إعداد: فادي محمد الدحدوح
خبير في البحث العلمي
مع إشراقة السنة الجديدة، ما زالت بذور الأزمات بمختلف أصنافها تؤثر تأثيرا عميقا على كافة مناحي الحياة، ولعل الحقيقة التي لا مفر من مواجهتها هي أن العالم أضحى الآن يعاني بفائض أعمق في خطاب الكراهية يضاهي في خطورته وذروة انتشاره وباء كورونا وتحديدا فئة الشباب خاصة مع تزايد الأدوات المساعدة كالإعلام التفاعلي ومنصات التواصل الاجتماعي، والحاضنات المغذية لخطاب الكراهية، وكما بات العالم ينظم بروتوكولا علاجيا لمواجهة وباء كورونا، فهو بحاجة مماثلة لمواجهة وباء خطاب الكراهية.
إن خطاب الكراهية في المجتمع وتعمق بذوره بين فئة الشباب تحديدا هو المنبع الرئيس لتعاظم الإرهاب والتطرف الفكري، وقد أضحى من الصعب تكميم تلك الأفواه التي تنشر بذور الكراهية في أوساط المجتمع بشكل كامل في ظل الفضاء الواسع والحرية غير المسبوقة، لذلك يجب تحصين أفراد المجتمع وفق منهجية قائمة على أساس الفكر الصحيح والتربية السليمة، وأهم وسائل التحصين هي تعزيز القيم الإنسانية المشتركة وأبرزها احترام الاختلاف والتعددية الفكرية ونشر ثقافة السلام الاجتماعي.
تعد وسائل الإعلام الجديد ومنصاته التفاعلية أهم الأدوات الفاعلة والأكثر تأثيرا التي تسهم في تشكيل الصورة الذهنية في أذهان الشباب وتكوينها وتكتسب هذه الوسائل أهمية كبرى بسبب انتشارها الواسع وقدرتها البالغة على الإبهار والاستقطاب، إذ إنها وسعت مداركنا لما يستحق أن ننظر إليه، بل ولما لدينا الحق للنظر إليه فضلاً عن أنها منحتنا الإحساس أننا نستطيع أن نحتضن العالم في عقولنا كمنظومة مترابطة، ولأن منصات وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أدواته أصبحت ذات تأثير واسع وملموس في عالمنا المعاصر، ركبها العارف والجاهل، المهني والدخيل، كل منهم استغل هذا الوافد الجديد لنقل أفكاره ونشر تصوراته، وقد استفاد الشباب كغيره من الفئات الأخرى من الوافد الجديد، وأبحر في عالم السماوات المفتوحة، ونقل عبرها أفكاره وتصوراته ورؤيته للعالم.
يكثر اليوم تداول وتناول خطاب الكراهية ولا سيما في المنابر الإعلامية وحتى على صعيد المؤسسات التربوية، ويطلق غالباً ويراد به، ما يكنه الإنسان من مشاعر البغض للآخر، وما يمارسه من تهميشه وإقصائه، والنظرة الدونية له، فثقافة الكراهية تطلق ليعبر بها عن حالة يتم فيها تجاوز المشاعر القلبية تجاه الآخر إلى الممارسات العملية المؤدية إلى أذيته، والإضرار به، بسبب الاختلاف في الجنس أو اللون أو اللغة أو الدين، وهناك من يتوسع في استعمال هذا المصطلح على ما يقع من مشاعر قلبية تجاه الغير لأي من الأسباب المتقدمة ونحوها، ولو لم يصاحب تلك المشاعر أذية له أو مساس بحرمته.
تتزايد معاناة المجتمعات بشكل عام من تصاعد خطاب الكراهية، وهي وإن اختلفت في حجمها ومستواها وحدتها من مجتمع إلى آخر إلا أنه يجمعها فكر واحد، هو فكر التطرف والتشدد والانتصار للعرق أو المذهب والفكر وبث الحقد بين الآخرين، والذي تحول في كثير من نتائجه إلى سلوكيات عدوانية وصلت إلى ترويع المجتمعات واستهداف الآمنين الأبرياء، بهدف زعزعة الاستقرار، وبث الرعب وصولاً إلى أهداف ومقاصد متعددة، ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وتطور وسائل التفاعل والحرية زاد انتشار خطاب الكراهية، وتعمق خطرها، وعظم شررها على الفرد والمجتمع، وإزاء انتشار خطاب الكراهية بين مختلف فئات المجتمع فقد أصبحت هناك ضرورة هامة للكتابة في هذا الموضوع لإلقاء الضوء على حقيقة هذه الثقافة السلبية، وكشف القناع عنها لتتضح الحقائق وتنكشف الدسائس، وبذل كل الجهود للتصدي لهذا الخطاب ومعالجته بشكل منهجي ووفق خطة متكاملة وعبر تضافر جهود وتعاون مشترك.
وفي خضم هذه الظاهرة نجد هناك جهودا تبذل وسياسات توضع، وأفكارا تناقش لمواجهة خطاب الكراهية، إلا أنه ظهر واضحا حاليا أن هذه الجهود لن تكون كافية لوحدها، وأن كافة الجهات المعنية بالمجتمع بدء من المؤسسات التربوية والدينية أن تعمل بعزم وتفكر بحزم، يذكون الوعي العام بضرورة مكافحة خطاب الكراهية وتعريته من مبرراته الواهية، ومن ثم التعامل مع مواقع التواصل بطريقة أكثر حذراً، وإفشاء الطرائق الصحيحة في استخدامها، بدلاً من الحلول والمسكنات المؤقتة التي لا تحل الإشكال جذرياً، مع تبادل الدروس المستفادة من المنظمات المحلية والوطنية والدولية، عطفاً على الجهات المتخصصة في مجال مكافحة خطاب الكراهية، ويبقى الركن الركين في المشهد، وهو دعوة صانعي السياسات إلى اتخاذ إجراءات ملموسة ضد مرتكبي جرائم نشر خطاب الكراهية، فمن لا يرتدع بناموس الأخلاق، تردعه ولا شك القوانين الوضعية.