عتاب للإخوان
عبد الحليم قنديل
27/07/2009
لا يملك أي شخص ـ له إدعاء ديمقراطي ـ إلا أن يقف مع جماعة الإخوان في مصر هذه اللحظة ضد الهجمة الأمنية الضارية، وضد حملات التشويه التي يتعرض لها قادة الإخوان من أبواق النظام المصري . والحملة الشرسة ليست جديدة على أي حال، فقد بدأت منذ أواسط التسعينيات بإحالة عدد من قيادات الإخوان لمحاكمات عسكرية، سبقتها قرارات وقوانين لإعاقة تقدم الإخوان في النقابات المهنية وعاء الطبقة الوسطى، وأعقبتها حملات اعتقال كانت تهدأ حينا وتثور أحيانا، لكنها تحولت إلى عادة مرعية منذ فوز الإخوان بخمس مقاعد البرلمان الرسمي في انتخابات 2005، وبعد أن جرى قبلها إحالة المهندس خيرت الشاطر ـ النائب الثاني لمرشد الإخوان ـ مع إخوانه لمحاكمات عسكرية، وبتهم لم تكن ترد في العادة ضمن الاتهامات النمطية للإخوان، ومن نوع غسيل الأموال، وهي التهمة السفيهة ذاتها التي تتردد الآن مع اعتقال د. عبد المنعم أبو الفتوح ـ عضو مكتب الإرشاد ـ وإخوانه .
ولا يخفى مغزى الحملات الظالمة، فالاعتقالات المتصلة ـ وبصورة شبه يومية ـ تستهدف إنهاك الجهاز التنظيمي لجماعة الإخوان، وبالتوسع في اعتقالات القيادات الوسطى، ثم الإغارات الانتقائية على عدد من القيادات العليا، ثم التخفي وراء إدعاءات غسيل الأموال للاستيلاء على كافة الشركات والنشاطات الاقتصادية المحسوبة على الإخوان، أو القريبة منهم، وبتجفيف منابع التمويل المحتملة، وهكذا تصادر حريات قادة الإخوان وتصادر أموالهم، ولمجرد كونهم إخوانا، وإعدام حرياتهم وحقوقهم المدنية، وتسهيل مهمة النظام السارق في شفط أموال الإخوان وأسرهم وأنصارهم .
ولا أحد يتوقع أن تتوقف الحملة الهمجية ضد الإخوان مع بقاء النظام الحالي، فلسنا ـ فقط ـ بصدد صدام سياسي مفهوم الدواعي، بل بصدد ’ صدام فيزيائي ’ إن صح التعبير، فوجود جماعة الإخوان في ذاته يضايق النظام ويستثير أعصابه، ربما لأن النظام انتهى إلى رأس معلق على خازوق أمني، وبلا قواعد اجتماعية ولا سياسية تسند، بينما الإخوان ـ على العكس ـ تتسع قاعدتهم الشعبية، وهذا التناقض الفيزيائي يجعل القاعدة الأمنية للنظام في صدام متصل مع قيادات الإخوان ذوي القواعد الشعبية، أي أنه تتم تصفية الحساب مع جماعة الإخوان أمنيا، وبقاعدة الشك الأمني، وليس بدواعي خلاف سياسي لا يبدو مطردا، وبهدف الإزاحة الفيزيائية قبل السياسية، وفي حمى الانتهاكات والاحتكاكات المتصلة، تبدو الأجهزة الأمنية وكأنها ترفع شعار ’ لا إخواني بعد اليوم ’ في أي مجلس تمثيلي، وأن السماح بوجود الإخوان في البرلمان كان خطأ لا يصح أن يتكرر، وقد جرى تطبيق القاعدة في كل الانتخابات الصورية التي تمت بعد تعديلات الانقلاب على الدستور في 26 آذار (مارس) 2007، والتي ألغت ضمانة الإشراف القضائي في نص المادة 88، فلم يسمح بنفاذ إخواني واحد في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى التي جرت في نيسان (أبريل) 2007، ولا بنفاذ إخواني واحد في انتخابات المحليات التي جرت في نيسان (أبريل) 2008 بعد تأجيلها لعامين، وفي انتخابات مجلس الشعب المقبلة، وسواء جرى تبكيرها، أو تأجيلها إلى موعدها المقدور في نهايات 2010، فلن يسمح ـ غالبا ـ بوجود إخواني واحد، وبحيث تجري انتخابات الرئاسة الصورية ـ بعدها بعام ـ في غيبة أي وجود برلماني للإخوان .
