مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
صعدة وأزمة الفهم
صعدة وأزمة الفهم
تحليلات أحداث صعدة لا زالت دون المستوى المطلوب. تبرز أموراً لا وجود لها. تركز على قضايا لا أهمية لها. تثير قضايا جديدة لم تكن موجودة من قبل. ثم تهمل جوهر المشكلة ولب القضية.
تحليلات أحداث صعدة لا زالت دون المستوى المطلوب. تبرز أموراً لا وجود لها. تركز على قضايا لا أهمية لها. تثير قضايا جديدة لم تكن موجودة من قبل. ثم تهمل جوهر المشكلة ولب القضية.


مثال الأول هو اعتبار قضية صعدة جزءا من الصراع السعودي الإيراني في المنطقة، وأنها حرب إيرانية ضد السعودية.

صحيح أن العلاقات الإيرانية السعودية متوترة. وبالأمس القريب بدأ الخطاب الإيراني يهاجم السعودية بسبب ترتيباتها الأمنية للحج، ولكن الأمر لم يصل إلى أن تجرؤ إيران على خوض حرب ضد السعودية بالواسطة. قد يحاربون مصالح السعودية في مناطق مختلفة، ولكن لن يوجهوا سلاح غيرهم ضدها.

مثل هذه الخطوة غير ممكنة وليس من الواقعي افتراضها. فالإيرانيون يدركون دور المملكة في الوقوف أمام التهديد الأمريكي بضرب مفاعلات إيران. ويدركون نفوذ المملكة في أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان. وكلها مناطق إستراتيجية بالنسبة لإيران. ويدركون أهمية تطوير علاقات إيجابية مع دول الجوار. ولهذا ولغيره هم غير مستعدين للخوض في حرب ضد المملكة ولو من خلال وسيط آخر، خصوصاً وأن الإيرانيين يدركون أيضاً مدى محدودية النفوذ الممكن لهم في اليمن. هذه المحدودية تغيب عن أذهان محللي النفوذ الإيراني في صعدة، فيتحدثون عن النفوذ وكأنه يتم ’’بشخطة قلم’’. إن الأطراف المعنية والقضايا المؤثرة على علاقات الحوثيين مع غيرهم متعددة ومتناقضة بما لا يسمح لهم تكوين تحالف فاعل مع الإيرانيين. هذا قد يتغير ولكن اليوم تبقى قدرة إيران محدودة.

وبالتالي، فإن رد الفعل العسكري السعودي هو موقف من الاعتداء الذي حصل وليس حرباً بين السعودية وإيران. وأما حجم الموقف العسكري، والذي يعتبره البعض مؤشرا على أنه صراع سعودي إيراني، فهو ذات صلة بحساسية الحدود السعودية اليمنية، ليس فقط بسبب وجود الحوثيين، وإنما لوجود أطراف أخرى تريد استغلال أي ثغرة في الحدود. بدءا من تهريب المخدرات إلى تهريب السلاح والإرهابيين.

من التركيز على قضايا لا أهمية لها، هو تاريخ الحوثيين. وحقيقة الحال أن ما يحدث اليوم لا تاريخ له قبل 23م. إنه حدث يتم تشكيله من خلال الحروب الستة والتداعيات المرافقة. فالحوثيون كجماعة لم تكون موجودة قبل الحرب الأولى، وبالتالي لا تاريخ لها لنبحثه. قطعاً الشخصيات لها تاريخ، مثل حسين الحوثي ومن معه، ولكن هذا لا يعني أن الجماعة لها تاريخ.

فأولاً لقب الحوثيين لم يكن إلا من صناعة الحكومة اليمنية. ثم إن المجموعة هذه التي لقبت بالحوثيين لا زالت إلى الآن في طور التشكل. ويفوت على البعض أن هذه المجموعة لم يكن لديها مطالب سوى المطالبة بترديد شعار ’’الموت لأمريكا الموت لإسرائيل...’’. والذي يقرأ ملازم حسين الحوثي يقرأ فيها محاولات لبحث عن ذات أكثر من أفكار واضحة المعالم.

ومن كان يتابع حلقات حسين الحوثي، يدرك أن هذه الأفكار لا زالت في طور الانتشار والنقد والتقييم، ولم تتحول بعد إلى عقيدة أو إيديولوجيا. وكانت الناس في بدايات الأحداث وقبل مقتل حسين الحوثي تلومه على عدم امتلاكه رؤية واضحة لما يريد، وبرنامجاً سياسياً يستفيد من موقفه المعارض للحكومة. وكان الجميع يستغرب من كون مطلبه الوحيد ومطلب أتباعه هو الشعار، لدرجة الافتراض أن هناك أمر وراء الشعار.

