بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فلسطين أرض الزيتون، ارض المحشر والمنشر، أرض الإسراء، ومنبت الأنبياء، ومهبط وحي السماء، الأرض المباركة، فيها قدس الأقداس، وعرس الأعراس، أولى القبلتين وثالث الحرمين، والشعب الفلسطيني بمختلف فئاته يجاهد الاحتلال الصهيوني البغيض الذي تقف خلفه الدول الكبرى الظالمة التي اختارت لهذا الكيان الغاصب قلب الوطن العربي (فلسطين)، هذه الأرض المقدسة التي تضم إحدى المقدسات الإسلامية لأكثر من ملياري مسلم في مختلف أنحاء العالم.
الأرض التي سالت فيها دماء الشهداء الأبطال من الفلسطينيين، وتشهد الآن ملحمة جديدة من الرباط والجهاد والبطولات في معركة الدفاع عن الارض المباركة والمسجد الأقصى الذي دنسته أقدام الصهاينة!!
لقد ردت غزة المحاصرة منذ عقود على جيش الاحتلال المتغطرس بأسلحة لم تكن في الحسبان، صواريخ القسام التي قال عنها مرضى القلوب، ومنافقي الأمة أنها (بنب لاتفعل شئ) ها هي في السابع من اكتوبر ثلاثة وعشرون والفين من الميلاد أوقفت العالم على أقدامه، فضلا على الصهاينة، وفزعت منها الدول الكبرى، حتى أرسلت إلى المنطقة، البارجات وحاملات الطائرات، وقاذفات الصواريخ، خوفا وذعرا، هذه الصواريخ التي صنعتها المقاومة محليا، دكت قلاع المحتلين في القدس الغربية وتل أبيب، وسديروت، وغيرها متجاوزة بذلك القبة الحديدية التي كلفت مئات الملايين من الدولارات.
وصدق الله تعالى: }إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون){الأنفال ٣٦.(
ذُعِر العدو وجن جنونه، وبدل أن يواجه الابطال من المجاهدين، راح يرمي أطنان من القنابل المحرمة دوليًا على المنازل المأهولة بالسكان، والمدارس المكتظة باللاجئين، والمستشفيات المزدحمة بالمرضي، لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة،. يقتلون الأطفال والنساء والعجائز، وللاسف العلم يتفرج وكأنها مسرحية، نسجها المنافقون، ونفذها متخاذلون متواطئون وأسيادهم من الصهاينة المتجبرين.
لقد غيرت كتائب عز الدين القسام والجهاد، وكل المقاومين في فلسطين موازين القوى، وكسرت غطرست الجيش الذي لا يقهر، أذلت اتباعه وقهرت اعوانه، إذ أظهرت المشاهد التلفزيونية المنقولة من الثكنات حالة الهلع والخوف التي تسيطر على هذا الجيش الذي تم تجميعه من أنحاء العالم، جراء رشقات الصواريخ التي تتساقط بلا انقطاع على مدن فلسطين المحتلة من النهر إلى البحر.
إنها ملحمة تدخلت فيها قوة الله للمستضعفين، ومعية الله لجنده الباسلين، انها تذكرنا حطين وعين جالوت وبدر الكبرى وغيرها من الملحمات التي جلبت النصر للمسلمين، وكسرت شوكة المداهنين والصهاينة المتغطرسين.
كيف لا: وقد تعلم فرسان غزة أن المؤمن عندما يختار الإسلام فلابد أن يقاوم الكفر، وعندما يرتضي التوحيد لابد أن يحارب الشرك، وعندما يستظل بشريعة الله لابد أن يرفض مناهج البشر، وعندما يتذوق طعم الإيمان يكره أن يعود إلي الكفر كما يكره أن يقذف في النار، (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار) "صحيح الجامع"
كيف لا: وقد عرف فرسان غزة أنه لا يتم إيمان المرء حتى ينتصر علي أهوائه ورغباته، على شهواته ونزواته: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به" قال النووي هذا حديث صحيح.
كيف لا: والمجاهدين في غزة، يعلمون أن الله جعل النصر بيده }وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ{(سورة آل عمران)، واختصهم به }وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ{(سورة الروم) لكنه علق هذا النصر وشرطه بعمل المؤمنين أنفسهم }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ{(سورة محمد).
