﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾
الحملات الإعلاميّـــة ضد الإسلام!
محمّد عبد الشّافي القُوصِـــي؛
لم يتورع أعداءُ الحقّ مِن استخدام كافة الوسائل المادية والمعنوية ضد الديانات السماوية؛ بُغية عزلها، وتهميشها، أوْ القضاء عليها تماماً، وقد نالَ الإسلامُ النصيبَ الأكبر من تلك العداوات والافتراءات، وفي الآونة الأخيرة –بالذات- تعرّض لحملة شرسة، قوامها أنه العدوّ الجديد الذي ينبغي محاربته، وقد استغلّ المغرِضون بعض التصرفات الشاذة في بعض بلدان المسلمين، محاولين تعميمها على أُمة كاملة! مع أن حقيقة الإسلام ناصعة، كالشمس في ضحاها .. ولكن هناك مَن يغمض عينه عنها، ويحاول إغماض عيون الآخَرين!
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يُسيء هؤلاء إلى نبيّ الإسلام؛ الذي لم تعرف البشرية شبيهاً له في الشرف والمجد والمثالية، بشهادة أحبارهم وفلاسفتهم وزعمائهم! لماذا يكرهون من يدعوهم إلى الرشد والصلاح ومكارم الأخلاق؟ لماذا يرفضون (نبيّ الرحمة) الذي جاء مصدّقاً لمن سبقه من الأنبياء والرسل؟!
ألاَ يعلم هؤلاء المعاندون أنَّ الإساءة إلى (مُحمّد) إنما هي إساءة إلى جميع الأنبياء، وأنَّ تكذيبه يعني تكذيباً لأسفارهم وكتبهم التي يتعبّدون بها!
فأين هم من وصايا "الإنجيل" التي تقول: "لا تكافئوا أحداً بسيئة، ولكن من لطم خدك الأيمن، فانصبْ إليه الآخَر. ومن أراد مغالبتك وانتزاع قميصك؛ فاخلع له الرداء كله" (متى: الإصحاح الخامس). فهذا إنجيلهم يشهد عليهم بأنهم ليسوا على شرعه، بلْ ردُّوا حكمه ورفضوه!
لا جرمَ أنَّ الجهل بحقيقة الإسلام وراء هذه الافتراءات، أو كما يقول المفكر الهولندي/ أدريان رولاند Hadrian reland، يقول في كتابه (الإسلام): "إن أغلبية الأديان قد وصفها أعداؤها بشكل سيء، وكل الأديان فُهِمتْ بشكل خاطئ، ومن ثمّ تعامل معها أعداؤها بشكل خاطئ أيضاً، ولذلك يجب ألا نندهش إذا حدث نفس الشيء مع الإسلام".
وإيماننا أنَّ مثل هذه الافتراءات والحملات الإعلامية التي يفتعلها خصوم الإسلام ما بين حين وآخر، لا يمكن أن تَردّ أحداً من المسلمين عن معتقده، أو تُشكّكه في دينه الذي اعتنقه بقوة، وآمن به عن قناعة تامة، ولن يستطع أحد أن يحول بينه وبين الإسلام القائم على الحجج الدامغة، والبراهين الناصعة، بل إنّ الادعاءات الكاذبة تزيد المسلمين قوة في العقيدة إلى قوتهم، ودفاعاً مستميتاً عن مقدساتهم، لأن الناموس الكوني يؤكد دوماً أن الحق لا يُهزَم أبداً، مهما ضعفت مقاومته، وحتى لوْ تنكّر له الجميع!
فالإسلام منذ بزوغ فجره، لم يعتمد على قوة مادية، إنما كانت قوته الروحية وراء انتشاره السريع وانتصاره العجيب على قوى الشر وإمبراطوريات الفساد ... حدث كل ذلك في حقبة زمنية وجيزة رغم قلة الإمكانات المادية وصعوبة الحياة! لأن الإسلام -كما يقول المؤرخ العالمي إرنولد توينبي في الجزء الخامس من موسوعة (الحضارة): "فاجأ الإسلام العالم بمبادئ سامية رأى فيها الناس إنقاذاً للبشرية المعذبة، ففي الوقت الذي كان فيه الملوك والحكام سادة أو آلهة، وكانت الشعوب عبيداً لهم، في هذا الوقت ظهر "النبيّ مُحمّد" على الناس بمبدأ المساواة بين الحاكم والمحكوم والملك والسوقة .. وفى الوقت الذي كانت أقوال الملوك وأفعالهم هي القانون وهى العدالة، إذْ بالإسلام يأتي بقانونه السماوي فيخضع له العظيم والحقير.