ولكن حقيقة الحال لمن عرف حسين الحوثي شخصياً ولمن عرف الشباب الحوثيين في صنعاء وصعدة وذمار وحجة وحوث، أنه لم يكن لهم سوى ذلك. إنها جماعة بدأت بلا هوية وصارت تبحث عن تحديد معالم ذاتها وخلق هويتها من خلال الأحداث وليس قبلها.

ومن يتابع تصريحات يحيى الحوثي وخطابات عبدالملك الحوثي يجد هذا بوضوح. إنه خطاب من يبحث عن نفسه، ويعرِّف نفسه من خلال عدوه أكثر مما يعرف نفسه من خلال ذاته. بدأ محصوراً بالمطالبة بالشعار وحق الدفاع عن النفس. ثم تطور إلى المطالبة بالحفاظ على المذهب الزيدي. ثم بدأ بذكر الأوضاع المتردية التي تمر بها منطقة صعدة واليمن عموماً. وبين ذلك محطات فرعية متعددة. إنها جماعة في طور التشكل وليست متشكلة. وهذه قضية في غاية الأهمية. لأن اليوم يمكن تعديل مسار هذا التشكل لو وجدت الإرادة.

إثارة قضايا لا وجود لها، مثل البعد الطائفي للحرب. وهذا يتم في الإعلام بشكل خفيف ولكنه أكثر على مستوى المشاركات الشعبية. نسمع عن نواب شيعة يرفضون توقيع بيان تأييد للمملكة. والسيد حسن نصرالله ينفي صلة الأحداث بالصراع المذهبي. والشيخ حمود الهتار يؤكد ضرورة التمييز بين الزيدية وبين الحوثيين. ونسمع من إيران ومن العراق أصواتاً تنادي بنصرة الشيعة في اليمن. وأصوات من مجتمعات سنية تنادي بوقف المد الرافضي وقطع دابره. وهذا البعد الطائفي إنما صنعه الإعلام بطريقة عرضه للأحداث.

ومن المهم التنويه إلى أن الإعلام كان يتحدث من قبل عن بعد مذهبي للحرب. فكان يتحدث عن حرب ضد الزيدية أو الشيعة، ولكن هذا غير ما يحصل اليوم. في السابق كانت الحكومة هي الطرف المحارب، ولكن اليوم يتم الحديث عن أن السنة هي طرف محارب. وفي الحالين لم تكن حرباً ضد الزيدية. لا الحكومة اليمنية حاربت الزيدية، ولا الحرب اليوم حرب طائفية الأبعاد.

أما ما يتم إهماله، فهو جوهر المشكلة. قبل عشرة أيام تحدث الشيخ حميد بن عبدالله الأحمر على الجزيرة مصرحاً بقضايا أساسية لفهم المشكلة. فقد قال بأن الحرب سببها صراع أجنحة بين الجيش، وأنها لاستنزاف قوة علي محسن الأحمر العسكرية. هو لم يقل جديداً إذ الأمر معروف من سنين.

وهناك كتابات منذ الحرب الأولى تؤكد أن المعركة هي بين الرئيس علي عبدالله صالح وبين العميد علي محسن الأحمر. لكن لم يكن أحد مستعد للسماع. ولم يكن أحد من السلطة لديه المصلحة في التصريح بذلك.

حميد الأحمر اليوم مستعد للتصريح بذلك لمصالحه الخاصة. هو يطمح في إزالة الرئيس علي صالح من الحكم، أو على الأقل في منع تولي ابنه الرئاسة. كما إنه أدرك الخطأ الذي وقع فيه عندما وقف بجانب الرئيس في حربه على صعدة، جاعلاً من قبيلة حاشد أبرز مناصري الحكومة في حربها. بل سمح للرئيس تكوين أفواج من قبائل حاشد للقتال هناك، عرفت بـ(البشمرقه). وقد أحدثت قتلاً ونهباً، مما أحدث قطيعة بين بعض قبائل بكيل وبين قبيلة حاشد.

وهذا بطبيعة الحال يضعف حميد الأحمر، الذي لا يستغني عن قبائل بكيل إذا ما أراد أن يواجه الرئيس. ولعله أدرك أن الرئيس كما يريد إضعاف قوة علي محسن الأحمر من خلال زجه في حرب صعدة، فإن الرئيس أيضاً أراد إضعاف سلطة حميد المعنوية على بكيل من خلال زج قبيلته في الحرب. وأياً كانت أغراض حميد، فقد صرح بأمر في غاية الخطورة ولكن مع ذلك لا نجد الوقوف الكافي على ما قاله وعلى الأسباب التي دعته ليقول ما يقول.

إن تحليل حرب صعدة، بل وحتى واقع الجنوب وكل مستقبل اليمن، يجب أن يبدأ بتحليل قوة الأجنحة الثلاثة في اليمن وعلاقتها بمصالح القوى الإقليمية: الرئيس والعميد علي الأحمر والشيخ حميد الأحمر، وهذا ما لا يتم بيانه بقدر كاف أبداً.
*العصر
أضافة تعليق