مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2019/09/21 02:23
قبسات من سورةالكهف (3)
قبسات من سورةالكهف (3). قال تعالى : ( قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا ). قيما : هذا اللفظ القائم جعلني أجوب في مسالكه ودلائله مثل الهائم ، وأجول في معانيه جولان الحائم ، وأرود بمسارح أفكاري في مسايح دستوري وقرآني ، علني أصل إلى حاجتي ، وتزول غمتي ،وتروى غلتي . حتى أدتني خاتمة المطاف ، وهدتني فاتحة الألطاف ، إلى ساحة المفسرين الأشراف ، فهي متعددة الأصناف ، ونعم الأسلاف .فكانت شافية متعددة الجواهر والأصداف . قيما : حال من الضمير ( له ) أي هذا الكتاب حاله مستقيما . والقيم مصدر ويحمل في طياته الكمال ومشتقاته دلت على الصلاح والتمام ، منها: ثلاثية المعنى والمقال، ويالحسن السبك والكلام في كتاب ربنا ويانعم الجمال . المعنى الأول : أن استقامة الدين ذاتية في تشريعاته وأحكامه ، وعباداته ومعاملاته قال تعالى : ( دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا ..) وفيها قراءتان قيما بالتخفيف ، وبالتضعيف . المعنى الثاني : أن الدين قائم مادامت كعبة المسلمين قائمة قال تعالى : ( جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس ) . المعنى الثالث : أن قيام الحياة بالمال ، فذهاب المال كلية ذهاب الحياة ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما ) . إذا القيم معناه المستقيم ،والقيم معتدل لا إفراط ولا تفريط . أو قيما على سائر الكتب شاهدا على صحتها ناسخا لها، وقيم على مصالح العباد دنيا وأخرى ، والقيم الكامل المكمل لغيره . والقيم : السيد القيم من يسوس الأمر كل هذا في اللغة . وقوله : ( قيما ) تأكيد فى المعنى لقوله - سبحانه - : ( وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا ) لأنه قد يكون الشئ مستقيما فى الظاهر؛ إلا أنه لا يخلو عن اعوجاج فى حقيقة الأمر ، ولذا جمع سبحانه بين نفى العوج ، وإثبات الاستقامة . قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما فائدة الجمع بين نفى العوج وإثبات الاستقامة ، وفى أحدهما غنى عن الآخر؟ قلت : فائدته التأكيد ، فرب مستقيم مشهود له بالاستقامة ، ولا يخلو من أدنى عوج عند السبر والتصفح ..انتهى . وفي الآية مقامات أذكر بعضها : ١- المقام الأول : القرآن العظيم قيم في ذاته ، بل يعتبر قيما للكون كله . ٢- المقام الثاني :القرآن العظيم هو الكتاب المهيمن على الكتب السابقة كلها وهو شاهد لصحتها، وناسخ لها . ٣- المقام الثالث : القرآن العظيم فيه ما يقيم مصالح العباد دنيا وأخرى . ٤- المقام الرابع : لما كان الكتاب العظيم قيما صلح أن يكون منذرا ومبشرا. ٥- المقام الخامس : لما كان القرآن العظيم مستقيما ومن صفاته أنه مستقيم ، فيشترط في الداعي إليه أن يكون مستقيما ، حتى يؤدي دوره ونتائجه ،فلا يقيم الحياة ويسوسها ويقودها القيادة الناجحة اذا كان مخالفا لصفة الاستقامة . ٦- المقام السادس : منهجية الدعوة مع الكفار بشكل عام دعوتهم إلى الإيمان بالله وإنذارهم بعذاب الله وعقابه ، والإنذار هو الإعلام مع تخويفهم بعذاب الله . بدلالة لفظ ( بأسا شديدا من لدنه ) ولفظ لدنه أي : من عند الله فالجزاء والحساب هو له جل وعلا . ٧-المقام السابع : منهجية التعامل مع أهل الإيمان التبشير بما أعد الله لهم من جزاء وثواب عظيم ، ولنا وقفة مع هذا المدلول في الحلقة القادمة . ٨- المقام الثامن : الدعوة والإنذار والتبشير الأصل فيه أن يكونا على الدوام والاستمرار بدلالة الفعل الذي يفيد التجدد والحدوث وهما ( لينذر ، ويبشر ) . ٩-المقام التاسع : التناغم بين إصلاح الحياة ،وإقامتها منسجم، مع صلاح الكتاب واستقامته . ١٠- قيام الدعوة واستقامتها لا بد لها من جماعة يقومون بها والآية تتضمن ذلك ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب . مانعانيه اليوم أن قادة الاستقامة قلة في كل موطن . مانعانيه اليوم أن هنالك من يتصدر للإصلاح والدعوة ، وهو مخلخل الاستقامة . الخلل الحاصل في استقامة القيادات سواء على مستوى الأفراد والجماعات ، والدول ،نتيجته ماتعانيه أمتنا من انحطاط ، وانكسار ، وانهزام في شتى الميادين . نلقاكم في حلقة قادمة إن شاء الله . جعلها الله جمعة خير وعزة للمسلمين . كتبه / عبدالودود قحطان
أضافة تعليق