إنّ مثل هذه المبادئ أو المفاجآت هي التي أدهشت العالَم وجذبت الناس أفواجاً لهذا الدين العظيم، وعندما جذب الإسلام الناس إليه لم يدعهم في حيرة من أمور دينهم ودنياهم، بلْ أمدهم بأرقى نُظم الحُكم وأرقى نظم الاقتصاد، ووضع أسمى الأُسس لحياة اجتماعية صالحة".
نعم، والدليل على ذلك أن المسلمين كانوا يضعفون ويقوون، وينهزِمون وينتصرون، ولكن الإسلام كان قوياً على الحالتين، ومنتصراً دائماً. وأساس انتصاره هو أُسسه ومبادؤه الراقية.
وقد آمن بهذه الحقيقة وشهد بها كثير من المفكرين والمؤرخين الغربيين، ففي كتابه (حاضر الإسلام ومستقبله) يقول مسيو مونته Montet (1856– 1927) أستاذ اللغات الشرقية في جامعة جنيف: "لقد صار من المحقّق أن الإسلام ظافر لا محالة على غيره من الأديان التي تتنازع العالم .. ومن ذلك أن عدد المسلمين في نمو وتزايد على الدوام".
وقد تصدّت المستشرقة الألمانية سيجريد هونكه Sigrid hunke لهذه الإساءات، فقالت في كتابها "فضل العرب على أوروبا": إن هذه النظرة الأوروبية للعرب والمسلمين تدلّ على ضِيق الأُفق وعدم الرغبة في الاعتراف بفضل العرب عليهم وعلى العالم الذي نعيش فيه".
ولعلّ الجهل المطبق بالإسلام ونبيّه الكريم، هو الذي جعل المفكر القبطي (نظمي لوقا) يندهش من تلك الحماقات ويستنكرها، ويتساءل: "أيّ الناس أولى بنفي الكيد عن سيرته من (أبي القاسمe) الذي حوّل الملايين من عبادة الأصنام الموبقة إلى عبادة الله رب العالمين، ومن الضياع والانحلال إلى السموّ والإيمان، ولم يفد من جهاده لشخصه أو آله شيئًا مما يقتتل عليه طلاب الدنيا من زخارف الحطام .. ماذا بقي من مزعم لزاعم؟ إيمان امتحنه البلاء طويلاً قبل أن يفاء عليه بالنصر وما كان النصر متوقعاً أو شبه متوقع لذلك الداعي إلى الله في عاصمة الأوثان والأزلام .. ونزاهة ترتفع فوق المنافع، وسمو يتعفف عن بهارج الحياة، وسماحة لا يداخلها زهو أو استطالة بسلطان مطاع. لم يفد. ولم يورث، ولم يجعل لذريته وعشيرته ميزة من ميزات الدنيا ونعيمها وسلطانها. وحَرّم على نفسه ما أحلّ لآحاد الناس من أتباعه، وألغى ما كان لقبيلته من تقدم على الناس في الجاهلية حتى جعل العبدان والأحابيش سواسية وملوك قريش. لم يُمكّن لنفسه ولا لذويه. وكانت لذويه بحكم الجاهلية صدارة غير مدفوعة، فسوّى ذلك كله بالأرض. أيّ قامة بعد هذا تنهض على قدميْن لتطاول هذا المجد الشاهق أو تدافع هذا الصدق الصادق؟ لا خيرة في الأمر، ما نطق هذا الرسول عن الهوى .. وما ضلّ وما غوى .. وما صدق بشر إنْ لم يكن هذا الرسول بالصادق الأمين".