كيف لا: وفرسان غزة عاشوا الإسلام وتنفسوه، فدربهم على أنواع الصبر وألوانه، الصبر على أداء الواجب حتى يبلغوا درجة الكمال، والصبر على دوافع النفس ونزعات الهوى حتى يبلغوا درجة التقي، والصبر علي بلايا الأيام ونكبات الدهر حتى يبلغوا مراتب الرضا، قست عليهم الاعداء، وشدد عليهم الاقرباء في حصار مقيت، فما ضعفوا وما استكانوا، ما غيروا وما بدلوا، ولكنهم غالبوا الشدائد وقاوموا المكائد و صابروا الأعداء، وأطاعوا رب الأرض والسماء.
كيف لا: و فرسان غزة لا يزالون مرابطين على الثغور ومحافظين على مر الدهور، ومقاومين أهل الشر والشرور، محافظين على الأمن القومي للأمة، وعلى كرامة الأمة وعزتها التي تنبثق من دينها، وتُمنح من ربها }وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ{[المنافقون: 8].
كيف لا: وفرسان غزة - نحسبهم كذلك ولا نزكيهم على خالقهم - يسمون فوق الماديات ويعلون على الشهوات، إنهم يزهدون فيما عند الناس ويرغبون فيما عند الله، يتخففون من أثقال الدنيا و جواذب الأرض، و ينطلقون صوب الآخرة في سعادة غامرة، لسان حالهم يهتف كما هتف بلال بن رباح: وافرحتاه، غدا ألقى الأحبة، محمدا وصحبه، فيعمل الواحد منهم لمعاده كما يعمل لمعاشه، ويعمل لغده كما يعمل ليومه، ويعمل لآخرته كما يعمل لدنياه.
كيف لا: وفرسان غزة، هم فرسان المقاومة على خطى الصحابة، يقتدوا بنبيهم، يستنون بسنته، ويسلكون طريقته، ينتهجون شريعته عليه الصلاة والسلام. يعلمون أن متاع الدنيا مهما طال فإنه قصير، ومهما كثر فإنه قليل.
}قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلًا{(سورة النساء).
كيف لا: وفرسان فلسطين يتحركون في الأرض بهذا الفهم، ويعيشون في الدنيا بهذا الفقه، تبقى الدنيا في أيديهم لا في قلوبهم، فيجعلونها مزرعة لآخرتهم، ومرضاة لربهم، وحبا لنبيهم، وتنفيذا لأوامر دينهم، لا من أجل مصلحة شخصية ولا منفعة مادية، ولا شهوة حسية، وإنما عملوا من أجل إعمار الحياة، حبا لذات الله، واتباعا لرسول الله }قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{(سورة آل عمران).
إن فرسان غزة يُضطهدون، لا لذنب فعلوه، ولا لجرم اقترفوه إلا أن يقولوا ربنا الله، فلم يغيروا مبادئهم ولم يتركوا أماكنهم التي رسمها الإسلام لهم، وهم يعلمون أن في ذلك حياتهم يدافعون عن أمتهم ودينهم ومقدساتهم وحياتهم.
كيف لا: وقد أمرهم الله بالقتال، لا لحب القتال، ولا رغبة في اسالة الدماء، وإنما ردعا للعدوان، وحفظا للأوطان، وضربا لأعوان الشيطان، الذين يصدون الناس عن سبيل ربهم، ويفتنون المسلمين في دينهم ليس من الآن، وإنما من قديم الزمان }كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{(سورة البقرة)، إن فرسان غزة يضعون قدس الأقداس في عيونهم، يدافعون عنها بكل قوتهم، وبما أتيح لهم من عتاد ولو بسيط، اصبحت الحجارة في أيديهم نار على اعدائهم، يمضون بنور الله، ويضربون بقوة الله، ويرمون بتوفيق الله }فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم{(الانفال .(
فغدا الواحد منهم يمسك بسلاحه يستأصل الوثنية الحديثة، والكفر البغيض، والظلم الفاحش، والجور المتزايد من المجتمع، كما يمسك الطبيب الماهر مشرط يستأصل المرض العضال من الجسم العليل، فالإسلام لا يقبل أنصاف الحلول كيف؟!}فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ{(سورة يونس٣٢).
