بين حرّ قائظ وعواصف عاتية وفيضانات جارفة وحرائق تندلع وتأكل الغابات، تواجه الأرض تغيرات مناخية كارثية، وما جرى في شهر يوليو في أوروبا وأميركا وبعض البلدان الآسيوية خير دليل على هذه التغيرات، حيث سجلت الحرارة درجات قياسية على جانبي البحر المتوسط وأميركا الشمالية، وما تزال الحرائق تقضي على الأخضر واليابس وتلحق أضراراً جسيمة بالناس والبنى التحتية.
السلطات الأميركية أعلنت أن يوليو هذا العام كان الأكثر سخونة على الأرض منذ مئات السنين، ونحو 80 مليون أميركي يواجهون درجات حرارة بلغت 43 درجة مئوية أو أعلى، لتمتد تلك الموجة إلى كافة أنحاء البلاد، فيما الجفاف والحرارة المرتفعة تسببت في اندلاع حرائق غابات في بلدان واقعة على جانبي المتوسط، فمات عدد من الناس في كل من الجزائر واليونان وتونس، وتتواصل الموجة الحارة لتسجل أرقاماً قياسية. ففي الجزائر نشب 97 حريقاً في الغابات والمحاصيل الزراعية في 16 ولاية، وبفعل الرياح التي شهدتها بعض الولايات امتدت الحرائق إلى قرى مأهولة فمات 34 شخصاً على الأقل، كما تم إغلاق معبرين حدوديين مع تونس التي شهدت بدورها حرائق خطرة.
في إيطاليا اجتاحت غابات «كالابريا» حرائق كبيرة، وانقطعت الكهرباء في صقلية، لكن اليونان كانت الأشد تضرراً من الحرائق، والتي أجبرت السلطات على اتخاذ قرار بإجلاء أكثر من 20 ألف شخص من منازلهم ومنتجعاتهم في جنوب جزيرة رودوس لينتهي الموسم السياحي قبل أن يبدأ بإعادة نحو ثلاثة آلاف مصطاف إلى ديارهم، وإلغاء شركات السفر عشرات الرحلات.
يحدث كل ذلك والجدل محتدم بين الحكومات حول الدول التي يجب أن تتحمل كلفة تغير المناخ، وخصوصاً بين الولايات المتحدة والصين. فهل ستصل هاتين الدولتين صاحبتا أكبر اقتصادين في العالم إلى حلول وسبل للعمل معاً لنشر الطاقة المتجددة وتمويل المسائل المرتبطة بالمناخ؟ في المقابل يمارس الاتحاد الأوروبي - أكبر مساهم في تمويل مشروعات التصدي لآثار تغير المناخ- ضغوطاً لتوسيع قاعدة الدول المقدمة للتمويل.
لم يعد هناك إنسان لا يدرك خطورة قضية الاحتباس الحراري وآثارها على مستقبل الحياة على كوكب الأرض، وأكاد أجزم أن كل سكان الأرض باتوا على يقين بأن الأداء العالمي الحالي للتعاطي مع تلك المشكلة - التي تتفاقم عاماً بعد عام - غير كافٍ، خصوصاً وأن العلماء يتوقعون تتالي وقوع أضرار أكبر وأشد تدميراً نتيجة تخلف دول العالم عن القيام بدورها للحد من الانبعاثات التي تزيد من مخاطر الاحتباس الحراري الذي وصفوه باسم (القاتل الصامت) والذي يُلحق خسائر بشرية فادحة وخاصة بالفقراء وكبار السن ممن يعانون أمراضاً مزمنة. وهو ما أكده بحث علمي نُشر مؤخراً، حيث إن نحو 61 ألف شخص لقوا حتفهم في موجات الحر الشديدة في أوروبا الصيف الماضي، في حين كشف تقرير للوكالة الدولية للطاقة أن درجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ارتفعت بين عامي 1980 و2022 بمقدار 0.46 درجة مئوية لكل عقد من الزمن، أي أعلى بكثير من المتوسط العالمي البالغ 0.18 درجة.
إذا استمر هكذا ومن دون حلول، فإن العقود الخمسة المقبلة ستشهد ارتفاعاً أكبر، يرافقه تغيرٌ في أنماط هطول الأمطار التي قد تتسبب في تشكيل سيول مدمرة. إن أغلبية الدراسات المتخصصة ترسم صورة قاتمة للمستقبل، تشتمل على تأثيرات عنيفة متوقعة للكوارث المناخية، وبالتالي فإن الوصول إلى صافي انبعاث صفري بحلول عام 2050 سيكون مهمة صعبة، وقد تكون مستحيلة.
لكن سننتظر قمة «COP28» التي ستستضيفها الإمارات في نهاية نوفمبر المقبل، والتي ستكون بمثابة فرصة للدول والحكومات لعرض جهودها من أجل الإسهام الفاعل في معالجة أزمة المناخ وإنقاذ الحياة. فهلا توقفنا قليلاً وأنصتنا لآلام أمنا الأرض.
**نقلاً عن صحيفة الإتحاد