والملاحظ أن غالبية الذين يسيئون فهم الإسلام تتفاوت بواعثهم ونياتهم؛ فمنهم طُلاّب المعرفة الجاهلين بلغاتهم وآدابهم ومعتقداتهم، فضلاً عن جهلهم بلغة القرآن وشرائع الإسلام. ومنهم أناس يتعاملون مع الإسلام بذات الكراهية وروح الانتقام التي ينظرون بها إلى أديانهم ومذاهبهم. ومنهم المبشّرون الذين ينحرفون عن الصواب اضطراراً واختياراً بباعث من التعصب للصنعة والحرفة، لأن التبشير عندهم مصلحة أو منفعة يعيشون عليها ويحرصون عليها حرصهم على القوت والجاه والمناصب .. فيضطرون إلى التلفيق المتعمد، والكذب المقصود. ومنهم أُناس يخدمون السياسة الغالبة على دولهم ويصطنعون لها الدعاية تارة والدبلوماسية تارة أخرى!
وأخطر من هؤلاء جميعاً جنود الصهيونية العالمية وربائبها، وما يمتلكونه من وسائل الدعاية، بحسب استيلائهم على صناعة السينما التي برعوا في تسخيرها وإخفاء مراميها، وامتلاكهم الكثير من شركات الإعلان الكبرى، فتحسب لهم الصحف ووسائل الإعلام حسابهم، ولا تتورع عن خدمتهم أو السكوت عنهم على الأقل وكتمان مآربهم، كما تملّك الصهاينة دور النشر العالمية، وكثيراً ما يتبرع المؤلف لإرضائهم ونشر دعايتهم تمهيداً لقبول كتبه ونشرها والترويج لها وخلق الجو الصالح للاهتمام بها، ولا تقصر وسائلهم أحياناً عن ترشيحها لأكبر الجوائز العالمية!
وإلى جانب الوسائل الفنية والمالية، فلهم وسائلهم وراء الستار –وأمام الستار- بين الساسة والمرشحين لمراكز الزعامة والمتنازعين على الأصوات في مواسم الانتخابات.
إذن، فما الظن إذا اجتمعت قوة الدعاية وسلطة المال مع مآرب القوى المسخّرة لسياسة الاستعمار والتبشير؟! وليس من المنتظر أن يتصدى الكبار المستعمرون لإعلان حقائق الإسلام، وروعة شريعته، والاعتراف بأنه سبيل الحق والعدل والنجاة!
وصايا الكتاب المقدس
ولا غرابة في أن يُسيء جهلاء الغرب إلى نبيّ الإسلام، مادامت كتبهم (المقدسة) فتحتْ شهيتهم لاتهام الأنبياء والنيْل من الرسل الكرام، فقد رأينا منهم من ادّعى أن السيد المسيح كان قد تزوج من مريم المجدلية! وهو الحدث الذي تستّرتْ عليه كنيسة روما حتى الآن. كما سَخِر الشاعر الفرنسي (آرثر رامبو Arthur rimbaud) من المسيح عليه السلام– خاصة عندما خاطبه قائلاً: "يسوع يا لصاً أزلياً يسلب البشر نشاطهم.."!
والأغرب من ذلك ما زعمه عالم النفس اليهودي "بن أشنون" الذي وصف موسى -عليه السلام- بأنه كان تحت تأثير نوع من المخدرات حين رأى النار عند الشجرة بالوادي المقدس، وحين تلقى الوصايا العشر!
ما هذه الإساءة المتكررة إلى الأنبياء؟ وما هو سِر العداوة للرسل الكرام؟
إنّ هذا السر يكمن في كتبهم (المقدسة) التي يتعبّدون بها؛ التي جرّأتهم على الاستهانة بمقام الأنبياء والرسل بصفة عامة، كما جعلتهم يتجرأون على الذات الإلهية!
فكثيراً ما نراهم يصوّرون الأنبياء في أبشع صورة، فالعهد القديم يرسم صوراً لا تليق أبداً بمقام النبوّة ولا بأخلاق الرسل الكرام، فقد جاء في سِفْر (الملوك 11/ 1-3) أن "سليمان في شيخوخته لم يكن قلبه كاملاً مع الربّ إلهه كقلب داود أبيه، فذهب سليمان وراء عشتروث آلهة الصيدونيين .. وعمل سليمان الشر في عيني الربّ ولم يتّبع الربّ تماماً كداود أبيه". وأسوأ من ذلك ما ذكروه عن لوط عليه السلام وابنتيه (التكوين 19: 30-38). وما ذكروه عن داود عليه السلام (صموئيل الثاني 11: 1-27).
