الإخوان المسلمون من الفهم العميق
أ/اسماعيل حامد
تهيئة بينما كان المسلمون يتخبَّطون في الجهل والظلام، حينما انزوى مفهوم الإسلام الشامل وانحصر مكانه الفعلي ليصبح في المسجد فقط، ولم يعُد له مكانٌ في توجيه الحياة ، وبينما كان المسلمون يترنحون من جراء السقوط المدوي للخلافة الإسلامية ، والذي أدى إلى ضياعِ هوية الأمة، وفقدانِها لمصدر عزتها، وافتقادِها لمعالم المشروع الحضاري لنهضتها وقيامها بدورها الرائد في الشهادة على الناس ، ووسط هذا الظلام الدامس ، يأتي شاب في الحادية والعشرين من عمره قد ارتوى من النيل ماء عذبا فراتا ، ومن الإسلام هديا ونبراسا ، ومن القرآن شرعة ومنهاجا ، فيخاطب قومه ’’ يا قومنا إننا نناديكم والقرآن في يميننا والسنة في شمالنا وعمل السلف الصالحين من أبناء هذه الأمة قدوتنا ، نناديكم إلى الإسلام وتعاليم الإسلام وهدي الإسلام ’’ ’’ الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة ، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء ، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى ، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة ، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء ’’، فأسس دعوة الإخوان على ركائز ثلاث من (الفهم العميق والتكوين ا لدقيق والعمل المتواصل )، فتأتي هذه السلسلة لنتناول فيها بشئ من الإيجاز غير المخل ، هذه الركائز الثلاث .
أفهام مغلوطة قبيل ظهور دعوة الإخوان ، كانت الأمة الإسلامية قد وصلت إلى حالة بعيدة من الفوضى الفكرية وخلل كبير في الفهم ، تمثل في صور شتى وفرق عدة ، فريق اختلط عليهم ما هو أصل بما هو فرع ، و فريق تصلب لفروع حاربوا من إجلها إخوانهم المسلمين ، وثالث ضيعوا أصولا وحاربوا من دعاهم إليها ، وآخر قصر الدين على بعض الشئون ، وخامس فهم أن الإسلام هو كل ما هو شديد فشددوا على أنفسهم وعلى الناس ، وفريق تساهل في كل شئ ، وسابع تسرع في الكفر والتكفير ، وآخر اعتقد أن للقرآن باطنا يخالف الظاهر ، وتاسع انطلق من خلال مفهوم خاطئ للولاية ، وبالتالي تنوعت أفهام الناس عن الإسلام على أنه :
حدود العبادة الظاهرة ، أو الخلق الفاضل أو الروحانية الفياضة ، أو الغذاء الفلسفي للعقل والروح ، أو المعاني العملية الحيوية ، أو العقائد الموروثة والأعمال التقليدية ، هذه هي نظرة الناس وفهمهم للإسلام الحنيف ، فظهرت كما يقول أ/ جمعه أمين دعوات كثيرة تفتقد الى الفقه الدقيق والفهم العميق وكان منها ، من يتستر خلف شئ من الهدي الظاهر، ويهمل التكاليف الحقيقية الشاقة الطويلة الغالية الثمن ويحصر دعوته في ذلك ويقصرها على رواد المساجد ، ينتفض ا نتفاضة الأسد إذا انتقص فضل ، ويغمض عينيه إذا هدم فرض وأزيل واجب ، ومن يرى نصرة الإسلام في الخروج في سبيل الله لدعوة الناس لبعض العبادات من صلوات وأذكار ودعوات رقيقة وحسن وضوء وتلاوة قرآن ، ومن تشدد وتعسف ، وأفرط وغالى ، فقطع الأوصال والارحام ، وحارب في غير ميدان ، وفاصل الجميع وساواهم بالكافرين ، واختلط عليه الولاء والبراء ،وقد أحسن الإمام البنا وصف حال المسلمين مع الإسلام بقوله ’’ خلعوا عن الإسلام نعوتاً وأوصافاً ورسوماً من عند أنفسهم، واستخدموا مرونته وسعته استخدامًا ضارًّا مع أنها لم تكن إلا للحكمة السامية، فاختلفوا في معنى الإسلام اختلافًا، وانطبعت للإسلام في نفس أبنائه صور عدة تقرب أو تبعد أو تنطبق على الإسلام الأول الذي مثله رسول الله وأصحابه خير تمثيل ’’ وجاء الإخوان في موعد مع القدر ، وفي ظل هذا المناخ المتردي الذي ضاع فيه الإسلام وفهم على غير مقاصده ، جاء الامام البنا ، وكأن الله عز وجل قد ألهمه الطريق الصائب لنفض الغبار عما علق بمفهوم الإسلام في الأذهان، وإبراز صورته الصحيحة الشاملة المتكاملة ، وكما يقول أحد تلامذته أ/ طلعت الشناوي ’’ جاء الإمام جامعاً بين الفهم الشامل الصحيح للقرآن ولهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبين الدراسة العميقة للتاريخ وتجاربه ، ولسنن الله فى التمكين ، وكذلك البصيرة النافذة لواقع الأمة الإسلامية وتشخيص دائها ومعرفة وسائل العلاج وأولوياته’’ ، فأعاد الإمام البنا بدعوته