مدارج السمو
- عباس النهاري
’’ليس بيننا وبين الله مسافات تقطع، إنما السير إلى الله سير قلوب’’ ورمضان فرصة سانحة للسير المخبت إليه تعالى وتقوية الصلة به، ويكون ذلك من خلال عدة أمور:
أولا : بتقوى الله تعالى وملازمتها في السر والعلن قال تعالى (واتقون يا أولي الألباب) وقال (إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) وقال (يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا) وقال (يا أيها الذين اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد).
وتقوى الله تعالى تعني طاعته وامتثال أمره واجتناب نهيه والوقوف عند حدوده والتحاكم إلى شرعه والحكم به والخوف منه سبحانه وتعالى والقيام بما افترض الله تعالى عليه ، وقال صلى الله عليه وسلم (اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن) رواه الترمذي.
ثانياً : بكثرة الصلاة من قيام ، وسنن ، ونوافل مطلقة ، وبالنسبة للقيام كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) متفق عليه ولكن هذا لا يدل على الوجوب أو أن الزيادة عليه أو النقصان منه لا يجوز كلا ، بل أجمع السلف كما قال ابن تيمية على أن قيام رمضان ليس فيه توقيت محدد ، فمن زاد على ذلك أو نقص منه فلا حرج عليه ، ويدل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صلاة الليل فقال مثنى مثنى) متفق عليه ، وقال لربيعة الأسلمي لما سأله مرافقته في الجنة : أعني على نفسك بكثرة السجود) رواه مسلم ، وقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة التراويح في رمضان وهي من قيام رمضان بقوله وفعله فقوله كحديث (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقد من ذنبه ) متفق عليه ، وفعله فإنه صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ثلاث ليال ثم لم يخرج عليهم في الليلة الرابعة خشية أن تفرض عليهم) متفق عليه.
وكان هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة القيام الإطالة دون التقصير تقول عائشة كان يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن) رواه مسلم وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعة بين السورتين من سور المفصل )رواه مسلم، وأما السنن فكان صلى الله عليه وسلم يحافظ على أربع قبل الظهر وركعتين بعدها ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين بعد العشاء ، وركعتين قبل الفجر ) متفق عليه وكان يقول (من صلى في يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعا بنى الله له بيتا في الجنة) رواه مسلم.
وأما النوافل المطلقة فكان يحافظ على ما كان له سبب منها كتحية المسجد ، وركعتي الطواف والوضوء ، وغيرها ، وكان يصلي في الغالب من الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله) رواه مسلم ، وكان صلى الله عليه وسلم يجد في الصلاة راحة وطمأنينة وانشراحاً ويؤيد هذا قوله (وجعلت قرة عيني في الصلاة) وكان يقول لبلال (أرحنا بها يا بلال) وإذا حزبه أمر صلى.
الثالث : بكثرة تلاوة القرآن الكريم وكان صلى الله عليه وسلم يتلوه في صلاته ويدارسه جبريل عليه السلام فكان يعرضه عليه في كل سنة مرة ، فلما كان العام الذي قبض فيه عرضه عليه مرتين) متفق عليه.
ورمضان شهر القرآن كما قال تعالى (شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) فينبغي الإكثار من تلاوته مع التدبر لآياته كما قال تعالى (كتاب أنزلناه إليك ليدبروا آياته) وقوله (أفلا يتدبرون القرآن) وقد ارشد النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر وبن العاص أن يقرأه أولا في شهر ثم تدرج معه أن يقرأه في عشرين ثم في سبع ثم في ثلاث وقال (لا يفقه من قرأ القرآن في اقل من ثلاث) ومن قرأ حرفا منه فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها.
الرابع : بكثرة الجود والإنفاق في سبيل الله من زكاة ، وصدقة تطوع ، ونفقة واجبة وتفطير الصائمين وغير ذلك من أنواع البر والإحسان ، قال ابن عباس رضي الله عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن فاذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة) متفق عليه.
