ولم العَجَلة يا أخى ؟!
محمود القلعاوى
العجلة :- طلب الشيء أو فعله قبل أوانه ووقته اللائق به ، وهي من مقتضيات الشهوة ..
العجلة :- صفة مذمومة في أصلها ، الطلاق من ثمارها ، وقتل الأبرياء من آثارها ، واليأس من أضرارها ، وترك الدعاء من مظاهرها ، التعالم من نتائجها ..
العجلة :- إرادة تغيير الواقع في لمحة أو في أقل من طرفة عين ، دون النظر في العواقب ، ودون فهم للظروف والملابسات المحيطة بهذا الواقع ودون إعداد جيد للمقدمات والأساليب ..
العجلة :- من الشيطان فبها باب للشر على الإنسان من حيث لا يشعر بخلاف من تمهل وتروى عند الإقدام على عمل يريده ..
العجلة :- مدّ الإنسان بصره دائماً على ما وراء اللحظة الحاضرة ليتناوله بيده .. العجلة :- إرداة تحقق كل ما يخطر له بمجرد أن يخطر بباله..
العجلة :- التقدم بالشيء قبل وقته .. وضدها الأناة :- وهي التثبت وعدم العجلة ..
العجلة :- صفة جُبِلَ الإنسان وفطر عليها إلا أنَّ الله سبحانه وتعالى قد حذَّره منها كما قال ربنا تعالى :- ( خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ) سورة الأنبياء : 37 ..
ذم العجلة .. ولأن العجلة من مقتضيات الشهوة فقد ذُمت في القرآن الكريم ، ومن ذلك قوله تعالى :- ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ * أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ) سورة يونس :50 ، 51 ، وقوله تعالى ( وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ) سورة يونس : 11 .. وغيرهما من الآيات التي تبين قبح العجلة .. بل إن الله تعالى نهى نبيه صلى الله عليه وسلم عن العجلة بالقرآن :- ( وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) سورة طـه :114 ، وقوله تعالى أيضـًا :- ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) سورة القيامة :16 .. وبين تعالى أن العجلة من طبع الإنسان ؛ لتنبيهه على ضرورة التعامل بضدها، فقال عزَّ وجل: ﴿ وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً ﴾ سورة الإسراء: 11 ..
وأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالتأني في جميع الأمور، والتثبت منها، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ سورة الحجرات: 6 ..
وكما يقول الشهيد سيد قطب عن الإنسان والعجلة :- ( .. فالعجلة في طبعه وتكوينه ، وهو يمد ببصره دائمًا إلى ما وراء اللحظة الحاضرة يريد ليتناوله بيده ، ويريد ليحقق كل ما يخطر له بمجرد أن يخطر بباله ، ويريد أن يستحضر كل ما يوعد به ولو كان في ذلك ضرره وإيذاؤه ) .. في ظلال القرآن- ج 5/ ص 157).
يقول الأستاذ عصام ضاهر الكاتب المصرى المعروف :- ( والمرء إذا كان مستجيبـًا لطبعه منساقـًا وراء شهوات نفسه فكان عجولاً ، فإنه لا يكاد يعذر بخير ، بل ربما أدت عجلته إلى هلكته وسوء خاتمته ، كحالة هذا الرجل الذي قال عنه سهل بن سعد رضي الله عنه :- ( إن رجلاً من أعظم المسلمين غناءً عن المسلمين في غزوة غزاها مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فقال :- من أحبَّ أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا ، فاتبعه رجلٌ من القوم وهو على تلك الحال من أشد الناس على المشركين حتى جُرح فاستعجل الموت فجعل ذُبابة سيفه بين ثدييه حتى خرج من بين كتفيه ، فأقبل الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم مُسرعـًا فقال : أشهد أنك رسول الله ، فقال :- وما ذاك ؟ ، قال :- قلتَ لفلانٍ من أحبَّ أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه ، وكان من أعظمِنَا غنَاءً عن المسلمين ، فعرفتُ أنه لا يموت على ذلك ، فلما جُرح استعجل الموت فقتل نفسه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك :- إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة ، ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار ، وإنما الأعمال بالخواتيم ) متفق عليه .
وأما فى الدعاء .. والاستعجال مذموم عند الدعاء وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال :- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :- ( يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل ، يقول :- دعوتُ فلم يُستجب لي ) رواه البخاري ..
فكن على حذر أخي الكريم أن تقول: دعوت ودعوت فلم يستجب لي ، فتمل الدعاء وتركن إلى اليأس والقنوط ، واعلم أن كل داعي يستجاب له ما دام طيب المطعم والملبس ، وليعلم العبد أن في تدبير الله له كل صلاح ، وأن تدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه وما ثقل الدعاء على قوم، إلا حينما استبطأوا الإجابة وغفلوا عن الحكمة الربانية والإرادة الإلهية .. وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أنه قال :- سَمِعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لَمْ يُمجِّدِ الله ولم يُصَلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :- عَجِلْتَ أيُّها المُصلي ، ثم علَّمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يُصلي مجَّد الله وحمده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :- ادعُ تُجَبْ ، وسَلْ تُعْطَ رواه النسائي .
