مثّل الهجومُ المفاجئ الذي شنّه مقاتلو «حماس» على إسرائيل يوم 7 أكتوبر أعنف عمل حربي تواجهه إسرائيل منذ قيامها عام 1948. ونتيجة لذلك، ثمة أزمة جديدة اليوم في الشرق الأوسط تنطوي على مزيد من العنف والتصعيد الحتميين. كيفية تأثير هذه الأزمة على قضايا الحرب والسلام الأوسع في المنطقة لن تظهر إلا تدريجياً. والرد الإسرائيلي سيكون انتقاماً قوياً وساحقاً، لكن الجانب السلبي لهذه المقاربة بديهي بالنظر إلى أن العديد من الإسرائيليين ومواطني بلدان أخرى أُخذوا كرهائن وأن مواطني غزة سيُقتلون.
خلال الأشهر التي سبقت الهجوم، طغت ثلاثُ قضايا على الأجندة السياسية وأجندة الأمن القومي الإسرائيلي؛ أولاها المظاهرات الاستثنائية التي نظّمها الإسرائيليون احتجاجاً على حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة بعد تقدّمها بتشريع يرمي إلى تعديل النظام القضائي الإسرائيلي. والثانية هي العنف المتزايد بين المستوطنين الإسرائيليين والفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس، مما تطلّب زيادة كبيرة في الوجود العسكري الإسرائيلي. أما الثالثة، فهي المبادرات الأخيرة للتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وبعض دول المنطقة لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة.
خلال هذه الفترة لم تكن هناك تعليقات داخل إسرائيل حول احتمال حدوث انتفاضة فلسطينية. غير أن عدداً من الحكومات العربية، بما في ذلك مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، كانت قد حذّرت من أنه لن يكون هناك مناص من العنف في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة إذا لم يتحقق تقدم بشأن معالجة معضلة الاحتلال والسيطرة الإسرائيليين.
ويُعزى غياب المعلومات الاستخبارية والتحذيرات بشأن الهجوم إلى الإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها حركة «حماس» للإبقاء على خططها سريةً. فوفقاً لبعض التقارير، فإن الحركة تمكنت من تحقيق هذه المفاجأة عبر تبني استراتيجيتين أساسيتين: الأولى خداع إسرائيل بمنحها شعوراً زائفاً بالأمان عبر التأكيد على أن الانخراط الاقتصادي المحدود مع إسرائيل مفيدٌ جداً لغزة بالنظر إلى فقرها المدقع. ولهذا كان الحصول على تصاريح عمل للسفر إلى إسرائيل من أجل العمل يحظى بأولوية أكبر من القتال. وحينما أطلقت حركة «الجهاد الإسلامي» صواريخ من غزة على إسرائيل، ندّدت «حماس» بالهجمات. أما الاستراتيجية الثانية، فارتكزت على الحذر الشديد وبذل جهد كبير جداً لقصر خططها على عدد محدود من الأشخاص، و«الخروج من الشبكة»، وعدم الانخراط في الاتصالات الإلكترونية، وإنما الاعتماد على نظام تواصل لا يمكن اختراقه من قبل أنظمة المراقبة الإسرائيلية المتطورة جداً التي أُنشئت لمراقبة أنشطة «حماس».
إن مقتل مئات المدنيين الإسرائيليين شكّل صدمةً كاملةً للمجتمع الإسرائيلي. وتمكن مقارنته، من بعض النواحي، بالهجومين المصري والسوري اللذين شُنّا في السادس من أكتوبر 1973، وشكّلا تهديداً لسيطرة إسرائيل على مرتفعات الجولان ولدفاعاتها العسكرية بمحاذاة قناة السويس. تلك الحرب انتهت مع بداية عملية سلام بين إسرائيل ومصر يعود الفضل فيها جزئياً إلى دبلوماسية وزير الخارجية الأميركي في حينه هنري كيسنجر وحكمة الرئيس المصري أنور السادات وتبصره. وفي نهاية المطاف، تمكنت مصر من استعادة كل الأراضي التي فقدتها أمام إسرائيل خلال حرب 1967.
لكن الوضع الآن في غزة مختلف جداً؛ ذلك أن «حماس» ليس لديها أي مصلحة في إبرام معاهدة سلام مع إسرائيل، وربما ترحِّب بهجوم إسرائيلي سيؤدي حتماً إلى سقوط العديد من الضحايا بين السكان المدنيين المحاصَرين. وأغلب الظن أن «حماس» خلصت إلى أنه إذا كان الغضب الدولي الأولي من سلوكها ضد المواطنين الإسرائيليين سيكون كبيراً وقوياً، فإن الرأي العام سينقلب على إسرائيل والولايات المتحدة في نهاية المطاف إذا تزايدت أعداد الإصابات في صفوف المدنيين الفلسطينيين.
