عبدالرحمن بجاش
الثلاثاء 24 مارس 2020 الساعة 10:17
لم يعد للثلاثاء طعمه، لم يعد يشتري الناس الجريدة يوم الثلاثاء، لم يعد الثلاثاء أحد أيام الأسبوع، كان الناس أيضاً يطلقون عليه “ثلاثاء المقالح”.كانت تلك الليلة مفعمة بالحرف، بالكلمة الموقف.قال لي إبراهيم، وأنا أقصد هنا إبراهيم المقحفي: من هذا الثلاثاء سيكتب الدكتور يوميات الثورة أسبوعياً. ذهبنا سوية، هو يتكلم، ونحن الاثنان نكتب.صباح الثلاثاء ظهرت الثورة بأول يوميات، ومن يومها ظلت تتدفق حتى تلك اللحظة التي “انتعث” فيها كل شيء. ومن يومها بدا الثلاثاء يوماً بلا تاريخ.يوم الإثنين من كل أسبوع يرسلها مع أحدهم مكتوبة بخطه الجميل.صارت اليوميات مرجعية للناس حتى في معرفة تاريخ اليوم، وكثيرون كانوا لا يقرؤون إلا يومياته، ويحتفظون بها. وأعرف أناساً “عاديين” يحتفظون بها في ملفات إلى اللحظة في بيوتهم، ومن المهتمين الكبار العم أمين درهم.بعد أن ترك إبراهيم إدارة التحرير، توليت أنا، وظللت أتلقاها كل ثلاثاء بتلك الأظرف المخططة، ثم البيضاء، ثم الكاكية. وصرت -وإلى اللحظة- أحتفظ بعدد ليس بالقليل منها في مكتبتي، وعلى بعض منها رسائل مختصرة إما شخصية خاصة بما أكتب، أو ملاحظة حول أمر ما.صرت لصيقَ المقالح، وأحد أصدقائه، وتلميذاً من تلامذته، وهو فخر ما بعده فخر. وإلى اللحظة أهابه إلى درجة أنني لا أجالسه، ولا أقوى على التحدث في حضرته، وهذا شأني، فأنا أكنّ له من الاحترام والإكبار ما لا عين رأت ولا أذن سمعت؛ ببساطة لأنه المقالح الشاعر الكبير، الإنسان الأكبر، الغزير الذي ما تزال أمطاره تهطل على أفئدتنا إلى اللحظة وإلى ما شاء الله.سيظل الأستاذ المقالح اسماً لا ينفصم عن اسم هذا الوطن، فهو الذي كتب له، وهو من تغنّى به، وهو من استشرف أفقه ولا يزال. وطن سيظل هو الوطن الذي نحلم به لأولادنا مرفوع الهامة إلى يوم الدين.ماذا يمكن أن يقول الإنسان، وخاصة حامل القلم، عن المقالح الذي هو محل احتفائنا الدائم وإلى الأبد؟! أقول إنه سيظل قصيدتنا التي نرددها ليل نهار، قصيدة الثورة الخالدة في نفوسنا طوال حياتنا، ننشدها لأولادنا وأحفادنا. سنكتب لهم سيرنا الذاتية مقرونة بالقول إننا عشنا في زمن المقالح، والبردوني، والكلمة الكبيرة السامية المعنى والمدلول.