وقد استمرأوا هذه الافتراءات -التي دوّنوها بأيديهم في كتبهم- عبر تاريخهم الطويل، وأُشربوها في قلوبهم، حتى تحولوا إلى مخلوقات شريرة وعدوانية!
فنقرأ –مثلاً- في العهد القديم أن إسرائيل "النبيّ يعقوب" أصرّ على محق العرب الكنعانيين وعدم الاعتراف لكنعان بحق الحياة (حتى لو اعتنق العرب اليهودية) لأنها دين إسرائيل وحده". وهذا -بالطبع- ليس وحياً، بلْ من تأليف "أولاد الأفاعي" و"قتلة الأنبياء" لأنّ يعقوب نبيّ كريم، ولا يمكن أن يصدر عنه هذا التصرف الظالم. وفيه أيضاً، أن كل البشر غير اليهود "كلاب" وخدم اليهود في أصل الديانة! أمّا التلمود وهو كتابهم المقدس الثاني- فيقول: استيلاء اليهود على ما يملك القوييم "أي غير اليهود" حق، ووعد تصحبه المسرة الدائمة. وجاء فيه –أيضاً: "يستحق القتل كل القوييم "أيْ غير اليهود" حتى ذوو الفضل منهم"!
ولم يكن موقفهم عند مجرد الإساءة اللفظية ورميهم لأنبيائهم بارتكاب الفواحش، بلْ تُسجّل كتبهم التاريخية أنهم قتلوا من الأنبياء (حزقيال، وأشعيا بن آموس، وآرميا، وزكريا، وابنه السيد الحصور يحيى، وغيرهم) كما أنهم حاولوا قتل عيسى ومُحمّد -عليهما السلام- وتواطأوا ضدهما وضد أتباعهما.
وتعالوا نتساءل -بعد عرض هذا الجانب مما حوته أسفارهم وكتبهم "المقدسة" وبعد معرفة موقفهم من الأنبياء، لعله يكون قد بطَلَ العجب، وظهرت الحقيقة كلها-: هل مثل هذه الكتب -المملوءة بالسخرية والاستهزاء بالرسل والأنبياء، والاستهانة بالبشر، والتحريض على ارتكاب الجرائم- هل يمكن أن تكون وحياً سماوياً؟ وهل هي جديرة بالاحترام؟ وهل يمكن أن يصدّقها أحد أوْ يؤمن بما فيها؟! وهل يمكن لأُناس -هذه طبيعة كتبهم، وهذا هو موقفهم من الأنبياء- هل ذلك يؤهلهم لأنْ يُصدِّقهم الناس في مزاعمهم؟ أو يطمئِن أحد إلى الكتب التي بأيديهم؟ وهل يُؤتمَن مثل هؤلاء على التراث الديني أوْ على الحضارة البشرية؟! وهل يجوز أن يمنحهم العالم أيّ لون من ألوان الهيمنة على أية مقدسات دينية، أو الحماية لتراث الأنبياء؟
مَنْ -يا ترى- أولى بالتصديق والاحترام: الذين يسخرون من الأنبياء ويقتلونهم، أمْ الذين يوقّرونهم ويؤمنون بهم جميعاً، ولا يفرّقون بين أحدٍ منهم؟! ومَنْ أولى بحفظ التراث وحماية المقدسات ورعايتها: الذين حولوها إلى بؤرة للرذائل، ومغارة لصوص، أمْ الركّع السجود الذين يُقدّسون خالقهم بالليل والنهار؟!
أخيراً: على العالَم كله أن يفهم أنَّ المسلمين لا يُكرِهون أحداً على اعتناق الإسلام، لكننا نطالِب الآخرين أن يبحثوا عن الحق، ولا شيء سواه. فالإسلام يُقرّ بأنَّ الاختلاف سُنّة كونية، وليس مبرّراً للتناحر والتخاصم بين الشعوب والحضارات، إنما هو حافز للتعرف على الآخَر، والاستفادة مما عنده، والتواصل معه من أجل خير الإنسانية وسعادتها ]فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً[[المائدة:48]. ولا يزال رِهاننا الأكبر على الوعد والإباء الإلهي الصارم الذي نصّ عليه القرآن الكريم ]وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ[ [التوبة :32].
j
الحملات الإعلاميّـــة ضد الإسلام!
