بعبع الطاقة النظيفة
الاحد 30 صفر 1431 الموافق 14 فبراير 2010
بدرية العبد الرحمن
أقرأ في كتابات بعض المناصرين للبيئة أن الدول المصدرة للبترول تضغط وترواغ لعرقلة مشاريع الطاقات البديلة، وتعطي لهذا السبب إحصائيات وتكهنات كاذبة حول مصادر بترول وهمية واحتياطيات ضخمة.. ولأنه كلام إنترنت فإن من مضيعة الوقت إعارته أي اهتمام..
ولكن مادام هناك أشياء ظهرت للعيان ومشاريع جادة لتوليد الطاقة البديلة والنظيفة، ومن إنتاجاتها واستخداماتها الطيبة هي سيارة الكهرب، والتي أتيح لي أن أراها، وأستفسر عن تفاصيل استخدامها (على الرغم من أني لست في مكان يمكنني فيه قيادتها بالطبع)، وكانت فكرتها بكل بساطة نفس فكرة الهاتف الجوال، اشبك بالشاحن، واتركها تقتات حتى الصباح، لتمنحك طاقة كافية لأن تقود ما يزيد على (70) ميلاً في اليوم!
كم هو مثير للتفاؤل أن يتحدث عمدة لندن عن أن هناك خطة لتشجيع الناس على استخدام السيارة الكهربائية، وبانتشار أنموذج السيارة الكهربية وتزايد ضغوطات الجماعات المناصرة للبيئة والناس المتضررين من ازدياد درجة حرارة الكوكب.
سيكون هناك جانب أخلاقي لاستخدام هذه السيارة، جانب سيجعلنا ندفع _ نحن الدول المصدرة للنفط_ ثمناً باهظاً من اقتصاداتنا التي تأسست على النفط، ويبدو أنها عجزت إلى حد كبير عن أن تبدأ إنجازاً في الإنتاج بعيداً عن هذا الأساس..
مخيف جداً أن نفكر أن اقتصاداتنا على وشك الترنّح لمجرد أن هناك من الناس من يؤمن بأن حرارة الكوكب ترتفع بسببنا.. وأنا من هؤلاء الناس حتماً..
مرعب أكثر أن نتخيل سيناريوهات يتم فيها عمل مؤامرات طويلة المدى، وبروباغندات ضد الطاقة النظيفة، وربما فتاوى، كله من أجل ضمان ضخ ما تبقى في آبارنا وأكل ثمنه، وليس إعادة إنتاجه بطبيعة الطبع البترودولاري..
كثيرون أزعجونا بسيناريو ما بعد نفاد النفط... و على الرغم من أن هذا الافتراض ساذج وغير مبني على أدلة علمية اللهم سوى التكهن، إلاّ أنها تهافتت علينا التطمينات التي يطبطب فيها الخبراء.. جاءت هذه التطمينات لتدفعنا لمزيد من الاستهلاك والاستيراد والعولمة، بدلاً من الاستقلال الإنتاجي، وإعادة بناء الثقافة؛ لتكون أكثر عمقاً، وأكثر تقديراً لمسألة الإنتاج والتصدير والاندماج في دائرة العمل الجاد لمصلحة بلدنا..
والآن يأتينا سيناريو جاد وصارم، سيناريو الطاقة البديلة النظيفة التي ستقلل من قيمة نفطنا، وتجعله يُباع بأرخص الأثمان.
في أفضل الأحوال..
إنه الوقت لنأخذ بعين الاعتبار الغلطات الكبرى التي جعلت من مجتمعنا استهلاكياً اتكالياً من الدرجة الأولى..
ماذا عن الزراعة يا أولي الألباب..؟ وماهي خططنا لتوفير طعام أحفادنا وأحفادهم، في الوقت الذي نعرف أن صحراءنا الشحيحة لاتكاد تجود بالماء لنا نحن البشر حتى يمكنها دعم الزراعة..
