قراءة في..رسائل «باراك أوباما» إلى العالم الإسلامي
د. بدر الدين غازي
تسلَّم «باراك أوباما» مهامَّ الرئاسة الأمريكية ظهر يوم الثلاثاء 20 يناير 2009م، وأرسل فور ذلك عدداً من الرسائل المهمة إلى العالم الإسلامي، وهي رسائل يجب قراءتها جيداً واستيعاب مدلولاتها ومعانيها وبخاصة في ضوء الواقع السياسي والاقتصادي الأمريكي والتركة الثقيلة التي ورثها «أوباما» عن سلفه «بوش» داخل الولايات المتحدة وخارجها، والمستوى الخطير الذي وصلت إليه سمعة الإدارة الأمريكية في العالم الإسلامي وأيضاً في بقية العالم، والاحتقان الذي يتصاعد في العلاقات بين أمريكا والأمة الإسلامية.
وهذه قراءة في تلك الرسائل:
< بعد ساعات قليلة تقدّم المدَّعي العام (وزير العدل) الجديد بطلب إلى المحكمة المختصة لوقف المحاكمات التي تجرى لمعتقلي «جوانتانامو» لمدة أربعة أشهر لحين مراجعة الملف برمته، وقضت المحكمة على وجه السرعة بقبول ذلك الطلب.
< في اليوم الثاني أصدر «أوباما» أمراً تنفيذياً بإغلاق معتقل «جوانتانامو» خلال عام واحد.
< في الوقت نفسه أصدر قراراً بإغلاق السجون السرية التي تديرها وكالة المخابرات المركزية (C.I.A) خارج أمريكا، وذلك بالطبع يشمل دولاً أوروبية وعربية ويشمل أعداداً كبيرة من المسلمين المعتقلين بسبب تقارير أمنية لا يمكن أن تصمد أمام القضاء، أو بغير سبب.. وهناك مثل حي على ذلك يتمثل في حالة سامي الحاج مصور «قناة الجزيرة» الإخبارية، الذي قضى ست سنوات معتقلاً في «جوانتانامو» بلا تهمة قبل أن يُطلق سراحه.
في اليوم الثالث (الخميس 22/1/2009م) ذهب الرئيس «أوباما» إلى وزارة الخارجية الأمريكية ليعلن تعيين السيناتور «جورج ميتشيل» مبعوثاً خاصاً لشؤون الشرق الأوسط (أي القضية الفلسطينية) وتعيين السفير «ريتشارد هولبروك» مبعوثاً خاصاً لشؤون أفغانستان وباكستان.
ويُعَدُّ «هولبروك» و«ميتشيل» من أكفأ الدبلوماسيين الأمريكيين إن لم يكونا الأكفأ على الإطلاق في الوقت الحالي ولهما إنجازات تاريخية كبيرة في حل الصراعات في البوسنة وأيرلندا، كما أن السيناتور «ميتشيل» كان قد أعد تقريراً عن مشكلة فلسطين قبيل نهاية عهد الرئيس الأسبق «بيل كلينتون»، لم يلتفت إليه الرئيس السابق «جورج بوش»، كما لم يلتفت إلى التقرير الشهير الذي قدمه وزير الخارجية الأسبق «جيمس بيكر»، ومعه عضو الكونجرس «لي هاملتون» في شأن العراق.
< على غير عادة الرؤساء الأمريكيين، انتقل الرئيس «أوباما» إلى وزارة الخارجية ليعقد المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه تعيين هذَيْن المبعوثَيْن، وقد تكون هذه اللفتة مجاملة لوزيرة الخارجية «هيلاري كلينتون» التي كانت تنافسه على الترشح لانتخابات الرئاسة عن الحزب الديمقراطي.
ومن المعروف في أروقة واشنطن أن وزارة الخارجية يُوجَد فيها المتعاطفون مع وجهة النظر العربية، في حين تسود وجهة النظر الصهيونية في وزارة الدفاع «البنتاجون».