ورغم وضوح هذه الصورة لقيادات الإخوان، إلا أن بعضهم ـ للأسف ـ يتصرف، وكأنه لا يرى ما يجري، وتصدر عنهم تصريحات تسيئ للإخوان شعبيا، وكأنهم ـ دون أن يدروا ـ يساندون حملة النظام لإقصاء الإخوان عن أي فعل سياسي مؤثر، فعدد من قادة الإخوان يحدثونك عن استعدادهم لخوض انتخابات البرلمان المقبلة، وبرغم توافر المعرفة بصوريتها، وتزويرها التام، وبرغم الدراية المسبقة باستهداف إقصاء الإخوان برلمانيا، والأعجب أنهم يصورون المشاركة في الانتخابات المزورة كواجب ديني، وهنا وجه للعتاب، فلا قيمة لخوض انتخابات مزورة بدعوى فضح النظام، فالنظام مفضوح بما يكفي، وهذه حقيقة معلومة للقاصي والداني في الدنيا كلها، والمشاركة في ’ انتخابات مشفرة ’ كهذه لا يعني سوى إضفاء الشرعية عليها، والإيهام بجديتها، وغش الناس، وتزييف وعيهم بحقيقة ما يجري، ثم أن بعض قادة الإخوان يصرون على الخطأ الأفدح، ويصورون فكرة التظاهر والمقاومة المدنية والعصيان السلمي كعمل غير أخلاقي، ولا تعدم من يقول لك ـ في تصريحات منشورة ـ أنه ليس من أخلاق الإخوان النزول إلى الشارع، ولا حتى الضغط بتحركات الشارع لإطلاق سراح معتقليهم، وكثيرا ما نسبت مثل هذه التصريحات إلى مرشد الإخوان الأستاذ مهدي عاكف، أو إلى نائبه الأول الدكتور محمد حبيب، ثم تأتي تعقيبات تزيد الأمر اضطرابا والتباسا، ومن نوع الحديث عن استعداد الإخوان للموافقة على توريث الرئاسة لجمال مبارك بشرط تحسين ظروف الانتخابات، وأظن أن هذا الكلام ـ وما يشبهه ـ مما يسيئ لصورة الإخوان سياسيا، ويستثير موجات من الغضب ـ المكتوم غالبا ـ في قواعد الإخوان وصفوف قياداتهم الوسطي، صحيح أن حملة الاعتقالات الأمنية تحجب هذه التفاعلات جزئيا، وصحيح أن مبدأ الطاعة ـ المعمول به إخوانيا ـ يحجب حق النقد المفتوح للقيادة، وكلها دواعي تسهم في تضبيب صورة الإخوان، ومع التسليم بقاعدة أن سياسة الإخوان يحددها الإخوان، فإن واجب النصح للإخوان يستدعي العتاب المرير، وقد شاركت في حوارات مع أغلب قيادات الإخوان، وعبرت عن اعتقادي بخطأ نظرة الإخوان للانتخابات وللعصيان السلمي، وأن الثمن المدفوع أمنيا في الحالين واحد، ومع فارق ظاهر، وهو أن مشاركة الإخوان في العصيان السلمي أجدى نفعا، ثم أنها أكثر أخلاقية، وأن المشاركة في عمليات انتخاب مزورة تعني انعدام الاخلاق فوق قلة العقل، وأنه لا مصلحة للإخوان في استجداء المصالحة مع النظام القائم، ناهيك عن السعي لعقد صفقة لتسهيل جريمة التوريث، فالنظام الحالي ـ في نسخة الأب أو نسخة الابن ـ لا يريد صفقة مع الإخوان، ويستخدمهم ـ فقط ـ كفزاعة لإخافة رعاته الأمريكيين والإسرائيليين، ولايريد منهم غير الطاعة وضمان التأييد الآلي بلا ثمن مقابل، ومع إطلاق يده الأمنية في دهس الإخوان واعتقالهم في أي وقت يريد، ودون رد فعل من جانب الإخوان .
وربما الأغرب، أن الإخوان يطبقون ـ بانتظام ـ قاعدة إذا ضربك النظام على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر، وكأنهم يستعذبون العذاب، ويستمرئون دور الضحايا، وهو ما بدا ملفتا مع اعتقال القيادي عبد المنعم أبو الفتوح بالذات، فأبو الفتوح واحد من أصلب قيادات الإخوان، وأكثرهم انفتاحا على تيارات حركة الوطنية المصرية، وهو من الموقعين الأوائل على البيان التأسيسي لحركة كفاية، وآراؤه قاطعة في رفض التمديد للأب أو التوريث للابن، وفي الدعوة لائتلاف وطني وعصيان مدني شامل، وكلها دواعي لاضطهاده بالذات من قبل النظام، وأخشى أنها ذات الدواعي التي قد تفسر تردد بعض قادة الإخوان في نصرته، والاكتفاء بتصريحات التراخي.
’ كاتب مصري
.القدس العربي