مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2019/10/29 10:20
كيف نحب الله؟!
د.حامد حمود القباطي إنما يتعامل الإنسان وفق علاقتي الحب والبغض مع من يعرف. من يعرف صفاته أو بعض انجازاته لملاصقةٍ أو شيوع واشتهار. إذن كيف نعرف الله تعالى أولاً؟! لقد عرَّف ربنا بنفسه من خلال كلامه في قرآنه بربوبيته أي بأفعاله المؤثرة في حياتنا: (اللَّهُ الَّذِي جَعَل لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ * ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ * كَذَٰلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۗ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [سورة غافر 61 - 65] يعطي ويمنح ويوسع وإن ابتلى ففي جُزئية بسيطة مغمورة في فيض النعم المتتالية لكنا الجاحدون الغافلون. هذه الطريقة في تعريف الله بنفسه تتكرر في القرآن كثيرا. إنه ذات الطريق الذي جعل الطفل الوليد صاحب الفطرة السليمة -التي لم تتلوث بعدُ- أكثرَ محبةً لأمه من أبيه فهي التي ترضعه وتغذية وهي التي تطعمه وتسقيه وهي التي تنظفه وتتلطف مع أخطائه وافتقاره وعجزه...ولو قامت امرأة أخرى بوظيفة أمه لوجه لها محبته. وعندما نستمع إلى خليل الله ابراهيم وهو يعرِّف بالله سنجده يسلك ذات الطريق الأكثر تأتيرا وقربا للمخلوق الضعيف: (قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) [سورة الشعراء 75 - 82] كذا نبي الله موسى عرَّف بالله في مقام الإجابة عن سؤال الفرعون: (قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ) [سورة طه 49 - 50] خلق وهدى خلق كل المخلوقات على تباينها واختلافها ثم هدى كلَّ مخلوق لما به صلاح حياته واستقامة أمره ووضع فيه برنامجه وفطرته ومنهاج حياته، لذا تجد الأبناء في مملكة الحيوان يسلكون طريق الأباء وإن لم يروهم، بل إن ذلك في كل المخلوقات؛ النباتات وحتى الجمادات. أليس في ذلك زهوالعظمة وقمة الإبداع وأنت المفطور على تقدير الإبداع والاحتفاء بالعظمة؟! ألست ممن يقدر اللطف ويشيد بأهله؟ أنت يامن تقدر اللطف والعفو كم تصبر على ولدك العاصي المخالف لكلامك المجابه لك المجاهر بمخالفتك وعصيانك بين الناس، كلُّ ذلك بعد أن أنفقت عليه وعلَّمته وربما زوجته وبنيت له بيتا؟ كيف ستتصرف إن استمر على هذا الحال لسنةٍ أو سنتين؟! ربما ينفعك بعد سنوات تعقَّل ...تمهَّل. الرب المنعم المعطي الغني القوي الصمد يُعصَى ويُجاهَر بالمعاصي لسنة وعشر وستين سنة وأكثر رغم ذلك لم يغلق الباب في وجهك أيها العاصي ولم يطردك ولم يقطع عنك رزقه ولم يؤذِكَ وهو القادرالغني عن العالمين: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [سورة الزمر 53] ألست ممن ينفر من الغلظة ويقدر الرحمة ولين الخطاب أما سمعت قول الرحيم الودود الوهاب: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [سورة اﻷنبياء 107] وتوجيهه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [سورة آل عمران 159] أي تلطف في مقابلة الضعيف العاصي وأي فسحة ليتوقف عن عناده ويُعمِل عقله وهو يسمع مولاه يضعه أمام الأنبياء حملة النور الإلهي ولا يسقط اعتباره ليعود بموازنة صادقة بعيدا عن التأثيرات الخارجية وهو مكتمل الأهلية ليرى أي الطرق أصلح له: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [سورة سبأ 24] أليس كل ذلك أدعى لأن نجعل محبته فوق كل محبة! اللهم اهدنا ياكريم. السودان / الخرطوم صبيحة 28/ اكتوبر 2019 الموافق 29/صفر1441
أضافة تعليق