< في الوقت ذاته أعلن «أوباما» أنه قد آن الأوان أن يُترك العراق لشعبه وأنه سوف يسحب القوات الأمريكية خلال ستة عشر شهراً وبدأت الأطقم العسكرية والإدارية الإعداد لذلك.
< سبق لـ«أوباما» أن أعلن أنه سوف يتفاوض مع إيران، واستبعد بذلك شبح الحرب التي ظل الرئيس السابق بوش يهدد بها إيران لمدة ثمانى سنوات.
< عقد «أوباما» أول مقابلة إعلامية له في البيت الأبيض مع قناة «العربية» الفضائية، وقال فيها: إن الولايات المتحدة لها مصالح في العالم الإسلامى.. وإن لغة الخطاب مع العالم الإسلامى ينبغى أن تقوم على الاحترام.. وإن في عائلتي أفراداً مسلمين.. وإنني عشت في دول إسلامية.. وإن أمريكا ليست عدواً للمسلمين».
طريق جديد!
وقبل هذه الرسائل كان «أوباما» قد تحدث في خطاب تنصيبه عن «طريق جديد إلى الأمام مع المسلمين على أساس المصالح والاحترام المتبادل».. وأعلن قبل ذلك خلال حملته الانتخابية أنه سوف يُلقي خطاباً في إحدى العواصم الإسلامية في وقت ما خلال المائة يوم الأولى من رئاسته.
وحيث إن البداية الأولى لعهد أوباما كانت تلك الرسائل الموجهة إلى العالم الإسلامي، وفي ضوء أن طبيعة الأمور تقضي بأن تعالج المشكلات الأكثر أهمية قبل المشكلات المهمة وقبل تلك الأقل أهمية، وحيث إن «أوباما» لم يعيِّن مبعوثاً خاصاً لشؤون كوريا أو كوبا أو الصين أو حتى كشمير أو الصومال، أو مبعوثاً خاصاً للتفاوض حول إنقاذ صناعة السيارات الأمريكية التي يهدد انهيارها بفقدان ملايين الوظائف في المجتمع الأمريكي الذي يعاني من بطالة متزايدة.. فمن الطبيعي أن نستنتج أن الهمَّ الأكبر والتحدي العاجل الذي تواجهه إدارة «أوباما» يتعلق بالقضايا الإسلامية الساخنة في فلسطين وأفغانستان والعراق، وبالقضية الكبرى التي اصطُلِح على تسميتها بـ«الإرهاب»، وما شابها من انتهاك للدساتير والقوانين الدولية والوطنية وحقوق الإنسان وانعكاسات ذلك على سمعة أمريكا ومكانتها على المستويَيْن الإنساني والأخلاقي، وهو ما يفسر قوله يوم تنصيبه: «لابد أن ننهض، ونزيل التراب من على أنفسنا، ونبدأ ثانيةً العمل لإعادة صنع أمريكا».. في خطاب سادته نبرة الجدية والهم، واستغرق ثماني عشرة دقيقة ونصف الدقيقة في حفل حضره مليون أمريكي، واستمع إليه مئات الملايين في أمريكا والعالم.
مقوِّمات بشرية
ولأن أفضل البرامج والسياسات تنتهي بالفشل والأسى إذا وُسِّد الأمر لغير أهله، فمن الضروري أن نستعرض المقوِّمات البشرية التي ستقوم على إدارة الدبلوماسية الأمريكية في عهد «أوباما»:
أولاً: إن «باراك أوباما» (47 عاماً) كان عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية «إلينوي» (التي جاء منها إبراهام لينكولن)، وانتُخِب رئيساً كما رأينا قبل أن يكمل حتى دورة واحدة في الكونجرس، وكان قبل ذلك عضواً في برلمان الولاية، وأستاذاً للقانون الدستوري في جامعة «شيكاغو»، وحصل قبل ذلك على الدكتوراه في القانون من جامعة «هارفارد»، وهو بذلك يختلف ذهنياً وفكرياً عن سلفه «جورج بوش».