محمّد عبد الشّافي القُوصِـــي؛
لم يتورع أعداءُ الحقّ مِن استخدام كافة الوسائل المادية والمعنوية ضد الديانات السماوية؛ بُغية عزلها، وتهميشها، أوْ القضاء عليها تماماً، وقد نالَ الإسلامُ النصيبَ الأكبر من تلك العداوات والافتراءات، وفي الآونة الأخيرة –بالذات- تعرّض لحملة شرسة، قوامها أنه العدوّ الجديد الذي ينبغي محاربته، وقد استغلّ المغرِضون بعض التصرفات الشاذة في بعض بلدان المسلمين، محاولين تعميمها على أُمة كاملة! مع أن حقيقة الإسلام ناصعة، كالشمس في ضحاها .. ولكن هناك مَن يغمض عينه عنها، ويحاول إغماض عيون الآخَرين!
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يُسيء هؤلاء إلى نبيّ الإسلام؛ الذي لم تعرف البشرية شبيهاً له في الشرف والمجد والمثالية، بشهادة أحبارهم وفلاسفتهم وزعمائهم! لماذا يكرهون من يدعوهم إلى الرشد والصلاح ومكارم الأخلاق؟ لماذا يرفضون (نبيّ الرحمة) الذي جاء مصدّقاً لمن سبقه من الأنبياء والرسل؟!
ألاَ يعلم هؤلاء المعاندون أنَّ الإساءة إلى (مُحمّد) إنما هي إساءة إلى جميع الأنبياء، وأنَّ تكذيبه يعني تكذيباً لأسفارهم وكتبهم التي يتعبّدون بها!
فأين هم من وصايا "الإنجيل" التي تقول: "لا تكافئوا أحداً بسيئة، ولكن من لطم خدك الأيمن، فانصبْ إليه الآخَر. ومن أراد مغالبتك وانتزاع قميصك؛ فاخلع له الرداء كله" (متى: الإصحاح الخامس). فهذا إنجيلهم يشهد عليهم بأنهم ليسوا على شرعه، بلْ ردُّوا حكمه ورفضوه!
لا جرمَ أنَّ الجهل بحقيقة الإسلام وراء هذه الافتراءات، أو كما يقول المفكر الهولندي/ أدريان رولاند Hadrian reland، يقول في كتابه (الإسلام): "إن أغلبية الأديان قد وصفها أعداؤها بشكل سيء، وكل الأديان فُهِمتْ بشكل خاطئ، ومن ثمّ تعامل معها أعداؤها بشكل خاطئ أيضاً، ولذلك يجب ألا نندهش إذا حدث نفس الشيء مع الإسلام".
وإيماننا أنَّ مثل هذه الافتراءات والحملات الإعلامية التي يفتعلها خصوم الإسلام ما بين حين وآخر، لا يمكن أن تَردّ أحداً من المسلمين عن معتقده، أو تُشكّكه في دينه الذي اعتنقه بقوة، وآمن به عن قناعة تامة، ولن يستطع أحد أن يحول بينه وبين الإسلام القائم على الحجج الدامغة، والبراهين الناصعة، بل إنّ الادعاءات الكاذبة تزيد المسلمين قوة في العقيدة إلى قوتهم، ودفاعاً مستميتاً عن مقدساتهم، لأن الناموس الكوني يؤكد دوماً أن الحق لا يُهزَم أبداً، مهما ضعفت مقاومته، وحتى لوْ تنكّر له الجميع!
فالإسلام منذ بزوغ فجره، لم يعتمد على قوة مادية، إنما كانت قوته الروحية وراء انتشاره السريع وانتصاره العجيب على قوى الشر وإمبراطوريات الفساد ... حدث كل ذلك في حقبة زمنية وجيزة رغم قلة الإمكانات المادية وصعوبة الحياة! لأن الإسلام -كما يقول المؤرخ العالمي إرنولد توينبي في الجزء الخامس من موسوعة (الحضارة): "فاجأ الإسلام العالم بمبادئ سامية رأى فيها الناس إنقاذاً للبشرية المعذبة، ففي الوقت الذي كان فيه الملوك والحكام سادة أو آلهة، وكانت الشعوب عبيداً لهم، في هذا الوقت ظهر "النبيّ مُحمّد" على الناس بمبدأ المساواة بين الحاكم والمحكوم والملك والسوقة .. وفى الوقت الذي كانت أقوال الملوك وأفعالهم هي القانون وهى العدالة، إذْ بالإسلام يأتي بقانونه السماوي فيخضع له العظيم والحقير.
