شرّف الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم واصطفاه وزكاه ، ورفع ذكره بمكارم ومحامد خصّه بها ، وفضّله على سائر الأنبياء والبشر جميعاً ، وأوجب علينا محبته وتوقيره واتباعه والصلاة عليه والدعاء له ، ومهما فعلنا فلن نؤدي حق هذا الرسول العظيم علينا ؛ لأن الله قد أخرجنا بسببه من الظلمات إلى النور ، وسينقذنا – بحوله وقوته – بسببه من النار ، فأي فضل أعظم من هذا الفضل ؟ وأي عمل نقوم به يمكن أن يكافئه ؟ وإذا كان إيماننا لا يكتمل إلا بعد أن نحبه أحب من أنفسنا وأهلنا وأولادنا وأموالنا – كما قال صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب – فكيف يتصور أن نتحمل الإساءة له أو النيل من جنابه الكريم ؟ حتى لو كانت هذه الإساءة من أناس غير مسلمين ، لا يؤمنون به ولا يوقرونه ، فما بالك عندما تكون من إخواننا وبني ديننا وجلدتنا وبلادنا ؟ بل عندما تكون ممن يفتخر بأنه من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ؟! إن الأمر – بلا شك – سيكون أشد وأفظع وأنكى !!
فلقد ثارت ثائرة المسلمين في أنحاء العالم من إندونيسيا إلى أمريكا على ما قام به الرسام الدانمركي من إساءة للرسول صلى الله عليه وسلم ، وخلّدت تلك الواقعة مواقف للمسلمين ودعوات للمقاطعة هزّت الغرب عموماً ، ودولة الدانمرك خصوصاً ، ورُفعت في الحملة شعارات قوية تبيّن حب المسلمين لنبيهم صلى الله عليه وسلم ، ومن هذه الشعارات : ( عرضي دون عرضك يا رسول الله ) و ( نحري دون نحرك يا رسول الله ) و عبارة ( إلا رسول الله ) يعني : كل شيء عندنا قد يهون إلا رسول الله . ولا غرابة عندما يكون ألمهم أشد عندما تأتي الإساءة من داخلنا . فقد شُغلت بعض وسائل الإعلام المرئية والمقروءة خلال الأسبوع الماضي وقبله بمقولة بشعة نكدة مؤذية نسبت إلى أحد الكتاب والمثقفين السعوديين ، علّق فيها بجرأة وقلة أدب على حديث النبي صلى الله عليه وسلم المخرّج في صحيحي البخاري ومسلم ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ) . فقد علق عليه بأن وصفه بالتوحش وأنه كلام فيه وحشية .. إلى آخر ما قال .
وقد تفاعلت هذه القضية واشتد الضغط على الكاتب ومطالبته بالاعتذار والتوبة وأصدر بعض الإيضاح في موقع العربية وصحيفة المدينة ، ثم أتاح له الأستاذ عبدالعزيز قاسم فرصة الظهور في برنامجه الشهير ( البيان التالي ) في قناة دليل ، ظهر الجمعة قبل الماضية ، فقال كلاماً طيباً وأبان عن تسليمه - كبقية المسلمين - لما جاء عن الله ورسوله ، وأنه ليس لأحد من المسلمين الخيرة في ذلك . وأنا مبتهج بكلامه حتى وإن كان المداخلون والمعلقون فيما بعد في بعض المواقع يرون أنه لم يعتذر ، وإنما حاول تبرير كلامه وتوضيحه . هذا وإن دافعي لكتابة هذا المقال هو مناقشة الكاتب والاحتكام معه إلى تخصصه ( اللغة العربية ) ، حيث إنه أحد طلابنا وخريجي كليتنا ( كلية اللغة العربية ) ، وقد كنت حريصاً على المداخلة بمضمون هذا المقال في البرنامج فلم أتمكن ، فرأيت إيجازه هنا . فقد حرص الكاتب على أن يقول : إن قصدي كذا وكذا ولكن الناس أساؤوا الفهم .