ثانياً: تم تمويل حملة «أوباما» من عدد هائل من الأمريكيين الذين تبرعوا بمبالغ صغيرة، وكان قد رفض مع بداية حملته الدعم الفيدرالى لحملته الانتخابية.. وأصدر أيضاً (خلال أيام رئاسته الأولى) توجيهات وأوامر تنفيذية وتشريعات لإحكام الرقابة وتضييق السبل أمام جماعات الضغط(Lobbies) وأموالها الكثيرة، ولا يُعتقَد أن هذا سيكون محل ترحيب من «اللوبي الصهيوني» الذي ذاع صيته واتسع أثره وأزعجه بلا شك توجه «أوباما» للحوار مع إيران، والانسحاب من العراق، والحديث عن فتح المعابر.
ثالثاً: إن «أوباما» نشأ وتربَّى في بيئة الحزب الديمقراطي في شيكاغو، وهي مدرسة سياسية عريقة، لا يُخشى على من تعلم فيها من قوى ووسائل النصب والاحتيال، حتى وإن لبست ثياب القداسة، كما فعلت قوى «المحافظين الجدد» (اليمين النصراني المتطرِّف) مع سلفه.
رابعاً: من المؤكّد أن «أوباما» سيتلقى استشاراته من وزيرة الخارجية «هيلاري كلينتون»، وبالتالي من زوجها الرئيس الأسبق «كلينتون» (الديمقراطي)، ومن «ميتشيل» و«هولبروك» في الميدان، ومن الرئيس الديمقراطي الأسبق «جيمي كارتر» الذي التقى خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في دمشق مرتيْن، ومن وزير الخارجية الأسبق «كولن باول».. والمرجَّح أيضا من وزير الخارجية الأسبق «جيمس بيكر»، الذي سألته مجلة «نيوزويك» العربية (27 يناير 2009م): «كيف ينبغي للرئيس أوباما أن يدير عملية السلام «الإسرائيلية» - الفلسطينية؟»، وكان رده: «يجب أن تشرك حركة «حماس» فيها».
كلٌّ.. يعدُّ عُدَّته!
يتضح مما سبق أننا أمام زخم دبلوماسي يلقى قبولاً شعبياً كبيراً في أمريكا وأرجاء واسعة من العالم، وأن ذلك سوف يسكت أصوات القنابل والمدافع لفترة قد تطول.. ولهذا يجب أن يُعِدَّ كل طرف عُدَّته من أوراق الضغط ووسائل التفاوض ولغة الخطاب المناسبة وتوظيف الاعتبارات الاقتصادية والسياسية والجغرافية للمعركة الدبلوماسية التي ظهرت نذرها.
ولا شكَّ أن القوى الصهيونية قرأت مضامين رسائل «أوباما» حتى قبل أن تُرسَل، وربما تُعِدُّ الآن عُدَّتها لهذه المرحلة من الحرب.
فهل تعي الحكومات العربية والإسلامية مضامين تلك الرسائل وتغتنم الفرصة وتُعِدُّ العُدَّة وتوزع الأدوار الدبلوماسية وتجهز أوراق الضغط السياسية في وقت تحتاج فيه الدول الغربية للعالم الإسلامي؟!