وبدلاً من إضاعة الوقت في النقاشات العقيمة حول تاريخنا والمؤامرات التي تُحاك ضدنا، أظن أن الوقت حان لدراسة جادة _ ليس لميزانية يلتهم ثلاثة أرباعها أثناء إنجازها_ من أجل معرفة أين نضع المال الموجود بين أيدينا ليكون بذرة تنمو لأحفادنا.
الأجيال التي يهمنا أن نراها لا تشحذ، ولا تستجدي، ولا تستدين من صندوق النقد الدولي.. ويهمنا أكثر ألاّ نراها تزدهر فيها المصائب التي يجرها الفقر والجهالة والأمية، الأمراض التي ظننّا أننا خفّفنا من وطأتها في عصرنا الذي نعيشه الآن.
إن أبناءنا لن يموتوا حين لايحصل أحدهم على هاتف جوال أو سيارة، ولكنهم سيموتون حتماً حين يضطرون للتدافع على الخبز كما حصل في مصر، أو للحصول على الماء كما يحصل في إفريقية، أو حين تنتشر بينهم أمراض التلوث والأوبئة كما في بنغلادش ..
كواحدة تنتمي لعصر الرخاء النفطي يهمني أن يدعوا لي أحفادي، وألاّ يدعوا عليّ؛ لأني بدّدت أموالي ورخائي النسبي، ولم أستثمرها في مشروع تعليمي أو استصلاح أرض أو غيرها من المشاريع التي نعرف أنها تدوم لعقود، أو ربما قرون إن أراد الله..
لكن: هل من قومي من يريد أن يرفع بهذا الكلام رأساً، وأن يعرف أن المتظاهرين في كوبنهاغن لم تعد أعدادهم بالآلاف، ولكنهم تكاثروا حول العالم بالملايين، ينحون علينا باللائمة نحن أهل النفط والمال، ويدعون لنا، أو ربما علينا أن نهتدي أو نكون من النظيفين..؟!
*نوافذ
الاحد 30 صفر 1431 الموافق 14 فبراير 2010
بدرية العبد الرحمن
أقرأ في كتابات بعض المناصرين للبيئة أن الدول المصدرة للبترول تضغط وترواغ لعرقلة مشاريع الطاقات البديلة، وتعطي لهذا السبب إحصائيات وتكهنات كاذبة حول مصادر بترول وهمية واحتياطيات ضخمة.. ولأنه كلام إنترنت فإن من مضيعة الوقت إعارته أي اهتمام..
ولكن مادام هناك أشياء ظهرت للعيان ومشاريع جادة لتوليد الطاقة البديلة والنظيفة، ومن إنتاجاتها واستخداماتها الطيبة هي سيارة الكهرب، والتي أتيح لي أن أراها، وأستفسر عن تفاصيل استخدامها (على الرغم من أني لست في مكان يمكنني فيه قيادتها بالطبع)، وكانت فكرتها بكل بساطة نفس فكرة الهاتف الجوال، اشبك بالشاحن، واتركها تقتات حتى الصباح، لتمنحك طاقة كافية لأن تقود ما يزيد على (70) ميلاً في اليوم!
كم هو مثير للتفاؤل أن يتحدث عمدة لندن عن أن هناك خطة لتشجيع الناس على استخدام السيارة الكهربائية، وبانتشار أنموذج السيارة الكهربية وتزايد ضغوطات الجماعات المناصرة للبيئة والناس المتضررين من ازدياد درجة حرارة الكوكب.
سيكون هناك جانب أخلاقي لاستخدام هذه السيارة، جانب سيجعلنا ندفع _ نحن الدول المصدرة للنفط_ ثمناً باهظاً من اقتصاداتنا التي تأسست على النفط، ويبدو أنها عجزت إلى حد كبير عن أن تبدأ إنجازاً في الإنتاج بعيداً عن هذا الأساس..
