مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
حرية التعبير بين التسلط والتفلت!!
حرية التعبير بين التسلط والتفلت!!
عبدالفتاح البتول

الحرية ليست هبة من الحاكم ولا منحة من السلطة، كما أنها ليست من الكماليات والجماليات وإنما من الأساسيات والضروريات، والحرية هي فطرة الله التي فطر الناس عليها، وجميع الناس ولدوا أحرارا ومتساوين، والإسلام جاء لتحرير الناس من الخرافات والأساطير وتحرير العقل من الاستلاب والاختلال، والدعوة لإعمال العقل والتفكير والتدبر والتعقل، والاجتهاد والبحث والتحليل والاستنباط والاستدلال وتكوين رأي واعتناق فكر ومنهج ومعتقد، والدفاع عنه والتدليل والبرهنة عليه، والمجادلة والمناقشة والمحاورة.. والأخذ والرد والحذف والإضافة، بلا إكراه ولا إرهاب ولا استبداد بالرأي، فلا إكراه في الرأي وإنما حوار ومحاورة وجدال ومجادلة، وحرية الرأي والتعبير عنه ليست مسألة جديدة ولا قضية مستجدة، قد تكون أساليب ووسائل التعبير عن الرأي تتجدد وتتطور وتتعدد ولكن تبقى حرية الرأي والتعبير من الحقوق الأساسية سواء كان التعبير عنه بقصيدة شعرية أو مقطوعة نثرية، أو مقالة صحفية أو خطبة مسجدية أو في وسيلة أخرى من وسائل الإعلام والنشر المكتوبة والمسموعة والمرئية والورقية أو الالكترونية كلها وسائل للتعبير عن الرأي.

وحرية الصحافة جزء من حرية الرأي، والصحيفة واحدة من وسائل التعبير عن الرأي، لاجل ذلك ينبغي علينا جميعاً العمل على تجذير وترسيخ حرية الرأي كمبدأ وقيمة وحق للجميع، بل وأن تكون حرية التعبير جزءا لا يتجزأ من منظومة الحريات العامة أما فصل حرية التعبير عن الحريات العامة، ثم فصل حرية الصحافة عن بقية حريات التعبير والرأي فهذه ممارسات خاطئة تصر بالحرية في أساسها وتهدد حرية الرأي وحق التعبير، والأخطر والأعجب أن تدعو لتوسيع دائرة حرية التعبير من خلال الصحافة، في الوقت الذي تدعو للتضييق على حرية التعبير من خلال الخطابة مثلاً، هذا تناقض وتطفيف (ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون).

إن حرية الرأي والتعبير عنه شرعاً ودستوراً وقانوناً حق لجميع المواطنين بلا استثناء، والضوابط والقيود التي تنظم حق الرأي والتعبير تشمل الجميع، فالمقالة الصحفية رأي والخطبة المسجدية والفتوى الشرعية والمحاضرة والندوة والكتاب والرسالة والرسم والتصوير والقصيدة والقصة والرواية.. الخ، كلها آراء تعبر عن أصحابها وتكون ملزمة لقائلها وصاحبها وغير ملزمة للآخرين، حتى الفتوى تعتبر رأيا غير ملزم للأخر إلا إذا اقتنع بها وصدقها، بخلاف الأحكام الثابتة وبصورة قطعية في الكتاب والسنة فإنها ملزمة لكل مسلم، أما الفتوى الآنية وإذا لم تكن نقلا لحكم ثابت فأنها تبقى في دائرة الرأي والاجتهاد، ومثلما ندعو ونطالب بوضع ضوابط للفتوى وشروط للمفتي، كذلك الأمر بالنسبة للمقال الصحفي يحتاج ضوابط تنظمه وشروط لصاحبه وكاتبه، مثل الصدق والأمانة والموضوعية والانصاف والعدل وبذل الجهد وإعمال العقل والتثبت وعدم التهور، ومن العجيب أن بعض الخطباء والوعاظ يطالبون بوضع حد وقيود على الصحافة والصحفيين في الوقت الذي يقومون بممارسة الإساءة والتجريح والطعن ومخالفة النظام والدستور بل والشرع في خطبهم ومحاضراتهم وآرائهم التي يصدرونها وينشرونها على أساس انها فتوى شرعية وأنها مأخوذة من الكتاب والسنة!! كما يفعل الغلاة في مراكزهم الدعوية سواء كانوا غلاة من الناحية العلمية والنظرية أو الغلاة في الجوانب العملية والذين يسفكون الدماء ويزعزعون الأمن والاستقرار بفتاوى خاطئة واجتهادات باطلة.

وفي المقابل نجد بعض الصحفيين يطالبون بوضع حد وضوابط وقيود على الخطباء وطلاب العلم والدعاة سواء كانوا معتدلين أو متشددين، المهم المضايقة والتضييق على ما يسمونه بالخطاب الديني والتطرف والغلو والتشدد، وترى المقالات والكتابات التي تدعي محاربة الغلو والتطرف والتشدد والعنف، وتكون هذه المقالات والكتابات في غاية التطرف والغلو والتشدد المقابل وحتى العنف اللفظي والإساءة للأفراد والأشخاص والسخرية من بعض الثوابت والفرائض.