عجلة محمودة .. وأما العجلة فى الطاعة فمحمودة مطلوبة .. قال تعالى :- ( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) وقال :- ( وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) ومن قبل قال موسى :- ( قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ) .. وفي الحديث :- ( بادروا بالأعمال سبعاً :- هل تنتظرون إلا فقراً منسياً ، أو غنى مطغياً ، أو مرضاً مفسداً ، أو هرماً مفنداً ، أو موتاً مجهزاً ، أو الدجال فشر غائب ينتظر ، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر ) رواه الترمذي .. وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :- ( التُّؤَدةُ في كل شيء إلا في عمل الآخرة ) رواه أبو داود تعاستك فى عجلتك ..
والعجلة صفة تؤدي دائماً في ذاتها وآثارها إلى قلق الإنسان وانزعاجه .. وتورث الأسى والأسف في مشاعره وأحاسيسه والندامة من أعراضها ، وقد قال أبو حاتم :- ( العجل يقول قبل أن يعلم ، ويجب قبل أن يفهم ، ويحمد قبل أن يجرب ، ويذم بعدما يحمد، ويعزم قبل أن يفكر ، ويمضي قبل أن يعزم ) ، والعجل تصحبه الندامة وتعتزله السلامة ، وكانت العرب تكني العجلة :- أم الندامات ، وإن الزلل مع العجل ، والإقدام على العجل بعد التأني فيه أحزم من الإمساك عنه بعد الإقدام عليه .. وهى تورث أمراضاً وآثاراً نفسية منها :- القلق الذي ينتاب الإنسان في عجلته وسرعته ، والارتباك والنسيان ، والخوف من المجهول المترتب بسبب عدم وضوح الرؤية .. والمتطبع بالعجلة والسرعة في سلوكه الاجتماعي يكون حاداً متعصباً متكلفاً للأمور ..
علاج الإستعجال يقول الأستاذ الدكتور :- السيد محمد نوح رحمه الله فى كتابه آفات على الطريق فى سبل العلاج ولقد نقلناها باختصار قليل :-
1- إمعان النظر في الآثار و العواقب المترتبة على الاستعجال ، فإن ذلك مما يهدئ النفس ويحمل على التريث و التأني .
2- دوام النظر في كتاب الله عز وجل ، فإن ذلك يبصرنا بسنن الله في الكون وفي النفس ، وفي التشريع ومع العصاة و المكذبين و البصيرة بهذه السنن تهدئ النفس وتساعد على التأني والتروي ، قال الله تعالى :- ( ... سأريكم آياتي فلا تستعجلون ) ..
3- دوام المطالعة في السنة و السيرة النبوية ، فإن ذلك مما يوقعنا على مقدار ما لاقى النبي صلى الله عليه وسلم من الشدائد و المحن ، وكيف أنه تحمل ، وصبر ولم يستعجل ، حتى كانت العاقبة له ، وللمنهج الذي جاء به .
4- مطالعة كتب التراجم و التاريخ ، فإن ذلك مما يعرفنا بمنهج أصحاب الدعوات والسلف في مجابهة الباطل ، وكيف أنهم تأنوا وتريثوا حتى مكن لهم ، وهذا بدوره يحمل على الاقتداء و التأسي ، أو على الأقل المحاكاة و المشابهة على حد قول القائل :- فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالرجال فلاح.
5- العمل في أحضان وفي ظل ذوى الخبرة والتجربة ممن سبقوا علي الطريق فإن ذلك من شأنه أن يجعل خطوات العاملين دقيقة محسوبة وأن يوفر عليهم الكثير من الجهد والوقت وباقي التكاليف .
6- العمل من خلال منهاج و برنامج واضح الأركان محدد المعالم يستوعب الحياة كلها ويأخذ بيد العامل من طور إلى طور ومن مرحلة إلى مرحلة فيشبع تطلعاته ويجيب على تساؤلاته ويرفع من مستواه.
7- الفهم الدقيق لأساليب ومخططات الأعداء فإن ذلك من شأنه أن يحمل العامل على النظر في عواقب الأمور وعلى التريث والتأني والتصرف بحكمة وعلى بينة .
8- عدم الرهبة أو الخوف من تسلط الأعداء وإحكامهم القبضة على العالم الإسلامي لأن ذلك يمكن أن يزول في لحظات وما هو على الله بعزيز :- ( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد ) ..
9- مجاهدة النفس وتدريبها على ضرورة التريث والتأني والتروي .. فإنما الحلم بالتحلم ومن يتصبر يصبره الله والرجولة لا تكون إلا بذلك.
10- الانتباه إلى الغاية أو الهدف الذي من أجله يحيا المسلم ..فإن ذلك يحول دون الاستعجال ويحمل على إتقان المقدمات والوقوف عندها وعدم تجاوزها إلى النتائج .
11-الانتباه إلى موقف المسلم من المنكرات وأسلوب تغييرها فإن ذلك يبصره بمعالم الطريق ويحول بينه وبين الاستعجال .
تلك خطوات لابد منها على الطريق العلاج .
*ينابيع