مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
انتخابات السودان.. وتحدّي الحفاظ على الهُويّة الإسلامية
تنطلق اليوم الأحد 11 أبريل القادم أهم انتخابات يشهدها السودان منذ استقلاله، سوف تحدّد مصير هوّيته الإسلامية، ومصير وحدته، ومصير ما يمكن أن نسمّيه «الإمبراطورية الإسلامية السودانية» التي يسعي الإسلاميون في حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم حالياً لتدشينها ورسم معالمها عبر سودان موحَّد يُحكم بالشريعة الإسلامية، وتُستثمر خيراته وموارده في تنمية الدولة؛ بحيث تصبح قوة إقليمية ذات شأن.. في حين يسعى خصوم هذا المشروع في الداخل والخارج لتدشين مشروع آخر هدفه «علمنة» السودان أو تفتيته وتحويله إلى عدة دويلات مجزّأة لا تمثل خطورة على المصالح الاستعمارية الغربية! هذه الانتخابات ليست فقط برلمانية أو رئاسية، وإنما هي 20 انتخاباً تُجرى في يوم واحد، وتشمل: رئيس السودان، ورئيس حكومة الجنوب، وبرلمان السودان الاتحادي، وبرلمان الجنوب، والولاة في الشمال والجنوب، ومجالس الولايات، وغيرها.. ولأول مرة سيكون لدى الناخب السوداني 8 بطاقات تصويت في الشمال، و12 بطاقة في الجنوب لاختيار الرئيس والبرلمان والولاة. وسوف يخوض سباق الانتخابات السودانية 14 ألفاً و535 مرشحاً، من بينهم 12 يتنافسون على مقعد الرئاسة، والباقي للانتخابات في المستويات الأخرى، وتتمثل في حكومة جنوب السودان، وحكام الولايات، والبرلمان القومي، وبرلمانات الولايات، كما يخوض السباق 66 حزباً. ولذلك هي انتخابات حاسمة، كما أن نتائجها سيكون لها مردود مهم على نتائج استفتاء جنوب السودان المقرر في 9 يناير2011م.. فالحركة الشعبية الجنوبية (المتمرّدة سابقاً) لديها مخطّط واضح للسودان منذ إطلاق البيان التأسيسي للحركة عام 1983م، وهو «الوصول إلى سودان علماني موحّد، وإلغاء تطبيق الشريعة الإسلامية.. وفي حال تعذّر ذلك، يجري الانتقال للخطة (ب) الخاصّة بانفصال الجنوب وتحويله إلي دويلة علمانية (مسيحية ضمناً)، وتشجيع - بالتعاون مع الغرب - انفصال أقطار سودانية أخرى، خصوصاً شرق السودان بخلاف دارفور في الغرب»! هدف حيوي! وقد أكدت المفّوضية القومية للانتخابات اكتمال الترتيبات الفنية لإجراء الانتخابات في موعدها، ونفى البروفيسور «عبدالله أحمد عبدالله» - نائب رئيس المفوّضية والناطق الرسمي باسمها - ما جاء في مذكرة «مركز كارتر» بشأن تأجيل الانتخابات لعدم إكمال الترتيبات الفنية. ورغم هذا، فهناك محاولات تبذلها المعارضة والقوى الغربية إما لتأجيل الانتخابات أو التأثير فيها، وعينهم على الرئيس «عمر البشير» باعتباره رأس النظام، ويستخدمون في سبيل ذلك حيلاً وأساليب مختلفة.. من ذلك محاولات أحزاب المعارضة (تحالف جوبا) مقاطعة الانتخابات ثم التراجع، وكذلك اللعب على وتر المحكمة الجنائية الدولية ومطالبة «البشير» بتسليم نفسه لها للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور، فضلاً عن تحركات المدّعي العام للمحكمة «لويس أوكامبو» بالتزامن مع انطلاق الانتخابات لإثارة الغبار حولها.. وأخيراً مطالبة الحركة الشعبية له - وهي شريكه في الحكم - بتسليم نفسه؛ كي يخلو لمرشحها الجنوبي «ياسر عرمان» الطريق للفوز وتطبيق خطة «علمنة» السودان! واجب قومي ويشرح المشير «عبدالرحمن سوار الذهب» - رئيس السودان السابق لـ«المجتمع» - مؤامرة إسقاط البشير بقوله: إن «سياسة أحزاب المعارضة (تحالف جوبا) هي السعي لتفتيت الأصوات في الجولة الأولى عبر ترشيح أكثر من مرشح؛ بحيث يبقى البشير للجولة الثانية مع مرّشح آخر تجتمع عليه المعارضة». لكنه يؤكّد قائلاً: «بعد انضمام العديد من المنظمات والعلماء والهيئات لدعم البشير، أتوقّع فوزه من أول جولة انتخابية، واحتمالات فوزه من المرحلة الأولى بنسبة قد تزيد على 80%»، موضحاً أن زيارات «البشير» للعديد من المدن السودانية تشير إلى أنه يحظى بالفعل بشعبية كبيرة وواسعة في السودان تؤهله للفوز. ورغم أن «سوار الذهب» أوضح أنه ليس من حزب «البشير»، وأن الهيئة القومية لانتخاب «المواطن» عمر البشير التي يرأسها «هي