مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
مظاهر الهمّ والانشغال بالدعوة

للهمّ والانشغال بالدعوة مظاهر نشير إلى بعض منها :-
1) يهتمون بما يحدث للدعوة والدعاة :
أ‌- رجل يكتم إيمانه :
يقول سبحانه وتعالى ’’ وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ’’ القصص20.
يقول الشيخ السعدى ( أي ركضاً على قدميه من نصحه لموسى وخوفه أن يوقعوا به ) ، فهو لم يكتف بالتأثر عند سماعه عليه القوم يخططون لمقتل موسى عليه السلام ، إنما دفعه الاهتمام بمصير الدعوة عند مقتل الدعاة أن يتحرك بأقصى ما يستطيع ليفعل شيئاً أي شيء لإفشال هذا المخطط ولترجمة ذلك الاهتمام إلى واقع ملموس .
ب‌- أمثلة من حياة الصحابة :
- إذ هما في الغار :
’’ ولما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر والله لا تدخله حتى أدخله قبلك ، فإن كان فيه شيء أصابني دونك ، فدخل فكسحه ، ووجد في جانبه ثقباً فشق إزاره وسدها به ، وبقى منهما اثنان فألقمهما رجليه ، ثم قال لرسول الله : ادخل . فدخل رسول الله ووضع رأسه في حجره ونام ، فلدغ أبو بكر في رجله من الجحر ، ولم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول الله فسقطت دموعه على وجه رسول الله ، فقال : مالك يا أبا بكر ؟ قال لدغت ، فداك أبى وأمي ، فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب ما يجده .
وجدّت قريش في البحث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه حتى وصل المطاردون إلى باب الغار . يروي البخاري عن أنس عن أبى بكر قال : { كنت مع النبي في الغار فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام القوم ، فقلت يا نبي الله لو أن أحدهم طأطأ بصره ’’ لو نظر أحدهم تحت قدميه ’’ لرآنا قال : اسكت يا أبا بكر اثنان الله ثالثهما وفى لفظٍ ’’ ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما ’’ }.
ولم يكن فزع أبى بكر مخافة على نفسه إنما كان خوفاً على رسول الله كما روى عن أبى بكر قوله : إن قتلت فإنما أنا رجل واحد وإن قتلت أنت هلكت الأمة .
- وهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يبلغ ذروة الاهتمام بما يحدث للدعوة والدعاة عند بداية إسلامه .
فقد تعرض في بداية الأمر لبعض المضايقات من سفهاء قريش مما اضطر خاله أن يجيره ، فلم يتعرض له أحد ، وفى تلك الأثناء كان يتحسر بسبب رؤيته للمسلمين وهم يتعرضون للتعذيب ، وهو بمأمن من ذلك فنراه يقول ’’ وكنت لا أشاء أن أرى أحد من المسلمين يضرب إلا رأيته وأنا لا أضرب ، فقلت ما هذا بشيء حتى يصيبني مثل ما يصيب المسلمين ؟ فأمهلت حتى إذا جلس الناس في الحج وصلت إلى خالي فقلت : اسمع ؟ فقال : ما أسمع ؟ قلت : جوارك عليك رد ، فقال : لا تفعل يا بن أختي ، قلت بل هو ذاك ، فقال : ما شئت !! فما زلت أضرِب وأضرَب حتى أعز الله الإسلام ’’ .
إن اهتمامه بما يحدث لإخوانه من الدعاة وصل إلى درجة أنه يعاتب نفسه ألا يصيبها ما أصابهم ، ولم تطب نفسه حتى لاقى ما لاقوا ، ذلك أنه عضو من هذا الجسد الطاهر الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى . [المصفى من صفات الدعاة – عبد الحميد البلالى] .
ج ) أمثلة من تاريخ الدعوة :
موقف الإمام البنا حين أرسل إلى إبراهيم عبد الهادي رئيس وزراء مصر يقول له ’’ إذا كنتم حللتم الجماعة واعتقلتم من كان منهم في فلسطين ومن منهم هنا ورميتم بهم في المنفى بجبل الطور ، فلتعتقلوني معهم لأني أنا الذي ربيتهم ’’ .
في عام 1957 أفرِج عن الأستاذ الهضيبي صحياً ، لأن حالته كانت تنذر بالهلاك كما قررت لجنة من الأطباء ، فلم يكد يحس الأستاذ بالعافية حتى كتب إلى السلطات بأنه قد عوفي بحمد الله مما عرض له ، وأنه باستطاعته العودة لقضاء باقي المدة المحكوم عليه بها ، لم تطاوعه نفسه أن ينعم بترف أو راحة متميزاً عن إخوانه رفقاء الجهاد ، فلا يستأثرون بالأجر دونه [ رحلتي مع الجماعة الصامدة – أحمد أبو شادى].
الأستاذ عمر التلمساني رحمة الله عليه كان قد ارتبط بموعد من مواعيد الدعوة قبل مرضه الأخير فلما داهمه المرض ، دخل في غيبوبة فكان إذا أفاق منها يسأل مرافقيه : هل ذهب أحد للوفاء بالموعد ؟ وهكذا لم تمنعه الغيبوبة وآلام المرض أن يتذكر موعده الذي ارتبط به ويهتم بإنجازه .