لقد جاء الرد الأول على لسان رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية الذي وجّه رسالة تهنئة إلى الرئيس «أوباما» (28 يناير 2009م) جاء فيها: «إن نجاح أوباما يُعَدُّ انتصاراً للكفاح الإنساني من أجل الحرية في تاريخنا الحديث، وليس فقط في التاريخ الحديث لأمريكا، وإن فلسطين هي البوابة الوحيدة للعالم الإسلامي، وإن الشعب الفلسطيني يضم صوته مع السائرين نحو التغيير، وإن أكثر الأوقات ظلمة تأتي قُبَيْل بزوغ الفجر، وإننا لم نكن أبداً قريبين من الحرية بقدر ما نحن قريبون منها في اللحظة الراهنة».>
*المجتمع
د. بدر الدين غازي
تسلَّم «باراك أوباما» مهامَّ الرئاسة الأمريكية ظهر يوم الثلاثاء 20 يناير 2009م، وأرسل فور ذلك عدداً من الرسائل المهمة إلى العالم الإسلامي، وهي رسائل يجب قراءتها جيداً واستيعاب مدلولاتها ومعانيها وبخاصة في ضوء الواقع السياسي والاقتصادي الأمريكي والتركة الثقيلة التي ورثها «أوباما» عن سلفه «بوش» داخل الولايات المتحدة وخارجها، والمستوى الخطير الذي وصلت إليه سمعة الإدارة الأمريكية في العالم الإسلامي وأيضاً في بقية العالم، والاحتقان الذي يتصاعد في العلاقات بين أمريكا والأمة الإسلامية.
وهذه قراءة في تلك الرسائل:
< بعد ساعات قليلة تقدّم المدَّعي العام (وزير العدل) الجديد بطلب إلى المحكمة المختصة لوقف المحاكمات التي تجرى لمعتقلي «جوانتانامو» لمدة أربعة أشهر لحين مراجعة الملف برمته، وقضت المحكمة على وجه السرعة بقبول ذلك الطلب.
< في اليوم الثاني أصدر «أوباما» أمراً تنفيذياً بإغلاق معتقل «جوانتانامو» خلال عام واحد.
< في الوقت نفسه أصدر قراراً بإغلاق السجون السرية التي تديرها وكالة المخابرات المركزية (C.I.A) خارج أمريكا، وذلك بالطبع يشمل دولاً أوروبية وعربية ويشمل أعداداً كبيرة من المسلمين المعتقلين بسبب تقارير أمنية لا يمكن أن تصمد أمام القضاء، أو بغير سبب.. وهناك مثل حي على ذلك يتمثل في حالة سامي الحاج مصور «قناة الجزيرة» الإخبارية، الذي قضى ست سنوات معتقلاً في «جوانتانامو» بلا تهمة قبل أن يُطلق سراحه.
في اليوم الثالث (الخميس 22/1/2009م) ذهب الرئيس «أوباما» إلى وزارة الخارجية الأمريكية ليعلن تعيين السيناتور «جورج ميتشيل» مبعوثاً خاصاً لشؤون الشرق الأوسط (أي القضية الفلسطينية) وتعيين السفير «ريتشارد هولبروك» مبعوثاً خاصاً لشؤون أفغانستان وباكستان.
ويُعَدُّ «هولبروك» و«ميتشيل» من أكفأ الدبلوماسيين الأمريكيين إن لم يكونا الأكفأ على الإطلاق في الوقت الحالي ولهما إنجازات تاريخية كبيرة في حل الصراعات في البوسنة وأيرلندا، كما أن السيناتور «ميتشيل» كان قد أعد تقريراً عن مشكلة فلسطين قبيل نهاية عهد الرئيس الأسبق «بيل كلينتون»، لم يلتفت إليه الرئيس السابق «جورج بوش»، كما لم يلتفت إلى التقرير الشهير الذي قدمه وزير الخارجية الأسبق «جيمس بيكر»، ومعه عضو الكونجرس «لي هاملتون» في شأن العراق.
< على غير عادة الرؤساء الأمريكيين، انتقل الرئيس «أوباما» إلى وزارة الخارجية ليعقد المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه تعيين هذَيْن المبعوثَيْن، وقد تكون هذه اللفتة مجاملة لوزيرة الخارجية «هيلاري كلينتون» التي كانت تنافسه على الترشح لانتخابات الرئاسة عن الحزب الديمقراطي.
ومن المعروف في أروقة واشنطن أن وزارة الخارجية يُوجَد فيها المتعاطفون مع وجهة النظر العربية، في حين تسود وجهة النظر الصهيونية في وزارة الدفاع «البنتاجون».