* * *

وفي إطار العمل الصحفي والعلاقة بين الصحف الرسمية والحزبية، نجد استخدام الحرية وحرية التعبير في غير مكانها المناسب، فليس من الحرية والشجاعة أن تقوم صحف السلطة بالهجوم والإساءة لأحزاب المعارضة وقادتها وصحفها وكذلك الأمر عند صحف المعارضة التي تكيل التهم وتصدر الاحكام ضد السلطة بالحق وبالباطل، وتبرز حرية الرأي والتعبير عندما يلتزم الصحفي الصدق والموضوعية والانصاف والعدل مع ذاته ومع الآخرين، وعندما يمارس النقد البناء ويقدم النصيحة الصادقة وقبل ذلك ممارسة النقد الذاتي فالتحدي والشجاعة تبرز عندما يقوم الصحفي في المعارضة بنقد حزبه والحديث عن أحزاب المعارضة بصدق ووضوح دون مبالغة ولا تزييف، وكذلك الأمر عند الصحفي في الصحف الرسمية أو صحف الحزب الحاكم، متى استطاع نقد الحكومة والحديث عن أخطاء وعيوب الحزب الحاكم وفي هذا الإطار فلست مع ثنائية السلطة والمعارضة عند الحديث عن الحريات الصحفية وحرية التعبير، فالحرية للجميع سلطة ومعارضة ومستقلين وكل المواطنين، والسلطة ليست الوطن والمعارضة ليست المواطن، والسلطة والمعارضة جزء من الوطن وبعض من المواطنين والمشكلة أن الوطن والمواطن في الغالب غائب في المشهد السياسي والصحفي والإعلامي وقلما تجد الوطن وهموم المواطن والولاء الوطني، وأنا هنا لا أشكك بوطنية وبولاء أحد ولكني أتحدث عن واقع يضعف فيه الولاء الوطني ويبرز الولاء السلطوي والحزبي والقبلي والطائفي والسلالي والمناطقي والمصلحي وتظهر بسبب ذلك المشاريع الصغيرة والمصالح الشخصية وتنشر ثقافة المغالاة والانقسامات والتطرف والفساد والانحراف الفكري والوطني، وبالتالي غياب وتواري المشروع الوطن الجامع والصادق.

إن الكلمة المنفلتة والغير مسئولة قد تؤدي إلى نشوب حرب والمقالة الطائشة مثل الرصاصة الطائشة، سواء كانت هذه المقالة أو الكلمة في صحيفة رسمية أو حزبية أو أهلية، فالكلمة أمانة والحرية مسؤولية وإذا كان لكل شيء ضد، فللحرية اضداد كما يذكر الدكتور أحمد الريسوني فالتسلط والاستبداد أو القهر والاستغلال والاستعباد والاغلال كل هذه اضداد للحرية وكذلك التسيب والتحلل والفوضى والاستهتار كلها اضداد للحرية ونقائض ونواقض لوجودها وممارستها، ولدينا ممارسات استبدادية وأخرى استهتارية وكلها موجه ضد الحرية والتي هي الضحية لقيام البعض في السلطة والمعارضة والصحافة الأهلية، وأقول البعض ممن يقومون باستغلال حرية التعبير وتعدد الصحف وتنوع وسائل الإعلام والتعبير، لست مع حجز أو توقيف الصحف وإنما مع توسيع دائرة الحرية والمزيد من الديمقراطية وترسيخ التعددية، مع الالتزام بالضوابط الدستورية والقانونية وأخلاقيات المهنة، أقول هذا من باب التواصي بالحق والنصح والانصاف والعدل (اعدلوا هو أقرب للتقوى) فلا يجرمنكم شنأن والخلاف مع الآخرين بالعدل معهم، والمشكلة أن كل حزب أو طائفة أو جهة من السلطة أو في غيرها كل طرف يتغاضى عن أخطائه ويحرص على تبريرها وتسويغها ودفنها بل وفي بعض الأحيان يدافع عن هذه الأخطاء ويحولها إلى مكاسب وإيجابيات، بينما يترقب كل طرف أي زلة أو خطأ أو غلطة عند الأخر وتكبيرها والمبالغة والزيادة عليها، والله عز وجل يقول (يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنأن قوم على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) المائدة -الآية 8.

وفي هذه الآية منهج عظيم يجعل العدل لازماً أصيلاً ومنهجا دقيقا للقسط والعدل والانصاف مع القريب والبعيد وينهى عن كل صور الجور والظلم مع كل احد.. كم نحن بحاجة للتجرد والانصاف والاتزان ووضع الأمور في نصابها، أو على الأقل نقترب من هذه المعاني والمبادئ ونبذل الجهد للقيام والالتزام بها بعيداً عن التعصب للرجال والمذاهب والأحزاب، والتقليد والتعصب والدوران حول الأشخاص والأشياء نتائجها وخيمة وأثارها كارثية.

.ناس برس
أضافة تعليق