أبطال غزة دربهم الإسلام على أن يغلبوا أهواءهم، ويمتلكوا أنفسهم، يتجردوا من ذواتهم، يجددوا إيمانهم، وهذه عوامل القوة الحقيقية كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب".
فرسان فلسطين فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله، والصهاينة فئة كافرة تقاتل في سبيل الشيطان، فئة مؤمنة معها الحق الأبلج وأخري كافرة معها الباطل اللجلج، فكان لابد لجند الحق أن ينتصر وسينتصر، وكان لابد لجند الباطل أن يندثر وسيندثر تحقيقا لوعد الله الكريم }بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ{[الأنبياء: 18].
يذهب هذا الزبد وهذا الغثاء ويبقي ما ينفع الناس في الارض }أَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ{[الرعد: 17].
هذا ما تربي عليه المجاهدون وذاك ما أعدوه بما لديهم من وسائل، وبما عندهم من اسباب: }وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ{[الأنفال: 60].
لقد حطمت المقاومة الغرور الأحمق، لدي العدو، والجهل المطبق عند اليمين المتطرف، والاستهانة بقوه المؤمنين، فخدعهم الشيطان }وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ{[الأنفال: 48].
أما المرابطون، أما المجاهدون فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لاتزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة" رواه مسلم.
ويقول الله تعالى: }مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا{[الأحزاب: 23].
رغم أن غزة بين حصار غاشم، وحرب صادم، إلا أنهم يسطرون في الميدان ملحمة بعد ملحمة، ويستقبلون من الله مرحمة بعد مرحمة، وكأنهم هناك، كل يوم وهم يذكروننا ببدر، نعم كل يوم هم في بدر، لكن غاب عنها البدريون، وغاب عنها قائد البدريين، فإذا كان فرسان الصحابة قد تعرضوا للأحزاب وعاشوا خيانة أعدائهم، حوصروا حتى أكلوا أوراق الشجر، ففرسان اليوم في فلسطين وخاصة في غزة الأبية تعرضوا لظلم دول العالم، الأصدقاء قبل الأعداء، القريب قبل البعيد، قاوموا المكر تلو المكر، والخيانة بعد الأخرى، وتغلبوا على حصار غاشم دام سنوات طوال وانتصروا - بفضل الله - على كل ذلك، وها هم في الميدان يفجرون للعدو الصهيوني المتغطرس الدبابات ويقنصون المركبات، ويسقطون الطائرات، ويقتلون اللواءات ويأسرون الجنود، حدث كل ذلك في الشجاعية من قبل، ويحدث الآن على نطاق واسع في الأرض المحتلة، غزة الابية، وفلسطين الحبيبة، باغتهم جند غزة وفاجأوها، حتى خارت قوى العدو فهربوا من امامهم مذعورين يجرون أذيال الحسرة والخيبة والندامة، فهل يفيق المغفلون وهل ينتبه الغافلون؟
لقد فر فئران الصهيونية، قبل أن يضربوا أنفسهم بالرصاص رعبا من المقاومة وخوفا من أبطالها البواسل الذين دحروا الأعداء بصد جنودهم على الأرض وإسقاط طائراتهم في السماء.
إنهم يريدون أن يسووا بيوت غزة بالأرض، لكن من فوق بالطائرات، يخافون من المعارك وجها لوجه، لانهم يعلمون ان الابطال في فلسطين لايهمهم حصار او نار، واليهود كما وصفهم ربنا بأسهم بينهم شديد، وصدق الله }لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد){الحشر.(
لقد فضحوا العملاء الذين لا يحبون أن يتركوا طين الأرض، ولا يرغبون ان يمسكوا بحبال السماء، ولا حول ولا قوة إلا بالله رب الأرض والسماء.
إن غزة وإن كانت بحاجة للإغاثة العاجلة من أبناء هذه الأمة المخلصين، لن تنهار، وستبقى أبية عصية على الأعداء، فهذه المنطقة المكتظة بالسكان التي تخضع للحصار الإسرائيلي منذ سنوات طويلة بحاجة إلى الدواء والغذاء والمساعدات المالية لبناء ما تم تدميره هذه الأيام من قصف الترسانة العسكرية الصهيونية الغاشمة!!
