مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
أبوجهل يعيش بين أظهرنا
أبوجهل يعيش بين أظهرنا
*سعدالعواد
’’صهٍ أيها العبد الّلعين..ثكلتك الثواكل..تباً لك و لأم أنجبتك..إيتوني بالسوط’’... السيد يبرح ظهر عبده بعدة جلدات، ثم يركله بقدمه، ويلقي به على الارض...

مسلسل مصري

قد يتخيل البعض أن هذه الأسطر أتت من سيناريو لمشهد من مسلسل تاريخي (مصري) يصور بؤس حياة العبيد في الجاهلية؛ و لكن الذي يصعب أن يتبادر للذهن هو أن هذا المشهد المقيت يشبه إلى حد كبير مشهداً تعُستُ برؤيته في طريقي إلى الرياض قبل أيامٍ قليلة.

جمس يوكون 2009

توقفت عند أحد البوفيهات المتهالكة لأشتري كوبا من الشاي ينقذ أهدابي المنطبقة .. توقف أمام البوفيه جمس يوكون 2009 (سيارة تعكس مظهرا متحضرا).. ترجل من المقصورة الأمامية رجلان اعتم أحدهما شماغا و الآخر غترة، كانا ضخمي الجثة، عريضي المنكبين، عظيمي الكرشين.. فُتِحَ باب المقصورة الخلفية.. خرج منه رجل لا يقل عن صاحبية ضخامةً في الجثة أو عِظَماً في الكرشة، و لكنه كان يرتدي فنيلة داخلية (كت) و سروال ’’هاف’’ (مظهر يعكس تقهقرا حضاريا ويتضاد حتى النخاع مع السيارة 2009)...

غزو كغزو التتار أو أعنف!

اقتحم الثلاثة البوفية في مشهد ذكرني باقتحام التتار لبغداد، فبادر أبو ’’هاف’’ بالدخول إلى مطبخ البوفيه، و أخذ يصرخ في السوداني المسكين الذي يعمل في البوفيه بفضاضة وفجاجة و جعير تلاقى تردد ذبذباته مع تردد ذبذبات نهيق الحمير: ’’و ين المقلاية .. جيب الزيت .. وين البيض الله ياخذ هالـ... وين الملح يا...’’؛ و انهمك في اعداد طبق من البيض المقلي في مشهد أقل ما يوصف به أنه (التتار كانوا متمدنين عن كذا). الرفيقان الآخران انهمكا في صراخ و جعجعة و عربدة و طَفِقَا يُقَرِّعَانِ السوداني بعبارات نابية: ’’جيب نسكافيه يا... وين الشطة يا (شي).. و ين الخبز .. جبن جبن .. جبن ’’كروفت’’، ’’كروفت’’ .. ’’. حمل أبو ’’هاف’’ المقلاة و ألقاها أمام صاحبيه، و تداخلت الأيدي القذرة في صفحة المقلاة تلملم أهداب البيض المخبوص بلقم الخبز المنتوف في منظر أقل ما يوصف به أنه (’’ يحوم الكبد’’).

استغرقتني الاستفاقة من هول هذا الغزو التتاري للسوداني المسكين و بوفيته عدة دقائق، قلت بعدها للسوداني: ’’عطني بالله كاسة شاي و سندويش بيض’’؛ أجابني السوداني بوجه ملؤه الذعر و صوت خافت مرتعش: ’’انت شايف أخذوا المقلاية’’... أخذت كاسة الشاي و خرجت من البوفية و انا أدعو الله للسوداني أن يساعده في محنته ويفك كربته.

ما يسترعي السخرية

ما يسترعي السخرية هو أننا في المجالس و المحافل والمناسبات و اللقاآت و البيانات و الفضائيات نمعن في التذمر من خيانة العمالة، و سوء أدبهم، و شائن جرائمهم، و نكرانهم لمعروف استضافتنا لهم في بلدنا !! أي ستضافة؟! استضافة أبو ’’هاف’’ و ربعه!!

أعتقد أن علينا الاعتراف بأننا لسنا ملائكة؛ و أن جزءاً كبيراً من مشاكل العمالة عندنا يقع وزره على أكتافنا (غياب النهج الإسلامي في معاملة الأجير و غياب أبسط أبجديات التأدب و التحضر). هل نحتاج الى دليل لنتيقن من أن هذا السوداني – الضحية لسوء أدب بعضنا – سيعكس صورة غنية بالشوائن ومفعمة بالقذائع و غضة بالمعائب عن شعبنا عندما يعود إلى السودان؟

سكيورتي السفارة الأمريكية

لعل مشهد الغزو التتاري الذي تزعمه القائد المشبرم أبو ’’هاف’’ يفسر الأخلاق الدنيئة التي يعامل بها حراس الأمن (السكيورتي) الهنود في السفارة الأمريكية المراجعين السعوديين (تسفيل و نفترة و إذلال و احتقار و تهزيئ)؛ كأنهم يقولون (هذه بتلك).
*لجينيات
أضافة تعليق