لا فرق بين الشتاء والصيف في سوريا أو عند السوريين إلا في حجم المعاناة، فإن كان التفاضل بين الفصلين (الشتاء والصيف) عند الجميع قائماً على الجمال والمحبة، فإنّ التفاضل بينهما عند السوريين قائمٌ على حجم المعاناة التي تنتظرهم.
فإذا ما استثنينا قضية الحلحلة السياسية والعسكرية التي تاهت وما زالت تائهة في أقبية ودهاليز المجهول، فإنّ المأساة السورية متجددة بتجدد الفصول، ولا سيما على الصعيدين؛ الاقتصادي والإنساني:
أولاً- على الصعيد الاقتصادي: تزداد المعاناة السورية عاماً بعد آخر إن لم يكن يوماً بعد يوم؛ جراء التضخم الذي يقفز قفزات نوعية وبشكل مفاجئ؛ وهو ما يوسع الفجوة الشاسعة بين الدخل ومتطلبات الحياة، إلا أنّ الصيف يبقى أفضل من الشتاء من هذه الناحية؛ ففرص العمل فيه أكثر مقارنةً مع الشتاء، ولا سيما في القطاع الزراعي.
وعلى الرغم من الحر الشديد تبقى الحاجة إلى موارد الطاقة من محروقات وكهرباء على المستوى المعيشي أقل منها في الشتاء؛ فقلة وسائل التدفئة التي تعتمد على المحروقات والكهرباء قد تعني الموت برداً شتاءً، وهو ما يجعل الصيف أقل تكلفةً من الشتاء على المواطن الذي يكدح بحثاً عن لقمة عيش تسد الرمق ولا يجدها، بالإضافة إلى أنّ الصيف يعني عطلة المدارس والجامعات وهو ما يخفف أعباء المصاريف الدراسية إن كان هناك من هو قادرٌ على أعبائها، وربما استطاع الطلاب إيجاد عملٍ مؤقتٍ وإن بأثمانٍ بخسة.
أما في الشتاء فتزاد هذه الأعباء على تكاليف العيش وانتشار البطالة فيه بسبب البرد وانقطاع الطرق وانتهاء مواسم الزراعة المحتاجة للأعمال اليدوية، كما تُضافُ إليها الحاجة القصوى إلى تجشّم تكاليف تجهيز المسكن بوسائل إضافية للحماية من الأمطار والثلوج والسيول، وإن كانت تلك المساكن مجرد خيام متآكلة.
ثانياً- على الصعيد الإنساني: تتكرر المأساة ذاتها على الصعيد الإنساني صيفاً وشتاءً؛ إلا أنّ الفوارق على هذا الصعيد لا تكون فوارق ملحوظة كما كانت على الصعيد الاقتصادي؛ فالسوري مهددٌ بالموت – بسوية واحدة تقريباً – صيفاً وشتاء، فهو إما أنْ يموت عطشاً أو بالكوليرا والملاريا؛ نتيجة الجفاف وفقدان البنى التحتية ومصادر الطاقة اللازمة لاستجرار وضخ المياه الصالحة للشرب، أو جراء انقطاعها واستخدامها سلاحاً من قبل الأطراف المتصارعة على الأرض، ما يؤدي إلى الاضطرار لاستخدام السوريين مصادر ملوثة وغير آمنة لتلبية احتياجاتهم من المياه في الصيف السوري الحارق، أو الموت برداً تحت الثلوج وموجات الصقيع أو غرقاً بالسيول الجارفة شتاءً.
إن الصيف يهدد السوريين بالموت غرقاً في البحار أو على الحدود بين دول اللجوء؛ فالصيف هو موسم الهجرة غير الشرعية؛ إذ يفضله السوريون على الشتاء بسبب وعورة الطرق وقسوة المناخ على طريق اللجوء والهجرة، إيماناً منهم بأنّ فرصة نجاح مغامرة الهجرة صيفاً أوفر حظاً منها شتاءً؛ فتنشط بذلك شبكات المهربين والاتجار بالبشر الذين يستغلون يأس السوري من الحياة وقسوتها في بلاده، كما يُضافُ إلى كل ذلك اشتداد المعارك ونشاط التحركات العسكرية صيفاً أكثر منها شتاءً بين الأطراف المتصارعة، ما يهدد السوريين دائماً بالاستعداد للتهجير والنزوح من أماكن إقامتهم المؤقتة أصلاً.
وهكذا يعيش السوريون رحلة الشتاء والصيف ولا إيلاف لهم؛ لأنّ إيلاف هذه الرحلة الطويلة من المعاناة المتجددة منذ أكثر من عقدٍ من الزمن بات مرهوناً بالحلحلة السياسية التي لا أمل - في المستقبل المنظور- بولادتها؛ فلا الفرقاء في الداخل يجتمعون على طاولة حوار جادٍ من شأنه دفع العملية السياسية إلى الأمام، ولا الأطراف الدولية تحرك ساكناً في هذا الملف، أما المواطن السوريّ فنظره مُسمّرٌ إلى السماء راجياً من الله إيلافاً يضع حداً لرحلة موته في الشتاء والصيف.
نقلاً عن صحيفة العين الإخبارية*