المتكاملة هذا الفهم السليم الذي كاد أن يندثر ، وحملت الجماعة هذا الفهم ودعت إليه ، وتحملت في سبيل تثبيته في المجتمع الكثير من المحن والابتلاءات والدماء والشهداء ، فكم من دماء سفكت وأطفال يتمت ونساء رملت وأمهات ثكلت حتى ثبت هذا الفهم عبر هذه السنين الثمانين ، ففى زمن اختلطت فيه الغايات ما بين المادية الطاغية والشهوات الهابطة والرغبات الدنيئة ، ردد الإخوان ’’الله غايتنا’’ ، وفى زمن غابت فيه القيم واعتلى دائرة المثل الأعلى أسافل الناس هتف الإخوان ’’ الرسول قدوتنا’’ ، وفى زمن تزاحمت فيه المناهج والأفكار والشرائع والقوانين ، أعلن الإخوان ’’القرآن دستورنا ’’ ، وفى زمن تفرقت فيه السبل مابين مسالك الشيطان ودروب الهوى ، جهر الإخوان ’’الجهاد سبيلنا’’ ، وفى حين داعبت الغفلة الأمانى واستولت الشهوات على القلوب نطقت أفئدة وأرواح وألسنة الإخوان ’’ الموت فى سبيل الله اسمى امانينا ’’ ، ومضت الدعوة قوية شامخة بهذا الفهم ، رغم مرور ما يقارب ثمانين عاما ، إلا أنها ماضية فى طريقها على نفس المبادئ ، لم تنحرف أو تتبدل أو تنطفئ شعلتها أو تنكس رايتها ، برغم كل المحن والمؤامرات وكل المعوقات والتضييق والإيذاء ، وتتوالى الأجيال وتتلاحم فى هذه الدعوة وهى على نفس الدرب والمبادئ والأهداف التى تجاهد من أجلها ، حتى أصبحت هى الطليعة الرائدة فى ميدان المعركة بين الإسلام والباطل ، وأصبحت – بفضل الله – أمل الأمة الإسلامية فى مشارق الأرض ومغاربها لتقودها لاستعادة مجدها بإذن الله .
نرى ذلك بعين اليقين ، فندرك أن ذلك بفضل الله وبركته ورعايته لهذه الدعوة ، وندرك أيضا مدى قوة التأسيس ، والتربية وإعداد الرجال فى هذه الجماعة على يد الإمام الشهيد ، والرعيل الأول. إسلامنا جاء الإمام البنا وحال الأمة في فهم الإسلام على ما سبق بيانه ، فجعل قوله تعالى ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيْلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيْرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِيْ﴾ (يوسف: 107) منطلقا لدعوته ، فبين أن إسلام الإخوان المسلمين قائم على ركائز ثلاث ، يعتقدها الإخوان ويؤمنون بها ويعملون ويدعون ويضحون في سبيلها :
1- يعتقد الإخوان المسلمون أن أحكام الإسلام و تعاليمه شاملة تنتظم شؤون الناس في الدنيا و الآخرة ، وأن الذين يظنون أن هذه التعاليم إنما تتناول الناحية العبادية أو الروحية دون غيرها من النواحي مخطئون في هذا الظن ، فالإسلام عقيدة و عبادة ، ووطن و جنسية ، ودين ودولة ، وروحانية وعمل ، ومصحف وسيف ، فأيقن الإخوان أن الإسلام هو هذا المعنى الكلي الشامل، وأنه يجب أن يهيمن على كل شؤون الحياة وأن تصطبغ جميعها به و أن تنزل على حكمه ، وأن تساير قواعده و تعاليمه و تستمد منها ما دامت الأمة تريد أن تكون مسلمة إسلاما صحيحًا .
2- يعتقد الإخوان المسلمون أن أساس التعاليم الإسلامية و معينها هو كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم ، اللذان إن تمسكت بهما فلن تضل أبدا ، و أن كثيرا من الآراء و العلوم التي اتصلت بالإسلام و تلونت بلونه تحمل لون العصور التي أوجدتها و الشعوب التي عاصرتها، و لهذا يجب أن تستقي النظم الإسلامية التي تحمل عليها الأمة من هذا المعين الصافي معين السهولة الأولى ، وأن نفهم الإسلام كما كان يفهمه الصحابة و التابعون من السلف الصالح رضوان الله عليهم ، وأن نقف عند هذه الحدود الربانية النبوية حتى لا نقيد أنفسنا بغير ما يقيدنا الله به ، و لا نلزم عصرنا لون عصر لا يتفق معنا.
3- يعتقد الإخوان المسلمون أن الإسلام كدين عام انتظم كل شئون الحياة في كل الشعوب و الأمم لكل الأعصار و الأزمان ، جاء أكمل و أسمى من أن يعرض لجزئيات هذه الحياة وخصوصًا في الأمور الدنيوية البحتة.
ومن هنا أدرك الإخوان بأنه لا يمكن أن ينصلح حال الأمة إلا إذا صلح تَصوُّرُها عن دينها أولاً، وأنه منهجٌ متكاملٌ للحياة ، وصالح لكل زمان ومكان ، ولقد صدق الإمام البنا حينما بين أن دعوة الإسلام بهذا الفهم ’’ قد امتدت طولا حتى شملت آباد الزمن ، وامتدت عرضا حتى وسعت آفاق الأمم ، وامتدت عمقا حتى استوعبت شئون الدنيا والآخرة ’’ .
