات لمحاربة تلك الظاهرة، وهنالك على سبيل المثال حركة تحرير دلتا النيجر، التي يناضل فيها مسيحيون من سكان الدلتا ويطالبون بتحرير إقليمهم من سيطرة الشركات الأمريكية على النفط الذي لا يستفيد سكان الإقليم من عائداته، ويتسبب استخراجه بإلحاق الأضرار فقط بأراضيهم الزراعية، وهنالك أيضا عداوات على أساس عنصري وقبلي قد تؤدي إلى قتال ومذابح لأسباب التنافس القبلي والجهوي في ظل الفساد وتراجع دور الدولة.



شكوك .. ومخاطر مستقبلية

وفي أحدث استشراف للمخاطر الرئيسية المحدقة بنيجيريا يرى نيك تاترسال من وكالة رويترز أن المناخ السياسي المضطرب في تلك الدولة الإفريقية يمثل خطرا على كل شيء فيه، مما يعني بقاء الكثيرين على الهامش في الوقت الحالي. ويضيف أن الشكوك تخيم حول شكل الحكومة الجديدة وخلافة الرئيس وتداعيات الاضطرابات، مشيرا إلى عدد من العوامل المهمة التي تجدر مراقبتها في نيجيريا خلال الفترة المقبلة:



مرض الرئيس.. ومرض الدولة!

عاد الرئيس عمر يارادوا بعد أن أمضى ثلاثة شهور بمستشفى في السعودية في 24 فبراير لكن شدة مرضه ما زالت تحول دون ممارسته مهام الحكم. وتحرك جوناثان بسرعة لتأكيد سلطته فعين الجنرال السابق بالجيش ثيوفيلوس دانجوما ككبير مستشاريه كما عين اليو جوساو مستشارا للأمن القومي وهو جنرال متقاعد آخر ينظر إليه كمرشح محتمل للرئاسة في الانتخابات المقرر إجراؤها بحلول ابريل نيسان العام القادم. وينتمي جوناثان إلى الجنوب مما يعني أنه من غير المرجح أن يخوض الانتخابات بسبب اتفاق غير مكتوب في حزب الشعب الديمقراطي الحاكم وينطوي على تداول السلطة بين الشمال والجنوب كل ولايتين. وبموجب هذا النظام يجب أن يكون الزعيم القادم من الشمال.

وإذا مات يارادوا أو أعلنت أغلبية بالثلثين في حكومة جوناثان الجديدة أن حالته الصحية لا تسمح له بالحكم فانه سيترك الرئاسة. وسيعني هذا أن يؤدي جوناثان اليمين الدستورية كرئيس فعلي مع تعيين نائب جديد للرئيس يرجح أن يكون من الشمال وسيكون مرشح الحزب الحاكم في الانتخابات القادمة. ومن المقرر إجراء انتخابات على مستوى البلاد بما في ذلك انتخابات الرئاسة بحلول ابريل 2011 لكن من الممكن تقديم موعدها إلى نهاية العام الحالي إذا أقر البرلمان إصلاحات مقدمة إليه. وقد يعني هذا إجراء الانتخابات التمهيدية للحزب الحاكم في أغسطس المقبل. وصدق مجلس الشيوخ على ترشيح 38 وزيرا جديدا اقترح القائم بأعمال الرئيس جودلاك جوناثان. وجاءت هذه الخطوة بعد أسبوعين من إقالة جوناثان الحكومة في محاولة لتأكيد سلطته بعد شهر من اضطلاعه بالسلطات التنفيذية في ظل غياب الرئيس المريض عمر يارادوا الذي تمنعه شدة المرض من تولي أمور الحكم. ويأمل أنصار جوناثان في أن يمكنه تنصيب فريقه من الاسراع من وتيرة تنفيذ أولوياته التي تشمل الإصلاح الانتخابي وإحياء عفو في دلتا النيجر المنتجة للنفط وتوفير إمدادات طاقة يمكن الاعتماد عليها بصورة اكبر في الأشهر الأربعة عشر المتبقية من هذه الولاية الرئاسية.



دلتا النيجر.. بؤرة العنف..

أدى برنامج للعفو توسط فيه يارادوا العام الماضي إلى إلقاء آلاف المسلحين السلاح في أقوى جهود حتى الآن لإرساء الأمن مما ساعد على مرور أكثر من ستة أشهر دون هجمات كبيرة على اكبر صناعة للنفط والغاز في إفريقيا. لكن البرنامج تعثر في غياب يارادوا وفي حين جعل جوناثان من إعادته إلى مساره مجددا أحد أولوياته الرئيسية فان الأمن بدأ يتداعى. وكانت الجماعة المتشددة الرئيسية وهي حركة تحرير دلتا النيجر قالت إنها ما زالت في انتظار تقييم التقدم الذي يحرزه جوناثان قبل أن تقرر ما إذا كانت ستعيد وقفا لإطلاق النار. لكنها فجرت سيارتين ملغومتين أمام مقر لإجراء محادثات العفو هذا الشهر كنوع من التحذير. وأعلن فصيل منشق مسؤوليته عن هجومين على شركتي شل واجيب في أوائل مارس. ويحظى الخام النيجيري الخفيف بإقبال من شركات التكرير الأمريكية والأوروبية لان من السهل معالجته وتحويله إلى منتجات وقود مما يعني أن تعطيل الإمدادات يمكن أن يكون له أثر سريع على السوق. وساعدت الهجمات على البنية التحتية للطاقة بالبلاد في رفع أسعار النفط العالمية إلى مستويات قياسية اقتربت من 150 دولارا للبرميل عام 2008 .

