مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2025/11/19 16:04
قراءة سياسية - إستراتيجية في القرار الأممي 2803 وتداعياته على مستقبل المقاومة الفلسطينية .
يأتي القرار الأممي 2803 في لحظة سياسية شديدة التعقيد ، عقب حرب استنزاف طويلة أنهكت الأطراف كافة وغيّرت بنية المشهد الإقليمي والدولي حول القضية الفلسطينية . وبينما يُسوَّق القرار بوصفه خطوة نحو التهدئة وفتح مسار سياسي جديد ، فإن جوهره يعكس مسعى لإعادة تشكيل البيئة السياسية والأمنية في قطاع غزة تحت وصاية دولية موسَّعة ، بما يتجاوز مجرد إنهاء الحرب إلى إعادة هندسة المشهد برمّته . 
 
هذه القراءة تتناول القرار من زاوية ما يمكن للمقاومة الفلسطينية أن تستفيد منه سياسياً واستراتيجياً في مرحلة انتقالية حسّاسة قد تطول أو تُعاد صياغتها بشكل متكرر ، وفقًا لموازين القوى . 
 
*أولًا : طبيعة القرار  ... إعادة هندسة لا تسوية :* 
 
يهدف القرار 2803 إلى خلق نظام إدارة إنتقالية في غزة بغطاء دولي ، مع ترتيبات أمنية مشددة وتقييد واضح لدور الفصائل .
هذه الصيغة تُظهر أن المجتمع الدولي يتجه نحو إدارة الصراع لا حله ، ويفضل نموذج “ الاستقرار الأمني ” على أي نقلة حقيقية نحو دولة فلسطينية ذات سيادة . 
 
وبالتالي فإن التحدي أمام المقاومة ليس ميدانياً فقط ، بل سياسي وجودي يتعلق بموقعها في النظام الفلسطيني المقبل . 
 
*ثانيًا : ممرات استثمار القرار سياسيًا لصالح المقاومة :* 
 
_1 -  الإنتقال من الرفض الإنفعالي إلى الرفض المُدار  ._ 
 
التعامل الذكي مع القرار يقتضي عدم الوقوف عند حدود الرفض المبدئي ، بل إستخدام الرفض كأداة تأثير من خلال :
* كشف ثغرات القرار قانونياً وسياسياً .
* فضح عجزه عن تقديم مسار حقيقي لتقرير المصير .
* تحويله إلى ملف تفاوضي يحدّ من سقف التدخل الدولي . 
 
بهذا تتحول المقاومة من موقع رد الفعل إلى فاعل سياسي قادر على إعادة تعريف شروط اللعبة .
 
_2 -  تعزيز الشرعية الشعبية بوصفها خط الدفاع الأول ._ 
 
في ظل بيئة انتقالية مضطربة ، يبقى الرأسمال الشعبي للمقاومة أقوى أوراقها .
فكلما زادت ثقة المجتمع بها ، صَعُب على أي طرف دولي أو محلي تجاوزها أو فرض بدائل سياسية تُهمّش دورها . 
 
الشرعية الداخلية ليست حاجة معنوية فقط ، بل ضرورة استراتيجية تحدد شكل المستقبل الفلسطيني .
 
_3 -  الدفع نحو إطار وطني موحد يمنع فرض الوصاية :_ 
 
اللحظة الحالية تتيح فرصة نادرة لإعادة بناء وحدة وطنية قائمة على قواعد واضحة ، لا على محاصصة ظرفية .
توحيد الموقف الفلسطيني — حتى بمستوى الحد الأدنى — كفيل بتقليل أثر أي نشاط دولي يهدف إلى خلق هياكل انتقالية تتجاوز الإرادة الوطنية الفلسطينية . 
 
فالمعركة الحاسمة اليوم ليست عسكرية ، بل معركة على تمثيل القرار الفلسطيني . 
 
_4 - تحويل ملف الإعمار إلى ورقة تفاوض لا ورقة ابتزاز ._ 
 
الإعمار سيكون بوابة رئيسية للتدخل الدولي . لكن يمكن للمقاومة الاستفادة منه بالطرق التالية : 
 
* ربط الإعمار بخريطة سياسية تمنع خلق كيانات موازية للسلطة الوطنية .
* عدم السماح بتحويل المساعدات إلى أداة لإعادة تشكيل النظام السياسي على حساب الإرادة الشعبية .
* المطالبة بضمانات تفصل الإغاثة عن المشاريع الأمنية .
 
بهذا يتحول الإعمار إلى أداة مقاومة سياسية لا أداة نفوذ خارجي .
 
_5 - إدارة العلاقات الإقليمية بذكاء يقي من العزل ._ 
 
تعدد الأطراف الإقليمية المهتمة بغزة يمكن أن يكون تهديدًا أو فرصة .
تُحسن المقاومة الاستفادة منه إذا حافظت على : 
 
* علاقات متوازنة تمنع الاحتكار أو الارتهان . 
 
* تواصل دبلوماسي يوضح حدود أي تدخل في الشأن الفلسطيني . 
 
* شبكة دعم سياسي وإعلامي تُعزّز الرواية الفلسطينية .
 
فالمعادلة الإقليمية لا تقل أهمية عن المعادلة الداخلية . 
 
*ثالثًا : التهديد الأكبر ...  إعادة تعريف التمثيل الفلسطيني*: 
 
القرار 2803 قد يكون مدخلًا لإعادة تشكيل “ من يملك الحق في التحدث باسم الفلسطينيين ” .
وهذا خطر جوهري يتطلب من المقاومة التأكيد على : 
 
* أنها ركن أصيل في المعادلة الوطنية . 
 
* أن أي ترتيبات إنتقالية يجب أن تمر عبر إرادة فلسطينية جامعة . 
 
* أن القضية ليست ملفًا إنسانيًا بل قضية تحرر وطني . 
 
فالمعركة اليوم ليست على الأرض وحدها ، بل على الشرعية والتمثيل .
 
*رابعًا : خلاصة استراتيجية :* 
 
القرار 2803 ليس نهاية الحرب، بل بداية مرحلة سياسية معقدة قد تحدد شكل القضية الفلسطينية لسنوات .
والمقاومة الفلسطينية تملك القدرة على تحويل هذه اللحظة من تهديد إلى فرصة إذا اعتمدت استراتيجية تجمع بين : 
 
* حفظ الشرعية الشعبية .
* إدارة الرفض السياسي بذكاء .
* تعزيز وحدة الموقف الفلسطيني .
* استثمار الإعمار كأداة تفاوضية .
* بناء شبكة دعم إقليمية ودولية متوازنة . 
 
بهذه المقاربة يمكن للمقاومة أن تنتقل من موقع المُستهدَف بالقرار إلى فاعل رئيسي في صياغة ترتيبات المرحلة المقبلة ، وأن تحافظ على حضورها الوطني ودورها السياسي في معادلة لا تزال مفتوحة على احتمالات متعددة .
 
 
أضافة تعليق