فهم الإخوان كانت انطلاقة الإمام البنا ، وكانت كلمات المؤسس رحمه الله ’’ ولكننا أيها الناس فكرة وعقيدة ، ونظام ومنهاج ، لا يحدده موضع ولا يقيده جنس ولا يقف دونه حاجز جغرافى ولا ينتهى بأمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها ذلك لأنه نظام رب العالمين ومنهاج رسوله الأمين ’’ والتي على أساسها تحركت دعوة الإخوان ، فغرست عبر 80 عاما في نفوس الإخوان وأبناء الأمة جميعا ، أن الفهم الصحيح الشامل هو محور الارتكاز، وهو العامل الأساسي الذي يجب توفره من أجل سلامة المسير، وأنه المشرب الذي يستقي منه أبناء الدعوة ، وأن المخلص العامل الذي لا يحسن الفهم الصحيح، ولا يُنزِل الأمورَ منازلها قد يضل ضلالاً كبيرًا، والخوارج أكبر دليل عملي على ذلك ، وأن الفرق بين الحفظ والفهم كالفرق بين الجسد والروح، فالحفظ جسد والفهم روحه ، وأن العبرة ليست بكثرة المعارف والمحفوظات والأعمال، وإنما العبرة بجودة الفقه وصحة الفهم وسلامة الإدراك ، وأن التمكين لدين الله لن يتم إلا على أساس الفهم الصحيح الشامل للإسلام الذي جاء به الحبيب محمد- صلى الله عليه وسلم- دون تحريف أو تقصير أو اجتزاء ، وأن الإسلام لا يمكن تطبيقه وتحقيقه في أرض الواقع بفهم ناقص أو بفهم قاصر أو بفهم منحرف أو فيه خطأ في التصور والاعتقاد ، وأن الفهم الصحيح يمهد الطريق للعمل الجاد على بصيرة، وأن صاحب الفهم الصحيح صاحب بصيرة نافذة ووعي تام ، وأن الفهم الصحيح هو مرجعيتنا عند الاختلاف أو بروز صورة للانحراف عنه ، وأن الفهم الصحيح للإسلام ضد الفهم الضيق الذي يحصر الإسلام في جانب أو ناحية أو جزء منه، فالإسلام كلٌّ لا يتجزأ ، وأن الدعوة للإسلام لا يصلح معها إكراه، ولا تنتشر بإجبار، ولا تستمر بضغط، بل هو فهم وإدراك وإقناع ، و أن الفهم الصحيح للإسلام ضابط لكل عمل ولكل اجتهاد ولكل خلق وسلوك من أن ينحرف بصاحبه عن الجادة ، واستمرت مسيرة دعوة الإخوان عبر 80 عاما وهي على هذا الفهم في حدود أصول الفهم العشرين التي وضعها الإمام البنا، والتي تهدف إلى: إدراك الفهم الصحيح للإسلام، العمل الراشد للإسلام والتجمع حوله، والحذر من خط الانحراف، وجمع المسلمين على فهم واحد، وتضييق شقة الخلاف بين العاملين للإسلام ، وأن واجبنا هو السعي لإحياء الفهم الذي كاد أن يندثر .
فوائد جمة لله در ابن القيم رحمه الله حين قال ’’ صحة الفهم نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده فيميز به بين الصحيح والفاسد ، والحق والباطل ، والهدى والضلال ’’ ، ومن هنا أدرك الإخوان أن للفهم فوائد جمة ، وثمارا يانعة ، على الفرد والجماعة والأمة والمجتمع ومن ذلك :
1- يحفظ للجماعة خطها الإسلامي الصحيح، وينفي عنها خبثها ومحاولات الالتفاف عليها.
2- يمنع ظهور المدارس الفكرية المتعددة داخل مدرستنا الدعوية الموحدة، بل هو مشرب واحد ومنبع واحد.
3- يمنع كل ما هو دخيل على الإسلام أن يلحق به، ولا يسمح بأي فكرة مناهضة بسبب عاطفة أو تساهل في إحداث بلبلة داخل الجماعة المباركة.
4- يعين على حسن التطبيق، ويعين على سلامة العمل، ويقي من العثرات .
5- يحمي المسلم والجماعة والأمة من الخطأ والانحراف في التصور والاعتقاد والسلوك .
6- يحرر العقيدة من زيف الجمود وما يمكن أن يداخلها من أوهام وشبهات.
7- يكسر الجمود الذي أصاب العقل بالتقليد وغلق باب الاجتهاد على السواء.
8- يحمي المسلم من اتباع الهوى والظن أوالانحراف، ويعينه على تحديد إطار الفهم السليم بعيدًا عن الغلوِّ والتجاوز.
