مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2025/11/19 16:16
عندما يتحول الحديث عن العلماء إلى وسيلة لإبراز الذات.
لفت انتباهي ظاهرة برزت مؤخراً عند الحديث عن العلماء من قبل طلابهم، وبدلاً من أن يكون التركيز على مناقشة علم العالم وإنجازاته وأفكاره، يتحول الحديث إلى سرد لمواقف شخصية يظهر فيها المتحدث بشكلٍ بارز فيتحول من الحديث عن العالم إلى الحديث عن نفسه، فأحببت أن أنبه نفسي كطالب ومتعلم، وأنبه إخواني من طلبة العلم إلى هذا الأمر.
 
وقد وبزت مظاهر هذه الظاهرة السيئة في عدد من الأمور منها:
1- اختطاف فضل العالم: بدلاً من قول "كان العالم متواضعاً"، يقول المتحدث "كنا عنده ذات يوم وقال لي..." وعملت له وارشدته إلى، وهنا يتحول تواضع العالم إلى منصة يظهر عليها المتحدث، وكأنه المستفيد الوحيد منه.
2- المقارنة غير المباشرة: عند ذكر مناقب العالم، بسرد المتحدث مواقف انتقد فيها العالم أشخاص أو غضب منهم، أو أبعدهم عنه، وأثنى على المتحدث، وقربه منه، مما يوحي بتفضيله وتقديره.
3- الاستئثار بالقرب والمكانة: تكرار عبارات مثل "كنت الأقرب إليه"، "كان يثق بي"، "كان يستشيرني في أموره"، كان يكلفني بالاجابة على المسائل الشائكة أو حل الاشكاليات، وهي كلها تلميحات لتأكيد مكانة المتحدث الخاصة على حساب الآخرين.
4- تحويل المواقف العابرة إلى مناقب: مثل التباهي بزيارة عابرة للعالم، أو تكليف بسيط  له، أو سؤال  أو وصية له، وإضفاء هالة درامية كبيرة على هذه المواقف البسيطة ليبدو وكأنه أبرز طلابه ومحور اهتمامه. 
 
ما أسباب هذه الظاهرة؟
يمكن تلخيص الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة في التالي: 
 
1- الخلل النفسي (عقدة النقص) والرغبة في التعزيز الذاتي: فبعض الأشخاص يشعر بصغر شأنهم أمام عظمة العلماء، فيلجاؤن إلى هذه الطريقة لتعزيز مكانتهم النفسية والاجتماعية بربط أنفسهم بمن يحترمهم الناس.
2- الجهل بآداب طلب العلم: فمن أهم آداب طالب العلم التواضع للعالم وعدم التباهي بالقرب منه، وهذه الظاهرة تعكس جهلاً بهذه الآداب الرفيعة.
3- ثقافة "الاسم " وهي ثقافة سيئة منتشرة في مجالات كثيرة، حيث يستخدم الشخص اسم شخصية مرموقة لتعزيز مصداقيته ومكانته، ويضل يذكر كل مواقفه مع هذا العالم.
4- الفهم الخاطئ للتأثر والتأثير:  فالبعض يخلط بين ذكر التأثر الحقيقي بالعالم كقول "كانت محاضرته سبباً في تغيير حياتي" وبين ذكر المواقف الشخصية التي تبرز الذات. 
 
ما الآثار السلبية لهذه الظاهرة؟
يمكن ايجاز الآثار السلبية لهذه الظاهرة في التالي: 
 
1- تشويه صورة العالم: حيث يتم اختزال العالم في صورة "صديق" أو "مقرب" للمتحدث، بدلاً من التركيز على إنتاجه العلمي ومنهجه الفكري.
2- إيغار صدور طلاب العالم: فهذه السلوكيات تزرع الضغينة والحسد في قلوب طلاب العالم، خاصة إذا شعر أحدهم أنه أقل حظوة أو قرباً من العالم.
3- إضاعة الهدف الحقيقي من ذكر مناقب العالم: فالهدف من ذكر العلماء هو الاقتداء بهم والاستفادة من علمهم، وتحول اللقاءات إلى مسابقات في "من كان الأقرب؟".
4- الرياء والسمعة: يتحول الحب الحقيقي للعالم والحنين إليه إلى وسيلة للرياء وطلب السمعة بين الناس.
5- إضعاف المصداقية: مع الوقت، يفقد المتحدث مصداقيته، لأن السامع يدرك أن الدافع للكلام عن العالم، هو حب الظهور، وليس حب العلم أو العالم. 
 
نصيحة لنفسي ولاخواني علينا أن نتحرى الأمور الاتية: 
 
1- التحلي بأدب الطالب مع شيخه، فلا يتكلم عنه بما يظهر اختصاصه به دون غيره، إلا لمصلحة شرعية.
2- توجيه الحوار نحو الجوانب العلمية والعملية للعالم، بسؤال مثل: "ما أهم الفوائد التي استفدتها من تعليمه ومن كتبه؟ وأفكاره" بدلاً من "كيف كانت علاقتك به؟".
3- ينبغي للعلماء والمشايخ أن ينبهوا طلابهم لخطر هذا السلوك ويحذروهم من خطره.
4- على كل منا أن يراجع نيته عندما يتحدث عن علمائه، هل يقصد الإفادة والإحياء لذكرهم، أم يقصد إبراز نفسه ومكانته؟
5- تحويل الاهتمام من المواقف الشخصية العابرة إلى دراسة الإرث العلمي للعالم وفكره ومنهجه، فهذا هو الذي ينفع ويبقى. 
6- استشعار أن أساس النجاة هو إصلاح القلب من العجب والرياء والفخر. وأن التواضع خلق أساسي لطالب العلم، وهو أن يرى نفسه دون غيره، ويذكر نعم الله عليه، والصدق مع الله ومع النفس ومع الناس، فلا يدعي ما ليس فيه، فالمتشبع بما لم يعط كالأبس ثوبي زور، وتجنب الكلام عن النفس إلا لضرورة أو مصلحة راجحة، مع الخوف من الإعجاب( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن إتقى)،  ولا يتكلم إلا بعد التأكد والدراية، وأن يقول: "لا أدري" عندما لا يعلم، والاهتمام بتزكية النفس بالعمل الصالح، وترك ثناء الناس لله، فمن مدح نفسه ذهب بهاؤه.
7- الحديث عن العلماء شرف عظيم، وهذا الشرف يقتضي منا أن نتعامل معه بأمانة وتواضع. فأعظم تكريم للعالم هو أن نحيي علمه، لا أن نحول سيرته إلى سلعة لترقية أنفسنا في سوق السمعة والوجاهة الاجتماعية.
 
 
أضافة تعليق