وأغلب كلامه يدور حول هذا . وأود أن أؤكد له أن اللفظ إذا كان صريحاً ودلالته في اللغة واضحة كلفظة التوحش والوحشية ، فإنه لا يمكن صرفه عن ظاهره إلا بدليل واضح ، وإلا صارت اللغة فوضى ودخلنا في مسلك بعض الطوائف الباطنية التي تفسر القرآن بما يعرف بالتفسير الرمزي أو الإشاري وما يسمونه بالباطن والظاهر ، وقد ورد عن أحد علمائهم الكبار قوله في تفسير سورة الطور : إن الطور والكتاب المسطور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور كلها يراد بها الإمام علي رضي الله عنه ، وإن ( الجبت والطاغوت ) في سورة النساء هما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما . إلى غير ذلك من الهراء والسخف الذي يشغل عشرات الصفحات في كتاب يعد عمدة عند هؤلاء القوم . وكاتبنا قد صرح بلفظة التوحش بعد ذكر الحديث فلا مجال لصرفها عن ظاهرها بأي حال وأيسر ما يقال إنها زلة لسان تستوجب الاستغفار والتوبة ، ولو قال ذلك لأراح واستراح ، أما اللف والدوران في أمر واضح كهذا فهو يسيء إلى صاحبه عند الناس ، ولا يعفيه من مسؤولية هذه الكلمة الخطيرة أمام الله . وهب أن شخصاً قال لأخر : يانذل يا بخيل يا حقير يا غبي إلى آخر الألفاظ السيئة ، فلما رفع أمره إلى القضاء ، قال للقاضي : أنا أقصد : يا كريم يا نبيل يا شهم يا حبيب يا لبيب !! فهل سيعفيه هذا أمام القاضي ؟! ولو كان الأمر كذلك لضاعت اللغة وفقدت المرجعية والتبس الدين وانتهكت الحقوق ، ثم إن الكاتب أيضاً أكثر من قوله في الحلقة إن الأمر يخصه وحده وأن توبته واستغفاره إنما هو له ، وكأن الناس غير معنيين بهذا ، وهذا الكلام غير صحيح لأن كلامه قد آذى المسلمين ، وجرح مشاعرهم في أعز مخلوق عندهم صلى الله عليه وسلم ، فهم بحاجة إلى أن يسكّن نفوسهم ويهدئ ثائرتهم باعتذار صريح يشفي غليلهم . وما زلت أحسن الظن بالأخ الكاتب وأدعوه ونفسي ومن أحب إلى التجرد والبعد عن الهوى ، والحذر من مكائد الشيطان ومصائده ،والتبصر بالمرجع والمعاد ، والحذر من أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم وصالحو المؤمنين هم خصومنا يوم القيامة . وأسأل الله لي وله وللمسلمين الهداية والتوفيق والسداد .
د. محمد بن خالد الفاضل
أستاذ اللغة العربية في جامعة الأمير سلطان
20 / 4 / 1431 هـ
*لجينيات
فلقد ثارت ثائرة المسلمين في أنحاء العالم من إندونيسيا إلى أمريكا على ما قام به الرسام الدانمركي من إساءة للرسول صلى الله عليه وسلم ، وخلّدت تلك الواقعة مواقف للمسلمين ودعوات للمقاطعة هزّت الغرب عموماً ، ودولة الدانمرك خصوصاً ، ورُفعت في الحملة شعارات قوية تبيّن حب المسلمين لنبيهم صلى الله عليه وسلم ، ومن هذه الشعارات : ( عرضي دون عرضك يا رسول الله ) و ( نحري دون نحرك يا رسول الله ) و عبارة ( إلا رسول الله ) يعني : كل شيء عندنا قد يهون إلا رسول الله . ولا غرابة عندما يكون ألمهم أشد عندما تأتي الإساءة من داخلنا . فقد شُغلت بعض وسائل الإعلام المرئية والمقروءة خلال الأسبوع الماضي وقبله بمقولة بشعة نكدة مؤذية نسبت إلى أحد الكتاب والمثقفين السعوديين ، علّق فيها بجرأة وقلة أدب على حديث النبي صلى الله عليه وسلم المخرّج في صحيحي البخاري ومسلم ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ) . فقد علق عليه بأن وصفه بالتوحش وأنه كلام فيه وحشية .. إلى آخر ما قال .