مجالات الفهم حينما قال الإمام البنا في رسالة المؤتمر الخامس ’’ إن ميدان القول غير ميدان الخيال ، وميدان العمل غير ميدان القول ، وميدان الجهاد غير ميدان العمل ، وميدان الجهاد الحق غير ميدان الجهاد الخاطئ ’’ أدرك الإخوان المسلمون عبر تاريخهم الطويل أن العاملين للإسلام بحاجة إلى الفهم الصحيح ، من أجل تصحيح المسار ، حتى نوجد الإسلام في أرض الواقع بصورة صحيحة ، فقد يصح فهم المسلم لغايته ويخطئ في الوسيلة أو إسلوب التغيير ، وقد يصح له ذلك فيخطئ في المنهاج الذي يسير عليه ، أو في إحدى طرائق الدعوة أو التربية ، ولذلك أيقن الإخوان أن المجالات التي يجب ان نعمل فيها الفهم هي (الغاية التي نسعى لها- الوسيلة التي نستخدمها- التغيير الأمثل الذي نسلكه- المنهاج الصحيح الذي نعتمده- الهوية التي يجب أن نحملها- الجهاد الحق الذي نشعله- طرائق الدعوة والتربية التي ننتهجها.. إلخ).
محطات هامة
1- الفكرة الجيدة عند الإخوان يتوقف نجاحها على أمور ثلاثة ( أن يتصورها أهلها تصورا صحيحا ، أن يؤمنوا بها إيمانا عميقا ، أن تجتمع قلوبهم عليها اجتماعا قويا ) .
2- الفهم الصحيح يتطلب ( الإيمان بهذا الفهم الصحيح الشامل - العمل به - دعوة الناس جميعًا إليه - حمل الناس جميعًا على العمل به ) وأن نتحمل في سبيله ما قد نلاقيه .
3- معوقات أمام صحة الفهم ( النظرات الجزئية المتناثرة - السطحية في التفكير - اهدار الوقت والموارد - الخلط بين الوسائل والغايات )
4- الفهم الصحيح الشامل يعاني من ( تحريف الغالين - انتحال المبطلين - تأويل الجاهلين ) .
5- يجب علينا ( تحري الوقوع في الخلط والغلط - التزام الفهم السليم دون إفراط أو تفريط او مغالاة او نقص ) 6- الانحراف عن الفهم الصحيح للإسلام سببه ( جهل أو اتباع الهوى ، أو إعجاب برأي ، أو تأويل خاطئ، أو جعل القرآن تابعًا لا متبوعًا) . نتيجة الفهم كانت النتيجة الطبيعة لهذا الفهم الصحيح الشامل عبر سنوات الدعوة الثمانين ، أن كان الإخوان المسلمون جماعة تلتقي عندها آمال محبي الإصلاح، والشعوب المستضعفة، والمسلمين المصادرة حقوقهم ، فهم
1- دعوة سلفية، إذ يدعون إلى العودة إلى الإسلام، إلى معينه الصافي، من كتاب سنة الصلاة .
2- طريقة سنية: لأنهم يحملون أنفسهم علي العمل بالسنة المطهرة في كل شيء، وبخاصة في العقائد والعبادات ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً.
3- حقيقة صوفية: إذ يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، وسلامة الصدر، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب في الله، والأخوة فيه سبحانه.
4- هيئة سياسية: لأنهم يطالبون بإصلاح الحكم في الداخل وتعديل النظر في صلة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم في الخارج، وتربية الشعب على العزة والكرامة والحرص عليى قوميته إلي أبعد حد . 5- جماعة رياضية، يعتنون بالصحة، ويعلمون أن المؤمن القوي هو خير من المؤمن الضعيف، وأن تكاليف الإسلام لا تُؤدى إلا بالجسم القوي، والقلب الذاخر بالإيمان، والذهن ذي الفهم الصحيح.
6- رابطة علمية وثقافية، فالعلم في الإسلام فريضة يحض عليها، وعلى طلبها، ولو كان في الصين، والدولة تنهض على الإيمان.. والعلم.
7- شركة اقتصادية، فالإسلام يُعنَى بتدبير المال وكسبه، والنبي-صلى الله عليه وسلم- يقول: ’’نعم المال الصالح للرجل الصالح’’ و(من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفورًا له).
8- فكرة اجتماعية، يعنون بأدواء المجتمع، ويحاولون الوصول إلى طرق علاجها وشفاء الأمة منها. وهكذا نرى أن شمول الإسلام قد أكسب فكرتنا شمولاً لكل مناحي الإصلاح، ووجه نشاط الإخوان إلى كل هذه النواحي، وهم في الوقت الذي يتجه فيه غيرهم إلى ناحية واحدة دون غيرها يتجهون إليها جميعًا ويعلمون أن الإسلام يطالبهم بها جميعًا. مسك الختام لقد حرص الإمام البنا على الفهم الصحيح، وبدأ أركان البيعة بالفهم، ووضع له أصولاً عشرين؛ لتشمل كافة النواحي العقائدية والعبادية والفكرية التي يمكن أن يتعرَّض لها الأخ في مسيرته الدعوية؛ لتمثِّل له سياجًا حاميًا من الزَّلل والانحراف، لقد جعل الإمام الفهم الركن الأول من أركان البيعة ؛ ليحمي الصف من الخطأ أو الانحراف، ومن هنا فإن كلُّ أخ بايع الله في هذه الدعوة يجب أن يجعل من نفسه حارسًا أمينًا على هذا الفهم من أي تغيير أو انحراف؛ وإن الوفاءً ببيعته مع الله، يستوجب عليه أن يلتزم بحدود هذا الفهم في حركته وعمله ، وخطبه وأحاديثه ، و تأليفه و كتابته ، وفي تصريحاته العامة والخاصة ، وفي مجالسه العلنية والسرية .