اليوم، تبدو الآفاق قاتمة. ذلك أن أي آمال في التوصل إلى اتفاق سلام وشيك بين إسرائيل ومزيد من دول المنطقة ستتبدد، وإسرائيل نفسها ستُواجه على الأرجح أزمةً داخلية تتعلق بتحديد الأطراف التي تتحمل المسؤولية عن الكارثة. وقد يؤدي ذلك إلى انتخابات جديدة وحكومة جديدة. وحتى في حال ظهور قيادة أكثر وسطية، فإن الدعم لـ«حل الدولتين» سيتأجل أكثر من ذي قبل.
*نقلاً عن مركز الإتحاد للأخبار*
خلال الأشهر التي سبقت الهجوم، طغت ثلاثُ قضايا على الأجندة السياسية وأجندة الأمن القومي الإسرائيلي؛ أولاها المظاهرات الاستثنائية التي نظّمها الإسرائيليون احتجاجاً على حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة بعد تقدّمها بتشريع يرمي إلى تعديل النظام القضائي الإسرائيلي. والثانية هي العنف المتزايد بين المستوطنين الإسرائيليين والفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس، مما تطلّب زيادة كبيرة في الوجود العسكري الإسرائيلي. أما الثالثة، فهي المبادرات الأخيرة للتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وبعض دول المنطقة لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة.
خلال هذه الفترة لم تكن هناك تعليقات داخل إسرائيل حول احتمال حدوث انتفاضة فلسطينية. غير أن عدداً من الحكومات العربية، بما في ذلك مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، كانت قد حذّرت من أنه لن يكون هناك مناص من العنف في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة إذا لم يتحقق تقدم بشأن معالجة معضلة الاحتلال والسيطرة الإسرائيليين.
ويُعزى غياب المعلومات الاستخبارية والتحذيرات بشأن الهجوم إلى الإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها حركة «حماس» للإبقاء على خططها سريةً. فوفقاً لبعض التقارير، فإن الحركة تمكنت من تحقيق هذه المفاجأة عبر تبني استراتيجيتين أساسيتين: الأولى خداع إسرائيل بمنحها شعوراً زائفاً بالأمان عبر التأكيد على أن الانخراط الاقتصادي المحدود مع إسرائيل مفيدٌ جداً لغزة بالنظر إلى فقرها المدقع. ولهذا كان الحصول على تصاريح عمل للسفر إلى إسرائيل من أجل العمل يحظى بأولوية أكبر من القتال. وحينما أطلقت حركة «الجهاد الإسلامي» صواريخ من غزة على إسرائيل، ندّدت «حماس» بالهجمات. أما الاستراتيجية الثانية، فارتكزت على الحذر الشديد وبذل جهد كبير جداً لقصر خططها على عدد محدود من الأشخاص، و«الخروج من الشبكة»، وعدم الانخراط في الاتصالات الإلكترونية، وإنما الاعتماد على نظام تواصل لا يمكن اختراقه من قبل أنظمة المراقبة الإسرائيلية المتطورة جداً التي أُنشئت لمراقبة أنشطة «حماس».
إن مقتل مئات المدنيين الإسرائيليين شكّل صدمةً كاملةً للمجتمع الإسرائيلي. وتمكن مقارنته، من بعض النواحي، بالهجومين المصري والسوري اللذين شُنّا في السادس من أكتوبر 1973، وشكّلا تهديداً لسيطرة إسرائيل على مرتفعات الجولان ولدفاعاتها العسكرية بمحاذاة قناة السويس. تلك الحرب انتهت مع بداية عملية سلام بين إسرائيل ومصر يعود الفضل فيها جزئياً إلى دبلوماسية وزير الخارجية الأميركي في حينه هنري كيسنجر وحكمة الرئيس المصري أنور السادات وتبصره. وفي نهاية المطاف، تمكنت مصر من استعادة كل الأراضي التي فقدتها أمام إسرائيل خلال حرب 1967.
لكن الوضع الآن في غزة مختلف جداً؛ ذلك أن «حماس» ليس لديها أي مصلحة في إبرام معاهدة سلام مع إسرائيل، وربما ترحِّب بهجوم إسرائيلي سيؤدي حتماً إلى سقوط العديد من الضحايا بين السكان المدنيين المحاصَرين. وأغلب الظن أن «حماس» خلصت إلى أنه إذا كان الغضب الدولي الأولي من سلوكها ضد المواطنين الإسرائيليين سيكون كبيراً وقوياً، فإن الرأي العام سينقلب على إسرائيل والولايات المتحدة في نهاية المطاف إذا تزايدت أعداد الإصابات في صفوف المدنيين الفلسطينيين.
اليوم، تبدو الآفاق قاتمة. ذلك أن أي آمال في التوصل إلى اتفاق سلام وشيك بين إسرائيل ومزيد من دول المنطقة ستتبدد، وإسرائيل نفسها ستُواجه على الأرجح أزمةً داخلية تتعلق بتحديد الأطراف التي تتحمل المسؤولية عن الكارثة. وقد يؤدي ذلك إلى انتخابات جديدة وحكومة جديدة. وحتى في حال ظهور قيادة أكثر وسطية، فإن الدعم لـ«حل الدولتين» سيتأجل أكثر من ذي قبل.
*نقلاً عن مركز الإتحاد للأخبار*