إنّ مثل هذه المبادئ أو المفاجآت هي التي أدهشت العالَم وجذبت الناس أفواجاً لهذا الدين العظيم، وعندما جذب الإسلام الناس إليه لم يدعهم في حيرة من أمور دينهم ودنياهم، بلْ أمدهم بأرقى نُظم الحُكم وأرقى نظم الاقتصاد، ووضع أسمى الأُسس لحياة اجتماعية صالحة".
نعم، والدليل على ذلك أن المسلمين كانوا يضعفون ويقوون، وينهزِمون وينتصرون، ولكن الإسلام كان قوياً على الحالتين، ومنتصراً دائماً. وأساس انتصاره هو أُسسه ومبادؤه الراقية.
وقد آمن بهذه الحقيقة وشهد بها كثير من المفكرين والمؤرخين الغربيين، ففي كتابه (حاضر الإسلام ومستقبله) يقول مسيو مونته Montet (1856– 1927) أستاذ اللغات الشرقية في جامعة جنيف: "لقد صار من المحقّق أن الإسلام ظافر لا محالة على غيره من الأديان التي تتنازع العالم .. ومن ذلك أن عدد المسلمين في نمو وتزايد على الدوام".
وقد تصدّت المستشرقة الألمانية سيجريد هونكه Sigrid hunke لهذه الإساءات، فقالت في كتابها "فضل العرب على أوروبا": إن هذه النظرة الأوروبية للعرب والمسلمين تدلّ على ضِيق الأُفق وعدم الرغبة في الاعتراف بفضل العرب عليهم وعلى العالم الذي نعيش فيه".
ولعلّ الجهل المطبق بالإسلام ونبيّه الكريم، هو الذي جعل المفكر القبطي (نظمي لوقا) يندهش من تلك الحماقات ويستنكرها، ويتساءل: "أيّ الناس أولى بنفي الكيد عن سيرته من (أبي القاسمe) الذي حوّل الملايين من عبادة الأصنام الموبقة إلى عبادة الله رب العالمين، ومن الضياع والانحلال إلى السموّ والإيمان، ولم يفد من جهاده لشخصه أو آله شيئًا مما يقتتل عليه طلاب الدنيا من زخارف الحطام .. ماذا بقي من مزعم لزاعم؟ إيمان امتحنه البلاء طويلاً قبل أن يفاء عليه بالنصر وما كان النصر متوقعاً أو شبه متوقع لذلك الداعي إلى الله في عاصمة الأوثان والأزلام .. ونزاهة ترتفع فوق المنافع، وسمو يتعفف عن بهارج الحياة، وسماحة لا يداخلها زهو أو استطالة بسلطان مطاع. لم يفد. ولم يورث، ولم يجعل لذريته وعشيرته ميزة من ميزات الدنيا ونعيمها وسلطانها. وحَرّم على نفسه ما أحلّ لآحاد الناس من أتباعه، وألغى ما كان لقبيلته من تقدم على الناس في الجاهلية حتى جعل العبدان والأحابيش سواسية وملوك قريش. لم يُمكّن لنفسه ولا لذويه. وكانت لذويه بحكم الجاهلية صدارة غير مدفوعة، فسوّى ذلك كله بالأرض. أيّ قامة بعد هذا تنهض على قدميْن لتطاول هذا المجد الشاهق أو تدافع هذا الصدق الصادق؟ لا خيرة في الأمر، ما نطق هذا الرسول عن الهوى .. وما ضلّ وما غوى .. وما صدق بشر إنْ لم يكن هذا الرسول بالصادق الأمين".