أ/اسماعيل حامد
باحث إسلامي
ينابيع تربوية
أ/اسماعيل حامد
تهيئة بينما كان المسلمون يتخبَّطون في الجهل والظلام، حينما انزوى مفهوم الإسلام الشامل وانحصر مكانه الفعلي ليصبح في المسجد فقط، ولم يعُد له مكانٌ في توجيه الحياة ، وبينما كان المسلمون يترنحون من جراء السقوط المدوي للخلافة الإسلامية ، والذي أدى إلى ضياعِ هوية الأمة، وفقدانِها لمصدر عزتها، وافتقادِها لمعالم المشروع الحضاري لنهضتها وقيامها بدورها الرائد في الشهادة على الناس ، ووسط هذا الظلام الدامس ، يأتي شاب في الحادية والعشرين من عمره قد ارتوى من النيل ماء عذبا فراتا ، ومن الإسلام هديا ونبراسا ، ومن القرآن شرعة ومنهاجا ، فيخاطب قومه ’’ يا قومنا إننا نناديكم والقرآن في يميننا والسنة في شمالنا وعمل السلف الصالحين من أبناء هذه الأمة قدوتنا ، نناديكم إلى الإسلام وتعاليم الإسلام وهدي الإسلام ’’ ’’ الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة ، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء ، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى ، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة ، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء ’’، فأسس دعوة الإخوان على ركائز ثلاث من (الفهم العميق والتكوين ا لدقيق والعمل المتواصل )، فتأتي هذه السلسلة لنتناول فيها بشئ من الإيجاز غير المخل ، هذه الركائز الثلاث .
أفهام مغلوطة قبيل ظهور دعوة الإخوان ، كانت الأمة الإسلامية قد وصلت إلى حالة بعيدة من الفوضى الفكرية وخلل كبير في الفهم ، تمثل في صور شتى وفرق عدة ، فريق اختلط عليهم ما هو أصل بما هو فرع ، و فريق تصلب لفروع حاربوا من إجلها إخوانهم المسلمين ، وثالث ضيعوا أصولا وحاربوا من دعاهم إليها ، وآخر قصر الدين على بعض الشئون ، وخامس فهم أن الإسلام هو كل ما هو شديد فشددوا على أنفسهم وعلى الناس ، وفريق تساهل في كل شئ ، وسابع تسرع في الكفر والتكفير ، وآخر اعتقد أن للقرآن باطنا يخالف الظاهر ، وتاسع انطلق من خلال مفهوم خاطئ للولاية ، وبالتالي تنوعت أفهام الناس عن الإسلام على أنه :
حدود العبادة الظاهرة ، أو الخلق الفاضل أو الروحانية الفياضة ، أو الغذاء الفلسفي للعقل والروح ، أو المعاني العملية الحيوية ، أو العقائد الموروثة والأعمال التقليدية ، هذه هي نظرة الناس وفهمهم للإسلام الحنيف ، فظهرت كما يقول أ/ جمعه أمين دعوات كثيرة تفتقد الى الفقه الدقيق والفهم العميق وكان منها ، من يتستر خلف شئ من الهدي الظاهر، ويهمل التكاليف الحقيقية الشاقة الطويلة الغالية الثمن ويحصر دعوته في ذلك ويقصرها على رواد المساجد ، ينتفض ا نتفاضة الأسد إذا انتقص فضل ، ويغمض عينيه إذا هدم فرض وأزيل واجب ، ومن يرى نصرة الإسلام في الخروج في سبيل الله لدعوة الناس لبعض العبادات من صلوات وأذكار ودعوات رقيقة وحسن وضوء وتلاوة قرآن ، ومن تشدد وتعسف ، وأفرط وغالى ، فقطع الأوصال والارحام ، وحارب في غير ميدان ، وفاصل الجميع وساواهم بالكافرين ، واختلط عليه الولاء والبراء ،وقد أحسن الإمام البنا وصف حال المسلمين مع الإسلام بقوله ’’ خلعوا عن الإسلام نعوتاً وأوصافاً ورسوماً من عند أنفسهم، واستخدموا مرونته وسعته استخدامًا ضارًّا مع أنها لم تكن إلا للحكمة السامية، فاختلفوا في معنى الإسلام اختلافًا، وانطبعت للإسلام في نفس أبنائه صور عدة تقرب أو تبعد أو تنطبق على الإسلام الأول الذي مثله رسول الله وأصحابه خير تمثيل ’’ وجاء الإخوان في موعد مع القدر ، وفي ظل هذا المناخ المتردي الذي ضاع فيه الإسلام وفهم على غير مقاصده ، جاء الامام البنا ، وكأن الله عز وجل قد ألهمه الطريق الصائب لنفض الغبار عما علق بمفهوم الإسلام في الأذهان، وإبراز صورته الصحيحة الشاملة المتكاملة ، وكما يقول أحد تلامذته أ/ طلعت الشناوي ’’ جاء الإمام جامعاً بين الفهم الشامل الصحيح للقرآن ولهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبين الدراسة العميقة للتاريخ وتجاربه ، ولسنن الله فى التمكين ، وكذلك البصيرة النافذة لواقع الأمة الإسلامية وتشخيص دائها ومعرفة وسائل العلاج وأولوياته’’ ، فأعاد الإمام البنا بدعوته