أحد الإخوة رأى في سبحة من سبحاته أن إخوانه المعتقلين ينامون على الأرض وعليها فرشة من ليف أو بغير فراش وهو ينام على فراش سريره ناعماً هانئاً فما كان منه إلا أن نزل من على سريره إلى الأرض ينام عليها حتى يستشعر حال إخوانه وما هم عليه في معتقلهم ويشاركهم وجدانياً .
2) لا يعرفون الراحة :
{ جاء في وصف الإمام البنا للمجاهد ، أنه لا يستريح ولا يعرف للراحة طعماً إلا بالحركة الدائبة بهذه الدعوة ولهذه الدعوة ، فهذا شاعر الدعوة المعاصرة عمر بهاء الدين الأميرى وهو في جناح طب القلب موصول الصدر إلى جهاز المراقبة الإلكتروني ، يسأله الطبيب عن استراحته فيرد عليه بفهم يختلف عن فهمه : كلا رويدك يا طبيـب وقد سألت أما اسـتراح ؟
هل يستريح الحر يوقر صدره العبء الرزاح ؟!
نعم فالذي يمتلئ صدره بما يحدث للدعوة والدعاة كل يوم على أيدي الإمعات تابعي معسكر الشرق والغرب والذي يمتلئ صدره بالحزن على انحراف المنحرفين عن الجادة من قومه والذي يمتلئ صدره بالحسرة على تلهى الدعاة بتجريح بعضهم بعضا وتفكك رباطهم والذي يحزنه أشد الحزن تقصيراً أو تفريطاً في حق الدعوة أو انشغالاً بالدنيا عن الآخرة ويرى تقدم العدو واستهزاءه بكل القيم واحتقاره لهذا الدين العظيم وأهله دون أن يرى من يتحرك ، كيف يستريح ؟! ولئن استراح جسده فلا تستريح نفسه}[ المصفى من صفات الدعاة – البلالى].
- { انظر إلى الإمام البنا وهو يضرب المثل لأتباعه في بذل الجهد والتضحية بكل شيء ، زار ثلاثة آلاف قرية من أربعة آلاف هي مجموع قرى القطر المصري بل إنه استقال من وظيفته ليتفرغ لواجبات دعوته ، وكان ينام في أسفاره ليدخر الوقت لأتباعه وقد ضحى براحته ، وكان يتمثل قول الإمام أحمد بن حنبل : ’’ من أراد الراحة ترك الراحة ’’ [ التضحية والفداء في الإسلام – أ / جمعة أمين] .
3) يكرهون السكون والعجز :
عندما تسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ’’ أيها الناس إني داع فأمنوا – فججاء في دعائه – اللهم إني ضعيف عند العمل بطاعتك فارزقني النشاط فيها والقوة عليها بالنية الحسنة التي لا تكون إلا بعزتك وتوفيقك .’’
أين نشاطنا من نشاط عمر رضي الله عنه ؟ ولكنه الحرص على بلوغ الكمال في العبادة ، كما هو البغض لجميع أنواع الضعف .
و ها هو الإمام الشافعي يبالغ في بغض السكون وحب الحركة فيقول :
إني رأيت وقوف المــاء يفســده إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب
والأسد لولا فراق الأرض ما افترست والسهم لولا فراق القوس لم يصب
والشمـس لو وقفت في الفلك دائمـة لملها الناس من عجـم ومن عـرب
وها هو الداعية الكبير ( مصطفى السباعي ) رحمه الله يتألم أشد الألم بسبب إعاقة المرض لتحركه للحق فيقول : فإن تكـن الأيام أودت بصحتي وعاقت خطى عزمي بكل مسدد
فما كنت خواراً ولا كنت يائسـاً ولست بساوٍ فى فراشى ومقعدى
سأمشى إلى الغايات مشى مكافح ألوذ بعـز الله فى كل معـترك
4) يقهرون الأعذار :
القرآن الكريم يحدثنا عن صنف من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ’’ لا يجدون ما ينفقون ولم يقعدهم ذلك عن الخروج إلى رسول الله ليحملهم للجهاد معه ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون ’’ سورة التوبة 92
وها هو ذا عمرو بن الجموح وقد حاول أبناؤه أن يقعدوه عن الخروج لمعركة أحد يقول لهم : إن الله قد استنفر الخفيف والثقيل ’’ انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ’’ سورة التوبة 41 ’’ والله إني لأريد أن أطأ بعرجتي هذه الجنة ’’ .
وكان أحدهم يحملونه على سريره ليشارك إخوانه في لقاءاتهم وأعمالهم لأنه يصر على أن يشاركهم اجتماعهم في عملهم للدعوة .
وكان وما زال الواحد من هذه النماذج وهؤلاء الدعاة يسافر مئات الكيلومترات رغم كبر سنه ومرضه لينشر دعوته أو يشارك أخ له في مناسبة تشغله .

المصدر : موقع منارات التربوية .
أضافة تعليق