مخيف جداً أن نفكر أن اقتصاداتنا على وشك الترنّح لمجرد أن هناك من الناس من يؤمن بأن حرارة الكوكب ترتفع بسببنا.. وأنا من هؤلاء الناس حتماً..
مرعب أكثر أن نتخيل سيناريوهات يتم فيها عمل مؤامرات طويلة المدى، وبروباغندات ضد الطاقة النظيفة، وربما فتاوى، كله من أجل ضمان ضخ ما تبقى في آبارنا وأكل ثمنه، وليس إعادة إنتاجه بطبيعة الطبع البترودولاري..
كثيرون أزعجونا بسيناريو ما بعد نفاد النفط... و على الرغم من أن هذا الافتراض ساذج وغير مبني على أدلة علمية اللهم سوى التكهن، إلاّ أنها تهافتت علينا التطمينات التي يطبطب فيها الخبراء.. جاءت هذه التطمينات لتدفعنا لمزيد من الاستهلاك والاستيراد والعولمة، بدلاً من الاستقلال الإنتاجي، وإعادة بناء الثقافة؛ لتكون أكثر عمقاً، وأكثر تقديراً لمسألة الإنتاج والتصدير والاندماج في دائرة العمل الجاد لمصلحة بلدنا..
والآن يأتينا سيناريو جاد وصارم، سيناريو الطاقة البديلة النظيفة التي ستقلل من قيمة نفطنا، وتجعله يُباع بأرخص الأثمان.
في أفضل الأحوال..
إنه الوقت لنأخذ بعين الاعتبار الغلطات الكبرى التي جعلت من مجتمعنا استهلاكياً اتكالياً من الدرجة الأولى..
ماذا عن الزراعة يا أولي الألباب..؟ وماهي خططنا لتوفير طعام أحفادنا وأحفادهم، في الوقت الذي نعرف أن صحراءنا الشحيحة لاتكاد تجود بالماء لنا نحن البشر حتى يمكنها دعم الزراعة..
وبدلاً من إضاعة الوقت في النقاشات العقيمة حول تاريخنا والمؤامرات التي تُحاك ضدنا، أظن أن الوقت حان لدراسة جادة _ ليس لميزانية يلتهم ثلاثة أرباعها أثناء إنجازها_ من أجل معرفة أين نضع المال الموجود بين أيدينا ليكون بذرة تنمو لأحفادنا.
الأجيال التي يهمنا أن نراها لا تشحذ، ولا تستجدي، ولا تستدين من صندوق النقد الدولي.. ويهمنا أكثر ألاّ نراها تزدهر فيها المصائب التي يجرها الفقر والجهالة والأمية، الأمراض التي ظننّا أننا خفّفنا من وطأتها في عصرنا الذي نعيشه الآن.
إن أبناءنا لن يموتوا حين لايحصل أحدهم على هاتف جوال أو سيارة، ولكنهم سيموتون حتماً حين يضطرون للتدافع على الخبز كما حصل في مصر، أو للحصول على الماء كما يحصل في إفريقية، أو حين تنتشر بينهم أمراض التلوث والأوبئة كما في بنغلادش ..
كواحدة تنتمي لعصر الرخاء النفطي يهمني أن يدعوا لي أحفادي، وألاّ يدعوا عليّ؛ لأني بدّدت أموالي ورخائي النسبي، ولم أستثمرها في مشروع تعليمي أو استصلاح أرض أو غيرها من المشاريع التي نعرف أنها تدوم لعقود، أو ربما قرون إن أراد الله..
لكن: هل من قومي من يريد أن يرفع بهذا الكلام رأساً، وأن يعرف أن المتظاهرين في كوبنهاغن لم تعد أعدادهم بالآلاف، ولكنهم تكاثروا حول العالم بالملايين، ينحون علينا باللائمة نحن أهل النفط والمال، ويدعون لنا، أو ربما علينا أن نهتدي أو نكون من النظيفين..؟!
*نوافذ