مجموعة تضمّ العديد من المواطنين، وكل علماء السودان، ورجال الدين المسيحي».. إلا أنه يؤكد أن دعمه «واجب قومي؛ باعتبار أنه هو الأقدر على جلب السلام والتنمية للسودان، كما أن انتخابه يساعد السودان على مواجهة الأخطار والمؤامرات والتحدّيات الخارجية التي تحيط به حالياً». ويقول بوضوح: إن «السودان يواجه أخطار الانفصال والتفتّت والمؤامرات الخارجية عليه، والبشير وحده هو القادر على مواجهتها.. كما أن السودان حالياً أشبه بعبوة الديناميت؛ ولا يمكن أن يقوده شخص غير مجرب ذو توجهات غير معروفة». مخطّط غربي هناك هدف يتفق عليه الغرب وقادة «الحركة الشعبية» المتمرّدة سابقاً، وهو معاداة حكم الإسلاميين في حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم، والسعي للقضاء عليهم وإنهاء حكمهم وإلغاء تمسكّهم بإنفاذ الشريعة الإسلامية كمنهج حياة في السودان.. ولذلك تضع الحركة الشعبية في مخططها تنفيذ مخطط أوسع لمستقبل السودان يقوم على شقّين: - أولهما عام: يتعلق بالسعي لتغيير هوية السودان ككل، وممارسة دور أكبر للحكم في عموم السودان. - وثانيهما خاص بالجنوب: والسعي للانفصال به في نهاية المطاف لو فشلت خطتهم في تحويل السودان ككل إلى بلد علماني. ويجري تنفيذ هذا من خلال مشاركة الجنوبيين أولاً في الانتخابات البرلمانية والرئاسية 2010م؛ بالتحالف مع قوى المعارضة الأخرى للحزب الحاكم، والسعي لإقصائه أو منافسته بقوة في البرلمان وربما انتخابات الرئاسة.. وفي حال لم تنجح خطتهم لعلمنة السودان ككل يجري تنفيذ الخيار الآخر، وهو انفصال الجنوب عبر استفتاء 11 يناير 2011م. وقد حرص «علي عثمان طه» نائب الرئيس السوداني - خلال زيارته الأخيرة للعاصمة المصرية القاهرة - على شرح هذه المخططات التي تُراد للسودان، خلال لقاء جمعه وعدداً من المثقفـــــين والقــــانـــونيـــين والإعــــلاميين؛ لتوضيح حقيقة المؤامرات الغربية على السودان، والسعي لاستغلال هذه الانتخابات في تفتيت السودان لا توحيده. وحذّر - في اللقاء الذي حضرته «المجتمع» - الدولّ العربية من عواقب مخطّط تقوده الولايات المتحدة وأوروبا للسيطرة والهيمنة على المنطقة العربية؛ لما تتمتع به من مميزات إستراتيجية.. وأوضح أن ما يجري ضد السودان من محاولات لإضعافه وحصاره وتفتيته هي جزء من هذا المخطّط، مشدّداً على أن «الهزيمة النفسية والتسليم بما يريده الغرب لنا هو ما قد يؤدي لنجاح هذه المخططات الغربية»، التي أكّد أن مصيرها الفشل. مصير الجنوب وقال نائب الرئيس السوداني: إن هناك مؤشّرات كثيرة على أن الجنوب لن ينفصل، وسوف يختار أبناؤه الوحدة مع الشمال في استفتاء يناير المقبل.. واحتمالات انفصال الجنوب وتصويت الجنوبيين ستكون «قفزة في الظلام»؛ لأن الجنوب لا يوجد به مناخ مناسب للانفصال وإقامة كيان مستقل، ولا البنية الإدارية أو الخبرة الكافية.. كما أنه سيكون كياناً مغلقاً، وبه الكثير من المشكلات في الداخل، إضافة إلى أنه سوف يخلّف آثاراً سلبية على قضية الوحدة الأفريقية، وسيكون سابقاً لتغيير الأوضاع المستقرة في دول القارة الأفريقية ومخالفاً لميثاق المنظمة الأفريقية الذي أقر بقاء الكيانات الأفريقية على حالها بعد الاستقلال، ورفض انفصال أي إقليم عن الدول الأفريقية. كما أشار «عثمان طه» إلى أن الانفصال قد يؤدي إلى فوضى واضطراب في أفريقيا والدول العربية، وسيقال: إن السودان فتح الباب بذلك لتفتيت الدول العربية والإسلامية التي تعاني من بعض المشكلات المماثلة.. مطالباً جميع الدول العربية بالعمل على تكريس وحدة السودان، ومنع التدخل الأجنبي في شؤونه. لاشك أن السودان لا ينتظر فقط مجرد انتخابات كتلك التي تُجرى في أية دولة، وإنما ينتظر تقرير مصيره ككل؛ إما نحو الحفاظ على كيان الدولة الواحدة ذات التوجّه الإسلامي التي تستوعب داخلها أطيافاً طائفية وعرقية عديدة؛ كشأن الإمبراطوريات الإسلامية السابقة.. وإما ينتظر مصير الإمبراطورية العثمانية حينما تحالف ضدها الشرق والغرب؛ سعياً لتفتيتها والقضاء عليها بمؤامرات من الداخل والخارج.. فهل يخرج السودان منها سالماً؟!
*المجتمع
أضافة تعليق