وتضرب أعمال العنف بجذورها في عقود من الاستياء بين قرويين مسيحيين ومستوطنين مسلمين من الشمال يتنافسون بشراسة على السيطرة على الأراضي الزراعية الخصبة فضلا عن السلطة السياسية والاقتصادية. لكن المنطقة تعتبر صورة مصغرة من البلاد على نطاق أوسع مما يبرز مدى حساسية إجراء تغييرات في ميزان القوى بين جماعاتها العرقية والدينية الرئيسية. وتعرضت الحكومة لانتقادات لفشلها في معالجة الأسباب الأصلية للاضطرابات وهي الفقر والتمييز ولعدم تمكنها من منع استمرار أعمال العنف على الرغم من نشر الجيش في يناير. ويعتقد الكثير من النيجيريين أن هذه الاشتباكات من تدبير الساسة. وآخر ما يحتاجه جوناثان فيما يقود الحكومة خلال فترة صعبة هو المزيد من أعمال العنف وإراقة الدماء في قلب البلاد.



حساسيات الجيش والسياسة والأسواق

ينتمي نحو ثلاثة أرباع من جنود الجيش النيجيري إلى المنطقة الحدودية بين الشمال الذي يغلب عليه المسلمون والجنوب الذي يغلب عليه المسيحيون ويتسم انتشار القوات في المنطقة بحساسية شديدة حيث ينطوي على احتمال كشف الانقسامات الداخلية بالجيش. وقد تجاهلت الأسواق المالية لنيجيريا حتى الآن إلى حد كبير الشكوك السياسية، لكن هناك خطرا بتأجيل مشاريع قوانين أساسية للإصلاح من بينها مشروع قانون صناعة النفط اللازم لإصلاح قطاع الطاقة. وفي الأسبوع الماضي أقر البرلمان ميزانية 2010 التي بلغت قيمتها 6ر4 تريليون نايرا /31 مليار دولار/ مما قلل من حدة المخاوف من إصابة الحكومة بالشلل لكنه أثار تساؤلات حول ما إذا كانت الخطط التوسعية ستترجم إلى إنفاق فعال خاصة مع اقتراب فترة الحملة الانتخابية. ووافق جوناثان على صرف ثلاثة مليارات دولار من مدخرات البلاد من مكاسب النفط الاستثنائية منذ توليه السلطات التنفيذية مما يحد من قدرة البلاد على عزل نفسها عن الاضطراب في أسعار النفط العالمية. لكن عملة النايرا لا تزال مستقرة مقابل الدولار كما أن أسعار الأسهم تبدو جذابة.



الديمقراطية .. لنزع الفتيل..

يرى متابعو الملف أن الحيلولة دون تكرار المجازر في نيجيريا وانتقال عدواها إلى المنطقة المحيطة بها وإلى دول أخرى ربما تكون عربية أو إسلامية ذات تركيبة عرقية أو دينية أو مشكلات مشابهة، تتطلب القضاء على الأسباب المولدة لذلك من قبيل التمييز العرقي، والفقر، والنزاعات بسبب الأراضي. ويتطلب هذا تغييرا جذريا على مستوى قمة السلطة في نيجيريا، من خلال الانتقال نحو الديمقراطية، التي تم إجهاضها طيلة العشر سنوات الأخيرة، في ظل عدة عوامل. فهناك ميراث الحكم العسكري الطويل، حيث توجد عدة تيارات داخل المؤسسة العسكرية لها مواقف متباينة ومتفاوتة الحدة من موضوع برنامج الإصلاح وعملية التحول إلى الديمقراطية والانتقال نحو الحكم المدني. فالجيش يريد أن يكون له دور يمكنه من المحافظة على رقابة معينة لشؤون البلاد. وهناك التركيبة العرقية في نيجيريا، حيث تسيطر قبائل الهوسا المسلمة على الجيش والسلطة في نيجيريا رغم وجود 250 جماعة إتنية أخرى. ويشعر أبناء الجنوب المسيحي بالغبن والاضطهاد من هيمنة الشمال المسلم الذي يوظف المؤسسة العسكرية حسب وجهة نظرهم لترسيخ احتكار قبائل الهوسا الشمالية مصادر القوة الاقتصادية والسلطة في نيجيريا. ولا يزال التحول المشروط والموجه نحو الديمقراطية لاستيعاب الضغوط الشعبية المنادية بالديمقراطية في الداخل، واستجابة لشروط الدول المانحة في الخارج، يواجه تعقيدات الوضع النيجيري، الذي يحتاج إلى إعادة رسم خريطة التوازنات السياسية والعرقية والإقليمية في البلاد.



ناقوس خطر!

وتبقى الحالة النيجيرية ناقوس خطر وقنبلة موقوتة تستدعي من دول العالم ولاسيما العربية والإسلامية أخذ العبرة منها والتحرك العاجل للتعامل معها عبر محورين متوازيين: أولهما السعي الفردي والجماعي عبر المنظمات الإقليمية والدولية لإنهاء ما تسببه من مجازر مأساوية، والثاني، وهو الأهم على المدى البعيد، ويتمثل في العمل على تحصين الداخل ضد انتقال عدوى تلك الحالة، وذلك من خلال القضاء على كل الاختلالات السياسية والاقتصادية والحساسيات الدينية والعرقية الكامنة والتي قد تتسبب في إطلاق شرارة الفتنة في عدد من المناطق الإفريقية والعربية والإسلامية دون سابق إنذار.
*اسلام أون لاين
أضافة تعليق