المتكاملة هذا الفهم السليم الذي كاد أن يندثر ، وحملت الجماعة هذا الفهم ودعت إليه ، وتحملت في سبيل تثبيته في المجتمع الكثير من المحن والابتلاءات والدماء والشهداء ، فكم من دماء سفكت وأطفال يتمت ونساء رملت وأمهات ثكلت حتى ثبت هذا الفهم عبر هذه السنين الثمانين ، ففى زمن اختلطت فيه الغايات ما بين المادية الطاغية والشهوات الهابطة والرغبات الدنيئة ، ردد الإخوان ’’الله غايتنا’’ ، وفى زمن غابت فيه القيم واعتلى دائرة المثل الأعلى أسافل الناس هتف الإخوان ’’ الرسول قدوتنا’’ ، وفى زمن تزاحمت فيه المناهج والأفكار والشرائع والقوانين ، أعلن الإخوان ’’القرآن دستورنا ’’ ، وفى زمن تفرقت فيه السبل مابين مسالك الشيطان ودروب الهوى ، جهر الإخوان ’’الجهاد سبيلنا’’ ، وفى حين داعبت الغفلة الأمانى واستولت الشهوات على القلوب نطقت أفئدة وأرواح وألسنة الإخوان ’’ الموت فى سبيل الله اسمى امانينا ’’ ، ومضت الدعوة قوية شامخة بهذا الفهم ، رغم مرور ما يقارب ثمانين عاما ، إلا أنها ماضية فى طريقها على نفس المبادئ ، لم تنحرف أو تتبدل أو تنطفئ شعلتها أو تنكس رايتها ، برغم كل المحن والمؤامرات وكل المعوقات والتضييق والإيذاء ، وتتوالى الأجيال وتتلاحم فى هذه الدعوة وهى على نفس الدرب والمبادئ والأهداف التى تجاهد من أجلها ، حتى أصبحت هى الطليعة الرائدة فى ميدان المعركة بين الإسلام والباطل ، وأصبحت – بفضل الله – أمل الأمة الإسلامية فى مشارق الأرض ومغاربها لتقودها لاستعادة مجدها بإذن الله .
نرى ذلك بعين اليقين ، فندرك أن ذلك بفضل الله وبركته ورعايته لهذه الدعوة ، وندرك أيضا مدى قوة التأسيس ، والتربية وإعداد الرجال فى هذه الجماعة على يد الإمام الشهيد ، والرعيل الأول. إسلامنا جاء الإمام البنا وحال الأمة في فهم الإسلام على ما سبق بيانه ، فجعل قوله تعالى ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيْلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيْرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِيْ﴾ (يوسف: 107) منطلقا لدعوته ، فبين أن إسلام الإخوان المسلمين قائم على ركائز ثلاث ، يعتقدها الإخوان ويؤمنون بها ويعملون ويدعون ويضحون في سبيلها :
1- يعتقد الإخوان المسلمون أن أحكام الإسلام و تعاليمه شاملة تنتظم شؤون الناس في الدنيا و الآخرة ، وأن الذين يظنون أن هذه التعاليم إنما تتناول الناحية العبادية أو الروحية دون غيرها من النواحي مخطئون في هذا الظن ، فالإسلام عقيدة و عبادة ، ووطن و جنسية ، ودين ودولة ، وروحانية وعمل ، ومصحف وسيف ، فأيقن الإخوان أن الإسلام هو هذا المعنى الكلي الشامل، وأنه يجب أن يهيمن على كل شؤون الحياة وأن تصطبغ جميعها به و أن تنزل على حكمه ، وأن تساير قواعده و تعاليمه و تستمد منها ما دامت الأمة تريد أن تكون مسلمة إسلاما صحيحًا .
2- يعتقد الإخوان المسلمون أن أساس التعاليم الإسلامية و معينها هو كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم ، اللذان إن تمسكت بهما فلن تضل أبدا ، و أن كثيرا من الآراء و العلوم التي اتصلت بالإسلام و تلونت بلونه تحمل لون العصور التي أوجدتها و الشعوب التي عاصرتها، و لهذا يجب أن تستقي النظم الإسلامية التي تحمل عليها الأمة من هذا المعين الصافي معين السهولة الأولى ، وأن نفهم الإسلام كما كان يفهمه الصحابة و التابعون من السلف الصالح رضوان الله عليهم ، وأن نقف عند هذه الحدود الربانية النبوية حتى لا نقيد أنفسنا بغير ما يقيدنا الله به ، و لا نلزم عصرنا لون عصر لا يتفق معنا.
3- يعتقد الإخوان المسلمون أن الإسلام كدين عام انتظم كل شئون الحياة في كل الشعوب و الأمم لكل الأعصار و الأزمان ، جاء أكمل و أسمى من أن يعرض لجزئيات هذه الحياة وخصوصًا في الأمور الدنيوية البحتة.
ومن هنا أدرك الإخوان بأنه لا يمكن أن ينصلح حال الأمة إلا إذا صلح تَصوُّرُها عن دينها أولاً، وأنه منهجٌ متكاملٌ للحياة ، وصالح لكل زمان ومكان ، ولقد صدق الإمام البنا حينما بين أن دعوة الإسلام بهذا الفهم ’’ قد امتدت طولا حتى شملت آباد الزمن ، وامتدت عرضا حتى وسعت آفاق الأمم ، وامتدت عمقا حتى استوعبت شئون الدنيا والآخرة ’’ .