والملاحظ أن غالبية الذين يسيئون فهم الإسلام تتفاوت بواعثهم ونياتهم؛ فمنهم طُلاّب المعرفة الجاهلين بلغاتهم وآدابهم ومعتقداتهم، فضلاً عن جهلهم بلغة القرآن وشرائع الإسلام. ومنهم أناس يتعاملون مع الإسلام بذات الكراهية وروح الانتقام التي ينظرون بها إلى أديانهم ومذاهبهم. ومنهم المبشّرون الذين ينحرفون عن الصواب اضطراراً واختياراً بباعث من التعصب للصنعة والحرفة، لأن التبشير عندهم مصلحة أو منفعة يعيشون عليها ويحرصون عليها حرصهم على القوت والجاه والمناصب .. فيضطرون إلى التلفيق المتعمد، والكذب المقصود. ومنهم أُناس يخدمون السياسة الغالبة على دولهم ويصطنعون لها الدعاية تارة والدبلوماسية تارة أخرى!
وأخطر من هؤلاء جميعاً جنود الصهيونية العالمية وربائبها، وما يمتلكونه من وسائل الدعاية، بحسب استيلائهم على صناعة السينما التي برعوا في تسخيرها وإخفاء مراميها، وامتلاكهم الكثير من شركات الإعلان الكبرى، فتحسب لهم الصحف ووسائل الإعلام حسابهم، ولا تتورع عن خدمتهم أو السكوت عنهم على الأقل وكتمان مآربهم، كما تملّك الصهاينة دور النشر العالمية، وكثيراً ما يتبرع المؤلف لإرضائهم ونشر دعايتهم تمهيداً لقبول كتبه ونشرها والترويج لها وخلق الجو الصالح للاهتمام بها، ولا تقصر وسائلهم أحياناً عن ترشيحها لأكبر الجوائز العالمية!
وإلى جانب الوسائل الفنية والمالية، فلهم وسائلهم وراء الستار –وأمام الستار- بين الساسة والمرشحين لمراكز الزعامة والمتنازعين على الأصوات في مواسم الانتخابات.
إذن، فما الظن إذا اجتمعت قوة الدعاية وسلطة المال مع مآرب القوى المسخّرة لسياسة الاستعمار والتبشير؟! وليس من المنتظر أن يتصدى الكبار المستعمرون لإعلان حقائق الإسلام، وروعة شريعته، والاعتراف بأنه سبيل الحق والعدل والنجاة!
وصايا الكتاب المقدس
ولا غرابة في أن يُسيء جهلاء الغرب إلى نبيّ الإسلام، مادامت كتبهم (المقدسة) فتحتْ شهيتهم لاتهام الأنبياء والنيْل من الرسل الكرام، فقد رأينا منهم من ادّعى أن السيد المسيح كان قد تزوج من مريم المجدلية! وهو الحدث الذي تستّرتْ عليه كنيسة روما حتى الآن. كما سَخِر الشاعر الفرنسي (آرثر رامبو Arthur rimbaud) من المسيح عليه السلام– خاصة عندما خاطبه قائلاً: "يسوع يا لصاً أزلياً يسلب البشر نشاطهم.."!
والأغرب من ذلك ما زعمه عالم النفس اليهودي "بن أشنون" الذي وصف موسى -عليه السلام- بأنه كان تحت تأثير نوع من المخدرات حين رأى النار عند الشجرة بالوادي المقدس، وحين تلقى الوصايا العشر!
ما هذه الإساءة المتكررة إلى الأنبياء؟ وما هو سِر العداوة للرسل الكرام؟
إنّ هذا السر يكمن في كتبهم (المقدسة) التي يتعبّدون بها؛ التي جرّأتهم على الاستهانة بمقام الأنبياء والرسل بصفة عامة، كما جعلتهم يتجرأون على الذات الإلهية!
فكثيراً ما نراهم يصوّرون الأنبياء في أبشع صورة، فالعهد القديم يرسم صوراً لا تليق أبداً بمقام النبوّة ولا بأخلاق الرسل الكرام، فقد جاء في سِفْر (الملوك 11/ 1-3) أن "سليمان في شيخوخته لم يكن قلبه كاملاً مع الربّ إلهه كقلب داود أبيه، فذهب سليمان وراء عشتروث آلهة الصيدونيين .. وعمل سليمان الشر في عيني الربّ ولم يتّبع الربّ تماماً كداود أبيه". وأسوأ من ذلك ما ذكروه عن لوط عليه السلام وابنتيه (التكوين 19: 30-38). وما ذكروه عن داود عليه السلام (صموئيل الثاني 11: 1-27).
