كل الفرقاء أو القوى المتصارعة في اليمن ضعيفة وبالتالي فإن هناك توازن ضعف، وفِي المقابل، تخبرنا التجارب السابقة أن حوار السلام بين مجموعات ضعيفة لن يكون مجدي لأن كل طرف يرى أو يتوهم بأنه قادر على الحسم وامتلاك زمام الأمور.
ولنجاح مفاوضات سلام تخبرنا التجارب التاريخية بأن الحاجة هي لفريق ضعيف وآخر قوي وبالتالي قد يفرض الفريق الأقوى متطلبات السلام على الفريق الأضعف.
وفي حالة توازن الضعف قد يتحقق السلام في حالة واحدة، عندما تكون الأطراف المتصارعة حريصة على الوطن وليس على مصالح قياداتها الضيقة، وليس لديها ارتباطات خارجية أو أنها تتحرك وكأنها عصابات داخلية وكيلة لعصابات خارجية تتقاتل وتفتك بالمجتمع اليمني في كل الجوانب.
ولكي نحقق سلام شامل في اليمن، على المجتمع الدولي أن يعيد التفكير في مسألة المليكة المحلية للمفاوضات، هذا فقط يُعبر عنه في نظريات إدارة الصراعات وبناء السلام، لابد من ملكية إقليمية لمفاوضات سلام في اليمن تدخل فيها بشكل مباشر الدول الإقليمية المساهمة بشكل مباشر في الصراع والقتال في اليمن.
بالعودة الى الوراء قليلا، كل الحوارات الوطنية التي عقدت في اليمن من عام ١٩٦٢ كان كل حوار ينتهي بحرب داخلية ذات أبعاد خارجية، ولكن عندما دخلت الأطراف الاقليمية في حوار مباشر حول اليمن والتي عملت على تأجيج الصراع في البلاد في فترة السبعينيات من القرن الماضي، كانت النتيجة الإتفاق على قاعدة سلام شامل في البلد.
إن هذه النتيجة تعكس عدم أهمية الملكية المحلية للمفاوضات السلمية كما تفترضها النظريات ذات العلاقة، وفعلاً هذا ما كان غائباً في مفاوضات السلام والحوار الوطني الشامل لعام ٢٠١٣، وبالتالي ساهم في فشل تطبيق مخرجات هذا الحوار الأهم في التاريخ اليمني الحالي.
على المجتمع الدولي أن يدرك أهمية ربط مفاوضات السلام مع مساعدات تنموية وإنسانية فاعلة، وبالتالي هناك ضرورة في تشكيل لجنة دولية تعمل على تجهيز كشوفات العاملين في القطاع العام للعام ٢٠١٤ وحشد الأموال اللازمة وصرف مرتباتهم من أجل تجاوز واقع المجاعة المدمرة للإنسان في اليمن.
هناك خطط للأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية في اليمن، و تتطلب حالياً أربعة مليارات دولار ولكن في الحقيقة معظم هذه الأموال تذهب إلى مصاريف التسليم بواقع ٧٠٪ ، وعليه فإن ربع هذا المبلغ قد يحل الأزمة بشكل مباشر عن طريق صرف رواتب موظفي الدولة، وهذا بدوره قد يعيد تحريك عجلة الاقتصاد مرة أخرى كوّن الاقتصاد اليمني إقتصاد تقليدي اعتمد على مصدر النفط في الدخل والمصروفات التشغيلية في الجانب الآخر، وفِي المقابل هذا الإجراء قد يحافظ على عمل مؤسسات الدولة ومنع إنهيارها كلياً الأمر الذي قد يتطلب مبالغ كبيرة لإعادة تشغيلها بعد الحرب.
المساعدات الإنسانية تعمل حالياً في زيادة فرص استمرارية الحرب كونها تُنهب من قبل الجهات المتصارعة ويتم استخدامها في استقطاب العناصر للقتال وخلق الشرعية القتالية والسياسية والاجتماعية في المستويات المحلية، وبالتالي استراتجية توزيع المساعدات الراهنة تعمل على زيادة حدة الصراع والحرب والمعاناة الإنسانية أكثر من مساعدة المحرومين والفقراء، وخصوصاً مع زيادة العشوائية في التسليم وتعدد المصادر التي تعمل في الحقل الإغاثي في اليمن، فقد وصل المبلغ الذي تم إنفاقه في اليمن حوالي عشرة مليارات على أقل تقدير ومنذُ بداية الحرب، ويسلم من قبل عشرات المنظمات العالمية والمحلية، ولكن المجاعة والمعاناة تستمر وتكبر يوماً بعد يوم.
الضرورة حاليا على المجتمع الدولي التفكير ملياً في وضع اليمن ليس تحت البند السابع ولكن تحت بند المسؤولية الدولية في حماية المدنيين وقت الحرب وهذا البند يسمى (آر تو بي R2P) ويعطي الحق لمجلس الأمن الدولي في مهاجمة أي دولة تعمل على تأجيج صراعات وحروب في دول أخرى، وخصوصاً إذا كانت الفاتورة الإنسانية عالية جداً كما هي حالياً في اليمن، بل سيكون هناك أحقية لمجلس الأمن الدولي في إتخاذ كل التدابير السياسية والاقتصادية والعسكرية لحماية المدنيين الذين يتعرضون للموت والقتل والجوع بسبب عصابات متناحرة على حكم بلد بلا وطن.