محمد العليمي
في كتاب أطياف عدن لمنصور هائل الصادر في عام 2018 سرد لبعض الأحداث التي حدثت في عام 1986 المعروفة بأحداث يناير في عدن. الكتاب عبارة عن توثيق لبعض اللحظات والمشاعر والقصص. في تقديري الشخصي أُريد للكتاب أن يكون رواية عن أحداث يناير في الجنوب، لكنه لم يكتمل، القصة التي هي المحور الأساسي للحديث عن هذا التاريخ انتهت خلال صفحات، ولم تسعفه قصته التي تم اعتقال بطلها وقتله خارج عدن لأن تتحول إلى رواية كاملة. منصور هائل لم يكن شاهدا على أحداث تلك المرحلة إلا من الزاوية التي تناولها فقط، ربما لصغر سنه آنذاك، وعدم مشاركته بشكل كبير في تلك المرحلة. عن السياسيين الآخرين الذين كانوا حاضرين أتساءل. ماذا يفعل ياسين سعيد نعمان في لندن، لماذا لا يكتب مذكراته حتى الآن. ماذا يفعل السياسيون أيضا في منافيهم الآن. لا ذاكرة غزيرة توثق للشعب ما حدث خلال أربعين عاما من عمر الجيل السياسي السابق. نحن نتعرض لعمليات تزوير تاريخية واسعة، كل يوم تتغير الأحداث في أذهان الناس وفي الكتب. جيل السياسيين السابق لم يترك للجيل الحاضر بلدا مفرخا وغير قابل للعيش فقط، بل مارس أيضا خيانة بحق الذاكرة الشعبية والسياسية. ترك الحقيقة لتصبح مجالا للرأي وصيغة قابلة للتفاوض بحسب المصالح السياسية والشخصية. خلال الثلاثة الأعوام الماضية غادر سياسيون كثر الحياة. غادر صالح ولم يكتب ورقة واحدة تحكي تفاصيل حياته السياسية، رحل دون أن يكتب مذكرات كان سيدس فيها دون شك مئات المغالطات، ومع ذلك كانت ستبقى كإنجيل يوحنا بالنسبة لأتباعه ووثيقة هامة في النقاشات السياسية على الأقل وتخليد صورته كبطل كما يرى نفسه، لكنه فضل أن يترك تلك الجماهير مضللة للأبد. غادر عبد الكريم الإرياني دون كتابة مذكرات تقول للشعب ما الذي كان يحدث داخل أحشاء الحياة السياسية وخلف الدخان. سيغادر با سندوة، هو الآخر وقد كتب "قضية الجنوب اليمني المحتل في الأمم المتحدة" لكنه ليس كافيا للتعليق على تجربة سياسية استمرت بعد ذلك لأكثر من ثلاثين عاما وكان هو أحد الفاعلين فيها. ماذا يفعل السياسيون إذن في منفاهم؟ نحن لسنا خائفين من عدم كتابة المذكرات فقط، نحن خائفون أيضا من التدوين المتأخر للأحداث. في السنوات الأخيرة أجريت أبحاث واسعة عن الذاكرة الإنسانية، الأبحاث أكدت أنه يمكن أن تنشأ بعض الذكريات غير الحقيقية في ذهن الإنسان، مع مرور الزمن تتحول أحداث لم تعشها إلى جزء من ذاكرتك. يبدأ عقلك بإفراز ارتباطات لينقل حوادث لم تعشها أبدا لتصبح جزءا من ذاكرتك وكأنك عشتها، بعد ذلك ترويها وكأنها الحقيقة مع أنها ليست كذلك. أخذت الدراسة عينة من أولئك الذين كانوا متواجدين أثناء استهداف برج التجارة العالمية. بعد أيام من الحدث روى الحاضرون الأحداث بطريقة معينة. بعد عام تم استدعاء الأشخاص أنفسهم، فرووا قصصا أخرى لم يرووها من قبل. بعد ثلاثة أعوام رووا قصصا أخرى أيضا وكأنها جزء من ذاكرتهم مع أنها لم تكن موجودة في الأساس ولم تحدث في حياتهم. هذه الأبحاث التي يطلق عليها العلماء اليوم اسم "متلازمة الذاكرة الكاذبة" هي أكثر ما يهدد الحقيقة ويهدد كُتّاب المذكرات. نقلاً عن صفحة الكاتب على الفيس بوك