وقد تفاعلت هذه القضية واشتد الضغط على الكاتب ومطالبته بالاعتذار والتوبة وأصدر بعض الإيضاح في موقع العربية وصحيفة المدينة ، ثم أتاح له الأستاذ عبدالعزيز قاسم فرصة الظهور في برنامجه الشهير ( البيان التالي ) في قناة دليل ، ظهر الجمعة قبل الماضية ، فقال كلاماً طيباً وأبان عن تسليمه - كبقية المسلمين - لما جاء عن الله ورسوله ، وأنه ليس لأحد من المسلمين الخيرة في ذلك . وأنا مبتهج بكلامه حتى وإن كان المداخلون والمعلقون فيما بعد في بعض المواقع يرون أنه لم يعتذر ، وإنما حاول تبرير كلامه وتوضيحه . هذا وإن دافعي لكتابة هذا المقال هو مناقشة الكاتب والاحتكام معه إلى تخصصه ( اللغة العربية ) ، حيث إنه أحد طلابنا وخريجي كليتنا ( كلية اللغة العربية ) ، وقد كنت حريصاً على المداخلة بمضمون هذا المقال في البرنامج فلم أتمكن ، فرأيت إيجازه هنا . فقد حرص الكاتب على أن يقول : إن قصدي كذا وكذا ولكن الناس أساؤوا الفهم .وأغلب كلامه يدور حول هذا . وأود أن أؤكد له أن اللفظ إذا كان صريحاً ودلالته في اللغة واضحة كلفظة التوحش والوحشية ، فإنه لا يمكن صرفه عن ظاهره إلا بدليل واضح ، وإلا صارت اللغة فوضى ودخلنا في مسلك بعض الطوائف الباطنية التي تفسر القرآن بما يعرف بالتفسير الرمزي أو الإشاري وما يسمونه بالباطن والظاهر ، وقد ورد عن أحد علمائهم الكبار قوله في تفسير سورة الطور : إن الطور والكتاب المسطور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور كلها يراد بها الإمام علي رضي الله عنه ، وإن ( الجبت والطاغوت ) في سورة النساء هما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما . إلى غير ذلك من الهراء والسخف الذي يشغل عشرات الصفحات في كتاب يعد عمدة عند هؤلاء القوم . وكاتبنا قد صرح بلفظة التوحش بعد ذكر الحديث فلا مجال لصرفها عن ظاهرها بأي حال وأيسر ما يقال إنها زلة لسان تستوجب الاستغفار والتوبة ، ولو قال ذلك لأراح واستراح ، أما اللف والدوران في أمر واضح كهذا فهو يسيء إلى صاحبه عند الناس ، ولا يعفيه من مسؤولية هذه الكلمة الخطيرة أمام الله . وهب أن شخصاً قال لأخر : يانذل يا بخيل يا حقير يا غبي إلى آخر الألفاظ السيئة ، فلما رفع أمره إلى القضاء ، قال للقاضي : أنا أقصد : يا كريم يا نبيل يا شهم يا حبيب يا لبيب !! فهل سيعفيه هذا أمام القاضي ؟! ولو كان الأمر كذلك لضاعت اللغة وفقدت المرجعية والتبس الدين وانتهكت الحقوق ، ثم إن الكاتب أيضاً أكثر من قوله في الحلقة إن الأمر يخصه وحده وأن توبته واستغفاره إنما هو له ، وكأن الناس غير معنيين بهذا ، وهذا الكلام غير صحيح لأن كلامه قد آذى المسلمين ، وجرح مشاعرهم في أعز مخلوق عندهم صلى الله عليه وسلم ، فهم بحاجة إلى أن يسكّن نفوسهم ويهدئ ثائرتهم باعتذار صريح يشفي غليلهم . وما زلت أحسن الظن بالأخ الكاتب وأدعوه ونفسي ومن أحب إلى التجرد والبعد عن الهوى ، والحذر من مكائد الشيطان ومصائده ،والتبصر بالمرجع والمعاد ، والحذر من أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم وصالحو المؤمنين هم خصومنا يوم القيامة . وأسأل الله لي وله وللمسلمين الهداية والتوفيق والسداد .
د. محمد بن خالد الفاضل
أستاذ اللغة العربية في جامعة الأمير سلطان
20 / 4 / 1431 هـ
*لجينيات