لكن الجانب المشرق في الخلطة السرية للفسيفساء لبعض الدول العربية، وعلى الخصوص الداخل السعودي، هو ذلك الوعي المتنامي والحركة الفكرية الأكثر صخبا، نوعا ما، في المنطقة .. وحالة التثقيف التي نشهدها أحيانا في أقصى اليمين أو اليسار، خاصة إذا تجاوزنا حالة ’’الاسترابة’’ وهوس الممانعة؛ ولذلك فالرهان ينبغي أن ينصب على المجتمع السعودي لا على حكومته التي قد تضعف عندها الرؤية خارج لعبة الكراسي!! وحينها يجدر تحوير السؤال إلى الاستشراف حول حركة المجتمع، حيث تكون العقول!
منذ زمن ... سألني صديق كريم عن سؤال عريض!!! حول استشراف الواقع السياسي في بعض الدول العربية في الخمس سنوات القادمة! فكان الجواب مجرد حديث عابر!
من المخيب للآمال أن نكتشف، أنه من المعقد جدا أن نستشرف المستقبل ’’السياسي’’ في ظل العقول المُعطَّلة والمضطربة التي تعصف بها الرياح... ولا تدري من أين ستؤكل الكتف؟!
فالسياق الذي نعيش فيه سياسياً هو (كالمعدول به عن القياس)، كما في لغة علماء الأصول، فالمواقف والأحداث التي تجري مرتجلة غير معللة، لا يجري القياس عليها!! حيث تكاد تغيب أو تنعدم الأنساق الكلية التي تجري على سَننٍ ثابت يمكن استشرافه وتخيّل مستقبله.
إن غياب الرؤية الإستراتيجية التي نسمع عنها عند أهل الدورات التدريبية؛ تصنع حالة من التيه، والتي نعيشها بالفعل.
’’سنوات التيه’’، هذا هو المستقبل الذي يمكن استشرافه في ظل اللاعقل واللاعدالة!! وإن شئت، فمستقبلنا ’’سنوات الضياع’’، لكن ليس على شاشة MBC، بل على شاشة التاريخ!!
لكن الجانب المشرق في الخلطة السرية للفسيفساء لبعض الدول العربية، وعلى الخصوص الداخل السعودي، هو ذلك الوعي المتنامي والحركة الفكرية الأكثر صخبا، نوعا ما، في المنطقة ..
وحالة التثقيف التي نشهدها أحيانا في أقصى اليمين أو اليسار، خاصة إذا تجاوزنا حالة ’’الاسترابة’’ وهوس الممانعة؛ ولذلك فالرهان ينبغي أن ينصب على المجتمع السعودي لا على حكومته التي قد تضعف عندها الرؤية خارج لعبة الكراسي!! وحينها يجدر تحوير السؤال إلى الاستشراف حول حركة المجتمع، حيث تكون العقول!
ثمة مظاهر تفيد أن هناك حركة حقيقية قائمة... وأن المرحلة انتقالية؛ لازالت تحت يدي الخباز ولازال يدوك عجينته!!
إن المسرح السعودي تدور على خشباته مجموعة من المشاهد الثقافية التي تسهم في صنع الحالة القادمة:
منها،،،
ـ مشهد القنوات الفضائية بكافة أطيافها وتوجهاتها الإسلامية وغيرها ومشاركة الصوت الحر فيها ..
ـ مشهد شبكات الانترنت السعودية ذات السقف العالي من الحرية، وكثرة المتابعة والمشاركة..
ـ ظاهرة الدواوين و’’الصالونات’’ الثقافية..
ـ تدشين مجموعة من مراكز الدراسات الشرعية والفكرية..
ـ السجالات الثقافية التي تحرك العقول الراكدة وتصنع الفرصة للقلم الواعد!
ـ الإقبال على الكتاب الفكري .. والمنهج النقدي.. والقراءة الراصدة .. وتسجيل التجربة .. والمراجعات ونقد الذات ..
وإذا تجاوزنا الحديث عن الجدوى ـ وهو حري بالنظر ـ فإن هذا الحراك هو أشبه بحركة الأمواج في هديرها وتموجها وقابليتها للتوجيه!
وهذا هو موضع التحدي لأصحاب الفكر الاستباقي، لصنع مسارات استشرافية!! ليس المقصود منها التوحيد وجمع الصف ـ كما يتوقعه المثاليون ــ بل المطلوب الدّفع نحو الايجابية والتأثير، فمن المؤكد أن الحركة الفكرية قد يرد فيها ما لا يطابق رؤيتنا أحيانا، لكنها ستمنحنا هامشا واقعيا! يقبل التغيير والتطوير، وحينها نستوجب حضور أصحاب الرؤية المكتملة والمتناسقة والمنسجمة مع الحق؛ أصله وعصره، بل والقابلة للحياة والتجدد!!
*العصر