فهم الإخوان كانت انطلاقة الإمام البنا ، وكانت كلمات المؤسس رحمه الله ’’ ولكننا أيها الناس فكرة وعقيدة ، ونظام ومنهاج ، لا يحدده موضع ولا يقيده جنس ولا يقف دونه حاجز جغرافى ولا ينتهى بأمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها ذلك لأنه نظام رب العالمين ومنهاج رسوله الأمين ’’ والتي على أساسها تحركت دعوة الإخوان ، فغرست عبر 80 عاما في نفوس الإخوان وأبناء الأمة جميعا ، أن الفهم الصحيح الشامل هو محور الارتكاز، وهو العامل الأساسي الذي يجب توفره من أجل سلامة المسير، وأنه المشرب الذي يستقي منه أبناء الدعوة ، وأن المخلص العامل الذي لا يحسن الفهم الصحيح، ولا يُنزِل الأمورَ منازلها قد يضل ضلالاً كبيرًا، والخوارج أكبر دليل عملي على ذلك ، وأن الفرق بين الحفظ والفهم كالفرق بين الجسد والروح، فالحفظ جسد والفهم روحه ، وأن العبرة ليست بكثرة المعارف والمحفوظات والأعمال، وإنما العبرة بجودة الفقه وصحة الفهم وسلامة الإدراك ، وأن التمكين لدين الله لن يتم إلا على أساس الفهم الصحيح الشامل للإسلام الذي جاء به الحبيب محمد- صلى الله عليه وسلم- دون تحريف أو تقصير أو اجتزاء ، وأن الإسلام لا يمكن تطبيقه وتحقيقه في أرض الواقع بفهم ناقص أو بفهم قاصر أو بفهم منحرف أو فيه خطأ في التصور والاعتقاد ، وأن الفهم الصحيح يمهد الطريق للعمل الجاد على بصيرة، وأن صاحب الفهم الصحيح صاحب بصيرة نافذة ووعي تام ، وأن الفهم الصحيح هو مرجعيتنا عند الاختلاف أو بروز صورة للانحراف عنه ، وأن الفهم الصحيح للإسلام ضد الفهم الضيق الذي يحصر الإسلام في جانب أو ناحية أو جزء منه، فالإسلام كلٌّ لا يتجزأ ، وأن الدعوة للإسلام لا يصلح معها إكراه، ولا تنتشر بإجبار، ولا تستمر بضغط، بل هو فهم وإدراك وإقناع ، و أن الفهم الصحيح للإسلام ضابط لكل عمل ولكل اجتهاد ولكل خلق وسلوك من أن ينحرف بصاحبه عن الجادة ، واستمرت مسيرة دعوة الإخوان عبر 80 عاما وهي على هذا الفهم في حدود أصول الفهم العشرين التي وضعها الإمام البنا، والتي تهدف إلى: إدراك الفهم الصحيح للإسلام، العمل الراشد للإسلام والتجمع حوله، والحذر من خط الانحراف، وجمع المسلمين على فهم واحد، وتضييق شقة الخلاف بين العاملين للإسلام ، وأن واجبنا هو السعي لإحياء الفهم الذي كاد أن يندثر .
فوائد جمة لله در ابن القيم رحمه الله حين قال ’’ صحة الفهم نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده فيميز به بين الصحيح والفاسد ، والحق والباطل ، والهدى والضلال ’’ ، ومن هنا أدرك الإخوان أن للفهم فوائد جمة ، وثمارا يانعة ، على الفرد والجماعة والأمة والمجتمع ومن ذلك :
1- يحفظ للجماعة خطها الإسلامي الصحيح، وينفي عنها خبثها ومحاولات الالتفاف عليها.
2- يمنع ظهور المدارس الفكرية المتعددة داخل مدرستنا الدعوية الموحدة، بل هو مشرب واحد ومنبع واحد.
3- يمنع كل ما هو دخيل على الإسلام أن يلحق به، ولا يسمح بأي فكرة مناهضة بسبب عاطفة أو تساهل في إحداث بلبلة داخل الجماعة المباركة.
4- يعين على حسن التطبيق، ويعين على سلامة العمل، ويقي من العثرات .
5- يحمي المسلم والجماعة والأمة من الخطأ والانحراف في التصور والاعتقاد والسلوك .
6- يحرر العقيدة من زيف الجمود وما يمكن أن يداخلها من أوهام وشبهات.
7- يكسر الجمود الذي أصاب العقل بالتقليد وغلق باب الاجتهاد على السواء.
8- يحمي المسلم من اتباع الهوى والظن أوالانحراف، ويعينه على تحديد إطار الفهم السليم بعيدًا عن الغلوِّ والتجاوز.