الخامس : بالمحافظة على الصلاة في أوقاتها وحيث ينادى بها فإن الصلاة عمود الدين وأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين ، وهي أول ما يحاسب عليها العبد يوم القيامة من عمله فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله ، وسمى النبي صلى الله عليه وسلم تركها كفراً فقال (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) رواه مسلم وشرع عليه الصلاة والسلام أداءها في جماعة فقال (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة) متفق عليه ، وأنكر على المنافقين تخلفهم عن صلاة الجماعة وهم أن يحرق عليهم بيوتهم بالنار وقال (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) متفق عليه ، واستأذنه أعمى في أن يصلي في بيته فقال له ( أتسمع النداء؟ قال نعم قال : فأجب) رواه مسلم.
السادس : بالاعتكاف والاجتهاد في العشر الأواخر ، فقد كان صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره) رواه مسلم ، وكان إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله) متفق عليه ، ومن اجتهاده في هذه العشر أنه كان يعتكفها ، واستمر على ذلك حتى توفاه الله عز وجل ثم اعتكفها أزواجه من بعده) متفق عليه.
السابع : بالابتعاد عن مفسدات الصوم وسقط الأقوال والأفعال كالأكل والشرب والجماع وما في معناها في نهار رمضان ، وقول الزور ، والظلم ، والغيبة والنميمة ، وسماع آلات اللهو وسائر أنواع المحرمات قال صلى الله عليه وسلم (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) رواه البخاري.
الثامن : بكثرة الدعاء في صلواته وخلواته فإن الدعاء هو العبادة وقال تعالى (وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) وقال صلى الله عليه وسلم (الدعاء هو العبادة).
وينبغي أن يكثر المسلم في هذا الشهر من الدعاء بتذلل وخضوع وخشوع لله تعالى وانكسار وإظهار الفقر والحاجة لله تعالى وأن يكون الداعي مستحضرا لقلبه غير غافل قد استجاب لله تعالى ولرسوله صلى لله عليه وسلم ظاهراً وباطناً وأطاب مطعمه ومشربه وملبسه غير داع بإثم ولا قطيعة رحم.
* عضو مجلس النواب
*الصحوةنت
- عباس النهاري
’’ليس بيننا وبين الله مسافات تقطع، إنما السير إلى الله سير قلوب’’ ورمضان فرصة سانحة للسير المخبت إليه تعالى وتقوية الصلة به، ويكون ذلك من خلال عدة أمور:
أولا : بتقوى الله تعالى وملازمتها في السر والعلن قال تعالى (واتقون يا أولي الألباب) وقال (إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) وقال (يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا) وقال (يا أيها الذين اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد).
وتقوى الله تعالى تعني طاعته وامتثال أمره واجتناب نهيه والوقوف عند حدوده والتحاكم إلى شرعه والحكم به والخوف منه سبحانه وتعالى والقيام بما افترض الله تعالى عليه ، وقال صلى الله عليه وسلم (اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن) رواه الترمذي.
ثانياً : بكثرة الصلاة من قيام ، وسنن ، ونوافل مطلقة ، وبالنسبة للقيام كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) متفق عليه ولكن هذا لا يدل على الوجوب أو أن الزيادة عليه أو النقصان منه لا يجوز كلا ، بل أجمع السلف كما قال ابن تيمية على أن قيام رمضان ليس فيه توقيت محدد ، فمن زاد على ذلك أو نقص منه فلا حرج عليه ، ويدل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صلاة الليل فقال مثنى مثنى) متفق عليه ، وقال لربيعة الأسلمي لما سأله مرافقته في الجنة : أعني على نفسك بكثرة السجود) رواه مسلم ، وقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة التراويح في رمضان وهي من قيام رمضان بقوله وفعله فقوله كحديث (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقد من ذنبه ) متفق عليه ، وفعله فإنه صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ثلاث ليال ثم لم يخرج عليهم في الليلة الرابعة خشية أن تفرض عليهم) متفق عليه.