< في الوقت ذاته أعلن «أوباما» أنه قد آن الأوان أن يُترك العراق لشعبه وأنه سوف يسحب القوات الأمريكية خلال ستة عشر شهراً وبدأت الأطقم العسكرية والإدارية الإعداد لذلك.
< سبق لـ«أوباما» أن أعلن أنه سوف يتفاوض مع إيران، واستبعد بذلك شبح الحرب التي ظل الرئيس السابق بوش يهدد بها إيران لمدة ثمانى سنوات.
< عقد «أوباما» أول مقابلة إعلامية له في البيت الأبيض مع قناة «العربية» الفضائية، وقال فيها: إن الولايات المتحدة لها مصالح في العالم الإسلامى.. وإن لغة الخطاب مع العالم الإسلامى ينبغى أن تقوم على الاحترام.. وإن في عائلتي أفراداً مسلمين.. وإنني عشت في دول إسلامية.. وإن أمريكا ليست عدواً للمسلمين».
طريق جديد!
وقبل هذه الرسائل كان «أوباما» قد تحدث في خطاب تنصيبه عن «طريق جديد إلى الأمام مع المسلمين على أساس المصالح والاحترام المتبادل».. وأعلن قبل ذلك خلال حملته الانتخابية أنه سوف يُلقي خطاباً في إحدى العواصم الإسلامية في وقت ما خلال المائة يوم الأولى من رئاسته.
وحيث إن البداية الأولى لعهد أوباما كانت تلك الرسائل الموجهة إلى العالم الإسلامي، وفي ضوء أن طبيعة الأمور تقضي بأن تعالج المشكلات الأكثر أهمية قبل المشكلات المهمة وقبل تلك الأقل أهمية، وحيث إن «أوباما» لم يعيِّن مبعوثاً خاصاً لشؤون كوريا أو كوبا أو الصين أو حتى كشمير أو الصومال، أو مبعوثاً خاصاً للتفاوض حول إنقاذ صناعة السيارات الأمريكية التي يهدد انهيارها بفقدان ملايين الوظائف في المجتمع الأمريكي الذي يعاني من بطالة متزايدة.. فمن الطبيعي أن نستنتج أن الهمَّ الأكبر والتحدي العاجل الذي تواجهه إدارة «أوباما» يتعلق بالقضايا الإسلامية الساخنة في فلسطين وأفغانستان والعراق، وبالقضية الكبرى التي اصطُلِح على تسميتها بـ«الإرهاب»، وما شابها من انتهاك للدساتير والقوانين الدولية والوطنية وحقوق الإنسان وانعكاسات ذلك على سمعة أمريكا ومكانتها على المستويَيْن الإنساني والأخلاقي، وهو ما يفسر قوله يوم تنصيبه: «لابد أن ننهض، ونزيل التراب من على أنفسنا، ونبدأ ثانيةً العمل لإعادة صنع أمريكا».. في خطاب سادته نبرة الجدية والهم، واستغرق ثماني عشرة دقيقة ونصف الدقيقة في حفل حضره مليون أمريكي، واستمع إليه مئات الملايين في أمريكا والعالم.
مقوِّمات بشرية
ولأن أفضل البرامج والسياسات تنتهي بالفشل والأسى إذا وُسِّد الأمر لغير أهله، فمن الضروري أن نستعرض المقوِّمات البشرية التي ستقوم على إدارة الدبلوماسية الأمريكية في عهد «أوباما»:
أولاً: إن «باراك أوباما» (47 عاماً) كان عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية «إلينوي» (التي جاء منها إبراهام لينكولن)، وانتُخِب رئيساً كما رأينا قبل أن يكمل حتى دورة واحدة في الكونجرس، وكان قبل ذلك عضواً في برلمان الولاية، وأستاذاً للقانون الدستوري في جامعة «شيكاغو»، وحصل قبل ذلك على الدكتوراه في القانون من جامعة «هارفارد»، وهو بذلك يختلف ذهنياً وفكرياً عن سلفه «جورج بوش».