مجالات الفهم حينما قال الإمام البنا في رسالة المؤتمر الخامس ’’ إن ميدان القول غير ميدان الخيال ، وميدان العمل غير ميدان القول ، وميدان الجهاد غير ميدان العمل ، وميدان الجهاد الحق غير ميدان الجهاد الخاطئ ’’ أدرك الإخوان المسلمون عبر تاريخهم الطويل أن العاملين للإسلام بحاجة إلى الفهم الصحيح ، من أجل تصحيح المسار ، حتى نوجد الإسلام في أرض الواقع بصورة صحيحة ، فقد يصح فهم المسلم لغايته ويخطئ في الوسيلة أو إسلوب التغيير ، وقد يصح له ذلك فيخطئ في المنهاج الذي يسير عليه ، أو في إحدى طرائق الدعوة أو التربية ، ولذلك أيقن الإخوان أن المجالات التي يجب ان نعمل فيها الفهم هي (الغاية التي نسعى لها- الوسيلة التي نستخدمها- التغيير الأمثل الذي نسلكه- المنهاج الصحيح الذي نعتمده- الهوية التي يجب أن نحملها- الجهاد الحق الذي نشعله- طرائق الدعوة والتربية التي ننتهجها.. إلخ).
محطات هامة
1- الفكرة الجيدة عند الإخوان يتوقف نجاحها على أمور ثلاثة ( أن يتصورها أهلها تصورا صحيحا ، أن يؤمنوا بها إيمانا عميقا ، أن تجتمع قلوبهم عليها اجتماعا قويا ) .
2- الفهم الصحيح يتطلب ( الإيمان بهذا الفهم الصحيح الشامل - العمل به - دعوة الناس جميعًا إليه - حمل الناس جميعًا على العمل به ) وأن نتحمل في سبيله ما قد نلاقيه .
3- معوقات أمام صحة الفهم ( النظرات الجزئية المتناثرة - السطحية في التفكير - اهدار الوقت والموارد - الخلط بين الوسائل والغايات )
4- الفهم الصحيح الشامل يعاني من ( تحريف الغالين - انتحال المبطلين - تأويل الجاهلين ) .
5- يجب علينا ( تحري الوقوع في الخلط والغلط - التزام الفهم السليم دون إفراط أو تفريط او مغالاة او نقص ) 6- الانحراف عن الفهم الصحيح للإسلام سببه ( جهل أو اتباع الهوى ، أو إعجاب برأي ، أو تأويل خاطئ، أو جعل القرآن تابعًا لا متبوعًا) . نتيجة الفهم كانت النتيجة الطبيعة لهذا الفهم الصحيح الشامل عبر سنوات الدعوة الثمانين ، أن كان الإخوان المسلمون جماعة تلتقي عندها آمال محبي الإصلاح، والشعوب المستضعفة، والمسلمين المصادرة حقوقهم ، فهم
1- دعوة سلفية، إذ يدعون إلى العودة إلى الإسلام، إلى معينه الصافي، من كتاب سنة الصلاة .
2- طريقة سنية: لأنهم يحملون أنفسهم علي العمل بالسنة المطهرة في كل شيء، وبخاصة في العقائد والعبادات ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً.
3- حقيقة صوفية: إذ يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، وسلامة الصدر، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب في الله، والأخوة فيه سبحانه.
4- هيئة سياسية: لأنهم يطالبون بإصلاح الحكم في الداخل وتعديل النظر في صلة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم في الخارج، وتربية الشعب على العزة والكرامة والحرص عليى قوميته إلي أبعد حد . 5- جماعة رياضية، يعتنون بالصحة، ويعلمون أن المؤمن القوي هو خير من المؤمن الضعيف، وأن تكاليف الإسلام لا تُؤدى إلا بالجسم القوي، والقلب الذاخر بالإيمان، والذهن ذي الفهم الصحيح.
6- رابطة علمية وثقافية، فالعلم في الإسلام فريضة يحض عليها، وعلى طلبها، ولو كان في الصين، والدولة تنهض على الإيمان.. والعلم.
7- شركة اقتصادية، فالإسلام يُعنَى بتدبير المال وكسبه، والنبي-صلى الله عليه وسلم- يقول: ’’نعم المال الصالح للرجل الصالح’’ و(من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفورًا له).
8- فكرة اجتماعية، يعنون بأدواء المجتمع، ويحاولون الوصول إلى طرق علاجها وشفاء الأمة منها. وهكذا نرى أن شمول الإسلام قد أكسب فكرتنا شمولاً لكل مناحي الإصلاح، ووجه نشاط الإخوان إلى كل هذه النواحي، وهم في الوقت الذي يتجه فيه غيرهم إلى ناحية واحدة دون غيرها يتجهون إليها جميعًا ويعلمون أن الإسلام يطالبهم بها جميعًا. مسك الختام لقد حرص الإمام البنا على الفهم الصحيح، وبدأ أركان البيعة بالفهم، ووضع له أصولاً عشرين؛ لتشمل كافة النواحي العقائدية والعبادية والفكرية التي يمكن أن يتعرَّض لها الأخ في مسيرته الدعوية؛ لتمثِّل له سياجًا حاميًا من الزَّلل والانحراف، لقد جعل الإمام الفهم الركن الأول من أركان البيعة ؛ ليحمي الصف من الخطأ أو الانحراف، ومن هنا فإن كلُّ أخ بايع الله في هذه الدعوة يجب أن يجعل من نفسه حارسًا أمينًا على هذا الفهم من أي تغيير أو انحراف؛ وإن الوفاءً ببيعته مع الله، يستوجب عليه أن يلتزم بحدود هذا الفهم في حركته وعمله ، وخطبه وأحاديثه ، و تأليفه و كتابته ، وفي تصريحاته العامة والخاصة ، وفي مجالسه العلنية والسرية .
أ/اسماعيل حامد
باحث إسلامي
ينابيع تربوية