في عصر الثورة الصناعية الرابعة IR 4.0، تتغير الكثير من الافتراضات والممارسات، وفي القلب منها قيادة وإدارة الشركات والمنظمات، فلم تَعُد القيادة هي تحريك "الناس" نحو الهدف أو حشد "الجماهير" نحو رؤية موحدة، إذ أن ربوتاً (Robot) يمكنه أن يكون مرؤوساً أو زميلاً أو رئيساً لك في العمل. ولم تعد مهارات مثل مهارة التواصل ضرورية للقائد من أجل الاتصال الفعال مع فريق عمله فحسب، بل ضرورة أيضاً من أجل التواصل مع الآلة (Machine) التي أصبحت تتعلم وتتخاطب مع مثيلاتها ومع البشر، وتمتلك القدرة على التنبؤ في بيئات عملنا.
ولم تعد الممارسات المالية والحسابية والتسويق والموارد البشرية تتطلب تدخّل الإنسان لإضافة عنصر الثقة لها، بل أصبحت خوارزميات الذكاء الإصطناعي وتحليل البيانات الضخمة هي من تقوم بذلك. ولم يعد نمط القائد الرقمي (Digital Leader) مطلوباً للشركات التقنية مثل سبيس إكس وفيسبوك فقط، بل سيصبح نمطاً ضرورياً لكل شركة ومنظمة تريد الاستمرار ومواجهة رياح تغيير هذه الثورة الصناعية. فـ "40 ٪ من الشركات الرائدة في العالم لن تكون موجودة بشكلها الفاعل بعد عشر سنوات من الآن" (الرئيس التنفيذي السابق لشركة سيسكو).
هذه بعض إحصائيات الفرص والتحديات في عصر الثورة الصناعية الرابعة IR 4.0:
- جوجل اشترت يوتيوب مقابل 1.65 مليار دولار، وعدد الموظفين فقط 65 شخص.
- فيسبوك اشترت في العام 2012م انستجرام مقابل مليار دولار، وفيه 13 موظف. وفي العام نفسه أعلنت شركة كوداك الأمريكية (Kodak) عن إفلاسها ولديها 17000 موظف، علماً بأن قيمتها السوقية بلغت 28 مليار دولار في العام 1996 ووفرت فرص عمل لحوالي 140000 شخص.
- فيسبوك اشترت أيضاً واتساب مقابل 19 مليار دولار، وفيه فقط 55 موظف.
- استثمرت شركة أبل مليارات الدولارات في مركز بيانات (Data Center) بولاية كارولاينا الشمالية الأمريكية، وعدد الوظائف التي تم انشائها بدوام كامل فقط 55 وظيفة.
وأيضاً:
- في نهاية العام الماضي، أعلنت الصين عن أول مذيع أخبار في العالم (World's first AI news anchor) على شكل ربوت ذكي.
- وفي العام الحالي - 2019 - بلغ عدد الروبوتات التي تستخدمها شركة أمازون (Amazon) حوالي 100000 روبوت.
- في يوليو 2019، كشفت مايكروسوفت الستار عن تقنية جديدة تستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتجارب ثلاثية الأبعاد لانشاء صورة مجسمة (Holograms) تحول شخصًا ما إلى متحدث رقمي بلغة أخرى.
فما هي جذور هذه التطورات وما هي انعكاساتها؟!
دشن اختراع نيوتن لقانون الحركة - الذي قاد لإنشاء المحركات البخارية - الثورة الصناعية الأولى (Industry Revolution 1.0) في العام 1784م، والتي حررت الإنسان من الاعتماد الكلي على الحيوان في قضاء حوائجه. وأدّى اكتشاف القوى الكهربائية والمغناطيسية للعالِمَين فارادي وماكسويل إلى ظهور الكهرباء وانفجار الثورة الصناعية الثانية (Industry Revolution 2.0) في العام 1870م. وفي العام 1967م مكّنت الترانزستوات من دخول البشرية لعصر جديد تمثّل في ثورة صناعية ثالثة (Industry Revolution 3.0) امتدت الى عهد قريب.
وفي العام 2011 أعلنت الحكومة الألمانية عن الثورة الصناعية الرابعة (Industry Revolution 4.0) والتي ترتكز على فكرة المزج بين الأجهزة الفيزيائية والأنظمة الإلكترونية (Cyber-physical Systems) وتزويدها بعنصر الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligent)، لتحرر الإنسان من الاعتماد على الكمبيوتر في قضاء الكثير من مهامه واحتياجاته، وتمكين الالة (Machine) من القيام بذلك بشكل كلّي .. ليتفرغ الإنسان بشكل أكبر لاتخاذ قرارات أفضل.
في المقابل؛ شهدت القيادة - كعلم وفن - تطوراً متتابعاً في الشركات والمنظمات . فظهر الجيل الأول (1900م - 1980م) من نمط القيادة (Leadership 1.0) الذي يركّز فيه القائد / المدير (The Production System Leader) على المنتج وكمّيته. تبعه الجيل الثاني (1980م - 2000م) من نمط القيادة (Leadership 2.0) الذي يركز فيه القائد / المدير (The Quality Performance Leader) على جودة المنتج، وفي هذا النمط ظهرت معايير الجودة مثل: (ISO 900 and Black Belt Six Sigma). ثم ظهر الجيل الثالث (2000م - الان) من القيادة (Leadership 3.0) والذي تغيرت فيه فلسفة القيادة - بسبب انتشار شبكة الانترنت وأجهزة الكمبيوتر والموبايل - ليتحول القائد / المدير إلى رائد أعمال يبحث باستمرار عن فرص جديدة في قيادته للمنظمة أو الشركة.
وماذا بعد؟!
إن التقدم غير المسبوق والمتزامن في تقنيات الثورة الصناعية الرابعة (IR 4.0 ) - مثل: الذكاء الاصطناعي AI، الروبوتات، إنترنت الأشياء IoT، تحليل البيانات الضخمة، المركبات المستقلة، الطباعة ثلاثية الأبعاد 3D Printing، النانو تكنولوجي، التكنولوجيا الحيوية، علوم المواد، تخزين الطاقة، الحوسبة الكمية، وغيرها - يعيد تشكيل الصناعات ، ويزيل الحدود التقليدية، ويخلق تحديات وفرص جديدة. حسب تصريحات رئيس المنتدى الاقتصادي (Klaus Schwab, Chairman of the World Economic Forum, 2016)؛ فنحن نعيش تغيراً استثنائياً في زمن الثورة الصناعية الرابعة IR 4.0 ، يتأثر فيه كل فرد، قطاع الأعمال، الصناعة والحكومة بالتطورات والتقنيات المبتكرة. هذه ثورة بلا حدود تنتشر في جميع أنحاء العالم بسرعة مذهلة.
هذه التداعيات المتعددة للرقمنة وما يصاحبها من تسارع وتعقيد، تجعل من الضرورة بمكان إعادة النظر في الافتراضات والممارسات التي اتبعتها البشرية في القيادة والإدارة حتى يومنا هذا، واقتراح نمطاً جديداً للقيادة تتبعه. لذلك: تعكف مؤسسات بحثية متخصصة مثل أكاديمية أكسفورد للقيادة (Oxford Leadership) - مؤسسة استشارية دولية للقيادة مقرها في أكسفورد بالمملكة المتحدة متخصصة في تطوير القيادة - بدراسة نمط الجيل الجديد من القيادة .(Leadership 4.0)