ثانياً: تم تمويل حملة «أوباما» من عدد هائل من الأمريكيين الذين تبرعوا بمبالغ صغيرة، وكان قد رفض مع بداية حملته الدعم الفيدرالى لحملته الانتخابية.. وأصدر أيضاً (خلال أيام رئاسته الأولى) توجيهات وأوامر تنفيذية وتشريعات لإحكام الرقابة وتضييق السبل أمام جماعات الضغط(Lobbies) وأموالها الكثيرة، ولا يُعتقَد أن هذا سيكون محل ترحيب من «اللوبي الصهيوني» الذي ذاع صيته واتسع أثره وأزعجه بلا شك توجه «أوباما» للحوار مع إيران، والانسحاب من العراق، والحديث عن فتح المعابر.
ثالثاً: إن «أوباما» نشأ وتربَّى في بيئة الحزب الديمقراطي في شيكاغو، وهي مدرسة سياسية عريقة، لا يُخشى على من تعلم فيها من قوى ووسائل النصب والاحتيال، حتى وإن لبست ثياب القداسة، كما فعلت قوى «المحافظين الجدد» (اليمين النصراني المتطرِّف) مع سلفه.
رابعاً: من المؤكّد أن «أوباما» سيتلقى استشاراته من وزيرة الخارجية «هيلاري كلينتون»، وبالتالي من زوجها الرئيس الأسبق «كلينتون» (الديمقراطي)، ومن «ميتشيل» و«هولبروك» في الميدان، ومن الرئيس الديمقراطي الأسبق «جيمي كارتر» الذي التقى خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في دمشق مرتيْن، ومن وزير الخارجية الأسبق «كولن باول».. والمرجَّح أيضا من وزير الخارجية الأسبق «جيمس بيكر»، الذي سألته مجلة «نيوزويك» العربية (27 يناير 2009م): «كيف ينبغي للرئيس أوباما أن يدير عملية السلام «الإسرائيلية» - الفلسطينية؟»، وكان رده: «يجب أن تشرك حركة «حماس» فيها».
كلٌّ.. يعدُّ عُدَّته!
يتضح مما سبق أننا أمام زخم دبلوماسي يلقى قبولاً شعبياً كبيراً في أمريكا وأرجاء واسعة من العالم، وأن ذلك سوف يسكت أصوات القنابل والمدافع لفترة قد تطول.. ولهذا يجب أن يُعِدَّ كل طرف عُدَّته من أوراق الضغط ووسائل التفاوض ولغة الخطاب المناسبة وتوظيف الاعتبارات الاقتصادية والسياسية والجغرافية للمعركة الدبلوماسية التي ظهرت نذرها.
ولا شكَّ أن القوى الصهيونية قرأت مضامين رسائل «أوباما» حتى قبل أن تُرسَل، وربما تُعِدُّ الآن عُدَّتها لهذه المرحلة من الحرب.
فهل تعي الحكومات العربية والإسلامية مضامين تلك الرسائل وتغتنم الفرصة وتُعِدُّ العُدَّة وتوزع الأدوار الدبلوماسية وتجهز أوراق الضغط السياسية في وقت تحتاج فيه الدول الغربية للعالم الإسلامي؟!
لقد جاء الرد الأول على لسان رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية الذي وجّه رسالة تهنئة إلى الرئيس «أوباما» (28 يناير 2009م) جاء فيها: «إن نجاح أوباما يُعَدُّ انتصاراً للكفاح الإنساني من أجل الحرية في تاريخنا الحديث، وليس فقط في التاريخ الحديث لأمريكا، وإن فلسطين هي البوابة الوحيدة للعالم الإسلامي، وإن الشعب الفلسطيني يضم صوته مع السائرين نحو التغيير، وإن أكثر الأوقات ظلمة تأتي قُبَيْل بزوغ الفجر، وإننا لم نكن أبداً قريبين من الحرية بقدر ما نحن قريبون منها في اللحظة الراهنة».>
*المجتمع