مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الظاهرة "الحوثية" في العالم العربي
الظاهرة ’’الحوثية’’ في العالم العربي
فيصل علوش

حركة التمرد الحوثية المستمرة في اليمن منذ سنوات، بطابعها المذهبي والسياسي الخاص والضيق، وبما هي تعبير عن انفراط عقد الهوية الوطنية الجامعة، وتشظيها إلى مجموعات من الهويات والولاءات المذهبية والقبلية، المتنافرة والمتناقضة مع الدولة من جهة، ومع بعضها بعضا من جهة ثانية، وعلى نحو تتقاطع وتتداخل فيه مع مصالح وأهداف إقليمية ودولية متشابكة ومتصارعة في ما بينها أيضا، تشكل خير تعبير عن معضلة بناء الدولة الوطنية الحديثة في العالم العربي، بآلياتها ومؤسساتها الدستورية والقانونية، التي تقوم على مبدأ ’’المواطنة’’، واحترام منظومة الحقوق والحريات العامة والخاصة، وتعميق الاندماج المجتمعي والشعور بالهوية المشتركة، وتعزيز الفاعلية الإنمائية والخدمية لصالح المجتمع بمختلف فئاته ومكوناته.

ولا يغير من الأمر شيئا أن يلجأ بعض هذه الحركات إلى رفع شعارات ’’الموت لإسرائيل وأميركا’’، أو التذرع بالمقاومة، والتي غالبا ما تؤول في نهاية المطاف إلى مقاومة مشروع بناء الدولة فحسب، حتى لو توافرت على انجازات حقيقية وملموسة في مجال المقاومة والتحرير. فالهوية الدينية أو المذهبية لحركات المقاومة تلك، والتي تحمل معايير قيمية وأخلاقية إطلاقية، تنطلق من ثنائيات مثل: الخير / الشر، الحق / الباطل، الشرف / النجاسة، وإقصاء الخصوم أو الهيمنة عليهم، تشكل معوقا موضوعيا أمام بناء الدولة الوطنية، التي تستلزم شيوع مناخ التعددية الثقافية والسياسية والاعتراف بالآخر وحقه في الوجود والتعبير عن نفسه.

مكمن الخطورة الفائقة في التمرد الحوثي، الذي أخفقت معه محاولات الحسم العسكري في السابق، وكذلك الوسائل والوسائط السلمية، هو انه بات يتهدد على نحو جدي، الدولة اليمنية بالتفكك والانهيار، وانزلاقها نحو الفوضى والحروب الأهلية المتواصلة، أي تحولها باختصار إلى ’’دولة فاشلة’’ على غرار الصومال، كما حذر عدد من الباحثين والمعاهد البحثية العربية والغربية، خصوصا في ظل ما يشهده جنوب اليمن من احتجاجات واضطرابات، ينزع بعضها نحو الانفصال، إضافة إلى تزايد نشاط تنظيم ’’القاعدة’’ وبقية المجموعات ’’الجهادية’’، الساعية إلى تحويل اليمن إلى ملاذ آمن لها، أي إلى دولة يعمها الاضطراب والفوضى.

الدولة هي التي ينبغي لها أن تحتكر وسائل ممارسة الإكراه والعنف، أي السلاح، في حين أن اليمن ينتشر فيه السلاح بكثافة بيد القبائل والأفراد، وإذا أضفنا إلى ذلك سعي بعض الجماعات الأهلية، كالحوثيين أو غيرهم، ممن يغلب عليهم التعصب والميل للتطرف، إلى العيش كذوات منفصلة عن المجتمع الذي تعيش بين ظهرانية، واستعدادها في سبيل الوصول إلى ذلك، للتعاون مع جهات خارجية، تبحث أصلا عن زيادة نفوذها وإحياء أمجادها الغابرة في المنطقة، فسيشكل ذلك كله أسبابا كافية لشيوع الاضطراب والفوضى، خصوصا في ظل دولة يفتقد نظامها، كما يرى كثير من الباحثين والمحللين، إلى مشروع وطني متكامل، وإلى رؤية سياسية ناضجة.

وتنظر كثير من المجموعات السياسية والمجتمعية فيها على أن النظام يخدم فئة محدودة فقط، تتعاظم مكاسبها بفضل احتكارها للسلطة والثروة، وهو بالتالي يفتقد إلى المشروعية الشعبية ولا يحظى بالدعم اللازم والقوى من كل فئات المجتمع وشرائحه، بما يؤهله ويجعله قادرا على دحر أي جماعة متمردة تسعى إلى العبث باستقرار البلاد وتهديدا منها. ومن المعروف أن القوة الحقيقية للنظام في اليمن، يستمدها من المؤسستين العسكرية والبيروقراطية التابعتين والمواليتين له، مثله في ذلك مثل أغلب البلدان العربية، ويتساءل كثير من المحللين.

كيف استطاع طرفا الحرب الدائرة في صعدة، تمويل هذه الحرب وتدبير الموارد اللازمة لها، في دولة يتفق الجميع على أنها فقيرة بالموارد، وعاجزة عن توفير الموارد اللازمة لشراء القمح والأدوية وتوفير مستلزمات التعليم والضمان الاجتماعي؟!.

ويشدد المراقبون على أن كسب المعركة مع الحوثيين، يتطلب إعادة الاعتبار لمشروعية الدولة ونظامها السياسي، وإقامة شراكة كاملة في اقتسام السلطة وتوزيع الثروة، أما كسب المعركة من خلال إتباع سياسة ’’الأرض المحروقة’’ والتدمير اللا محدود للبنى التحتية وقتل الأفراد، فإن ذلك سيخلف عواقب وخيمة في المستقبل على مصير العلاقة بين السلطة والأهالي في صعدة.

إدارة السياسة والشأن العام في أغلب البلدان العربية تفتقر إلى استراتيجيات الحوار والمشاركة، أو إلى ’’السياسة’’ التي تبحث عن مساحات ’’المشترك العام’’ بين القوى والأطراف المجتمعية المختلفة، بهدف ضبط صراعاتها وإدارتها، على نحو سلمي يضمن تحقيق الصالح العام والتوافق حوله، وليس عبر إتباع سياسة الإقصاء وإلغاء الآخر، التي تغذي نوازع التطرف والعنف لدى الجماعات الأهلية.

السياسة تميل إلى عقد المساومات والتنازلات، أما السلطات في أغلب البلدان العربية، فإن ما يطغى على سلوكها هو دافع الإقصاء والتهميش المستمر لقوى المعارضة، التي تحول دون مشاركتها بشكل فعال في إدارة الشأن العام، على رغم فائض الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتفاقمة لديها!!.

وهكذا فإن ما يستحق الدرس والتأمل هو القابلية التي تبديها كثير من الدول العربية لتمردات من هذا القبيل، يمكن أن نطلق عليها ’’الظاهرة الحوثية’’، تشكل جرحا غائرا ودائم النزف في أبدانها، هذا إذا لم تعمل على تقويض بنيانها وتفكيك كياناتها الهشة والقابلة جدا للعطب!!.

المستقبل اللبنانية
أضافة تعليق