حرب المستشفيات.. حرب الأطفال.. حرب النساء.. حرب كبار السن.. حرب الجوع.. حروب لم تعرفها البشرية في تاريخها الإنساني عبر العصور، إلا أن جيش الاحتلال الصهيوني لفلسطين، ابتدعتها ومارسها على مدى 90 يومًا ومازال، وترويجه لشعار إنه جيش لا يقهر، فقد حقق انتصارات في معاركه ضد المرضى والأطفال والنساء، وكبار السن، إلا أنه خسر مرتين، الأولى في المواجهات العسكرية والقتال ضد المقاومة الفلسطينية، أما الثانية فهي أدائه القبيح المستنكر، متجسدًا في الانحراف الخلقي والسلوكي والإنساني في حرب الإبادة لمواطنين عزل، فلم يترك فعلا قبيحًا أو قميئًا إلا اقترفه أفراد وقواد هذا الاحتلال، بما يكشف مدى الهزيمة التي زلزلت كيان قواده قبل أفراده، وسياسييه قبل مواطنيه.
لقد رسخ هذا الجيش المنهزم الكثير من القيم والمعاني التي تدينه، دون جهد للوصول إليها وتحقيقها وكشفها للعالم، فالانسحاب يصبح نصرًا لأفراد الجيش المنهزمين الذي يحتفلون ويهللون به، إلا أن هذا "الانسحاب" في عرف المعارك وتقاليد الجيوش هزيمة وتراجع وانكسار، أما ميادين القتال التي يجيد القتال فيها فهي المدارس ودور العبادة والمناطق السكنية، والتي حولها الى ميادين قتال وإعدامات للمواطنين العزل.. وبئس البطولة.. ولعل ما قام به أفراد هذا الجيش، هو البداية للمسار الصحيح لنشر العدل على الأرض وعودة المقدسات الى ذويها والحقوق إلى أصحابها، أما عدالة السماء فهي مقدرة ومؤكدة في علم المولى عز وجل.
ولم تكن لتستمر وتروج الصورة الزائفة لهذا الكيان وجيشه، بعيدًا عن حاضنة النفاق والزيف التي وفرتها له الولايات المتحدة، وحكومات غربية، على مدى أكثر من قرن، فهم يتحدثون عن المحرقة اليهودية في ألمانيا، والضرورة الأخلاقية التي تنص على عدم تكرار حدوث إبادة جماعية أخرى، لكنهم يشاركون في تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم وقتل مدنيين، ويلتزم السياسيون الألمان الصمت، وتغلق الحكومة الألمانية أذنيها ولا تهتم إلا ببيعها المزيد من الأسلحة لإسرائيل، وتزامن مع هذه الصورة الزائفة والنفاق، انهيار تام للمصداقية الأممية بدأ من الجمعية العامة للأمم المتحدة، مرورًا بالمنظمات الدولية، وانتهاء بمجلس الأمن.
وأخيرًا وبعد نحو 8 عقود من الاحتلال، يعلن الكيان الصهيوني المحتل ويعترف ويقر بأن: "الفلسطينيون أفضل شعوب الأرض في الدفاع عن أوطانهم".. هذا العنوان لم يصدر من صحيفة عربية أو إسلامية، ولكنه كان الافتتاحية لصحيفة "هآرتس" الصهيونية مؤخرًا، وهي أكبر جريدة في فلسطين المحتلة، تعترف بالحقيقة عن الفلسطينيين، الذين لم يتوقفوا عن الدفاع عن حقوقهم..
تقول الجريدة: "أثناء الحرب على غزة وإطلاق صواريخ المقاومة علينا.. فخسارتنا كل ثلاثة أيام تقترب من مليار دولار مِن طلعات الطائرات، وثمن صواريخ الباتريوت، وتزويد الآليات بالوقود واستهلاك الذخائر، والصواريخ على كافة أنواعها.. ناهيك عن تعطُّل الحركة التجارية، وهبوط البورصة، وتوقُّف مُعظم المؤسّسات، وأعمال البِناء، وشلل تام فى جميع المجالات، بفعل صواريخ المقاومة الفلسطينية..
..إننا نتعرض لحرب نحن مَن بدأها وأوقد نارها وأشعل فتيلها، ولكننا لسنا مَن يُديرها، وبالتّأكيد لسنا مَن يُنهيها، ونهايتها ليست لمصلحتنا، خاصّة أن المُدن العربية فى إسرائيل فاجأت الجميع بهذه الثورة العارمة ضُدنا بعد أن كنا نظُن أنهم فقدوا بوصلتهم الفلسطينية..
لقد تأكّدَ سياسيو دولتنا أن حساباتهم كانت كُلها مغلوطة، وسياساتهم كانت تحتاج لأفق أبعد مِمّا فكروا فيه.. إنهم فعلاً أصحاب الأرض، ومَن غير أصحاب الأرض يدافع عنها بنفسه وماله وأولاده بهذه الشراسة وهذا الكبرياء والتحدي؟ وأنا كيهودي، أتحدى أن تأتي دولة إسرائيل كلها، بهذا الانتماء وهذا التمسك والتجذُّر بالأرض.. ولو أن شعبنا مستمسِّك بأرض فلسطين لما رأينا ما رأيناه مِن هجرة اليهود بهذه الأعداد الهائلة فى المطارات، أنهم يسارعون للهجرة منذ أوّل بدء الحرب، بعد أن أذقنا الفلسطينيين ويلاتنا من قَتل وسِجن و حِصار وفصل وأغرقناهم بالمخدرات وغزونا أفكارهم بخُزعبلات تُبعدهم عن دينهم، كالتحرُّر والإلحاد والشَّك بالإسلام والفساد والشذوذ الجنسي.. إلخ، ولم تجرؤ جيوش دول بكامل عِتادها على ما فعلته المقاومة الفلسطينية فى أيام معدودات..
فقد سقط القِناع عن الجندي الإسرائيلي الذي لا يُقهر، وأصبح يُقتل ويُخطف وطالما أن تل أبيب ذاقت صواريخ المقاومة، فمِن الأفضل أن نتخلّى عن حِلمنا الزائف، بإسرائيل الكبرى، فالفلسطيني سيُبعث مِن جديد".
نعم الفلسطينيون أفضل شعوب الأرض في الدفاع عن وطنهم، والصهيونيون أسوأ من أقاموا على الكوكب".. انتهت افتتاحية الجريدة، لتبدأ مرحلة الفجر الفلسطيني الذي استغرق نحو 75 عامًا، لكن كلمة السر كانت الصبر واليقين بنصر الله، فالحتمية القرآنية تقول: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" البقرة - 214".. ويقول الحق سبحانه، في سورة هود – 81: "إنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ، أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ".
*نقلاً عن بوابة الأهرام