وقد استمرأوا هذه الافتراءات -التي دوّنوها بأيديهم في كتبهم- عبر تاريخهم الطويل، وأُشربوها في قلوبهم، حتى تحولوا إلى مخلوقات شريرة وعدوانية!
فنقرأ –مثلاً- في العهد القديم أن إسرائيل "النبيّ يعقوب" أصرّ على محق العرب الكنعانيين وعدم الاعتراف لكنعان بحق الحياة (حتى لو اعتنق العرب اليهودية) لأنها دين إسرائيل وحده". وهذا -بالطبع- ليس وحياً، بلْ من تأليف "أولاد الأفاعي" و"قتلة الأنبياء" لأنّ يعقوب نبيّ كريم، ولا يمكن أن يصدر عنه هذا التصرف الظالم. وفيه أيضاً، أن كل البشر غير اليهود "كلاب" وخدم اليهود في أصل الديانة! أمّا التلمود وهو كتابهم المقدس الثاني- فيقول: استيلاء اليهود على ما يملك القوييم "أي غير اليهود" حق، ووعد تصحبه المسرة الدائمة. وجاء فيه –أيضاً: "يستحق القتل كل القوييم "أيْ غير اليهود" حتى ذوو الفضل منهم"!
ولم يكن موقفهم عند مجرد الإساءة اللفظية ورميهم لأنبيائهم بارتكاب الفواحش، بلْ تُسجّل كتبهم التاريخية أنهم قتلوا من الأنبياء (حزقيال، وأشعيا بن آموس، وآرميا، وزكريا، وابنه السيد الحصور يحيى، وغيرهم) كما أنهم حاولوا قتل عيسى ومُحمّد -عليهما السلام- وتواطأوا ضدهما وضد أتباعهما.
وتعالوا نتساءل -بعد عرض هذا الجانب مما حوته أسفارهم وكتبهم "المقدسة" وبعد معرفة موقفهم من الأنبياء، لعله يكون قد بطَلَ العجب، وظهرت الحقيقة كلها-: هل مثل هذه الكتب -المملوءة بالسخرية والاستهزاء بالرسل والأنبياء، والاستهانة بالبشر، والتحريض على ارتكاب الجرائم- هل يمكن أن تكون وحياً سماوياً؟ وهل هي جديرة بالاحترام؟ وهل يمكن أن يصدّقها أحد أوْ يؤمن بما فيها؟! وهل يمكن لأُناس -هذه طبيعة كتبهم، وهذا هو موقفهم من الأنبياء- هل ذلك يؤهلهم لأنْ يُصدِّقهم الناس في مزاعمهم؟ أو يطمئِن أحد إلى الكتب التي بأيديهم؟ وهل يُؤتمَن مثل هؤلاء على التراث الديني أوْ على الحضارة البشرية؟! وهل يجوز أن يمنحهم العالم أيّ لون من ألوان الهيمنة على أية مقدسات دينية، أو الحماية لتراث الأنبياء؟
مَنْ -يا ترى- أولى بالتصديق والاحترام: الذين يسخرون من الأنبياء ويقتلونهم، أمْ الذين يوقّرونهم ويؤمنون بهم جميعاً، ولا يفرّقون بين أحدٍ منهم؟! ومَنْ أولى بحفظ التراث وحماية المقدسات ورعايتها: الذين حولوها إلى بؤرة للرذائل، ومغارة لصوص، أمْ الركّع السجود الذين يُقدّسون خالقهم بالليل والنهار؟!
أخيراً: على العالَم كله أن يفهم أنَّ المسلمين لا يُكرِهون أحداً على اعتناق الإسلام، لكننا نطالِب الآخرين أن يبحثوا عن الحق، ولا شيء سواه. فالإسلام يُقرّ بأنَّ الاختلاف سُنّة كونية، وليس مبرّراً للتناحر والتخاصم بين الشعوب والحضارات، إنما هو حافز للتعرف على الآخَر، والاستفادة مما عنده، والتواصل معه من أجل خير الإنسانية وسعادتها ]فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً[[المائدة:48]. ولا يزال رِهاننا الأكبر على الوعد والإباء الإلهي الصارم الذي نصّ عليه القرآن الكريم ]وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ[ [التوبة :32].
j