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر المجاهدين في فلسطين، اللهم اجعلنا من جند الحق، وأتباع الرسل وأنصار الله.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
*نقلاً عن موقع مداد*
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فلسطين أرض الزيتون، ارض المحشر والمنشر، أرض الإسراء، ومنبت الأنبياء، ومهبط وحي السماء، الأرض المباركة، فيها قدس الأقداس، وعرس الأعراس، أولى القبلتين وثالث الحرمين، والشعب الفلسطيني بمختلف فئاته يجاهد الاحتلال الصهيوني البغيض الذي تقف خلفه الدول الكبرى الظالمة التي اختارت لهذا الكيان الغاصب قلب الوطن العربي (فلسطين)، هذه الأرض المقدسة التي تضم إحدى المقدسات الإسلامية لأكثر من ملياري مسلم في مختلف أنحاء العالم.
الأرض التي سالت فيها دماء الشهداء الأبطال من الفلسطينيين، وتشهد الآن ملحمة جديدة من الرباط والجهاد والبطولات في معركة الدفاع عن الارض المباركة والمسجد الأقصى الذي دنسته أقدام الصهاينة!!
لقد ردت غزة المحاصرة منذ عقود على جيش الاحتلال المتغطرس بأسلحة لم تكن في الحسبان، صواريخ القسام التي قال عنها مرضى القلوب، ومنافقي الأمة أنها (بنب لاتفعل شئ) ها هي في السابع من اكتوبر ثلاثة وعشرون والفين من الميلاد أوقفت العالم على أقدامه، فضلا على الصهاينة، وفزعت منها الدول الكبرى، حتى أرسلت إلى المنطقة، البارجات وحاملات الطائرات، وقاذفات الصواريخ، خوفا وذعرا، هذه الصواريخ التي صنعتها المقاومة محليا، دكت قلاع المحتلين في القدس الغربية وتل أبيب، وسديروت، وغيرها متجاوزة بذلك القبة الحديدية التي كلفت مئات الملايين من الدولارات.
وصدق الله تعالى: }إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون){الأنفال ٣٦.(
ذُعِر العدو وجن جنونه، وبدل أن يواجه الابطال من المجاهدين، راح يرمي أطنان من القنابل المحرمة دوليًا على المنازل المأهولة بالسكان، والمدارس المكتظة باللاجئين، والمستشفيات المزدحمة بالمرضي، لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة،. يقتلون الأطفال والنساء والعجائز، وللاسف العلم يتفرج وكأنها مسرحية، نسجها المنافقون، ونفذها متخاذلون متواطئون وأسيادهم من الصهاينة المتجبرين.
لقد غيرت كتائب عز الدين القسام والجهاد، وكل المقاومين في فلسطين موازين القوى، وكسرت غطرست الجيش الذي لا يقهر، أذلت اتباعه وقهرت اعوانه، إذ أظهرت المشاهد التلفزيونية المنقولة من الثكنات حالة الهلع والخوف التي تسيطر على هذا الجيش الذي تم تجميعه من أنحاء العالم، جراء رشقات الصواريخ التي تتساقط بلا انقطاع على مدن فلسطين المحتلة من النهر إلى البحر.
إنها ملحمة تدخلت فيها قوة الله للمستضعفين، ومعية الله لجنده الباسلين، انها تذكرنا حطين وعين جالوت وبدر الكبرى وغيرها من الملحمات التي جلبت النصر للمسلمين، وكسرت شوكة المداهنين والصهاينة المتغطرسين.
كيف لا: وقد تعلم فرسان غزة أن المؤمن عندما يختار الإسلام فلابد أن يقاوم الكفر، وعندما يرتضي التوحيد لابد أن يحارب الشرك، وعندما يستظل بشريعة الله لابد أن يرفض مناهج البشر، وعندما يتذوق طعم الإيمان يكره أن يعود إلي الكفر كما يكره أن يقذف في النار، (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار) "صحيح الجامع"
كيف لا: وقد عرف فرسان غزة أنه لا يتم إيمان المرء حتى ينتصر علي أهوائه ورغباته، على شهواته ونزواته: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به" قال النووي هذا حديث صحيح.
كيف لا: والمجاهدين في غزة، يعلمون أن الله جعل النصر بيده }وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ{(سورة آل عمران)، واختصهم به }وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ{(سورة الروم) لكنه علق هذا النصر وشرطه بعمل المؤمنين أنفسهم }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ{(سورة محمد).
