إذا تم تسخير الذكاء الاصطناعي للتفاعل مع المحتوى الذي يصنعه مؤثرو التواصل الاجتماعي، فالويل للمؤثرين والويل للمعلقين أسفل إطار المحتوى، لأن أدوات فرز المعلومات المزيفة والأساليب المضللة لن تترك إلا النذر اليسير بعد حذف الأكاذيب والادعاءات، ومع تكرار الكذب أو إهمال التدقيق المبدئي في صحة معلومات المحتوى، قد تشرّع منصات التواصل قوانين تحجب صانع المحتوى لتكرار كذبه، أو تطرد المعلق لافترائه.
الأنكى من ذلك هو ما قد يتطور إلى الاحتكام إلى الخوارزميات التلقائية لتفنيد البرامج السياسية للمرشحين، فيتولى الذكاء الاصطناعي "فلترة" المبالغات والهرطقات والوعود المخلفة بعرضها على الواقع والإمكانات المتاحة، أو يذهب إلى ما هو أبعد فيقدم حلولاً أفضل تبطل أطروحات المدعين على اختلاف أنواعهم، فلا يفلح حينئذ إلا نوعين من المرشحين – الصادق الموثوق ذي الشعبية والخبيث المموَّل بسخاء والمدعوم مسبقاً بالسيناريو المنتقى والمنمق بواسطة الذكاء الاصطناعي.
حتى وسائل الاعلام لن تسلم، فإما تستعين بالبرامج المطلوبة لصقل مصداقيتها أو تنقرض، خاصةً بعد تشبع جيل كامل حول العالم من أكاذيب وزيف كثير من حسابات التواصل الاجتماعي ومحتوى القنوات ذات التغطية الإخبارية الحماسية والمتحيّزة والمفترية.
استعداداً للتغيير، ينبغي على كبريات شبكات الاعلام في الدول العربية أن تبادر بتمويل كتابة رموز البرمجة المطلوبة، وذلك لرفع جودة محتواها الإخباري الداعم لجهود مراسليها الميدانيين أينما تواجدوا وأيّاً كان نوع التغطية، وذلك للنجاة من التفنيد المضاد للقنوات التي تملك برامج ذكاء اصطناعي أكفأ بمقدورها استهداف الهنات والزلات وتضخيمها، ولا نود لقنواتنا الإخبارية أن تصبح مادة للتندّر لدى القنوات الأكبر والأوسع انتشاراً، والتي بمقدور إمكاناتها الرقمية والبرمجية حصر أخطاء سائر القنوات بمختلف اللغات وربما إنتاج ساعة خبرية للترفيه والضحك على تعرية كذب القنوات الأقل شأناً والتعريض بأخطائها.
المحللون السياسيون والخبراء الاستراتيجيون هم الأوفر حظاً لتلقي سهام القدح والنقد من قبل الـ ai ، ومن المرجّح أن تعرض قنوات الأخبار وستوديوهات التحليل أطروحاتهم على البرامج الذكية المعتمدة قبل أن تخرج بإطلالتهم على الملأ ليصطلوا بنيران النقد الرقمي الدقيق ويتم تفنيد جوانب محرجة من تحليلاتهم وتوقعاتهم. وربما تطور الأمر إلى إعداد برامج مسابقات يتحدى فيها أكاديميو وخبراء العلوم السياسية برامج الذكاء الاصطناعي في دقة ومنطقية التحليلات مقابل جوائز مغرية.
أقول ذلك ونحن ننتظر هذا العام انطلاق بث القناة الإخبارية الجديدة channel1.ai التي تعتمد بالكامل على الذكاء الاصطناعي التوليدي، بصفتها باكورة منافسة المصنوع التقني للصانع البشري.
*نقلاً عن سكاى نيوز عربية