علمنا الاسلام أن نتعامل مع الأقدار التي تحل بنا بسلوكين متلازمين، هما: التوكل على الله تعالى والأخذ بالأسباب المادية والسنن الكونية، وهذا هو سبيل المؤمنين الذين أنعم الله عليهم، وهو سبيل وسط بين: المغضوب عليهم من الملاحدة والماديين الذين تركوا التوكل على الله وانقطعوا للأسباب المادية وحدها، وبين المبتدعة الضالين الذين تركوا الأخذ بالأسباب بالكلية فخالفوا العقل والوحي زعما منهم أن ذلك من صميم التوكل. وفي ظل هذه الجائحة التي ضربت أرجاء العالم (وباء كورونا) نحن بأمس الحاجة الى هذا المنهج الرباني الوسطي الذي يجمع بين التوكل على الله والأخذ بالأسباب، بما يوجد حالة نفسية مستقرة للإنسان، فيتقبل الشخص إجراءات الحجر الصحي وحظر التجول وحالات الطوارئ ونحوها بمعنوية عالية ومناعة جسدية جيدة. ومن عظيم السنة النبوية أنها تحتفظ لنا بجملة أحاديث عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فيها من الإرشادات للأخذ بأسباب الوقاية والعلاج من الأوبئة تكاد تتطابق مع الإجراءات العلمية الحديثة، مثل: عزل المرضى، وإغلاق المناطق الموبوءة، والحجر المنزلي، وغسل الإيدي، وتغطية الطعام، وإعفاء المصابين من حضور العمل، وعقد اجتماعات العمل من بعد، وما له علاقة بالحث على التداوي والبحث عن العلاج واجراء البحوث العلمية عن الدواء غير المعلوم، إضافة الى التربية على التوكل والاستعانة بالله، لذا تعالوا بنا لنتأمل معا في هذه الكنوز النبوية الشريفة، ثم لننظر كم فيها من دلائل ومعجزات نبوته صلى الله عليه وسلم: أولا: عزل المريض: عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قال: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ)) صحيح البخاري (٥٧٧١) ثانيا: إغلاق المناطق الموبوءة: عن أسامة بن زيد: قالَ: قال رَسولُ اللَّهِ ﷺ: ((الطّاعُونُ رِجْسٌ.. فَإِذا سَمِعْتُمْ به بأَرْضٍ، فلا تَقْدَمُوا عليه، وإذا وقَعَ بأَرْضٍ وأَنْتُمْ بها فلا تَخْرُجُوا فِرارًا منه)). صحيح البخاري (٣٤٧٣) ومسلم (٢٢١٨). ثالثا: الحجر المنزلي: عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَنِي: ((لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَيْتِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ)). مسند الإمام أحمد. رابعا: تغطية الطعام: عن جابر بن عبدالله قال سمعت ﷺ يقول: ((غَطُّوا الإناءَ، وأَوْكُوا السِّقاءَ، فإنَّ في السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فيها وباءٌ، لا يَمُرُّ بإناءٍ ليسَ عليه غِطاءٌ، أوْ سِقاءٍ ليسَ عليه وِكاءٌ، إلّا نَزَلَ فيه مِن ذلكَ الوباء)). صحيح مسلم(٢٠١٤). خامسا: غسل اليدين: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ((إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ)). صحيح البخاري(١٦٢) ومسلم(٢٣٧) سادسا: عزل المصاب: عن أبي هريرة، قال رسول الله ﷺ: ((فِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كما تَفِرُّ مِنَ الأسَدِ)). صحيح البخاري(٥٧٠٧) سابعا: إعفاء المصاب من العمل وحضور الاجتماعات: عن الشريد بن سويد الثقفي: كانَ في وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فأرْسَلَ إلَيْهِ النبيُّ ﷺ: ((إنّا قدْ بايَعْناكَ فارْجِعْ)). صحيح مسلم(٢٢٣١) ثامنا: الحث على بذل الجهد والبحث العلمي عن العلاج: - عن جابر بن عبدالله، قال النبي ﷺ: ((لِكُلِّ داءٍ دَواءٌ، فإذا أُصِيبَ دَواءُ الدّاءِ بَرَأَ بإذْنِ اللهِ عزَّ وجلَّ)). صحيح مسلم (٢٢٠٤) - وعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا وَقَدْ أَنْزَلَ مَعَهُ دَوَاءً، جَهِلَهُ مِنْكُمْ مَنْ جَهِلَهُ، وَعَلِمَهُ مِنْكُمْ مَنْ عَلِمَهُ". مسند الإمام أحمد (٤٢٦٧) تاسعا: العدوى سبب وليست هي الخالق للمرض: يعلمنا النبي أن الله هو الذي خلق الفيروس الأول وهو الذي جعل فيه خاصية العدوى، ولهذا قال النبي ﷺ ((لا عدوى ولا طيرة)) وقال لمن سأله عن الإبل الصحيحة يخالطها البعير الأجرب فتجرب كلها، قال ﷺ: ((فمن أعدى الأول)). صحيح مسلم (٢٢٢٠) عاشرا: الموت من الوباء شهادة: إذا أخذ الإنسان المسلم بهذه الأسباب ثم قدر الله عليه أن يصاب بالوباء، فصبر آمنا بالله محتسبا، فمات، فهو شهيد بإذن الله: عن أبي هريرة قال: قال رَسولُ اللَّهِ ﷺ: ((مَن قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ، ومَن ماتَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ، ومَن ماتَ في الطّاعُونِ فَهو شَهِيدٌ، ومَن ماتَ في البَطْنِ فَهو شَهِيدٌ)). صحيح مسلم (١٩١٥) إحدى عشر: وهذه بشرى خاصة للمؤمن: عَنْ صُهَيْبٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ". صحيح مسلم (٢٢٧). حفظنا الله وإياكم من الأوبئة وسيء الأسقام.