كيف لا: وفرسان غزة عاشوا الإسلام وتنفسوه، فدربهم على أنواع الصبر وألوانه، الصبر على أداء الواجب حتى يبلغوا درجة الكمال، والصبر على دوافع النفس ونزعات الهوى حتى يبلغوا درجة التقي، والصبر علي بلايا الأيام ونكبات الدهر حتى يبلغوا مراتب الرضا، قست عليهم الاعداء، وشدد عليهم الاقرباء في حصار مقيت، فما ضعفوا وما استكانوا، ما غيروا وما بدلوا، ولكنهم غالبوا الشدائد وقاوموا المكائد و صابروا الأعداء، وأطاعوا رب الأرض والسماء.
كيف لا: و فرسان غزة لا يزالون مرابطين على الثغور ومحافظين على مر الدهور، ومقاومين أهل الشر والشرور، محافظين على الأمن القومي للأمة، وعلى كرامة الأمة وعزتها التي تنبثق من دينها، وتُمنح من ربها }وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ{[المنافقون: 8].
كيف لا: وفرسان غزة - نحسبهم كذلك ولا نزكيهم على خالقهم - يسمون فوق الماديات ويعلون على الشهوات، إنهم يزهدون فيما عند الناس ويرغبون فيما عند الله، يتخففون من أثقال الدنيا و جواذب الأرض، و ينطلقون صوب الآخرة في سعادة غامرة، لسان حالهم يهتف كما هتف بلال بن رباح: وافرحتاه، غدا ألقى الأحبة، محمدا وصحبه، فيعمل الواحد منهم لمعاده كما يعمل لمعاشه، ويعمل لغده كما يعمل ليومه، ويعمل لآخرته كما يعمل لدنياه.
كيف لا: وفرسان غزة، هم فرسان المقاومة على خطى الصحابة، يقتدوا بنبيهم، يستنون بسنته، ويسلكون طريقته، ينتهجون شريعته عليه الصلاة والسلام. يعلمون أن متاع الدنيا مهما طال فإنه قصير، ومهما كثر فإنه قليل.
}قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلًا{(سورة النساء).
كيف لا: وفرسان فلسطين يتحركون في الأرض بهذا الفهم، ويعيشون في الدنيا بهذا الفقه، تبقى الدنيا في أيديهم لا في قلوبهم، فيجعلونها مزرعة لآخرتهم، ومرضاة لربهم، وحبا لنبيهم، وتنفيذا لأوامر دينهم، لا من أجل مصلحة شخصية ولا منفعة مادية، ولا شهوة حسية، وإنما عملوا من أجل إعمار الحياة، حبا لذات الله، واتباعا لرسول الله }قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{(سورة آل عمران).
إن فرسان غزة يُضطهدون، لا لذنب فعلوه، ولا لجرم اقترفوه إلا أن يقولوا ربنا الله، فلم يغيروا مبادئهم ولم يتركوا أماكنهم التي رسمها الإسلام لهم، وهم يعلمون أن في ذلك حياتهم يدافعون عن أمتهم ودينهم ومقدساتهم وحياتهم.
كيف لا: وقد أمرهم الله بالقتال، لا لحب القتال، ولا رغبة في اسالة الدماء، وإنما ردعا للعدوان، وحفظا للأوطان، وضربا لأعوان الشيطان، الذين يصدون الناس عن سبيل ربهم، ويفتنون المسلمين في دينهم ليس من الآن، وإنما من قديم الزمان }كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{(سورة البقرة)، إن فرسان غزة يضعون قدس الأقداس في عيونهم، يدافعون عنها بكل قوتهم، وبما أتيح لهم من عتاد ولو بسيط، اصبحت الحجارة في أيديهم نار على اعدائهم، يمضون بنور الله، ويضربون بقوة الله، ويرمون بتوفيق الله }فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم{(الانفال .(
فغدا الواحد منهم يمسك بسلاحه يستأصل الوثنية الحديثة، والكفر البغيض، والظلم الفاحش، والجور المتزايد من المجتمع، كما يمسك الطبيب الماهر مشرط يستأصل المرض العضال من الجسم العليل، فالإسلام لا يقبل أنصاف الحلول كيف؟!}فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ{(سورة يونس٣٢).