وكان هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة القيام الإطالة دون التقصير تقول عائشة كان يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن) رواه مسلم وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعة بين السورتين من سور المفصل )رواه مسلم، وأما السنن فكان صلى الله عليه وسلم يحافظ على أربع قبل الظهر وركعتين بعدها ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين بعد العشاء ، وركعتين قبل الفجر ) متفق عليه وكان يقول (من صلى في يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعا بنى الله له بيتا في الجنة) رواه مسلم.
وأما النوافل المطلقة فكان يحافظ على ما كان له سبب منها كتحية المسجد ، وركعتي الطواف والوضوء ، وغيرها ، وكان يصلي في الغالب من الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله) رواه مسلم ، وكان صلى الله عليه وسلم يجد في الصلاة راحة وطمأنينة وانشراحاً ويؤيد هذا قوله (وجعلت قرة عيني في الصلاة) وكان يقول لبلال (أرحنا بها يا بلال) وإذا حزبه أمر صلى.
الثالث : بكثرة تلاوة القرآن الكريم وكان صلى الله عليه وسلم يتلوه في صلاته ويدارسه جبريل عليه السلام فكان يعرضه عليه في كل سنة مرة ، فلما كان العام الذي قبض فيه عرضه عليه مرتين) متفق عليه.
ورمضان شهر القرآن كما قال تعالى (شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) فينبغي الإكثار من تلاوته مع التدبر لآياته كما قال تعالى (كتاب أنزلناه إليك ليدبروا آياته) وقوله (أفلا يتدبرون القرآن) وقد ارشد النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر وبن العاص أن يقرأه أولا في شهر ثم تدرج معه أن يقرأه في عشرين ثم في سبع ثم في ثلاث وقال (لا يفقه من قرأ القرآن في اقل من ثلاث) ومن قرأ حرفا منه فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها.
الرابع : بكثرة الجود والإنفاق في سبيل الله من زكاة ، وصدقة تطوع ، ونفقة واجبة وتفطير الصائمين وغير ذلك من أنواع البر والإحسان ، قال ابن عباس رضي الله عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن فاذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة) متفق عليه.
الخامس : بالمحافظة على الصلاة في أوقاتها وحيث ينادى بها فإن الصلاة عمود الدين وأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين ، وهي أول ما يحاسب عليها العبد يوم القيامة من عمله فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله ، وسمى النبي صلى الله عليه وسلم تركها كفراً فقال (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) رواه مسلم وشرع عليه الصلاة والسلام أداءها في جماعة فقال (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة) متفق عليه ، وأنكر على المنافقين تخلفهم عن صلاة الجماعة وهم أن يحرق عليهم بيوتهم بالنار وقال (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) متفق عليه ، واستأذنه أعمى في أن يصلي في بيته فقال له ( أتسمع النداء؟ قال نعم قال : فأجب) رواه مسلم.
السادس : بالاعتكاف والاجتهاد في العشر الأواخر ، فقد كان صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره) رواه مسلم ، وكان إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله) متفق عليه ، ومن اجتهاده في هذه العشر أنه كان يعتكفها ، واستمر على ذلك حتى توفاه الله عز وجل ثم اعتكفها أزواجه من بعده) متفق عليه.
السابع : بالابتعاد عن مفسدات الصوم وسقط الأقوال والأفعال كالأكل والشرب والجماع وما في معناها في نهار رمضان ، وقول الزور ، والظلم ، والغيبة والنميمة ، وسماع آلات اللهو وسائر أنواع المحرمات قال صلى الله عليه وسلم (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) رواه البخاري.
الثامن : بكثرة الدعاء في صلواته وخلواته فإن الدعاء هو العبادة وقال تعالى (وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) وقال صلى الله عليه وسلم (الدعاء هو العبادة).
وينبغي أن يكثر المسلم في هذا الشهر من الدعاء بتذلل وخضوع وخشوع لله تعالى وانكسار وإظهار الفقر والحاجة لله تعالى وأن يكون الداعي مستحضرا لقلبه غير غافل قد استجاب لله تعالى ولرسوله صلى لله عليه وسلم ظاهراً وباطناً وأطاب مطعمه ومشربه وملبسه غير داع بإثم ولا قطيعة رحم.
* عضو مجلس النواب
*الصحوةنت