أبطال غزة دربهم الإسلام على أن يغلبوا أهواءهم، ويمتلكوا أنفسهم، يتجردوا من ذواتهم، يجددوا إيمانهم، وهذه عوامل القوة الحقيقية كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب".
فرسان فلسطين فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله، والصهاينة فئة كافرة تقاتل في سبيل الشيطان، فئة مؤمنة معها الحق الأبلج وأخري كافرة معها الباطل اللجلج، فكان لابد لجند الحق أن ينتصر وسينتصر، وكان لابد لجند الباطل أن يندثر وسيندثر تحقيقا لوعد الله الكريم }بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ{[الأنبياء: 18].
يذهب هذا الزبد وهذا الغثاء ويبقي ما ينفع الناس في الارض }أَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ{[الرعد: 17].
هذا ما تربي عليه المجاهدون وذاك ما أعدوه بما لديهم من وسائل، وبما عندهم من اسباب: }وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ{[الأنفال: 60].
لقد حطمت المقاومة الغرور الأحمق، لدي العدو، والجهل المطبق عند اليمين المتطرف، والاستهانة بقوه المؤمنين، فخدعهم الشيطان }وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ{[الأنفال: 48].
أما المرابطون، أما المجاهدون فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لاتزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة" رواه مسلم.
ويقول الله تعالى: }مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا{[الأحزاب: 23].
رغم أن غزة بين حصار غاشم، وحرب صادم، إلا أنهم يسطرون في الميدان ملحمة بعد ملحمة، ويستقبلون من الله مرحمة بعد مرحمة، وكأنهم هناك، كل يوم وهم يذكروننا ببدر، نعم كل يوم هم في بدر، لكن غاب عنها البدريون، وغاب عنها قائد البدريين، فإذا كان فرسان الصحابة قد تعرضوا للأحزاب وعاشوا خيانة أعدائهم، حوصروا حتى أكلوا أوراق الشجر، ففرسان اليوم في فلسطين وخاصة في غزة الأبية تعرضوا لظلم دول العالم، الأصدقاء قبل الأعداء، القريب قبل البعيد، قاوموا المكر تلو المكر، والخيانة بعد الأخرى، وتغلبوا على حصار غاشم دام سنوات طوال وانتصروا - بفضل الله - على كل ذلك، وها هم في الميدان يفجرون للعدو الصهيوني المتغطرس الدبابات ويقنصون المركبات، ويسقطون الطائرات، ويقتلون اللواءات ويأسرون الجنود، حدث كل ذلك في الشجاعية من قبل، ويحدث الآن على نطاق واسع في الأرض المحتلة، غزة الابية، وفلسطين الحبيبة، باغتهم جند غزة وفاجأوها، حتى خارت قوى العدو فهربوا من امامهم مذعورين يجرون أذيال الحسرة والخيبة والندامة، فهل يفيق المغفلون وهل ينتبه الغافلون؟
لقد فر فئران الصهيونية، قبل أن يضربوا أنفسهم بالرصاص رعبا من المقاومة وخوفا من أبطالها البواسل الذين دحروا الأعداء بصد جنودهم على الأرض وإسقاط طائراتهم في السماء.
إنهم يريدون أن يسووا بيوت غزة بالأرض، لكن من فوق بالطائرات، يخافون من المعارك وجها لوجه، لانهم يعلمون ان الابطال في فلسطين لايهمهم حصار او نار، واليهود كما وصفهم ربنا بأسهم بينهم شديد، وصدق الله }لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد){الحشر.(
لقد فضحوا العملاء الذين لا يحبون أن يتركوا طين الأرض، ولا يرغبون ان يمسكوا بحبال السماء، ولا حول ولا قوة إلا بالله رب الأرض والسماء.
إن غزة وإن كانت بحاجة للإغاثة العاجلة من أبناء هذه الأمة المخلصين، لن تنهار، وستبقى أبية عصية على الأعداء، فهذه المنطقة المكتظة بالسكان التي تخضع للحصار الإسرائيلي منذ سنوات طويلة بحاجة إلى الدواء والغذاء والمساعدات المالية لبناء ما تم تدميره هذه الأيام من قصف الترسانة العسكرية الصهيونية الغاشمة!!
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر المجاهدين في فلسطين، اللهم اجعلنا من جند الحق، وأتباع الرسل وأنصار الله.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
*نقلاً عن موقع مداد*